لبنان
قضية المودعين في الواجهة.. وتحذيرات من فوضى مالية
يسود الركود أكثر من ملف على الساحة المحلية، خرقه اللقاء الأخير بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مع وفد من حزب الله، ففي ملف الحكومة لا جديد مع آمال شبه معدومة بتشكيلها، وفي ملف الكهرباء شبه المعدومة تم الهروب إلى الأمام مع استقدام كميات من الفيول العراقي كافية لمدة سنة أضافية، أما ملف ترسيم الحدود البحرية، فبانتظار عودة المفاوض الأمريكي عاموس هوكشتاين بالرد الصهيوني.
إلا أن البارز إلى الواجهة كان ملف المودعين، وما قام به المواطن اللبناني بسام الشيخ حسين باحتجاز عدد من الأشخاص في أحد فروع المصارف للحصول على جزء من ودائعه لدى المصرف، وما تبع ذلك من توقيفه. هذا عدا عما تقوم به بعض المصارف من ممارسات لا تمت للقانون للأخلاق بصلاة، من قبيل تصفية بعض الحسابات الموطنة لديها، وما لذلك من تبعات خطيرة على كل من الموظف الذي وطّن راتبه والمؤسسة التي يعمل فيها.
"الأخبار": القضاء «ينيّم» الدعاوى ضدّ المصارف
اقتحام مصرف، «فدرال» أو غيره، لإجبار البنك على تسديد الوديعة، لم يكن خياراً لو أن القضاء اللبناني أصدر في السنوات الثلاث الماضية أحكاماً تنصف أصحاب الحقوق. فحتى الآن، أثبتت التجربة أن المسار القضائي ليس فاعلاً أو منتجاً، ولا سيما مع وحوش من نوع المصارف ذوي نفوذ. إذ إن غالبية الأحكام التي استصدرها المودعون ضدّ المصارف بواسطة القضاء الابتدائي، توقفت في مرحلتَي الاستئناف والتمييز حيث بات البتّ فيها أصعب طالما أنها أصبحت بيد قضاة أعلى «رتبة» في هيكلية نموذج الحكم القائم.
بحسب أرقام مصدرها لجنة الرقابة على المصارف لعام 2021، فإن نحو 20 حساباً في لبنان ضمن شريحة الـ 150 مليون دولار وما فوق، يملكون نحو 5.2 مليارات دولار من الودائع، وأن 0.03% من الحسابات التي فيها أكثر من 10 ملايين دولار فيها 27 مليار دولار أو ما يوازي 22% من مجموع الودائع بالليرة والدولار. وفي المجمل فإن الفئة (ب) من المودعين الذين يملكون أكثر من 200 ألف دولار (وما فوق 150 مليون دولار في الحساب الواحد) ونسبتهم من عدد الحسابات تبلغ 4.83%، يستحوذون على 71% من الودائع، في مقابل 95.1% من الحسابات المصرفية التي لا يزيد فيها الحساب الواحد على 200 ألف دولار، تستحوذ على 29% من مجموع الودائع البالغ 125.1 مليار دولار.
وهذا التركّز كان سمة ملازمة للقطاع المصرفي في لبنان منذ عقود، إلا أنه بين نهاية 2019 ونهاية 2021، سجّل انخفاض في قيمة الودائع بنحو 52 مليار دولار. وسجّلت الفئة (أ)، أي ما يسمى صغار المودعين انخفاضاً بقيمة 4.6 مليارات دولار، مقابل انخفاض في الفئة (ب)، أي ما يسمّى كبار المودعين، بقيمة 22 مليار دولار. إذ أتيح للكبار أو لبعض منهم، تهريب ودائعهم إلى جانب تهريب ودائع المساهمين وأصحاب المصارف. أما من لا يملك شبكة مصالح وعلاقات مع المصارف، فقد اختار المسار القضائي ورُفعت مئات الدعاوى في لبنان والتي لم يصدر فيها أحكام لغاية اليوم، مقابل دعاوى قليلة في الخارج ربحت في غالبيتها ضدّ المصارف.
