لبنان
الاتفاق "الأولي" مع صندوق النقد دونه عقبات.. والخارجية تقفل أبوابها
ركّزت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم على إعلان الاتفاق المبدئي بين الحكومة وصندوق النقد الدولي والشروط المطلوبة وقدرة لبنان على تلبيتها.
* ممر إلزامي للخروج من النفق
أكدت مصادر الوفد اللبناني المفاوض مع الصندوق لصحيفة "الجمهورية" أن "الاتفاق الأساسي لم يبدأ بعد والطرف الذي يُبرمه هو ادارة الصندوق مع الحكومة اللبنانية وليس الوفد التقني على مستوى الموظفين، انما يمكن القول اننا خَطونا الخطوة الاولى ويبقى علينا تنفيذ الشروط التي يطلبها الصندوق كممر إلزامي لتوقيع الاتفاق النهائي وهي القوانين التي يجب أن تصدر عن مجلس النواب، والمتعلقة بثلاث قوانين تعنى بالمصارف (اعادة الهيكلة، الكابيتال كونترول، وتعديل السرية المصرفية) وقانون الموازنة، بالإضافة إلى التدقيق المالي في حسابات مصرف لبنان وتوحيد سعر الصرف الذي يجب أن يكون المصرف المركزي قد أخذ قراراً في شأنه فما وقّعناه اليوم مع الصندوق هو أكبر من اتفاق اطار لأننا دخلنا في التفاصيل وقدمنا ما اصبح معروفا بورقة التعافي وتتضمّن أرقاما دقيقة وليس فقط خطوطا عريضة انما مؤشرات وارقام وخطة مفصّلة على اربع سنوات، لكنها لن تكون سارية المفعول الا بموافقة ادارة الصندوق وحتى يقبل النظر فيها يجب ان يكون لبنان قد نفذ الشروط المسبقة، يعني بصريح العبارة لن يحرّر صندوق النقد اي فلس الا بعد تنفيذ الشروط وعندها يتم التوقيع النهائي".
وأضافت المصادر "انّ الرؤساء الثلاثة متحمسون ورحّبوا بالخطوة ولكن هذا الترحيب يجب ان يترجم بتكريس كل الجهود للعمل بتنسيق وتكامل حتى تكون القلوب شواهد، فالصندوق لا يكتفي بالتأييد والتصريحات إنما يطلب من السلطتين التنفيذية والتشريعية ان تعملا معاً وبسرعة لإنجاز القوانين والاصلاحات لأنّ اضاعة الوقت ليست لمصلحة لبنان، فالاحساس بخطورة الواقع يقتضي وصل الفجر بالنجر لاصدار القوانين خلال اسبوع وقانون اعادة هيكلة المصارف يجب ان يكون اولوية لمعرفة قدرة وطاقة ورأسمال كل مصرف". وتختم المصادر بالقول: "الصندوق بادر… فهل يقتنص لبنان الفرصة؟".
في سياق متصل، شدد مصدر رسمي بارز لـ"الجمهورية" على انه بعد الاعلان عن الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي "انّ مرحلة الوجع بدأت الآن، لكنها ممر إلزامي للخروج من النفق، وبعد نحو ثلاث او اربع سنوات سنبدأ باستعادة عافيتنا".
* اجتياح للسيادة؟
من جهتها، رأت صحيفة "الأخبار" أنه في "ظل الشروط المسبقة وعرضها في بيان علني مفصّل، نُسف مبدأ التفاوض من أساسه. لكن الصندوق لم يكتف بذلك، ففي سياق عرض الشروط المطلوبة والتي التزم لبنان بتنفيذها قبل الاتفاق النهائي، أعاد الصندوق رسم "مسرح الجريمة" التي أدّت إلى الانهيار، ثم حدّد نتائجها وآليات التعامل معها. وبحسب المعلومات، أتى ذلك بعد جولات عدّة قام بها رئيس بعثة الصندوق إرنستو راميريز ريغو، على مسؤولين في الإدارات العامة وممثّلي القطاعات المدنية من أصحاب العمل ورجال الأعمال وتجمّعات المودعين، فضلاً عن لقاءات بممثلي أحزاب سياسية. هذه اللقاءات، كالعادة، تفتح الباب أمام الاجتياح الخارجي للسيادة اللبنانية، إلا أنها تأتي برحابة صدر محلية من كل قوى السلطة، بل تجعل لبنان منبطحاً بالكامل أمام الصندوق".
