لبنان
فصل مشروع الموازنة عن سلفة الكهرباء.. وجلسة حكومية الثلاثاء
اهتمت الصحف الصادرة صباح اليوم في بيروت بمشروع الموازنة الذي تستمر الحكومة في مناقشته، وتخطيها للمزيد من الملفات وصولًا إلى فصل "سلفة الكهرباء" عن مشروع الموازنة قبل الذهاب إلى مجلس النواب.
إلى ذلك، جرى الحديث عن التحضيرات للانتخابات النيابية من قبل العدديد من الأطراف، في ظل الضبابية المسيطرة على هذا الملف، وكان بارزًا المسارعة الأمريكية لفتح خطوط تواصل مع فعاليات سنّية، بعد تنحي رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عن المشاركة في الانتخابات المقبلة، وطفا إلى السطح اسم فؤاد السنيورة.
"البناء": مساعٍ حكوميّة لاستبدال سلفة الكهرباء بقرض من البنك الدوليّ لإنقاذ الموازنة
يتقدّم العمل الحكومي لتحضير الموازنة لتصبح جاهزة للإقرار النهائي قبل إحالتها الى المجلس النيابيّ، حيث تنصرف اللجان الوزارية على تحضير جداول الرسوم والجبايات، خصوصاً ما يتصل بالجباية الجمركيّة وآليات فوترة الكهرباء والاتصالات، بينما بدت سلفة الكهرباء عقدة مستعصية، بين معارضة مبدئيّة لمنح سلفة ضمن الموازنة بصورة لا تنطبق عليها الشروط القانونيّة لسلفات الخزينة، وبين الحاجة الواقعيّة لتشغيل الكهرباء وتأمينها كحاجة خدميّة واقتصاديّة من جهة، وكشرط لأي زيادة للتعرفة ووضع خطة لإصلاح القطاع من جهة مقابلة. ونقلت مصادر متابعة للتشاور الرئاسي والحكومي ليلاً التداول بإمكانية طلب قرض من البنك الدولي بقيمة الحاجات الشتغيلية للكهرباء قبل وضع الخطة الشاملة موضع التنفيذ بعد إقرارها في مجلس النواب، وضمّ المبلغ المطلوب الى القرض الذي سيحصل عليه لبنان من البنك الدولي لتأمين الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، للغرض ذاته.
بالتوازي عاد ملف ترسيم الحدود البحريّة الى الواجهة، مع إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري عن وصول المبعوث الأميركي أموس هوكشتاين الأسبوع المقبل، وبدا من الرسالة التي كشف لبنان عن توجيهها الى مجلس الأمن الدولي أن جولة التفاوض يسبقها تجاذب بين لبنان وكيان الاحتلال بمراسلات اعتراضية موجهة لمجلس الأمن. وجاءت الرسالة اللبنانية التحذيرية من قيام “إسرائيل” بمنح امتيازات وبدء أعمال في حقل كاريش الواقع ضمن الخط 29 الذي قدّمه لبنان على طاولة المفاوضات، وبالمقابل رفض أي اعتراض “إسرائيلي” على حق لبنان بالاستثمار ومنح الامتيازات في المنطقة الاقتصادية الخالصة المسجلة لدى الأمم المتحدة والمستندة الى الخط 23، والتهديد بتثبيت الخط 29 كخط نهائي لترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان إذا فشلت المفاوضات، ما يوضح العناصر التي يتشكل منها الموقف اللبناني الذي سيتبلّغه هوكشتاين، ومضمونها سارعوا لحل تفاوضي بين الخطين 23 و29 وأوقفوا التلاعب الإسرائيلي، وإلا سنقوم بتسجيل الخط 29 كحدود للمنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة وعندها لن يعود ممكناً التفاوض على ما دونه، ولبنان القويّ بدعم المقاومة للدولة، يقابله قلق إسرائيلي وأميركي من خطر إندلاع نزاع عسكري بين المقاومة وجيش الاحتلال، تحت عنوان النفط والغاز، تظهر فيه المقاومة كمدافع عن مصالح اللبنانيين المالية في لحظة يعيش فيها لبنان تداعيات أزمة مالية كبيرة يريد الأميركي تحميل المقاومة مسؤوليتها والظهور بمظهر صاحب الحل.