يلفت رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين المحامي كريم ضاهر، إلى الفرق بين القضاء المحلي والأجنبي «في المعركة بوجه المصارف لا أحكام قضائية مبرمة بعد الاستئناف، والتمييز تنصف المودعين، بينما القضاء الأجنبي يأخذ القرارات بسرعة خيالية للمودعين المقيمين في الخارج والذين يستردون أصل الوديعة والفوائد». ورغم صدور «قرارات شجاعة لقضاة في القضاء المستعجل وبعض محاكم الاستئناف وقرارات قليلة في محاكم التمييز، إلا أنها لم تشكّل مساراً كافياً يبنى عليه للقول إن القضاء حمى المودعين». ويشير ضاهر إلى أن «الجسم القضائي اتّجه في بداية الأزمة ليكون متعاطفاً إلى جانب المودعين، لكن لاحقاً بدأنا نرى تمييعاً للملفات واتخاذ قراراتٍ ضدّ المودعين».
في المعركة بوجه المصارف لا أحكام قضائية مبرمة بعد الاستئناف والتمييز تنصف المودعين
كلام ضاهر يفسّر جانباً من الحلول الفردية التي يلجأ إليها بعض المودعين. فهؤلاء، لا يرون في المسار القضائي مساراً منصفاً، بل يرون أن المصارف استردّت نفوذها وبدأت تلمّع صورتها تجاه الذين قاطعوها في الفترة الماضية، أو أقله لم يكونوا بحماسة الترويج لها ولخططها وإشاعة مظلوميتها كما الحال اليوم. هذا ما ساعد، برأي ضاهر، في «عدم تطبيق القوانين، وتخاذل الدولة عن القيام بدورها من سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وسمح للمرتكبين بالحفاظ على نفوذهم وقوتهم واستغلال مراكزهم مجدداً».
في هذه الفترة، سجّلت رابطة المودعين تقديم 400 دعوى قضائية نيابة عن مودعين بعناوين متعدّدة؛ منها إعادة فتح حساب، وتسديد قروض على السعر الرسمي للصرف (1500 للدولار)، وتحويلٍ إلى الخارج، واسترداد ودائع. لكن يُلاحظ أن الدعاوى التي ربحتها لم تكن تلك المتعلّقة باسترداد الودائع التي بقي معظمها بلا أحكام ولم تصل إلى أي نهايات، علماً بأن بعضها قُدّم أمام قضاء العجلة. ووفق المحامي فؤاد الدبس عضو الرابطة فإن «الجواب يكون غالباً بضرورة إعادة البحث في القضية وردّها إلى قضاء الأساس، وما قُبِلَ من دعاوى استرداد ودائع في قضاء العجلة والأساس، توقف في مرحلتَي الاستئناف والتمييز. حتى التغيير على صعيد الاجتهاد لمصلحة المودعين الحاصل في الشهرين الأخيرين لا يزال طفيفاً».
هذه السطوة المصرفية مقابل الارتهان القضائي سمحت للمصارف بأن تطرح أفكاراً مثل المحكمة الخاصة، ووضع اليد على أملاك الدولة عبر الصندوق السيادي، وتمرير قانون السرية المصرفية مشوّهاً فارغاً من مضمونه، والسعي لإقرار قانون «كابيتال كونترول» يناسب المواصفات التي تطلبها. وطالما أن جزءاً كبيراً من القضاة مرتهن للكارتيل نفسه ومن خلفه من سياسيين «ستبقى الصورة العامة فيها خلل فاضح كالقائم اليوم من إصدار الأحكام إلى التدخل في السياسات المالية والاقتصادية والنقدية» برأي الدبس، الذي يعتبر أن «الحلّ يجب أن يكون شاملاً، كخطة تعافٍ عادلة كاملة شفافة تشكّل حلاً للمجتمع ككل».
