لبنان
طغيان المشهد في أوكرانيا على الوضع الداخلي.. وعتب روسي على موقف لبنان
اتجهت الأنظار إلى أوكرانيا في اليوم الرابع من العملية العسكرية الروسية، واهتمت الصحف في لبنان على غرار كل العالم بمسجدات الحرب هناك، لا سيما تأثيراتها الاقتصادية المرتقبة على مستوى أسعار الطاقة والغذاء، إضافة لأزمة اللبنانيين العالقين على الحدود بين أوكرانيا وبولندا في ظروف صعبة على كافة المستويات.
وبقي الموقف الذي استفرد بع وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب من الحرب الدائرة في أوكرانيا مثار أخذ ورد في الداخل، وكان بارزًا تصريح السفير الروسي في بيروت ألكسندر روداكوف الذي بيّن عتب بلاده الواضح من الموقف اللبناني.
"الأخبار": روسيا تُحاوِر ولا توقف الحرب: مفاوضات على وقع التأهّب النووي
تحت مظلّة تأهّب نووي متبادل، وعلى وقع استمرار العملية الروسية، انطلق قطار المفاوضات بين موسكو وكييف في مدينة غومل البيلاروسية، بعد تردّد أوكراني يبدو مردّه الاستماتة الغربية في شدّ عصب الرئيس فولوديمير زيلينسكي، ورصد مئات الملايين من الدولارات من البنتاغون والكونغرس و»الناتو» والاتحاد الأوروبي لدعم حليفهم المحاصَر، بالسلاح. وعلى رغم تراجع زيلينسكي عن دعوة التفاوض التي كان قد أطلقها يوم الجمعة، والتي دفعت روسيا إلى تخفيف زخم عملياتها، إلّا أن الأخيرة لم تمانع تلبية الاستجابة للدعوة الأوكرانية مجدّداً يوم أمس، ولكن هذه المرّة مع استمرار العمليات العسكرية التي رفض الرئيس فلاديمير بوتين إيقافها.
ومع أنه لا تفاؤل بما يمكن أن تؤول إليه مفاوضات غومل، وخصوصاً في ظلّ رفع بوتين السقف إلى حدود اعتبار الوعود بتدفّق السلاح الغربي على أوكرانيا تدخّلاً خارجياً يندرج في خانة تهديد الأمن القومي الروسي، بل والتهديد الوجودي، إلّا أن الخيارات لا تبدو كثيرة أمام زيلينسكي. إذ إن إمكانية إدخال السلاح إلى سلطته باتت على درجة كبيرة من الصعوبة؛ فالمطارات معطّلة، فيما القوات الجو ــــ فضائية والبحرية الروسية تُحكم سيطرتها على المجال الجوّي والمنافذ البحرية والبرّية كافة، تاركةً فقط معبر مدينة لفوف غرب أوكرانيا على الحدود مع بولندا، كمنفذ لخروج الراغبين من المواطنين والهاربين من أركان سلطة كييف. وحتى لو وصلت صواريخ «ستينغر» المضادّة للطائرات وصواريخ «جافلين» المضادّة للدروع وغيرها من أكثر الأسلحة تطوّراً إلى أوكرانيا، فكيف سيتمّ توزيعها؟ هل على «مَن يرغب» من المواطنين، كما وزّع زيلينسكي الأسلحة الفردية والمتوسّطة وقاذفات القنابل والمتفجّرات والقنابل اليدوية على المجموعات النازية الجديدة المتطرّفة، من دون منظومة قيادة أو سيطرة أو تنسيق؟
هنا، يبدو أن ثمّة رهاناً غربياً بالفعل على خلْق مستنقع أوكراني لروسيا، شبيه بذلك الذي غرقت فيه في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، لكن موسكو تَظهر متنبّهة إلى المخطّطات التي قد يتهيّأ للقوى الغربية تنفيذها، ولذا فهي تقود عمليتها بحذر وتروٍّ، على رغم وجود تنبيهات إلى خطورة التأخير في الحسم. والظاهر أن القيادة الروسية تضع على رأس أولوياتها أمرَين: الأوّل، تأمين المدن الكبرى مثل خاركوف وكييف، مع مراعاة سقوط أقلّ عدد ممكن من الضحايا، ووقوع أدنى نسبة دمار ممكنة للبنى التحتية. ولعلّ أكبر دليل على ما تَقدّم، هو أنه بعد احتواء العاصمة عسكرياً، بقيت شبكات الكهرباء تعمل بصورة طبيعية كاملة. والأمر نفسه ينسحب على خاركوف، التي جرى تأمين محيطها من دون الدخول في صدامات داخل الشوارع، مع إبقاء منافذ انسحاب للمجموعات التي تبدي مقاومة.