وفيما تنهمك الحكومة باستكمال دراسة الموازنة وإزالة الالتباسات حول بعض البنود، تتجه الأنظار الى الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة مع عودة الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين الذي سيصل الى بيروت الأسبوع المقبل، بحسب ما علمت «البناء» ليجري مروحة مباحثات مع المسؤولين اللبنانيين، بعدما أجرى مشاورات مع حكومة الاحتلال الاسرائيلي حول التوصل الى اتفاق لترسيم الحدود.
وفي حين لم يعرف اذا كان الوسيط الاميركي يحمل في جعبته اقتراحات جديدة للحل بعد تعثر جولة المفاوضات الاخيرة بين الوفدين التفاوضين اللبناني والاسرائيلي التي عقدت في الناقورة بحضور الوسيط الأميركي وممثل الأمم المتحدة، بعد الخلاف على نقطة بداية الترسيم، لفتت مصادر مطلعة على الملف لـ”البناء” الى أن “هوكشتاين لا يحمل اي حل جديد، يل سيأتي لجس نبض الدولة اللبنانية حيال الموافقة على العرض الاميركي الأخير اي خط فريدريك هوف الذي رفضه الوفد التفاوضي اللبناني وثبت بدء التفاوض من خط 29 الذي يشمل الجزء الاكبر من حقل كاريش، الأمر الذي دفع الوفد الاسرائيلي للانسحاب من المفاوضات”. وأوضحت المصادر أن “تمسك لبنان بالخط 29 يثبت حقوقه في كامل المياه الاقليمية ويحفظ ثروته النفطية والغازية في كل البلوكات، ويحول حقل كاريش الذي يعتزم العدو الاسرائيلي بدء التنقيب به بعد تلزيمه لشركة تنقيب أميركية، الى منطقة متنازع عليها وبالتالي يمنع على العدو التنقيب به واستثماره قبل انتهاء المفاوضات على كامل المساحة المتنازع عنها”. إلا أن المصادر تحذر من أن “الوسيط الاميركي يحمل في جعبته وسائل ضغط وتهديد للبنان ليمارس المزيد من الضغط على لبنان ظناً أن لحظة استسلام لبنان حانت في ظل ظروف الانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية والانقسام السياسي الذي يعيشه، ما يدفعه للرضوخ للضغوط الاميركية والسير بخط هوف ومنح الاسرائيلي المساحة الاكبر من المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها في المياه الاقليمية”. وتحذر المصادر من المعادلة التي يفرضها الاميركيون على لبنان التي تقضي بربط استخراج لبنان لثروته النفطية والغازية في مختلف البلوكات مقابل الموافقة على العرض الاميركي بملف ترسيم الحدود، ومقايضة إخراج لبنان من الحصار الاقتصادي المفروض عليه وإنقاذه من أزماته المالية والاقتصادية ودفع الدول المانحة وصندوق النقد الدولي الى دعمه بمليارات الدولارات الموعودة، بالتنازل في البلوك رقم 9. وتشدد المصادر على أن العامل الحاسم في إجهاض المحاولات الأميركية لإخضاع لبنان، هو تمسك الدولة بكافة أركانها بموقفها الرسمي الموحد والثابت على حماية الحقوق والتحصن بقوة الردع التي تمثلها المقاومة التي تستطيع أيضاً منع العدو الاسرائيلي من التنقيب بكامل المساحة المتنازع عليها من خلال استهداف منصات التنقيب والحفر كما سبق وهدد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله”. وبحسب ما علمت “البناء” فإن اتصالات ومشاورات تجري بين المقا الرئاسية للتوصل الى اتفاق موحد لإبلاغه للوسيط الاميركي عندما يصل بيروت.
