لبنان
وزير الثقافة لمدعي السيادة: أخشى أن تكونوا مكلفين من الإحتلال المدحور للتشويش على المقاومة
أحيا ملتقى الجمعيات الأهلية في صور ومنطقتها الذكرى السنوية لتحرير مدينة صور ومنطقتها، تخلله تكريم كوكبة من الأسرى المحررين من سجون العدو الصهيوني.
أقيم الإحتفال في قاعة جامعة المدينة، برعاية وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى وحضور النائبة عناية عزالدين، وحشد من القيادات اللبنانية والفلسطينية والإعلامية والأهلية والتربوية.
وفي كلمة له، توجّه المرتضى إلى أهل صور بالقول: "الانتصار لديكم يا أهل صور لم يقتصر على دحر الاحتلال "الإسرائيلي" وإرساء معادلة النار بالنار لحماية لبنان وشعبه وثرواته، فإنّ ثمة إنتصارًا أهم في قاموسكم وفي سجلّكم يقتضي على اللبنانيين أينما كانوا أن يستشهدوا به، هو الإنتصار على كل عوامل التفرقة والانقسام في مجتمع متمايز متعدد يضم مواطنين من أديان ومذاهب مختلفة، ومن طبقات اجتماعية متفاوتة، وانتماءات حزبية وعائلية متنوعة".
وعن الواقع الحالي الانتخابي، قال المرتضى: "ألزمت نفسي في خلال الأيام القليلة الماضية، بالاستماع إلى بعض الخطابات الانتخابية لبعض السياسيين والمرشحين، وبخاصة أولئك الذين يصفون أنفسهم بالسياديين والمعارضين. كنت أعلم أنّ لهذا الموسم طقوسه ولغته، وأنّ النبرة العالية واحدة من وسائل التحفيز على الاقتراع أو اكتساب الأصوات؛ لكنني لا أكتمكم أنني لم أتوقع البتة أن تنصب مدافع الكلام وتصوب بنادق الحناجر، وترتفع سواتر الشعارات، بهذه الكمية الباهظة عددًا وآليات، وأن تحدد إحداثيات القصف اللفظي بصورة شبه دائمة إلى اتجاه معيّن هو المقاومة وبيئة المقاومة".
وأضاف "لقد زادني هذا الأمر إيمانًا بأنّه لو قيض لنا قانون انتخاب نسبي يعتمد فيه لبنان كله دائرة واحدة، لما كان هؤلاء الخطباء المرشحون يتوجهون إلى جمهور اللبنانيين بالخطاب عينه، بل كانوا لينظروا إلى الانتخابات كاستحقاق دستوري يتنافس فيه المتنافسون على كسب ود جميع اللبنانيين بالإستناد الى المشاريع لا الى الإفتراءات والتخرصات".
وأردف المرتضى: "على أن الأهم الذي يخلص إليه المستمع الحيادي من كل تلك الخطابات، هو التشوش الذي يعتري مضمون المصطلحات، كالسيادة والحرية والصديق والشقيق والعدو والتحرير والاحتلال، فإنّ مضامينها تختلط وتلبس على أفواه هؤلاء معاني بعيدة عن أصلها حتى التناقض. ولست أبتغي ههنا تفنيد ذلك، لكنني أسأل من ينبرون للتصدي للإحتلال الإيراني الموهوم أين هو هذا الإحتلال؟، ثم أين كنتم أنتم ووطنيتكم وحميتكم عندما كان ثمة احتلال فعلي لا وهمي، هو الإحتلال "الإسرائيلي" جاثمًا على صدر الجزء الأعز من وطنكم؟، لماذا لم تفتحوا حينها فاهكم بإعتراض أو تنشئوا جبهة أو مجلسًا تنبروا من خلاله للمقاومة والتحرير؟، أخشى ما أخشاه أن يكون جلّ ما في الأمر تكليف لكم من الإحتلال المدحور للتشويش على المقاومة التي قهرت وبيئتها هذا الإحتلال؟".
وإلى المواطنين اللبنانيين، قال المرتضى "لا يضللكم ضال مضل؛ الحقيقة أنّه ليس ثمة احتلالًا ايرانيًا في لبنان بل لقاء لبناني إيراني يرتكز إلى القيم ومنها السيادة والحرية ومقاومة الظلم ونصرة المظلوم وجبه العدوان، وهذا غير مرتبط بطائفة دون أخرى، بل هو لكلّ اللبنانيين والإيرانيين على السواء، بل بالأحرى لكلّ العرب وبخاصة للشعب الفلسطيني المقهور داخل الأرض المحتلة وفي الشتات".