يبدو أن ثمّة رهاناً غربياً بالفعل على خلْق مستنقع أوكراني لروسيا
أمّا الأمر الثاني، فهو تأمين المنشآت ذات الأهمية وبخاصة النووية منها، حيث نجحت القوات المظلّية في تأمين محطة تشيرنوبيل، وتسلّمت إدارتها من القوات المسلّحة الأوكرانية المحلية التي أبدت تعاوناً ملموساً. والجدير ذكره أن هذه المحطّة، التي تُعدّ واحدة من خمسٍ في أوكرانيا، تحتوي مفاعلَين نوويَّين. ويوم السبت، سيطرت القوات الروسية، أيضاً، على منطقة بالغة الأهمية جنوباً، تشتمل على ثلاث محطّات نووية، بعدما جرى فتح معبر وتأمينه للوصول إلى المربّع الذي تقع فيه هذه المحطّات، وسط عمليات تمشيط مستمرّة وبأعداد كبيرة لإحكام السيطرة على المنشآت وإدارتها. وتبقى محطّتان نوويتان في القسم الغربي من أوكرانيا، حيث يجري فتح ممرّ للسيطرة عليهما من قِبَل القوات التي تتقدّم غرباً باتجاه مقاطعة تشيرنيغوف. كذلك، تجري عمليات التمشيط في محيط المقاطعة بمشاركة عدد كبير من القوات الروسية، في إجراء يُعدّ ضرورياً للتحرّك غرباً باتجاه منطقتَي سيمينيفسكي وروفنو، وبعدهما للوصول إلى أقصى حدود غرب أوكرانيا. واللافت أن قسماً كبيراً من القوات المسلحة الأوكرانية يبدي تعاوناً مع القوات الروسية، علماً بأن التواصل قائم منذ ما قبل العملية مع قيادات وضباط وجنرالات كبار في جميع قطاعات الجيش.
وبينما لا تزال القوات الروسية تسيطر على القسم الشمالي الغربي من البحر الأسود، وسط امتناع تركي ــــ إلى الآن ــــ عن إقفال مضيقَي البوسفور والدردنيل، أُعلنت سيطرة تلك القوات على جزيرة «زمييني» (الثعبان) الاستراتيجية إلى الجنوب من أوديسا بين بلغاريا ورومانيا وأوكرانيا. وسقطت الجزيرة بعد توجيه ضربة صاروخية تحذيرية وحيدة إليها، لتستسلم حاميتها من دون سقوط ضحايا. وعلى إثر ذلك، حاولت مجموعة من الزوارق الأوكرانية الحربية استهداف القوة البحرية الروسية في محيط الجزيرة، إلّا أن الأخيرة تمكّنت من تدمير 6 زوارق أوكرانية، وإحكام السيطرة على المنطقة. وتتمتّع «زمييني» بطابع استراتيجي، لوجود قاعدة دفاع جو ــــ فضائي من الحقبة السوفياتية فيها، وأيضاً رادارات مراقبة فضائية بعيدة المدى، كان يستفاد منها للتحكّم بالمركبات الفضائية.
"البناء": عون يصحّح خطأ ميقاتي
ولا تزال تطوّرات الحرب الروسية – الأوكرانية في صدارة الاهتمام الداخلي وسط ترقب وقلق شديدين لتداعياتها السياسية والاقتصادية على لبنان وعلى الرعايا اللبنانيين في أوكرانيا، في ظل ما تعانيه من ظروف أمنية وصحية وغذائية صعبة.