وفي هذا السياق أفادت وسائل اعلام بأن لبنان أودع الأمم المتحدة رسالة مطلع الأسبوع يؤكد فيها تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، لافتة إلى أن “الرسالة أكدت تمسك بيروت بما طرحه الوفد اللبناني المفاوض بشأن الحدود مع فلسطين المحتلة”. وأشارت إلى أن “الرسالة ترفض الاعتراض الإسرائيلي على إطلاق دورة التراخيص في البلوك رقم 9 الحدودي”، موضحة أن “الرسالة اللبنانية إلى الأمم المتحدة تستبق بأيام قليلة موعد وصول الوسيط الأميركي”، وكشفت أن “لبنان أكد في رسالته أن حقل كاريش بات حقلاً متنازعاً عليه وليس حقلاً إسرائيلياً”.
... في غضون ذلك، يشق مشروع موازنة 2022 طريقه من مجلس الوزراء الى المجلس النيابي بعد فصل المشروع عن سلفة الكهرباء و”ترشيق” و”تجميل” بعض البنود الموجعة كرفع الدولار الجمركي الى 20 ألف ليرة وفرض بعض الضرائب والرسوم التي ستخضع لمعاينة دقيقة عبر اجتماعات مكثفة للجنة الوزارية في السراي الحكومية للبتّ بهذه البنود الخلافية قبل الجلسة النهائية التي ستعقد في بعبدا الخميس المقبل لإقرار المشروع وإحالته الى البرلمان.
وفي ما علمت “البناء” عن خلافات في الحكومة حول عدد من البنود لا سيما بند سلفة الكهرباء والدولار الجمركي والضرائب، وسط اعتراض الوزراء المحسوبين على التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية على فصل سلفة الكهرباء عن مشروع الموازنة، زار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قصر بعبدا والتقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لمحاولة تذليل بعض العقد قبل جلسة الخميس المقبل لتسهيل إقرار الموازنة.
وبعد اللقاء الذي عرض وفق بعبدا “الاوضاع العامة وأجواء مناقشات مجلس الوزراء لمشروع قانون موازنة العام 2022، بالإضافة الى ملف الكهرباء ووجوب القيام بخطوات تحدد مساره بشكل نهائي وواضح”، تحدث ميقاتي الى الصحافيين فقال “التقيت فخامة الرئيس ووضعته في الأجواء التي سادت في الايام الاخيرة، لجهة مناقشة مشروع الموازنة داخل مجلس الوزراء والانتهاء منه في الجلسة المقبلة إن شاء الله، تمهيداً لرفعه الى مجلس النواب بصيغته النهائية، واتفقنا على عقد جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل في قصر بعبدا عند الثانية بعد الظهر على ان ينتهي المجلس من درسه الموازنة في اليوم نفسه، حتى ولو استغرقت الجلسة ساعات. اما الموضوع الثاني الذي تحدثنا فيه، فهو أجواء زيارتي تركيا ولقائي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونقلت الى الرئيس عون تحيات الرئيس التركي وحرصه على افضل العلاقات مع لبنان. ونظراً الى وجود العديد من المواضيع المتراكمة التي يجب درسها في مجلس الوزراء، ابلغت فخامة الرئيس دعوتي المجلس الى الانعقاد يوم الثلثاء المقبل في السرايا لاتخاذ القرارات المناسبة”.
وعن سلفة للكهرباء قال ميقاتي: “مبدئيا ستكون سلفة الكهرباء خارج الموازنة المرسلة الى مجلس النواب. يجب أن نعتمد اما وجود الكهرباء بشكل دائم ام لا، فالحل المجتزأ وإعطاء سلفة في كل مرة على غرار ما كان يحصل خلال السنوات الثلاثين الماضية، هو أمر يعارضه الوزراء، نحن نحتاج الى خطة كاملة وواضحة للكهرباء نعلم من خلالها متى ستتوافر 24 ساعة في اليوم، وما هو وضعنا في الوقت الراهن. لقد اتفقنا على ارسال الموازنة الى مجلس النواب من دون مسألة الكهرباء، على ان يتم درس هذا الموضوع في مجلس الوزراء ويرسل من خلال مشروع قانون منفصل الى المجلس النيابي”.
