لبنان
الدولار يتخطى 24 ألف.. وتخوف من فلتان أمني
ركزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على تقدم الملفات الاقتصادية والاجتماعية إلى الواجهة في ظل المزيد من التأزيم مع ملامسة سعر صرف الدولار في السوق السوداء عتبة الـ24 ألف ليرة للمرة الأولى منذ تأليف الحكومة الحالية، وسط توقعات خبراء اقتصاديين بارتفاع إضافي في سعر الصرف ما سيترك تداعيات كبيرة على أسعار المحروقات والمواد الغذائية.
"البناء": استقالات قضائية في تحقيق بيطار… وسلامة بين تعطيل التدقيق الجنائي والدعم الريعي المقنَّع
بداية مع صحيفة "البناء" التي اعتبرت أن تداعيات أزمة تحقيق القاضي بيطار ما زالت حاضرة بتعطيل اجتماعات مجلس الوزراء، وانتظار إجراء قضائي بحجم يرد للتحقيق نزاهته وشفافيته، خصوصاً في ظل الوقائع الدامغة التي كشفها وثائقي قناة «الميادين» حول حقيقة انفجار مرفأ بيروت، وأولوية الكشف عن التقرير التقني الذي يحسم طريقة حدوث الانفجار ويوفر فرصة الإفراج عن أموال شركات التأمين لحساب المتضررين، في ظل أسئلة تنتظر مجلس القضاء الأعلى وحسم أمر إصدار التقرير التقني بصورة مستقلة عن القرار الظني، كما تنتظر إجراءات في نقابة المحامين، للفصل بين مكتب الدفاع عن الضحايا ومحامي شركات التأمين، وفقاً لما قالته المصادر الحقوقية المتابعة للملف، الذي كان جديده استقالات شملت قضاة نظروا في أجزاء منه تتصل بدعاوى الرد بحق بيطار، عرف منهم القضاة «ناجي عيد وجانيت حنا، ورولا الحسيني وكارلا القسيس».
بالتوازي بقيت الملفات المثارة بوجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعيدة من إثارة اهتمام القضاء اللبناني، على رغم قيامه بمبادرة استباقية بالكشف عن عملية تدقيق في حساباته، تفرض على القضاء فتح تحقيق في هوية الطرف الثالث الذي كشف سلامة وجوده كمصدر لأموال تغذي حساباته، وما إذا كان هذا الطرف من زبائن مصرف لبنان، أو إذا كانت هذه الأموال عمولات محققة عن عمليات استفادت من معلومات وعلاقات أتاحتها صفة سلامة الوظيفية، بينما توقفت مصادر مالية أمام مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لعقد اجتماع مع سلامة بحضور وزير المال لوضع حد لعرقلة التدقيق الجنائي التي كادت تنتهي بانسحاب شركة ألفاريس ومارسال، وكان رد المصرف عليها باهتاً لجهة القول إنه يدرس الطلبات، وقالت المصادر المالية إن عرقلة سلامة للتدقيق ليست بعيدة من السعي لإبقاء الغموض حول العمليات المالية التي يطالها التحقيق خارج لبنان، ولم يتحرك القضاء اللبناني نحوها بعد، وأضافت المصادر المالية أن حالة عبثية تسيطر على المجال المالي للبنان، في ظل ما تشهده سوق الصرف من تصاعد كنتيجة لسياسات مصرف لبنان الغامضة التي لا يزال في صلبها دعم غير مفهوم لعمليات شراء المحروقات، فيما يرفع الدعم عن أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة، وتبدو الحكومة مهمشة كما كانت حكومة الرئيس حسان دياب عن ملف الدعم الذي تحول إلى غطاء لعمليات تحويل الأموال إلى الخارج.