واعتبرت الصحيفة أن هذه الشروط ليست سهلة التحقيق، لكنها ضرورية للحصول على اتفاق. وهو اتفاق خنوع لم يفاوض فيه لبنان على مصلحة مجتمعه واقتصاده، بل بُني على مزايدات سياسية تمنح الرئيس نجيب ميقاتي حق المطالبة برئاسة الحكومة في ما بعد الانتخابات النيابية. فالبيانات الصادرة أمس لا تحسم مسألة الفوز بالاتفاق، لكنها تحسم مسألة الشروط المسبقة مع صندوق النقد الذي ذاع صيته على مدى العقود الماضية في الإسهام في إفقار الشعوب وإخضاعها. فها هي مصر أصبحت "مدمنة" على الصندوق ولجأت إليه مرتين على الأقل بعد إعادة الهيكلة عام 2016 التي حصلت بموجبها على قرض بـ12 مليار دولار. ومنذ ذلك الوقت، تشهد تحوّلاً نحو المجتمع الاستهلاكي وانخراطاً أكبر في سياسة الخنوع والإدمان على التمويل الخارجي. وقد كان مفترضاً أن نناقش قبل كل هذه الشروط المسبقة أسئلة من نوع: هل نحن بحاجة فعلاً لصندوق النقد؟ ماذا نريد من الصندوق؟ كيف نحقق مصلحة المجتمع والاقتصاد من هذه العلاقة؟ هل سيرشدنا الصندوق إلى أي نموذج اقتصاد سياسي يمكن بناؤه في لبنان؟ وهل نعلم أي نموذج يصلح للبنان في ظل كل هذه التغيرات الإقليمية والدولية؟ طبعاً لم يجر هذا النقاش، بل كان هناك رأي واحد من شقين: مع الصندوق لإجراء تغيير سياسي، وضدّ الصندوق لأنه يمحو رساميل المصارف.
* فرنسا ترحب بالاتفاق
صحيفة "النهار" تناولت الاتفاق من زاوية الرضى الفرنسي، ونقلت مراسلتها رندة تقي الدين أن الأوساط الفرنسية المتابعة للملف اللبناني رحبت بالاتفاق الاولي الذي تم بين حكومة الرئيس ميقاتي وموظفي صندوق النقد الدولي ووصفته بانه مرحلة تقنية أولى. فالاتفاق مع صندوق النقد يسمح بتمويلات أخرى للبنان. فاذا تم الاتفاق النهائي سيفرج عن تمويل مشاريع مؤتمر سيدر والاتفاق النهائي يشترط تنفيذ الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها على الصعيد التقني في المرحلة الأولى في قطاعات عدة الطاقة والمرفأ وغيرها من الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها. ورأت باريس ان الاتفاق التقني الذي تم امس هو انجاز كبير وجيد ومهم وبعد ذلك سيبحث الصندوق في تنفيذ هذه الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها ليوقع الاتفاق النهائي.
* لبنان - إضراب ديبلوماسي مفتوح: هل يستقيل بو حبيب؟
الى ذلك، تُقفل وزارة الخارجية اللبنانية أبوابها اليوم بعد إعلان السفراء ورؤساء الوحدات، بالتنسيق مع كل الديبلوماسيين في الوزارة، الإضراب المفتوح بعد امتناع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن طرح ملف التشكيلات الديبلوماسية المتفق عليه مسبقاً في جلسة الحكومة الأخيرة.