إلا أن مصادر حكومية شككت بإمكانية الاتفاق على سلفة الكهرباء التي تحتاج الى قانون في مجلس النواب، وتساءلت كيف ستؤمن مؤسسة كهرباء لبنان مادة الفيول اللازمة لتشغيل المعامل لتأمين الكهرباء وفق التغذية الحالية؟ محذرة عبر “البناء” من عدم قدرة المؤسسة من تأمين التغذية حتى بالساعتين أو الأربع ساعات، وبالتالي غرق لبنان في العتمة الشاملة.
ويعقد مجلس الوزراء جلسة عادية عند التاسعة من صباح الثلثاء المقبل في السراي، وعلى جدول الأعمال 76 بنداً.
"الأخبار": تحرّك أميركي لـ«لملمة الحريريين»: واشنطن تطوّب السنيورة «بطرك السنّة»؟
وتحدثت صحيفة "الأخبار" عن ثلاثة مواقف لافتة أعقبت إعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري «تعليق» عمله السياسي:
«الحرب» التي شنّها «المستقبليون» على حزب القوات ورئيسه سمير جعجع الطامح إلى «وراثة» جمهورهم، التأكيد أن لا مقاطعة سنّية للانتخابات إثر لقاءات جمعت المفتي عبد اللطيف دريان والرئيسين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، ورفض كثيرين الحذو حذو زعيمهم في العزوف عن الترشح كما رغب الحريري. فباستثناء عمته النائبة بهية الحريري ونجلها الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري، فإن كثيرين من نواب «المستقبل» عازمون على خوض الاستحقاق بمعزل عن «الموقف الرسمي» للتيار).
ليس مفاجئاً، مع «اعتزال» من تربّع على «عرش السنّة» 17 عاماً من دون منازع، أن تستيقظ الطموحات لوراثة «العرش» بمجرّد إعلان الحريري تنحّيه، وخصوصاً أن الورثة كثر، والراغبين في تقاسم تركة الحريرية السياسية أكثر. لكن تسرّع بعضهم، كـ«حكيم القوات» مثلاً، أفسد الحسابات، وأتى بنتائج عكسية وأثار سخطاً أدى إلى «توحّد السنّة» ورفض أن يتقاسم «الغرباء» من طوائف أخرى هذه التركة. إذ لم يرض هؤلاء، قيادات وجمهوراً، أن يكون انسحاب الحريري اختباراً لموقعهم ووزنهم، وفرصة للاستثمار فيهما من بقية القوى السياسية، ولا حتى من بهاء رفيق الحريري الذي «يبدو كأنه جاء ليأخذ ثأره من والده ومن شقيقه»، على ما صرّح النائب نهاد المشنوق أول من أمس.
ومثل هذا الكلام سمعه الوزير السابق ملحم رياشي، بوضوح، أثناء زيارته الرئيس السنيورة قبل يومين. مصادر القوات تؤكد أن «السنيورة هو من أرسلَ في طلب رياشي للاتفاق على تخفيف التوتر الذي اندلع إثر انسحاب الحريري ووقف حملات التخوين»، وأن رياشي «أكد للسنيورة أن لا نية أبداً لدى القوات لوراثة أحد». لكن رواية المقربين من السنيورة مختلفة، إذ تؤكد أن «جعجع هو من أرسل رياشي موفداً إلى السنيورة للتنسيق في ملف الانتخابات»، وأن رئيس الحكومة السابق حمّل الموفد القواتي رسالة واضحة مفادها: «ما يفكّر سمير إنو بيقدر يتزعّم السنّة… وبدو يروق شوي»!