وفيما لم تبدأ مفاعيل اللقاء الرئاسي في بعبدا بالظهور على صعيد الحلول لأزمتي المحقق العدلي في تفجير المرفأ القاضي طارق بيطار والتصعيد الدبلوماسي السعودي ضد لبنان، إلى حين عودة الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي من سفرهما إلى كل من قطر والفاتيكان، تقدمت الملفات الاقتصادية والاجتماعية إلى الواجهة في ظل المزيد من التأزيم مع ملامسة سعر صرف الدولار في السوق السوداء عتبة الـ24 ألف ليرة للمرة الأولى منذ تأليف الحكومة الحالية، وسط توقعات خبراء اقتصاديين بارتفاع إضافي في سعر الصرف ما سيترك تداعيات كبيرة على أسعار المحروقات والمواد الغذائية من دون أي تحرك من الوزارات المعنية وأجهزة الرقابة للجم هذه الموجة الجديدة من الارتفاع في سعر الصرف والسلع. ولفت الخبراء لـ»البناء» إلى أن القرارات الحكومية بمنح بدل نقل يومي للموظفين 64 ألف ليرة ونصف راتب بداية الشهر المقبل هو أحد أسباب ارتفاع سعر الصرف فضلاً عن تعميم مصرف لبنان لشركات استيراد النفط بتأمين نسبة 10 في المئة من الدولار وقرار المصرف برفع الدعم عن الأدوية إضافة إلى عمليات شراء الدولار التي يقوم بها مصرف لبنان من السوق السوداء والصرافين بهدف سد الفجوة المالية المترتبة على المصرف المركزي قبيل بدء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان في ظل الخلاف بين الحاكم رياض سلامة ووزارة المال والمصارف حيال توزيع حجم الخسائر على الجهات الثلاث. وحذر الخبراء من بلوغ سعر الصرف مستوى أعلى إلى حدود 30 ألف ليرة ما سيدفع الكثير من الشركات المستوردة لوقف الاستيرد لعجزها عن تأمين الكميات اللازمة من الدولارات وبالتالي يؤدي بالكثير من المحال التجارية لإقفال أبوابها لعدم قدرتها على شراء بالسعر المرتفع، الأمر الذي سيؤدي إلى فقدان المواد الغذائية والسلع وربما المحروقات من الأسواق ما سيؤدي إلى الجوع والانفجار الاجتماعي في الشارع. في سياق ذلك تحذر جهات أمنية بحسب ما علمت «البناء» من أن تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى توترات أمنية في مختلف المناطق اللبنانية لا سيما على معنويات القوى الأمنية والعسكرية والقطاعات الوظيفية عموماً، ما يؤدي إلى تراجع الأداء الأمني والإداري لصالح التفلت في الشارع والشلل في المؤسسات والإدارات العامة وارتفاع نسبة الجريمة»، مذكرة بأن عناصر وضباط القوى الأمنية والجيش لا يستطيعون الوصول إلى مراكز عملهم لارتفاع كلفة النقل وتدني قيمة الرواتب. ولذلك تشير أوساط حكومية لـ»البناء» إلى أن الحكومة تقوم عبر اجتماعات اللجان التي تعقدها باستباق هذا الواقع واتخاذ إجراءات سريعة احتوائية كإقرار بدل نقل ونصف راتب للموظفين والبطاقة التمويلية»، لكن المصادر تشير إلى أن هذه الإجراءات غير كافية. وفي هذا السياق وقع وزير العمل مصطفى بيرم قرار زيادة بدل النقل وأحاله إلى مجلس شورى الدولة.
وسجلت أسعار المشتقات النفطية ارتفاعاً إضافياً أمس. وأوضح ممثل موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا أنه «كان من المفترض أن يلحظ جدول الأسعار انخفاضاً في سعر البنزين لأن أسعار النفط انخفضت عالمياً، إنما صدر قرار عن مصرف لبنان أمس أقرّ فيه ارتفاع سعر الصرف إذ كان يؤمّن 90 في المئة على سعر صرف 19000 ليرة لبنانية للشركات المستوردة وأصبح 19500 ليرة، ما أدّى إلى ارتفاع سعر صفيحة البنزين». وسأل «مَن المسؤول عن تفلت سعر الدولار في السوق السوداء؟ وأين الدولة من هذا الموضوع؟».
ويغادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اليوم لبنان إلى الفاتيكان حيث يستقبله البابا فرنسيس ومن المتوقع أن يبحث الأزمات الداخلية مع البابا ويطلب منه التدخل لدى السعودية لرأب الصدع وإيجاد الحل للأزمة اللبنانية الخليجية.
وفيما تستمر المساعي الرئاسية على خط معالجة أزمة البيطار والقرداحي معاً لفتت معلومات «البناء» إلى حل يجري انضاجه لإعادة تفعيل مجلس الوزراء يقوم به رئيس المجلس النيابي نبيه بري على أن تظهر تفاصيله بعد عودة عون من قطر وميقاتي من جولته الخارجية.
وأحد المخارج بحسب المعلومات هو أن ترسل النيابة العامة التميزية كتاباً إلى مجلس النواب تطلب فيه تفعيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء للتحقيق مع المطلوبين أمام المحقق العدلي بمعزل عما سيحصل في مجلس الوزراء. ولفتت معلومات «البناء» إلى أن المساعي تتركز بقضية الوزير قرداحي على ايجاد مخرج سلس وآمن وتوافقي لاستقالة وزير الإعلام من دون أن يتسبب ذلك بأزمة اخرى.
إلا أن أوساطاً سياسية في الفريق الداعم لبقاء بيطار لفتت لـ»البناء» إلى أن المحقق العدلي سيبقى في موقعه ولن ينحى إلا بقرار قضائي وليس في مجلس الوزراء، لا سيما وأن القضاء داعم له. متوقعة أن تطول الأزمة.
ولفتت معلومات أخرى إلى، أن القاضي طارق البيطار، أرسل كل المستندات والملفات المتعلقة بملف القضاة إلى النيابة العامة التمييزية للادعاء عليهم إلا أن الأخيرة لم تحرك ساكناً حتى اللحظة.
وأفادت معلومات أخرى أن «استقالات يشهدها السلك القضائي»، موضحةً أنه «بسبب الأوضاع المعنوية والمادية التي وصل إليها القضاء، وبسبب الضغوط والتدخلات السياسية التي لم تتوقف، وبسبب الحملات اليومية على السلطة القضائية، ظهرت موجة استقالات، وأبرزها تلك المقدمة من قضاة نظروا في ملف رد القاضي البيطار، أي القاضيان ناجي عيد وجانيت حنا، إضافةً إلى استقالة القاضيتين رولا الحسيني وكارلا القسيس».
على صعيد آخر رأس الرئيس عون اجتماعاً حضره وزير المال يوسف الخليل، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والوزير السابق سليم جريصاتي. وخُصّص لعرض الأوضاع المالية في البلاد والصعوبات التي تواجه مؤسسة «ألفاريز أند مارسال» في عملية التدقيق المحاسبي الجنائي في حاكمية مصرف لبنان. وأصرّ الرئيس عون خلال الاجتماع، على «بدء مهام التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان من قبل شركة «ألفاريز أند مارسال»، وتنفيذ العقد بينها وبين الدولة اللبنانية ممثلة بوزير المال، ما يقتضي معه توفير «الداتا» والمستندات المطلوبة من الشركة بشكل كامل، كي تباشر مهامها وتصدر التقرير الأوّلي نهاية 12 أسبوعاً كحدّ أقصى وفق منطوق العقد». وأدلى كل من الوزير الخليل والحاكم سلامة بأنهما يُجريان «ما يلزم وبالسرعة الممكنة لهذه الغاية». ولفت رئيس الجمهورية المجتمعين إلى أن «تداعيات عدم إجراء التدقيق سلبية على جميع الصعد، خصوصاً أن القانون ينص على انسحاب التدقيق المالي على إدارات الدولة ومؤسساتها كافة».