أما اللجوء إلى الشارع فهو خيار أساسي ودائم، «نتفهم ونقف إلى جانب أمثال بسام الشيخ حسين، وعبد الله الساعي، لكننا لا نشجع الحلول الفردية بهذا الشكل». فما بعد الانتفاضة بأسابيع قليلة، فقَد الشارع زخمه ولم يعد إلى حيويته رغم تعمّق الأزمة. هنا يعيد ضاهر الأمر إلى «الثقافة الاقتصادية الريعية التي سادت لثلاثة عقود وعلّمت اللبنانيين على عدم المبادرة، واعتبار الفرد أنه غير مؤهّل لإحداث أي تغيير أو تطوير، طالما الاعتماد والاتكال بات هو النمط السائد».
"الجمهورية": بنك عوده.. بلطجة وسلبطة.. تحذيرات من فوضى مالية
المشهد الداخلي ثابت في مربّع الجمود، والنشاط الرسمي لا يعدو أكثر من محاولة لملء الوقت باستقبالات ولقاءات روتينية. فيما الحركة السياسية وإن كانت توحي بأنها متأهبة للاستحقاق الرئاسي عبر محاولات لجمع قوى سياسية ونيابية في إطار معيّن يشكّل عامل ضغط على باب هذا الاستحقاق، او لقاءات لكسر الجليد بين الاضداد على ما حصل بين الحزب التقدمي الاشتراكي و«حزب الله»، الّا انها في عمقها حركة تدور حول نفسها، لا تمتلك حتى الآن ما يبدّد الغموض الطاغي على هذا الاستحقاق والوجهة التي سيسلمها بدءاً من اول الشهر المقبل، الذي يشكّل بداية المهلة الدستورية ما بين أول ايلول وآخر تشرين الاول المقبلَين لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.
في موازاة هذا الوضع، الذي يبدو جلياً انه سيطبع الواقع الداخلي، أقله حتى موعد الاستحقاق الرئاسي، تحرّك المشهد الداخلي في الساعات الأخيرة على وقع محاولة المودع بسّام الشيخ حسين استرداد امواله من مصرف «فيدرال بنك»، والذي لم ينته فصولاً بعد، إثر توقيف الشيخ حسين.
وبصرف النظر عما اذا كان يحقّ للشيخ حسين القيام بما قام به لاسترداد وديعته المحجوزة في المصرف المذكور او لا يحق له بذلك، وبصرف النظر عما اذا كان هذا المودع مخطئاً في ما قام به او ضحية قادَته ضروراته الى محاولة استرداد حقه بالقوة، الا انه قبل كل شيء يجب النظر الى «الاشباح» التي سَطت على اموال المودعين، سواء لبست وجها سياسيا او اقتصاديا او ماليا او مصرفيا، وبالتالي محاسبتها وعدم تركها فالتة من العقاب.
على انّ الثابت بالدليل القاطع لدى كل مودع مسروق، انّ رأس الافعى في عملية اللصوصية هذه والسرقة لأموال المودعين، هي المصارف، التي باتت ميليشيات بامتياز، أسوأ من ميليشيات الحرب لا رادع إنسانياً او أخلاقياً لها، تتحكّم بحقوق اللبنانيين بلصوصية وقحة فاجرة على عينك يا تاجر. ولا من يحاسبها.
بلطجة.. وسلبطة
امام هذا الواقع الكريه، لم يعد التعامل مع بعض المصارف في لبنان يخضع لمعايير المنطق أو العقل او القانون أو حتى الاخلاق. واذا كان المودع قد وصل الى مرحلة من اليأس تدفعه الى أعمال انتحارية من اجل تحصيل ولو جزء يسير من حقوقه، فإنّ ادارات بعض المصارف لا تعتبر، بل تتصرّف وكأنها اصبحت خارج سياق أي قانون او محاسبة.
هذه الفوضى تدفع الى ان يتخذ كل مصرف، بل كل فرع في المصرف، ما يناسبه من قرارات، من دون الأخذ في الاعتبار أو مراعاة القانون ولا الزبون.
هذه المعاناة يمكن اختبارها بوضوح في طريقة تعاطي «بنك عوده» مع زبائنه، حيث باشر عملية تصفية لحسابات التوطين لديه، مع عِلمه المُسبق بأنّ مثل هذه الخطوة سوف تؤذي الموظف والمؤسسة التي يعمل فيها. ولا تأخذ ادارة المصرف في الاعتبار سنوات التعاون مع المؤسسة ومع موظفيها، اذ انّ تشويه السمعة لم يعد ضمن اولوياتها، ولم تعد تهتمّ لا لسمعتها ولا لأخلاقيات العمل، ولا للقوانين المرعية الاجراء.