أن تشعر «الطائفة ــــ الأمة» بيتم الزعامة وغياب المرجعية وفقدان الدعم الإقليمي ليس تفصيلاً أو حدثاً عابراً. لذلك، الجميع اليوم، من الخارج وممّن هم في موقع «القيّمين» على السنّة، في حال استنفار والبحث عن ضابط إيقاع للطائفة. بحسب معلومات «الأخبار»، فإن الكلام الذي حمّله السنيورة لرياشي ليس مجرداً من أي دعم، تماماً كما لم يكن وقوفه إلى جانب ميقاتي ودريان في السرايا من بنات أفكاره. المعلومات تؤكّد أن تواصلاً أميركياً جرى مع رئيس الحكومة السابق أخيراً للبحث في أمر الطائفة، وأن الأميركيين مهتمون بـ«ضبضبة البيت السنّي وترتيبه»، لئلا يستفيد حزب الله من تشرذمه.
أحد من تربطهم علاقة وثيقة مع واشنطن يؤكد أنه «بعد الخطاب التراجيدي للحريري، سارع الأميركيون الى فتح خطوط تواصل مع فعاليات سنّية، كما في عكار التي زارها وفد أميركي قبل أيام في سياق استقراء التوجهات الانتخابية على الأرض. لكن تركيزهم انصبّ على الرئيس السنيورة الذي استفهموا منه إمكانية أن يكون هو خيمة السنّة بعد الحريري، بمعنى جمع الشخصيات والمجموعات والقوى التي تريد الاستمرار في العمل السياسي وخوض الانتخابات». ويشبّه المصدر الأمر «بمحاولة تطويب السنيورة بطريركاً للسنّة».
ويفسّر المصدر التحرك الأميركي بـ«الخشية من استغلال حزب الله لحالة التشرذم السنّية، لعقد تحالفات مع مجموعات ورجال أعمال تزيد من حجم الكتلة السنّية الحليفة له داخل مجلس النواب»، وأن «الطائفة السنّية هي الوحيدة التي يُمكن أن تحقق توازناً مع الطائفة الشيعية بسبب امتدادها الإقليمي في المنطقة».
"الجمهورية": الانتخابات تشعل توترات
واعتبرت "الجمهورية" أن المنطق الحكومي الذي يقدّم الإنتهاء من إعداد موازنة السنة الحالية كإنجاز حققته الحكومة في غضون أيام قليلة، لا يحجب حقيقة وجود منطق آخر يغطي المساحة الأوسع من المشهد الداخلي، ولا يتوهّم لحظة في أن هذه الموازنة بمضمونها الرقمي المفتقد لأي وجهة إصلاحية او إنقاذية جدية، ستحرف الأزمة الداخلية عن واقعها المرير، وستملأ بطون الجائعين وسترد اموال المودعين وستسدّ ولو سنتيمترات قليلة في الهوّة الكارثية التي يقبع البلد في أسفلها.
وعلى ما تَشي الوقائع المرتبطة بهذه الموازنة، فإنها ستسلك الاسبوع المقبل طريقها من مجلس الوزراء الى مجلس النواب، لتعهد الى لجنة المال والموازنة، وتنطلق معها في رحلة نقاش وتشريح ودرس تنطلق اعتباراً من النصف الثاني من الشهر الجاري، وتمتد في أقرب تقدير حتى نهاية آذار المقبل، على ان تقرّ في الهيئة العامة للمجلس النيابي خلال النصف الاول من نيسان، أي على بعد نحو شهر من موعد الانتخابات النيابية المقرر في 15 أيار.
ومع إحالة الموازنة الى المجلس النيابي، تعود الحكومة تلقائياً الى استئناف إدارتها للأزمة بالامكانات المحدودة التي تمتلكها، علماً ان اجندة العمل الحكومي محصورة في هذه الفترة باستكمال التحضير لبدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وفق مندرجات خطة التعافي المالي التي لم تنجز بعد، وبحسب الوعد الحكومي قد توضع في صيغتها النهائية في غضون أيام قليلة.