"الأخبار": رواتب العسكريين من أميركا وأوروبا
بدورها، صحيفة "الأخبار"، اعتبرت أن آخر الاقتراحات لتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية على الجيش إنشاء صندوق أممي لدعم رواتب العسكريّين نقديّاً. واللمسات النهائيّة تنتظر موافقة أخيرة من واشنطن.
منذ الزيارة الأخيرة لقائد الجيش العماد جوزف عون لواشنطن، نهاية الشهر الماضي، يتمحور السؤال المركزي حول مدى استجابة واشنطن للحاجات التي طلبها الجيش للحدّ من تداعيات الانهيار المالي على المؤسسة العسكرية. فقد بات معلوماً أن الأزمة المعيشية الحادّة أصابت الجيش مباشرة، كما هي الحال بالنسبة إلى قوى الأمن والأمن العام. لكن الجيش الذي حاول عند اندلاع الأزمة احتواءها عبر تأمين مساعدات غذائية وإعانات منزلية وطبابة بالحدّ المقبول، بات مع ارتفاع سعر الدولار وانهيار الليرة في شكل متسارع وانخفاض قيمة رواتب العسكريين، أمام تحدّي الحصول على مساعدات نقدية بغية تأمين مساعدة شهرية بالدولار للعسكريين.
تنقسم طلبات الجيش إلى قسمين: الحصول على مساعدات عسكرية بالمعنى اللوجيستي، ومساعدات نقدية تقدر قيمتها بنحو 80 مليون دولار، إذا ما احتسب تقديم مئة دولار لكل جندي لمدة سنة. وهذا يعني أن طلب المساعدة النقدية ظرفي وليس دائماً، في انتظار «معجزة» تساعد في حل الأزمة المالية في شكل عام. وما حصل عليه الجيش هو وعد أميركي بتلبية طلب تشكيل صندوق مالي برعاية الأمم المتحدة، توضع فيه المساعدة النقدية للجيش. هوية هذا الصندوق تختلف عن هوية المساعدات التي كانت مطلوبة سواء في مؤتمر باريس، أو قبله مؤتمر روما، لأن الغاية منه تأمين رواتب الجيش النقدية فقط. والرعاية الأممية ستكون الطريقة الأنسب كونها تساعد الدول المانحة على تخطّي قوانين وإجراءات داخلية تمنعها من دفع أموال نقدية لجيوش خارجية، وسيكون له إطار مختلف عمّا كانت عليه الحال في مؤتمر باريس، وما تضمّنه من عناوين لم تنجح في استثارة المموّلين. إذ إنه، بحسب المعلومات، عبارة عن صندوق لـ«تدوير» المساعدات التي كانت مخصصة أساساً كمساعدات لوجيستية وعسكرية.
عون حصل على وعد أميركي بإنشاء الصندوق، وأن تساهم واشنطن فيه بنحو 67 مليون دولار يجري العمل حالياً على تدويرها لتحويلها نقدية، إلا أن الجيش لا يزال ينتظر استكمال الإجراءات اللازمة والاتصالات لتطبيق الفكرة عملانياً، وخصوصاً أن الجهات الأميركية المعنية لا تزال منقسمة حيال الموافقة عليها، ما يجعل الجيش يتحفّظ عن التفاؤل بإمكان إنشاء الصندوق قبل الإعلان عنه رسمياً ووصول الأموال إليه. رغم ذلك، فإن الاتصالات التي يجريها فريق خاص مكلف متابعة هذا الصندوق مع الأمم المتحدة ومع الممثلين العسكريين للبعثات الدبلوماسية، ولا سيما للدول الأوروبية التي تقدم عادة المساعدات، تعطي بعض إشارات الأمل.
وحتى الآن يشمل الصندوق عناصر الجيش، ولم يعرف بعد ما إذا كان سيشمل عناصر قوى الأمن الداخلي والأمن العام. رغم أن أي تعزيز لرواتب العسكريين فحسب من شأنه إثارة حساسيات بين الأجهزة الأمنية.