وبعدما الانقسام السياسي الداخلي الذي خلفه بيان وزارة الخارجية اللبنانية حيال الحرب الروسية على أوكرانيا وكذلك التوتر في العلاقات اللبنانية الروسية، تعمل رئاسة الجمهورية على احتواء الموقف والتخفيف من حدة الموقف، بحسب ما علمت “البناء”، وذلك بإيفاد مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية النائب السابق أمل ابو زيد الى موسكو لشرح الموقف اللبناني للقيادة الروسية. الا أن مصادر مطلعة على موقف السفارة الروسية في لبنان أشارت لـ«البناء” الى أن روسيا لن تقبل بأقل من بيان من الحكومة اللبنانية تتراجع فيه عن بيانها الأول، لكنها شدّدت على أن روسيا لن تتخذ أية خطوة دبلوماسية ضد لبنان.
وحاول وزير الخارجية عبدالله بوحبيب تقديم مبررات لبيان وزارته، وأبلغ السفير الروسي في لبنان ألكسندر روداكوف بأن لبنان تعرّض لضغوط دولية لإصدار البيان.
في المقابل اعتبر السفير روداكوف أن “بيان وزارة الخارجية اللبنانية لا يراعي العلاقات الثنائية الودية التاريخية بين البلدين”، لافتاً إلى أنه “لن يؤثر على علاقتنا، وفي الأيام الصعبة نعرف من معنا ومن ضدنا”.
وأوضح أن “روسيا لا تنتهج سياسة عدائية تجاه أوكرانيا”، مؤكداً أن “بلاده تمارس حقها القانوني في حماية أمنها القومي والمواطنين الروس في دونيتسك ولوغانسك”.
وعلمت “البناء” أن وزير الخارجية أطلع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على فحوى بيان الخارجية، حيث جرت بعض التعديلات عليه، لافتة الى أنهما تكتما على مضمون البيان النهائي وقررا عدم عرضه على مجلس الوزراء لكي لا يسقط في المجلس بسبب اعتراض مكوّنات أخرى عليه، ما يثير غضب سفراء الدول الغربية في لبنان.
ورجحت مصادر أخرى أن لا يكون الرئيس ميشال عون قد اطلع على البيان، لأن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل استنكر البيان ورفض مضمونه.
وأكد الرئيس عون أمس، في تصريح أن “موقف لبنان من الحرب في أوكرانيا واضح لجهة ضرورة حلّ الخلافات بالحوار، ولا سيما أنّ لبنان واجه خلافات ومواجهات وأحداثاً أمنيّة صعبة انتهت كلّها بالحوار. لذلك لبنان مع التفاوض السياسي لحلّ النزاع القائم بين روسيا وأوكرانيا وفق المبادئ المحدّدة في ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية ذات الصلة التي تتوسّل السبل السلميّة لمعالجة النزاعات بين الدول”.
وتوالت المواقف وردود الفعل السياسية على بيان الخارجية وتفرّد رئيس الحكومة ووزير الخارجية بالقرارات الحكومية لا سيما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية التي يجب أن تصاغ في مجلس الوزراء بمشاركة كل مكونات الحكومة، ما يجعل القرار السياسي في لبنان ملكاً لطرف أو طرفين ما يخالف ما ينص عليه الدستور والطائف والميثاقية.
وفي سياق ذلك، أسف الوزير السابق محمد فنيش، لـ«تسرّع وزير الخارجية اللبنانية عبد الله بوحبيب، في إصداره بياناً يدين ما يحصل بين روسيا وأوكرانيا، علماً أنه إذا أردنا أن ندين علينا أن نحدّد وفق أي معيار، هل هو وفق مصلحة بلدنا، أو وفق المبادئ والقيم التي نحملها، أو وفق الأمرين معاً، وعلى أي أساس استند وزير الخارجية في قراءته لما يجري في أوكرانيا، ليعطي موقفاً هو بالحقيقة لا يخدم إلاّ الهيمنة الأميركية”.