وكان بنك عوده قد بدأ عملية «التعدي» على زبائنه من خلال فرض «خوّة» على تحويل الرواتب الى الموظفين، اذ انه لم يكن يقبل بتسليم الموظفين رواتبهم، او بالأحرى جزءا منها، ما لم يحسم نسبة مئوية كبيرة من المال من دون اي مسوّغ قانوني، بل فقط لأنه يعتبر نفسه فوق القانون وفوق المحاسبة.
ولا يكتفي بنك عودة بذلك، بل يفرض البلطجة على اموال الفريش دولار ايضاً، اذ انه يُخضع عملية دفع الدولار الفريش الى أصحابه لمزاجية رئيس مجلس ادارته الذي يُفتي بدفع حوالات الفريش، او عدم دفعها، وتأجيل السداد بلا اي تبرير مُقنع.
ما يقوم به بنك عوده مع المؤسسات العاملة في لبنان، والتي لا تزال تكافح رغم الأزمة، هو بمثابة خيانة تُسهِم في ضرب ما تبقى من اقتصاد قائم. ولا بد لأجهزة الرقابة من ان تتحرّك لوضع حد نهائي لهذه السلبطة، لأنّ عواقب استمرار مثل هذه التصرفات ستكون وخيمة على الجميع.
توقيف المودع
الى ذلك، فإنّ ما قام به الشيخ حسين لاسترداد امواله المحجوزة في مصرف «فدرال بنك»، سواء أكان محقا او مخطئا، أعاد طرح قضية المودعين في أذهان جميع المعنيين، لا سيما ما تبقّى من السلطة، وأكّد انّ هذا الملف بات يشكل جمرا ونارا قابلين للاشتعال، خصوصا في ظل الحديث في كل الاوساط الشعبية والسياسية كما في اوساط المودعين والمصارف وعلى مستوى السلطة بأنّ ما قام به الشيخ حسين ليس العملية الأخيرة، بل قد تليها حالات مماثلة طالما انّ اموال المودعين مسلوبة ومحرومة على اصحابها.
جديد القضية
وقد أفيد امس انّ القوى الامنية اوقفت المودع بسام الشيخ حسين على خلفية ما قام به في مصرف «فدرال بنك»، بناء على اشارة صدرت ليل امس الاول عن المحامي العام التمييزي في بيروت القاضي غسان خوري. وتَبع ذلك تحرّك احتجاجي قام به ذوو سليم بقطع الطريق امام محطة سليم في محلة الاوزاعي.
ونقل عن عاطف الشيخ حسين (شقيق بسام الشيخ حسين) قوله انّ شقيقه كان قد خرج من المصرف يوم الخميس بناء على اتفاق أن يذهب إلى لقاء يحضر فيه وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي ورئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد خالد حمود. وقد تمّ هذا الاتفاق مع الضباط الذين كانوا يتفاوضون معه، حيث كان من المفترض أن يقود إلى إنتهاء التحقيق معه خلال ساعة واحدة.
وأشار الى أنه عند الحضور إلى هذا اللقاء لم يكن مولوي موجوداً، حيث بدأ التحقيق مع شقيقه قبل أن يطلب منه المغادرة لبعض الوقت على أساس أن يتم ختم التحقيق، ليتبيّن بعد ذلك أن القوى الأمنية بدأت في التوسّع بالتحقيق ولم يعد مسموحاً له بالعودة، مشيراً إلى أن ليس لديه أي معلومات حول ما إذا كانت إدارة مصرف «فدرال بنك» قد قررت الإدعاء أم لا.
ورداً على سؤال، كشفَ الشيخ حسين أنه في حال عدم الإفراج عن شقيقه فإن العائلة قد تعود إلى التحرك في الشارع، بعد أن كانت قد أقدمت على قطع طريق الأوزاعي صباحاً لبعض الوقت.