ينطلق الجيش من بعض الضرورات في طلبه المساعدة النقدية العاجلة، وخصوصاً بعدما ارتفع عدد المتهرّبين من الخدمة في شكل لافت، وقد وصل العدد إلى ما بين ألفين و3 آلاف عنصر على الأقل. أما الضرورة الثانية فهي أمنية وعسكرية، وهذا الأمر يضعه الجيش أمام المجتمع الدولي من خلال جملة تحدّيات:
أولاً، تطبيق القرار 1701 الذي يفترض بالجيش أن يؤمن وجود 15 ألف جندي في منطقة جنوبيّ الليطاني، إلا أن العدد تراجع الى 12 ألفاً، وحالياً الى نحو ستة آلاف، بعدما سحب الجيش عناصره الى الداخل في الأشهر الماضية وأعاد توزيع ألويته في شكل يتناسب مع التطورات الأمنية التي حدثت وتحدث في شكل دوري.
ثانياً، رغم أن الانشغال بالأزمة المعيشية حجب موضوع مكافحة الإرهاب فلم يعد يتصدّر العناوين، إلا أن ما حصل، أخيراً، مثلاً في اعتقال خليّة إرهابية في طرابلس لها ارتباطات في سوريا والعراق يدلّ على أن هذا الموضوع لا يزال يحتاج إلى متابعة لصيقة من الجيش، فضلاً عن موضوع النازحين واللاجئين الى أوروبا التي تطلب دولها في شكل حثيث من لبنان التشدد في ملاحقة شبكات التهريب من لبنان، وخصوصاً بعد التطورات التي تحصل بين بيلاروسيا وبولونيا.
ثالثاً، اعتبارات محلية بسبب الأزمة المعيشية وانفلات الوضع الداخلي واستخدام السلاح بكثافة في عدد من الأحداث المتنقلة ومنها بين أبناء المنطقة الواحدة، ما يزيد الأعباء على الجيش، وعلى عناصره الذين يرزحون تحت وطأة رواتب متدنّية. وتعزيز أحوال العسكر من شأنه أن يساهم أكثر في تعزيز القدرة على فرض الأمن وعدم هزّ الاستقرار.
"النهار": قفزات الدولار: انعدام الضوابط ينذر بالتفلّت
أما صحيفة "النهار" رأت أنه وبرقم قياسي جديد تجاوز سقف الـ 24 ألف ليرة منذراً بتصاعد الإنعكاسات الكارثية على المواطنين، لم يترك تحليق سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء أي هامش ليوميات سياسية جوفاء تملأ معها أخبار التحركات واللقاءات، كما المواقف، أسماع الناس، فيما تنكشف باطراد معالم العجز الفاضح عن نفخ الروح في الحكومة ومجلس الوزراء. ولعلّ المفارقة اللافتة التي تسجّل في سياق رصد الارتفاع الكارثي لسعر الدولار، وما ينشأ عن ذلك من تداعيات موجعة وثقيلة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، انه على غرار انفجار أزمات أخرى ومن أبرزها ازمة القطيعة بين لبنان ومعظم الدول الخليجية، لا يجد حداً أدنى من إمكانات اللجم والتبريد والاحتواء، فيما المزيدات الكلامية للمسؤولين وفي ما بينهم، تشتدّ وتتّسع من دون أي افق ملموس لحلول ترتقي إلى مستوى الكارثة المالية والاقتصادية والاجتماعية. ولم يكن مشهد الاجتماع الذي عقد في قصر بعبدا أمس، في صدد التدقيق الجنائي، سوى عيّنة ناطقة عن دولة مفكّكة اذ ان أمراً بهذه الأهمية "يقتطعه" رئيس الجمهورية ويرأس من اجله الاجتماعات فيما رئيس الحكومة موجود في السرايا لا يشارك في مداولات هذا الاجتماع كأنه خارج صلاحياته!.