وأشار إلى أن “الحكومة اللبنانية، دائمًا في كل البيانات والمواقف، تحدثت عن النأي بالنفس، وما سمعناه خلال اليومين الماضيين من موقف تجاه سياسة غربية، يؤكد بأن وزارة الخارجية تخلت عن النأي بالنفس تحت ضغط الإدارة والسفيرة الأميركية دورثي شيا، وأعطت مواقف دون أن تأخذ بعين الاعتبار مصلحة البلد، علماً أنه عندما يتعلق الأمر باستخدام القيم والمبادئ لإدانة عدوان على سبيل المثال تقوم به الإدارة الأميركية على العراق أو على اليمن أو على أي بلد، لا يكون هناك إدانات ومواقف شجاعة وجريئة”. وأكد فنيش، أن “موقف الوزارة الخارجية حيال ما يحصُل بين روسيا وأوكرانيا مرفوض بالنسبة إلينا، لا سيما أنه لم يتخذ في الحكومة ولا في مجلس الوزراء، ولا يعبّر عن مصلحة لبنان، وهناك قسم كبير من اللبنانيين لا يقبلون به”.
في موازاة ذلك، انشغلت الاوساط الرسمية والشعبية بأوضاع الجالية اللبنانية في اوكرانيا لا سيما الطلاب الذين ينتشرون في مختلف الأراضي الأوكرانية والذين يعيشون أوضاعاً أمنية ومعيشية وصحية وغذائية صعبة في ظل صعوبة تأمين ممرات آمنة لهم لنقلهم الى لبنان.
وفيما تصاعدت وتيرة الحرب العسكرية في أوكرانيا وتوالت المناشدات بإنقاذ اللبنانيين في اوكرانيا، أعلن الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير، مساء أمس أنه تم الاتفاق مع السلطات البولندية، وبالتنسيق مع السفارة اللبنانية في بولندا، لاعتماد مركز “جمعية الصداقة مع الأطفال” في منطقة “31wyzcolenia» في العاصمة البولندية وارسو لتجمع وإيواء اللبنانيين الوافدين من أوكرانيا تمهيداً لإجلائهم والعودة إلى لبنان”.
في غضون ذلك وفيما ألقت الحرب الروسية – الاوكرانية بثقلها على الساحة اللبنانية، تزايدت التساؤلات والشكوك بإمكانية إجراء الانتخابات النيابية، وكشفت مصادر سياسية مطلعة لـ«البناء” عن توجه لتأجيل الانتخابات لأسباب عدة تتوزع بين قانونية ولوجستية ومالية وأمنية في ظل الخلاف حول موضوع اعتماد “الميغاسنتير” والدوائر المخصصة للمغتربين، إذ يصر التيار الوطني الحر بحسب ما تشير أوساطه لـ«البناء” على إدخال هذين البندين في قانون الانتخاب مقابل رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري وكتل نيابية أخرى كالمستقبل والحزب الاشتراكي أيّ تعديل يطال قانون الانتخاب.
واللافت بحسب المصادر، هو الجمود وعدم الحماسة الذي يطغى على النشاط الانتخابيّ لدى مختلف الأطراف السياسيّة لجهة الترشح والماكينات الانتخابية والتحالفات التي لا زالت كلها طيّ الكتمان. فكل طرف ينتظر الآخر لكي يبادر لإعلان مرشحيه وتحديد تحالفاته الانتخابية كي يبني على الشيء مقتضاه، ما يجعل المشهد الانتخابي مجهولاً.. وما يزيد الغموض والإرباك هو انكفاء الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل عن العملية الانتخابية والسياسية، ما يدفع قوى حليفة للحريري للعمل على تأجيل الانتخابات بما يضمن مصالحها ويحول دون تكبّدها خسائر تؤثر على مواقعها في المعادلة السياسية. لا سيما أن المجلس النيابي الجديد هو الذي سينتخب رئيس الجمهورية الجديد ما يجعل الانتخابات المقبلة مصيرية وحاسمة لجهة رسم شكل وهوية المؤسسات الدستورية الأساسية كرئاسة الجمهورية والحكومة وبالتالي المشهد السياسي برمته.