جمعية المودعين
من جهته، أكد رئيس جمعية المودعين حسن مغنية انّ «المحامي العام التمييزي في بيروت القاضي غسان خوري أعطى اشارة قضائية ليلاً بتوقيف المودع بسام الشيخ حسين»، معتبرًا أنه «بإمكان القاضي اخلاء سبيله اليوم بسند إقامة، ولكن كما نعلم في مثل هذه القضايا تتدخل السياسة ويبدو أن هناك من يريد تحويل الموضوع الى «فَركة اذن» لبسام كي لا تتكرر مثل هذه الحوادث».
وكشف مغنية أن «المصرف المعني والموظفين ليسوا بصدد تقديم دعوى شخصية بحق بسام الشيخ حسين، وبالتالي يبقى الحق العام، وطالما لم يتضرر اي شخص يجب فإنه إطلاق سراحه».
وذكّر مغنية أنه «بتاريخ 18 تموز عقدنا كجمعية مودعين مؤتمرا صحافيا وحذّرنا من وصول المودعين الى مرحلة أخذ الحقوق بالقوة، وللأسف لم يتجاوب أحد»، معتبرًا أن «بسام الشيخ حسين ليس الأول وحتماً لن يكون الأخير ما لم يحل موضوع المودعين بشكل جذري».
الكرة في ملعب الحكومة
من جهة ثانية، وفيما بات مؤكداً ان المجلس النيابي سيعقد جلسة تشريعية في وقت قريب لدرس وإقرار مجموعة من البنود المرتبطة بعملية الاصلاح، والتي تشكّل في معظمها استجابة لمتطلبات صندوق النقد الدولي، اكدت مصادر في لجنة المال والموازنة لـ«الجمهورية» انّ اللجنة بصدد إنجاز بعض المشاريع ذات الصلة، فيما التركيز الاساس يبقى على انجاز مشروع موازنة العام 2022، والتي يتوقع ان تُنجَز في القريب العاجل، لا سيما انّ اللجنة بصدد عقد جلسات متتالية لإقرار ما تبقّى من بنود في المشروع، والاساس فيها ما يتعلق بسعر الصرف الذي ستعدّ ارقام الموازنة على أساسه، مع الاشارة الى ان التوجّه العام في اللجنة هو لضبط هذا السعر، وعدم الموافقة على أي سعر بدل ان يحلّ الازمة، يُفاقمها أكثر، ويتسبب بأعباء وضغوطات كبرى على المواطنين.
واذ اشارت المصادر الى انّ اللجنة تقوم بما عليها على صعيد البَت بالمشاريع المالية او تلك المرتبطة بعملية الاصلاح، اكدت انّ الكرة في النهاية تبقى في ملعب الحكومة، فإقرار الموازنة امر شديد الاهمية، الا انه وحده ليس كافياً، اذ انّ المطلوب من الحكومة، حتى ولو كانت في حال تصريف اعمال، أن توفي بوعدها لناحيتين، أولاً لناحية ارسال مشروع كامل متكامل لـ»الكابيتال كونترول»، ونحن نعلم ان صندوق النقد الدولي يربط الاتفاق النهائي مع لبنان بإقرار الكابيتال كونترول، فلماذا تتأخر فيه الحكومة حتى اليوم؟ اما الامر الثاني فهو خطة التعافي الحكومي، ونحن نسأل اين هي ولماذا تتجاهلها الحكومة في الوقت الذي لا يترك فيه المسؤولون فيها مناسبة الّا ويؤكدون عليها؟.
وخلصت المصادر الى القول: طالما ان لا إقرار لـ»الكابيتال كونترول» ولخطة التعافي، فلا أمل يُرجى للاقتصاد في لبنان، بل الاستمرار في المنحى الانحداري الذي سيؤدي الى الافلاس الكامل والدولة الفاشلة، ان لم تُسارع الحكومة الى اتخاذ ما يلزم من خطوات واجراءات، والتي يقع في صدارتها إنجاز هذين الامرين عاجلاً.