مثلّث رعب!
ولكن في موازاة ذلك، يعود المشهد الداخلي العام الى التموضع في ما يمكن تسميته «مثلث رعب»؛ في ضلعه الاول تتبدّى حال من الارتجاج المريب في سوق الصرف، أفضت الى حال من انعدام التوازن المالي والنقدي، أخضع الواقع الاقتصادي المسموم للعبة دولار بمجموعة أسعار تستنزف المواطن اللبناني، ما بين السعر الرسمي، وسعر منصة صيرفة، وسعر البنوك، والسوق السوداء.. وكلها تقود الى مكان واحد، وهو «تشليح» المواطن اللبناني النذر القليل من المدّخرات المتبقية لديه.
وفي موازاة هذا اللغز المحيّر بالاسعار المتعددة للدولار، وعدم تقديم تفسير او توضيح للناس حول حقيقة ما يجري؟ ولماذا هذه الفوضى؟ والى أين يُقاد البلد في ظلّها؟ تتبدّى الجريمة الكبرى والمتمادية التي ترتكب بحق المواطن الذي بات يُسابق لقمة عيشه، ويتعرض لأبشع عملية ابتزاز لم يسبق لأي دولة أن شهدت مثل وساختها، تقوم بها عصابات لا رادع أخلاقياً او انسانياً لها، دأبت منذ بداية الازمة على احتكار الأساسيات ورفع اسعار السلع الغذائية والاستهلاكية الى مستويات جنونية، فيما السلطة التي يفترض أنها حامية لاستقرار المواطن وساهرة على أمنه الاجتماعي، لم تقدّم ولو من باب حفظ ماء الوجه، أي اجراء جدّي يوحي بأنّ الدولة موجودة، وينفّس الغضب المتراكم في صدور المواطنين، ويردع تلك العصابات ويكبح تفلّتها ويزجّها في السجون، ويدفّعها الثمن الباهظ على سياسة الدمار الشامل التي تنتهجها بحق اللبنانيين.
إجتياح وبائي
وفي الضّلع الثاني لمثلث الرّعب، يتحصّن الوباء الكوروني، الذي بلغ ذروة مخيفة جدا في تفشّيه. وأمام حال الاستلشاء والتراخي السائدة في اوساط الناس، يضاف اليه الضعف المفجع في اجراءات الدولة الحمائيّة والوقائيّة، بات هذا الوباء يهدّد باجتياح المجتمع اللبناني بأسره وينذر بكارثة صحيّة يصعب احتواؤها. والمريع في الأمر هو الخفّة في التعامل الرسمي مع هذا الوباء، والهروب من الواقع الى كلام يطمئن بأن الوباء تحت السيطرة، يكتفي بتقديم النّصح للمواطنين، فيما اعداد الاصابات صارت بالآلاف واكبر كثير من ارقام الاصابات التي يتم الاعلان عنها. وهو ما تؤكده مصادر صحيّة لـ«الجمهورية» حيث تقول «ان الوضع الوبائي مأساوي، لا تنفع معه سياسة التسكين التي تمارسها الجهات الرسمية، في الماضي كانت الاعداد تحصى بالمئات، اما في هذه الفترة فالاعداد بالآلاف، والبلد مقبل مع هذا الوضع على بلوغ ارقام مخيفة جدا في عدد الاصابات، حيث لن يطول الوقت حتى تتعالى صرخات المستشفيات وعدم قدرتها على استيعاب الاعداد الهائلة من الحالات المصابة، وهو الأمر الذي يضع الحكومة امام واجب اعلان حالة طوارىء صحيّة مقرونة بخطوات واجراءات بالغة الشدة لِتدارك الأسوأ.
القانون الحالي: أي تغيير؟
أمّا في الضّلع الثالث لمثلث الرّعب، فتتبدّى جبهة سياسية مشتعلة بانقساماتها وتناقضاتها، وتحضّر البلد لصراع انتخابي مرير.