ولاحظت جهات سياسية لـ«البناء” تراجع الاندفاعة الاميركية بملف الانتخابات النيابية في الآونة الأخيرة وذلك بعدما أجرت السفارة الأميركية في بيروت وسفارات خليجية مؤخراً، سلسلة إحصاءات واستطلاعات رأي في مختلف الدوائر الانتخابية، أظهرت عجز حلفاء الأميركيين والخليجيين في لبنان بحصد الأكثرية النيابية، وأن أقصى ما يمكنهم تحصيله هو بعض المقاعد النيابية في الساحة المسيحية والسنية بعد انكفاء الحريري ومقعد شيعيّ لاستثماره سياسياً ضد حزب الله. وشددت على أن الأميركي يريد استثمار الانتخابات سياسياً ضد حزب الله ولتكوين سلطة جديدة في لبنان تنفذ إملاءاته وشروطه وتزيد في حصار حزب الله وإضعافه في بيئته وفرض الاتفاق الذي تريده “إسرائيل” في ملف ترسيم الحدود.
"الجمهورية": موسكو: البيان غير ودّي
إستأثر الحدث الروسي - الأوكراني بالمتابعة الشعبية والسياسية، ليس فقط بفعل تحوّل العالم قرية كونية، بل بسبب انّ الشعب اللبناني مسيّس ويتفاعل مع قضايا العالم، ما انعكس انقساماً بين من يدعم موسكو وبين من يدعم أوكرانيا وبين من يعتبر انّ هموم الدولة اللبنانية الصغيرة تكفيها لتفكِّر بنفسها بعيداً من هموم العالم وما يحصل على الكرة الأرضية.
ولم يقتصر الانقسام السياسي على الرأي العام، بل انتقل إلى داخل السلطة نفسها على إثر بيان وزارة الخارجية اللبنانية الذي استنكر «الاجتياح الروسي»، فقامت الدنيا ولم تقعد على وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، الذي تُرك وحيداً وكأنّه تفرّد بالبيان من دون استشارة أحد، علماً انّ القاصي يعلم والداني ايضاً، انّ البيان لم يصدر سوى بعد موافقة المعنيين في السلطة التنفيذية. والأطرف من ذلك، انّ الخلاف انتقل إلى داخل فريق رئيس الجمهورية، او انّ التباين مجرّد توزيع للأدوار أدّى وظيفته في الاتجاهين:
الاتجاه الأول، مخاطبة واشنطن والعواصم الاوروبية بأنّ العهد يتناغم مع سياساتهم في مرحلة هو أحوج ما يكون فيها إلى إعادة ترميم علاقاته مع هذه العواصم، خصوصاً في الأشهر الأخيرة من الولاية الرئاسية، وفي محاولة للربط والشبك معهم تمهيداً للاستحقاق الرئاسي المقبل.
الإتجاه الثاني، ترييح الحلفاء في الداخل والخارج بدءاً من «حزب الله» مروراً بإيران وصولاً إلى موسكو، بأنّ العهد ما زال ضمن هذا المحور ولم يبدِّل في سياساته، وما حصل ناتج من سوء تفاهم او بالأحرى سوء تنسيق أدّى إلى ما أدّى إليه.
وقد أعاد بيان وزارة الخارجية النقاش حول سياسة «النأي بالنفس» وانقسمت الآراء بين ثلاث وجهات نظر أساسية:
ـ الوجهة الأولى تصدّرها «حزب الله» منتقداً إقحام لبنان نفسه في مواجهة لا ناقة له فيها ولا جمل، وانّه قد يكون الدولة العربية الوحيدة التي تبرّعت بموقف من هذا القبيل.