"البناء": قضية المودعين تتصدّر النقاشات
بقيت قضية المودعين تتصدّر النقاشات اللبنانيّة، في ظل تهرّب الحكومة ومصرف لبنان والمصارف من وضع خريطة طريق قانونيّة تقول للمودعين كيف ومتى وبأية شروط سيتمكّنون من التصرّف بودائعهم، بينما عادت قضيّة المحروقات تدقّ أبواب اللبنانيين مع تعديلات مصرف لبنان على طرق السداد والمخاوف من أزمات جديدة بسببها، وبقي السؤال المحيّر حول ردّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على العرض الإيرانيّ الذي قدّمه السيد نصرالله بهبة مجانية من الفيول لزوم كهرباء لبنان، حيث تستعدّ طهران لاستقبال وفد لبناني تقني للبحث في ترتيبات ملف الفيول، دون أن يصدر عن الحكومة ووزارة الطاقة أية إشارة بهذا الاتجاه بانتظار موقف رئيس الحكومة.
وإذ تراجع ملف ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة خطوات الى الوراء في ظل الأجواء السلبيّة التي تنقل عن مباحثات الوسيط الأميركيّ عاموس هوكشتاين في «تل أبيب»، وغموض الردّ الإسرائيليّ على الموقف اللبناني في اجتماع بعبدا الأخير، بقي اللقاء بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي في صدارة المشهد الداخلي، لكونه حرك المياه السياسية الراكدة وقد يفتح كوة في جدار الاستحقاقات الداخلية المقفل لا سيما تأليف الحكومة الجديدة وخطر الفراغ المتوقع في رئاسة الجمهورية، وسط ترقب سياسي وخارجي لنتائج هذا اللقاء على المستوى السياسي في ضوء تأكيد حزب الله ورئيس الاشتراكي وليد جنبلاط على استكمال اللقاءات والحوار للاتفاق على حلول للأزمات وتأمين توافقات سياسيّة أوسع على ملفات أساسيّة كالكهرباء والاتفاق مع صندوق النقد الدوليّ ورئاسة الجمهورية.
وعقب لقاء كليمنصو، برز حراك جنبلاطيّ على خطوط المرجعيات السياسية والدينية لوضعها في أجواء اللقاء والتباحث في نتائجه وتسويق النقاط المشتركة، إذ أوفد جنبلاط نجله رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط إلى الديمان لإطلاع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على أبعاد تواصله مع حزب الله. وقال جنبلاط بعد اللقاء: “زيارتنا لنؤكد لصاحب الغبطة أن شراكتنا الوطنية والتاريخية شراكة ثابتة بدأت بمصالحة الجبل وإن شاء الله ستستمر في المستقبل لمصلحة لبنان ولاستقلاله ولسيادته رغم كل الضغوطات والمواقف السياسية”.
كما أوفد جنبلاط الوزير السابق غازي العريضي الى عين التينة، حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري وجرى عرض للأوضاع العامة والمستجدات السياسية، وغادر العريضي من دون الإدلاء بتصريح.
وعلمت “البناء” أن الحوار بين حزب الله والاشتراكي سيتفعّل لا سيما في ملف انتخاب رئيس للجمهورية فور الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، حيث سيتمّ التوافق على أسماء وسطيّة ثم طرحها على القوى السياسيّة الأخرى، لا سيما على الساحة المسيحيّة لتأمين توافق حولها ويمكن لجنبلاط أن يلعب دوراً محورياً على هذا الصعيد، وذلك لتسهيل الانتخاب ولتفادي الفراغ في الرئاسة الأولى والذي سينعكس فراغاً على كافة مفاصل البلد لا سيما على الصعيد الحكومي.