ما هو جليّ في هذا المشهد، هو انّ المكوّنات السياسية على اختلافها باتت متأهبة لخوض الاستحقاق الانتخابي، وأغرب ما في هذه الصورة هو أنّ غالبيّة هذه المكونات المتصارعة تمارس لعبة اكبر منها وتفوق احجامها الطبيعية، وتورّم نفسها الى حد تتوهّم هي، وتوهم الناس، بأنّها الفاعلة والمؤثّرة في لعبة التوازنات الداخلية، والقادرة على إحداث انقلاب يقلب الواقع النيابي رأساً على عقب. فهذه المبالغة في الثقة الزائدة بالنفس، تبدو أقرب الى شيك بلا رصيد، امام قانون انتخابي (القانون الانتخابي الحالي القائم على الصوت التفضيلي، ونسبية محدودة في بعض الدوائر) يفتقد الى الحدّ الادنى من القدرة على تغيير الواقع الحالي، بل لا يستفيد منه سوى القوى التي أعدّت هذا القانون ما يُلغي كل مطلب جدي بالتغيير، وهذه النتيجة المسبقة تؤكّدها كلّ مراكز الأبحاث والدراسات والإحصاءات الإنتخابية الداخلية او تلك التي استعانت بها بعثات ديبلوماسية، حيث التقت جميعها على أن التغيير إن كان سيحصل، فسيكون في أضيق حدوده، وفي دوائر محدودة جدا، بما يسقط كلّ رهان على تغيير جدي او جذري.
الصورة الانتخابية العامة تَشي بمعركة حامية على انتخابات لن تحمل التغيير المنشود. وكلّ الاطراف تشحذ اسلحتها لهذه المعركة. وكل الوقائع المتصلة بهذا الاستحقاق تشي بدورها بأن البلد مقبل خلال فترة الاشهر الثلاثة الفاصلة يوم الانتخابات في 15 أيار، على مزيد من رفع منسوب التوتّر السياسي، خصوصا ان اطراف الانقسام الداخلي باتت على جهوزية تامة للاستثمار على أي عنوان، او اي حدث او تطور داخلي او خارجي وتسخيره في الاتجاه الذي يخدم معركتها الانتخابية.
لا تأجيل.. الا اذا
على أنّ هذه الصورة تتجاذبها فرضية مسلّم بها في مختلف الأوساط الداخلية، بأنّ الفترة الممتدة من الآن وحتى الانتخابات قد تخبّىء الكثير من المفاجآت والوقائع التي قد تفرض نفسها على مسار الإستحقاق الانتخابي ومصيره.
الساحة السنية
وفي هذا السياق، فإنّ النقاش في الأوساط السياسية، وكذلك الاوساط السنية، ما زال يحاول رسم معالم الصورة السنيّة في المرحلة المقبلة، ومن سيملأ الفراغ الذي أحدثه اعلان الرئيس سعد الحريري انسحابه وتيار المستقبل من الحياة السياسية. وبحسب مصادر موثوقة، فإن الساحة السنيّة لم تهضم بعد قرار الحريري، كما انها لم تحتضن بعض الوجوه الجديدة (في اشارة الى بهاء الحريري)، التي عرضت نفسها لتحل مكان سعد وترث تياره السياسي. وبالتالي، فإنّ الساحة السنية ستبقى مفتوحة على شتى الإحتمالات، الى ان يجري تثبيت المرجعية السياسية او الدينية التي ستتصدر المشهد السني في المرحلة المقبلة، من دون ان تغفل المصادر احتمال ان يوكل هذا الدور بصورة رئيسية الى دار الفتوى بقيادة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان.