ـ الوجهة الثانية، انتقدت موقف «حزب الله» المنتقد لبيان وزارة الخارجية من منطلق انّه لا يحق لمن يقحم لبنان في سياسة المحاور ويقاتل في سوريا والعراق واليمن ان يعطي دروساً في «النأي بالنفس».
ـ الوجهة الثالثة، اعتبرت انّ بيان وزارة الخارجية لا يعدّ خروجاً عن سياسة «النأي بالنفس»، إنما يندرج في إطار الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية والقانون الدولي التي تشكّل الضمان الأساسي لحماية السلم والانتظام الدوليين وسلامة أراضي الدول الصغيرة.
وأكّدت اوساط سياسية واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية»، انّ الأميركيين هم الذين دفعوا في اتجاه صدور البيان اللبناني الرسمي المندّد بالاجتياح الروسي لاوكرانيا، بعدما لمّحوا الى انّ «هذا الموقف ضروري لتسهيل الحصول على مساعدات صندوق النقد الدولي».
الموقف الروسي
في غضون ذلك، إعتبر السفير الروسي ألكسندر روداكوف في مؤتمر صحافي أمس، أنّ «بيان وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية، لا يراعي العلاقات الثنائية الودية التاريخية بين البلدين». واشار الى انّ سفارة روسيا الاتحادية في بيروت «لطالما كانت ملتقى للتعاون الوثيق بين روسيا ولبنان في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية والاجتماعية والتعليمية والثقافية وغيرها».
ورداً على سؤال عن استمرار روسيا في العلاقات التجارية مع لبنان، وهل أنّ بيان وزارة الخارجية سيوجد شرخاً في العلاقات اللبنانية - الروسية، قال روداكوف: «أنتم تعرفون أنّ ما حدث غيّر الوضع بشكل تام، وغيّر بعض الاتفاقات والمعاهدات التي كانت موقّعة مسبقاً. وطبعاً حالياً لا بدّ من أن نرى الإمكانات الإضافية لحلّ بعض المشكلات، وخصوصاً في ما يتعلق بتصدير القمح والمواد الغذائية الأخرى الى الجمهورية اللبنانية. طبعاً هذا يتطلب عملاً كثيراً، بما في ذلك روسيا جاهزة لاستلام أي اقتراحات من الجانب اللبناني ودرسها والتعاون في هذا الصدد».
"اللواء": الانتخابات تخرق جدار «الحرب في أوكرانيا»: ترشيحات خارج التحالفات!
خلت الساحة المحلية من ألاعيب الحملات، والطلعات والنزلات، وانبرى المعنيون بتأييد التمثيل النيابي أو تغييره إلى التماس الإمكانيات المتاحة لبناء الترشيحات والتحالفات، لكسب الأكثرية التي تغيّر «الدنيا في لبنان» بصرف النظر عن قرارات القوى ذات التأثير في الإقليم أو على مستوى دول المركز الذاهبة إلى إعادة تقييم الوضع في العالم، مع تهديدات فلاديمير بوتين الرئيس الروسي بالرد النووي على تهديدات وحشودات حلف الأطلسي باتجاه اوكرانيا أو أوروبا الشرقية.
هكذا تقدمت الانتخابات على ما عداها، وفقا لمعلومات «اللواء» التي تكشف ان مسؤولين كباراً ابلغوا ماكيناتهم الانتخابية بعدم إضاعة الوقت، والاطلاق إلى التعبئة والتحضيرات اللوجستية.
ولاحظت مصادر ساسية ان الانتخابات اللبنانية تأتي وسط استقطاب دولي حول الحرب في اوكرانيا، وكخرق لجدار الخلافات، حول الموقف الذي يتعين القيام به، سواء الحياد أو النأي بالنفس أو موقف وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب الذي ادان التدخل الروسي وطالب بسحب فوري للقوات الروسية من الأراضي الاوكرانية.