وأضاف: "الموقف من الكيان المغتصب هو قبل كلّ شيء موقف أخلاقي، وانتماء إلى ثقافة الحق. وما يُثار حوله من غبار كلام، لن يغطّي على حقيقته. وإذا كان بعض أهل السياسة في لبنان والعالم... يرون في ما تقدمه إيران للبنان، وللمقاومة تحديدًا، نيلًا من السيادة الوطنية اللبنانية، فهذه نظرة لا تستقيم لا عقليًا ولا عمليًا، لأنّ هذه التقديمات ترمي إلى مساعدة الشعب اللبناني على توطيد سيادته ضد الاحتلال وإلى حماية البلد وثرواته من الاعتداءات "الإسرائيلية" في البرّ والبحر والجو. أما من الزاوية العملية، فلقد تحقق بفضلها تحرير الجزء الأكبر من الأرض اللبنانية المحتلة، وها إن العدو يعاني الآن من تفسّخ اجتماعي داخلي كما من رهبة عسكرية تجاه لبنان تنهش قلوب جنوده".
وتساءل وزير الثقافة: "أوليس هذا قمة السيادة أيها السادة؟، أم هل تكون هذه السيادة في الخنوع والرضوخ لإملاءات تردّنا من خارج المنطقة لتزرع بين شعوبها ودولها صراعات لا طائل منها إلاّ تأمين المصالح الصهيونية، شاء ذلك المتصارعون أم أبوا، عرفوا أم لم يعرفوا؟".
ولفت إلى أنّه "في جميع الأحوال أود أن أعلن في هذه المناسبة أنّ للتحرير معنى واحدًا هو الذي كتبته صور وصيدا وبيروت، والجنوب كلّه ولبنان أجمع، يوم دحر المقاومون جيش الاحتلال "الإسرائيلي" عن أرضنا الطاهرة. وكل معنى آخر تنكره الأبجدية ويأباه الضمير الوطني. وكذلك السيادة فمعناها مكتوب على صفحات التراب العاملي وأوراق أشجاره وعلى دفاتر شتلات التبغ وسنابل القمح الجنوبية، مكتوب بدماء المقاومين الذين هم أنتم وأخوانكم وآباؤكم، وشعبنا وبيئتنا التي احتضنت الجراح ولم تقل أفٍّ أو آخ".
وشدد المرتضى على أنّ "التحرير الذي نعيد له اليوم للمرة السابعة والثلاثين لا يزال نضرًا كأنه حدث بالأمس القريب، ذلك أنه ملأ النفوس بالعزة والكرامة والثقة بأن بيت العنكبوت أوهن من موجة على شط صور، وأنّ لبنان القوي بكم وبمقدراتكم لن يجرؤ عدو بعد اليوم على المس به، وأن قوس النصر الروماني الذي ترتفع حجارته بالقرب من هنا، قد ارتفع مثله وأعلى منه في نفس كل جنوبي ولبناني وعربي شريف".
وتابع "أمّا "الإسرائيليون" الذين زعموا أنهم "انسحبوا" من بعض الجنوب عام 1985 وأنشأوا في بعضه الآخر المنطقة العازلة، فإنّما يصدق فيهم قول الشاعر:
زعموا أنه جلاء وما كان جلاء بل كان خزيا وطردا
وقد استكمل طردهم عام 2000، وأعيننا ترنو إلى مواعيد طرد أخرى مما تبقى من أرضنا المحتلة ومقدساتنا المغتصبة".
أمّا الأسرى المحررون، فلهم أقول: "مستقبل هذا الوطن سيبقى أسير نضالكم ومعاناتكم، وعذاباتكم التي جابهتموها بالصبر والعزيمة والكبرياء. كل كلام فيكم يبقى قاصرًا دون حقكم، وكل تكريم لا يرقى إلى مستوى جراحكم التي بها انتصرتم على جبروت الاحتلال".
وختم وزير الثقافة: "وبعد يا صور!، يا عبق الماضي وزهوة الحاضر وأمل المستقبل!، أدرجوك بقرار رسمي من منظمة الأونيسكو التابعة للأمم المتحدة على لائحة مواقع التراث العالمي أمّا أبناؤك الذين أوقدوا النار في أنفسهم كي لا يقعوا تحت احتلال الاسكندر المقدوني فقد أوقد أحفادهم، ومنهم أسرانا المحررون، النار في آليات الاحتلال "الإسرائيلي"، وفي أجساد جنوده المعتدين، وحرروا وطنهم، فحفروا اسمك بقرار مقاوم وبأحرف من نور على لائحة مواقع الكرامة الإنسانية والشموخ الوطني".
بعدها وزعت الدروع التكريمية على الأسرى المحررين.