إتهامات بالتعطيل؟
واللافت للانتباه في هذه الأجواء، الاتّهامات المتبادلة بتعطيل الاستحقاق الانتخابي، حيث لم يخفِ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع اتهامه «حزب الله» بالسعي الى تطيير الانتخابات، ويشاركه في ذلك العديد من القوى السياسية المنخرطة في الخط السيادي. حيث يتّهم الحزب وحلفاؤه بالهروب من الانتخابات خوفاً من الخسارات التي سيُمنى بها هو وفريقه. ذلك أن هدف الحزب هو احباط أي تغيير محتمل للواقع في لبنان، والابقاء على الواقع الحالي الذي يتحكّم به ويسيطر على قرار الدولة، ويبقي لبنان مرهونا لسياساته واجندته الايرانية، وفي عزلة عن العالم، وخصوصا عن أشقائه العرب.
وفي المقابل، يؤكد ثلاثي حركة «أمل» و«حزب الله» والتيار الوطني الحر على اجراء الانتخابات في موعدها، وهو ما سبق ان شَدّد عليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبالامس كان رئيس مجلس النواب نبيه بري واضحا في تأكيده على إتمام هذا الاستحقاق في موعده رافضاً التمديد للمجلس النيابي الحالي ولو لدقيقة واحدة.
وشددت مصادر «الثنائي» لـ«الجمهورية» على ما سمّته «بطلان أيّ اتّهام بالتعطيل، فهذا الاتهام محض خيال ولا يستقيم مع الواقع، هدفه فقط الشحن والتوتير السياسي»، مبدية في الوقت ذاته خشيتها من ان اتهامنا بالتعطيل قد يُخفي سعياً الى التعطيل من ذاك الفريق، بعدما تيقن ان الانتخابات ستكشف الاحجام الحقيقية لكل المكونات بعيدا عن اي مبالغات، كما انها لن تحقق له أياً من الشعارات الكبيرة التي طرحها منذ 17 تشرين الاول 2019، واستثمر فيها على اوجاع الناس».
لا تعطيل ولا تمديد
وفي هذا السياق، اكد مرجع مسؤول لـ«الجمهورية» انه لا يعير اي كلام عن تعطيل للانتخابات اي اهتمام، وأياً كان مصدر هذا الكلام فهو كلام بلا اي معنى، وليس مبنيا على نظرة واقعية للوقائع الداخلية وخصوصا تلك المرتبطة بالاستحقاق الانتخابي، التي تؤكد انّ هذه الانتخابات اقوى من اي محاولة لتعطيلها من أي طرف كان، وستجري في موعدها. والحالة الوحيدة التي يمكن ان تتعطل فيها هي حدوث زلزال. وهذا ما اكدناه لكلّ السفراء والموفدين الى لبنان، الذين قالوا انهم يعانون تشوّشاً في الرؤية جراء تقارير يتلقونها من بعض الجهات الداخلية.
وردّا على سؤال عما يحكى عن ان الانتخابات قد لا تبدل في واقع الحال النيابي الحالي شيئا يذكر، قال المرجع: اصل المشكلة في القانون الانتخابي الحالي الذي تنعدم فيه اي خطوة في اتجاه التغيير والتطوير، وهذا لا يتم الا من خلال قانون انتخابي جديد يحقق فعلا سلامة التمثيل. اما في حالتنا الراهنة، فبمعزل عن النتائج المحتملة لانتخابات ايار، اخشى ان اقول انّ البعض في قرارة نفسه يتمنّى حدوث زلزال يعطل الانتخابات، لإخفاء خسارته، وليُبقي نفسه عائماً في المشهد الداخلي.
اللقاء الديموقراطي
وبرز في هذا السياق ايضاً، تأكيد كتلة اللقاء الديموقراطي بعد اجتماعها برئاسة النائب تيمور جنبلاط امس، على «أهمية إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده من دون أي تأخير او إبطاء وبعيداً عن محاولات عرقلته او تطييره من خلال محاولة إدخال تعديلات على قانون الإنتخاب فيما خص تصويت المغتربين، مؤكدة حق الناس في التصويت لاختيار ممثليهم إلى الندوة البرلمانية بما يحفظ مسار تجديد المؤسسات الدستورية على طريق النضال للحفاظ على الكيان برمّته».
الموازنةالكهرباءالحكومة اللبنانيةفؤاد السنيورة