وتشير أوساط سياسية لـ”البناء” الى أن “مبادرة جنبلاط للقاء مع حزب الله تعكس التحولات والمتغيرات في المشهدين الإقليمي والدولي خلال الأشهر القليلة الماضية والتي يقرأها رئيس الاشتراكي جيداً، لا سيما تقدّم المفاوضات بين الإيرانيين والأميركيين والقوى الغربية والاقتراب من توقيع الاتفاق النوويّ، ما سيحدث انفراجاً في العلاقات الإيرانية مع الغرب وتحديداً مع الأميركيين، بموازاة الحوار السعودي الإيراني، والسعودي السوري، واللقاءات التركيّة السوريّة التي حصلت مؤخراً، ما يعني أن مشهداً جديداً يتشكل في المنطقة ستفرزه هذه الحوارات والاتفاقات، سينعكس على الداخل اللبناني وقد يعزّز النفوذ الروسي والإيراني والسوري على الساحة اللبنانية”.
كما قرأ جنبلاط وفق الأوساط، الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة وفشلها في القضاء على حركة الجهاد الإسلامي ولا حتى وقف تساقط صواريخ الجهاد على المستوطنات، فكيف بالحرب مع حركة حماس أو حزب الله أو إيران؟ ما يشير الى تحول كبير وتاريخيّ في موازين القوى العسكرية بين محور المقاومة و”إسرائيل”، وما يعزز هذا التحول في هذا الميزان العسكري، تهديدات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التي فرضت على العدو معادلة عسكرية نفطية غازية جديدة تمثلت بمنعه من استخراج الغاز والنفط من كامل شاطئ فلسطين المحتلة قبل ضمان الحقوق السياديّة في شاطئ لبنان واستثمارها، الأمر الذي فرض على العدو تأجيل استخراج الغاز من كاريش لتجنب الحرب بعدما أخذ تهديدات السيد نصرالله على محمل الجدّ.
كما التقط جنبلاط، وفق المصادر نفسها، الحرب الروسية – الأوكرانية والتي أدّت الى التقدم الروسي على الساحة الدولية مقابل فشل الأميركيين في تحقيق أهداف الحرب التي ورطت أوكرانيا فيها وتلقت أوروبا تداعياتها السياسية والاقتصادية السلبية والتي ستتعمّق أكثر مع حلول فصل الشتاء بسبب القرار الروسيّ بوقف توريد الغاز الى الدول الأوروبيّة، الأمر الذي سيدخل أوروبا في أزمة تاريخيّة في ظل تعذّر إيجاد بديل عن الغاز الروسيّ كما وعد الأميركيّون، وفي ظل تعثر الاتفاق على ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة مع فلسطين المحتلة إثر التوجّه الإسرائيلي لتأجيل استخراج الغاز من حقل “كاريش” والذي كان من المفترض توريده الى اوروبا.
ولم يشهد ملف الترسيم أية معطيات جديدة في ظل ترجيح الأجواء السلبيّة، ووفق معلومات “البناء” فإن الوسيط الأميركيّ لم يبلغ أية رسالة للمسؤولين اللبنانيين، بل هناك أجواء متواترة تنقل عن مسؤولين أميركيين عن سلبيّة عاد بها هوكشتاين من الأراضي الفلسطينية بعد محادثاته مع المسؤولين الإسرائيليين. وتشير مصادر قناة “المنار” الى أن “آخر تواصل لبنانيّ مع هوكشتاين أكد فيه حصول تقدم، لكن التصعيد في غزة فرمَلَ الأمور، كما قال، وعند هذا الجواب توقفَّت المعطيات اللبنانية”.
وتحذّر مصادر مطلعة لـ”البناء” من التعنت والمكابرة الإسرائيلية في ملف الترسيم، علماً أن الحكومة الإسرائيلية تدرك أن لا مفرّ من توقيع الاتفاق في نهاية المطاف لتجنّب الحرب مع لبنان أولاً وضمان استخراج الغاز من كاريش ثانياً، وبالتالي أي خيار آخر سيلجأ اليه العدو سيرتب عليه تداعيات كبيرة قد تكون الحرب العسكريّة منها. وتؤكد المصادر أن حزب الله يراقب الوضع الحدوديّ وينتظر زيارة الوسيط الأميركيّ الى لبنان لمعرفة الرد الإسرائيليّ للبناء على الشيء مقتضاه، وأن أية مماطلة أو مناورات خداعيّة لن تنطلي على المقاومة غير المقيّدة بحسابات ومهل إسرائيليّة وتقرأ حركة الوسيط الأميركي والموقف الإسرائيلي وتدرس حساباتها وخياراتها جيداً والتي لن تكون أقل من التحرك عسكرياً في الوقت المناسب والذي لن يطول وقد يكون مفاجئاً للعدو.