ورصدت مصادر سياسية خلافا قويا، يدور كالعادة بين النائب جبران باسيل والرئيس نجيب ميقاتي، تطور في الايام الاخيرة الى لجوء الاول لاكثر من سيناريو، لارباك رئيس الحكومة والقوطبة عليه، لارغامه، اما للانصياع لمصالحه ورغباته، واما حمله على الاستقالة، التي تفيد رئيس التيار الوطني، لتعطيل إجراء الانتخابات النيابية، لان مؤشراتها واستطلاعات الرأي، لا تعطيه ارجحية لفوز مرشحي التيار في دوائر عديدة، خلافا للانتخابات السابقة، لتبدل التحالفات السياسية، والاستياء الشعبي العارم من الاداء السيئ لباسيل والعهد العوني عموما خلال السنوات الماضية، وللفشل الذريع بادارة قطاع الكهرباء، المسؤول عن انهياره، هو شخصيا منذ عشر سنوات، والسرقة والهدر الذي بلغ حجمه عشرات مليارات الدولارات.في القطاع المذكور.
وحددت المصادر موضوعين يدور الخلاف حولهما، بين ميقاتي وباسيل، الاول خطة التعافي الاقتصادي ومن ضمنها خطة الكهرباء، والبيان الذي اصدره وزير الخارجية عبد الله بو حبيب مؤخرا، وادان فيه العمليات العسكرية الروسية ضد اوكرانيا.
بالنسبة لخطة التعافي الاقتصادي التي ماتزال موضع اخذ ورد وتنتظر قيام الحكومة بسلسلة إجراءات واصلاحات ومن ضمنها اقرار الموازنة بالمجلس النيابي، حاول باسيل الدخول على وضع الخطوط الاساسية للخطة من خلال مستشار رئيس الجمهورية وهو مستشاره الخاص شربل قرداحي، ليكون له اليد الطولى، بادراج وحذف مالايريده بالخطة لاسيما بالاصلاحات الهيكلية بوزارة الطاقة وقطاع الكهرباء وتحديد نسبة الخسائر المالية. وعندما لم يوفق بسبب رفض رئيس الحكومة، وحصر مهمة اعداد الخطة بالوزراء المعنيين، شن حملة شعواءعلى اللجنة بشكل غير مباشر، متهما اياها بعدم اطلاع رئيس الجمهورية على فحوى الخطة خلافا للواقع، والحق حملته بفبركة ملف ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بواسطة شلة من المحسوبين على التيار. ومنذ مدة وعندما بدأ التحضير لخطة الكهرباء وقبل عرضها على مجلس الوزراء، وبعدما تبين ان بصمات باسيل ومستشاريه في طياتها، اقترح رئيس الحكومة سلسلة تعديلات اساسية عليها، لتتناسب مع مستلزمات النهوض بقطاع الكهرباء وليس العودة إلى الخطط الفاشلة التي لم تثبت جدواها واستبعد منها إنشاء معمل عمشيت ألذي يصر باسيل على ادراج ضمن الخطة، للمكتب المادية والخاصة التي يبتغيها جراء ذلك. والحق باسيل طموحه لتضمين الخطة مايريده، بتحريك ملف ملاحقة سلامة مجددا بواسطة القاضية غادة عون، مع فبركة ملف ملاحقة اضافي بحق المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، لممارسة أقصى ضغوط ممكنة، لاعاقة خطة التعافي من جهة، ولعرقلة اقرار خطة الكهرباء بلا معمل عمشيت من جهة ثانية.
وتضيف المصادر انه ازاء رفض ميقاتي الاستجابة لضغوط باسيل، وعطل موضوع الملاحقات المفبركة، اصر على التعديلات المطروحة على خطة الكهرباء، بالتزامن مع إجراء مفاوضات مع شركة سيمنز الالمانية وشركة كهرباء فرنسا للاستحصال على افضل العروض الممكنة للنهوض بقطاع الكهرباء، بخصوص تسهيلات التمويل وحداثة المعدات والمدة الزمنية التي تحددت بالعروض المقدمة بـ١٨ شهرا خلافا لخطة وزير الطاقة التي تحتاج لثلاث سنوات واكثر.