وبحسب صحيفة "الأخبار" فإن الإضراب ستليه قريبًا تحركات مماثلة لديبلوماسيين في سفارات لبنان في الخارج لعدم تقاضيهم رواتبهم منذ شهرين بعد وقف مصرف لبنان تحويلها إليهم. وقد قدم بعض الملحقين الاقتصاديين بالفعل استقالاتهم، وآخرهم الملحق المعيّن في الصين جوزيف طنوس أمس. ويرجح أن تتوالى الاستقالات في حال عدم معالجة المشكلة.
وتشير مصادر الصحيفة الى أن وزير الخارجية في صدد اتخاذ خطوات حاسمة قد تصل إلى حدّ الاستقالة في حال استمرار رئيس الحكومة في عرقلة الملف، في ظل اتهامات للأخير بأنه يتعمّد إرجاء التشكيلات.
* عودة سعودية قبل الانتخابات
فيما كانت الأنظار منصبّة على القصر الحكومي لخروج الدخان الأبيض لجهة توقيع الاتفاق مع صندوق النقد، خطف إعلان سفراء دول الخليج العودة الى لبنان الأضواء بحسب صحيفة "البناء"، التي رأت أن: "ما يطوي صفحة القطيعة الديبلوماسية على خلفية تصريحات وزير الاعلام السابق جورج قرداحي، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية الخليجية – اللبنانية لطالما عمل لبنان على تصحيحها خلال الأشهر الماضية. لكن مصادر سياسية توقفت عند توقيت العودة الخليجية الى لبنان التي تسبق إجراء الانتخابات النيابية بشهر واحد! ما يحمل دلالات سياسية ويخفي نية للتدخل في الاستحقاق دعماً للوائح المشكلة من فريق 14 آذار وبعض مجموعات المجتمع المدني لا سيما اللوائح المدعومة من القوات اللبنانية والرئيس فؤاد السنيورة واللواء أشرف ريفي والقوى المعارضة لحزب الله. أما الهدف بحسب المصادر هو عدم إخلاء الساحة لحزب الله وحلفائه لا سيما الساحة السنية التي خلفها انكفاء الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل وبالتالي اكتساح الحزب والحلفاء المقاعد النيابية لا سيما المقاعد السنية. لذلك سارعت دول الخليج بعد مشاورات مع الأميركيين للحضور الدبلوماسي والسياسي والمالي الى لبنان لاحتواء اندفاعة فريق المقاومة والتيار الوطني الحر وتقليص خسارة الفريق الأميركي في لبنان للحؤول دون توسّع نفوذ الحزب وحلفائه في المؤسسات وتعزيز موقعهم التفاوضي في الاستحقاقات المقبلة لا سيّما تأليف الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية، لا سيما أن الأجواء الدولية تنقل مناخاً إيجابياً لجهة إنجاز هذين الاستحقاقين في موعدهما الدستوريّ.
وتساءلت المصادر ما الذي قدّمه لبنان غير مناشدات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتبرير العودة الخليجية الى لبنان، لا سيما أن السياسة اللبنانية الرسمية لم تخرج عن اعتدالها تجاه السعودية ودول الخليج قبل وبعد انقطاع العلاقات الدبلوماسية معها، ما يؤكد أمرين: الأول أن الحرب الديبلوماسية الخليجية والسعودية تحديداً ضد لبنان لم تكن بسبب تصريحات قرداحي، بل كانت تهدف لتحقيق أهداف أخرى انتخابية – سياسية داخلية وإقليمية – دولية. والثاني أن المبررات التي قدمتها السعودية للعودة في بيانها غير مقنعة ومنطقية وليست سوى تغطية للعودة القسرية لا الطوعية الى لبنان لأهداف عدة أولها الانتخابات".
إقرأ المزيد في: لبنان
25/11/2024