وقال نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم عبر “تويتر”: “نحن معنيّون بأن يحصل لبنان على حقوقه في المهلة المحدّدة، ولسنا معنيين بظروف الحكومة الإسرائيلية والانتخابات في الكيان، وحزب الله قوة داعمة للدولة لاسترجاع الحقوق بالترسيم والحفر والاستخراج من دون تسويف أو مماطلة”.
بدوره، شدّد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد على أن “حزب الله ينتظر ما سيعود به الموفد الأميركي، من الكيان الصهيونيّ”، لافتًا إلى “أننا ننتظر لكن ليس لوقت طويل”، مشددًا على أن “على العدو الصهيونيّ أن يعرف بأن حسابنا معه سيبقى مفتوحًا إلى أن يتحقق التحرير الكامل لمياهنا وأرضنا وستبقى يدنا على الزناد”.
ونفّذ جيش الاحتلال مناورة حماية بحريّة لحقل “كاريش” والمجال المحيط به على مقربة من السواحل اللبنانية، وشملت حضور قوات البحر والجو والسايبر.
ولفتت صحيفة معاريف إلى أن “الجانب الإسرائيليّ يتابع التهديدات من قبل حزب الله بضرب منصات الغاز على خلفيّة النزاع على الحدود البحريّة”، مضيفة أن “المؤسسة الأمنيّة اعتبرت أن هذه المناورة ممتازة”.
ونقلت الصحيفة عن مصدر أمنيّ صهيونيّ رفيع المستوى قوله إن “الرسالة التي أردنا نقلها فُهمت جيدًا في لبنان وفي أماكن إضافيّة”.
ووفقًا للصحيفة، تقدر المؤسسة الأمنية أنه “على الرغم من تهديدات حزب الله، في نهاية المطاف سيتمّ التوصل إلى تسوية، بناء على فرضية أن كل الأطراف يدركون أن مطالب حزب الله ليست مرتبطة بالواقع”.
على صعيد آخر، تفاعلت قضية المودع بسام الشيخ حسين. فبعدما تلقى الأخير وعوداً من ضباط أمنيين تولوا التفاوض معه لإخراجه من المصرف، بأنه لن يتم توقيفه، أفيد أمس أن المحامي العام التمييزي في بيروت القاضي غسان خوري أعطى اشارة قضائيّة ليلا بتوقيف الشيخ حسين، ما دفع أهالي المودع الى قطع طريق الأوزاعي احتجاجاً على توقيفه.
وبدأ الشيخ حسين إضرابًا عن الطعام، وقد هدد خلال اتصال هاتفيّ مع محاميته بشنق نفسه ما لم يتم الإفراج عنه كما تم الاتفاق معه.
وفيما كان متوقعاً أن تحرّك الحادثة الأمنيّة في الحمرا المسؤولين للبدء بوضع خطة عاجلة لإعادة الودائع الى أصحابها بشكل تدريجيّ لطمأنة المودعين، لا يزال الخلاف مستحكماً بين المسؤولين المعنيين بالشأن المالي والمصرفي لا سيما على خطة التعافي المالي وإقرار القوانين الإصلاحيّة المطلوبة لتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدوليّ.
ورأى نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي في بيان أن “لبنان يقف الآن على مفترق طرق ويبرز مساران لا ثالث لهما: الاعتراف بالواقع وبالأزمات العميقة التي نعاني منها، والتعامل معها وجهاً لوجه مما يعني اتخاذ الإجراءات المطلوبة والقيام بالإصلاحات الضروريّة والملحّة، والتي تضع البلد على السكة الصحيحة؛ أو ترك الأمور على ما هي عليه واستمرار حالة الإنكار عند البعض لن يبقينا حيث نحن الآن، بل سيدفع بالبلاد إلى المزيد من الانزلاق إلى الهاوية”.