واشارت المصادر الى ان هذا الخلاف الحاصل حول خطة الكهرباء، هو الذي ادى الى ارجاء اقرارها بشكل نهائي والاكتفاء بالموافقة المبدئية عليها، كماورد في مقررات مجلس الوزراء، بسبب رفض رئيس الجمهورية السير فيها، بمعزل عن تضمينها إنشاء معمل سلعاتا، بينما تكشفت ابعاد تتجاوز هذا المطلب، وهي مسارعة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، عندما اطلع على تفاصيل مفاوضات رئيس الحكومة مع شركة سيمنز، الى ترتيب زيارة سريعة وسرية الى المانيا، برفقة النائب سيزار ابي خليل لمفاوضة مسؤولي شركة سيمنز، للالتفاف على جهود رئيس الحكومة، والاطلاع على كافة تفاصيل العرض المطروح، وللابقاء على ملف الكهرباء ممسوكا بيد باسيل، باعتباره بمثابة الدجاجه التي تبيض ذهباً، وبالتالي لايمكن تركه في اطار ماتقرره الحكومة مجتمعة، مع العلم ان باسيل، ومن خلال ابي خليل، رفض عرض شركة سيمنز للنهوض بقطاع الكهرباء، رفضا قاطعا، خلال زيارة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل الى لبنان قبل ثلاثة أعوام، بالرغم من جدية العروض وتسهيلاته المغرية.
وكشفت المصادر ان الخلاف الجديد بين رئيس الحكومة وباسيل، يتعلق بالبيان الذي اصدره الوزير أبو حبيب حول الحرب باوكرانيا، والذي تبين فيما بعد انه لم يكن البيان، الذي تم التوافق عليه بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية والذي تضمن التزام لبنان بميثاق الجامعة العربية والاجماع العربي، وبسياسة الناي بالنفس عن الصراعات والنزاعات الدولية، استنادا الى المواثيق الدولية وشرعة الامم المتحدة وحرصا على مصالح لبنان وشعبه مع جميع الدول الصديقة. وقد تبين ان صيغة البيان قد تم تعديلها ببعبدا، بايعاز من باسيل واصدرها وزير الخارجية من دون موافقة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عليها، او اي مسؤول آخر.
واكدت المصادر ان محاولات باسيل مع حزب الله والآخرين، للتملص من البيان المذكور لم تنفع، لان بصماته واضحة في البيان، وقد ظهرت بشكل لايحمل
التاؤيل وهو استدراج عروض مكشوفة للولايات المتحدة لرفع العقوبات الاميركية المفروضة عليه، استباقا للاستحقاق الرئاسي، بينما تكشفت وقائع مثيرة لدى لقاء وزير الخارجية السفيرين الفرنسي والالماني، والاستفسار منه عن سبب عدم تأييد لبنان، لبيان ادانة العدوان الروسي في مجلس الامن، والذي لم يكن مبررا، بعد صدور بيان وزارة الخارجية بالادانة. وقد بدأ الوزير بوحبيب مربكا، ولم يستطيع تبرير موقف لبنان التناقض.
وتوقعت المصادر ان يتفاعل الخلاف بين ميقاتي وباسيل بالايام المقبلة، كلما تحركت خطوات انجاز خطة التعافي الى الامام، او اعادة بحث خطة الكهرباء من جديد، بينما لوحظ ان مسار مناقشة مشروع الموازنة في لجنة المال والموازنة استهل بالامس بموقف تصعيدي من رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان.
عتب روسي
والأبرز، دبلوماسياً، خروج السفير الروسي في بيروت الكسندر روداكوف عن صمته، والإعلان ان بيان الخارجية اللبنانية لا يراعي العلاقات التاريخية بين البلدين، لكنه أكّد ان البيان لن يؤثر كثيراً على هذه العلاقات.
وكشف روداكوف الهدف من المؤتمر الصحفي، حيث أوضح ان بلاده لا تنتهج سياسة عدائية تجاه اوكرانيا بل تمارس حقها في حماية أمنها القومي، وان القوات الروسية لا تستهدف الشعب الأوكراني.