وتخشى أوساط عدة سياسية واقتصادية على السواء ان تتفاقم الازمات الاقتصادية والمالية على نحو بالغ القسوة في المرحلة الطالعة لا سيما لجهة تفلّت سعر الدولار ان تمادت الازمة السياسية التي تعطل جلسات مجلس الوزراء وتحول دون تحمله للمسؤولية الفاصلة في لجم مزيد من اندفاعات الإنهيار. بل ان الخشية تزداد، وفق هذه الأوساط، مع الخوف الموضوعي من تفش جديد لجائحة كورونا عند مشارف الأعياد قد يكون من شأنه ان يحدث إرباكات كبيرة جداً في القطاع الصحي الذي باتت معاناته أكبر بكثير من أي قدرة على تقليصها وفق الإمكانات القائمة حالياً، وما لم تسرّع المعالجات في انهاء ظاهرة شل الحكومة ومجلس الوزراء، فان استجرار الدعم والمعونات الدولية للقطاعات الأشدّ حاجة إلى الدعم سيغدو أشد صعوبة من السابق.
ولعلّ الموقف الجديد الذي أطلقه وزير الثقافة محمد وسام مرتضى أمس عكس التشدد المستمر في موقف الثنائي الشيعي من الازمة الحكومية، علما ان مرتضى كان اثار في الجلسة الأخيرة التي عقدها مجلس الوزراء ازمة مع رئيس الجمهورية بسبب الطريقة التي خاطبه فيها. وأمس وزع تصريح لمرتضى قال فيه، أن "هناك من عمل وما زال يعمل على تحويل كارثة انفجار المرفأ، التي تعد من أكبر الكوارث التي حلت بلبنان، إلى أداة لاستثارة الغرائزية الطائفية خدمة لأهداف خاصة، وإلى وسيلة لوأد الوحدة الوطنية والتشويش على مكامن قوتنا خدمة لمشاريع خارجية. فأصر من الأساس على ألا يتولى التحقيق في قضية انفجار المرفأ الا قاضٍ من الطائفة المسيحية، وألا يتولى النظر في المراجعات القضائية المقدمة الا قضاة من الطائفة عينها، فشطر "العدلية" وما برح يحاول شطر البلد طائفيا، إذ أسهم مع مروحة عريضة من شركائه، بتحريض من مشغليهم، في إيهام الرأي العام أن هذه الكارثة حلت بالمسيحيين من دون المسلمين كما أسهم وإياهم، وهذا الأخطر، أنها حلت بفعل المسلمين ومن هم على حلف معهم ومن يدور في فلكهم من غير المسلمين، ولكننا نبشّره بأن مساعيه هو وشركاؤه ومشغلوه وحاضنوه، محليون ودوليون، سوف تبوء بالفشل، وأنه وإياهم سوف ينكفىء مولّياً الأدبار جاراً أذيال الخيبة".
ميقاتي في الفاتيكان
في أي حال، فإن هذه الأوضاع الكارثية ستكون بطبيعة الحال في صلب اللقاءات التي سيجريها اليوم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في الفاتيكان حيث سيستقبله قبل الظهر البابا فرنسيس. كما ان اوساطاً مطلعة أوضحت ان الوجهة الخارجية التالية لميقاتي ستكون مصر وتركيا، تلبية لدعوة تلقاها من وزير الخارجية مولود جاويش اوغلو حينما زار لبنان الثلثاء الماضي، واخرى وجهها اليه المسؤولون المصريون. وتقول هذه الاوساط ان ميقاتي سيزور مصر للتشاور في ازمة لبنان مع دول الخليج والدور الذي يمكن مصر او الجامعة العربية ان تلعبه بعدما ابدى امينها العام احمد ابو الغيط استعداده للمهمة شرط ان يبادر لبنان إلى خطوة تعكس حسن النية ورغبة في التجاوب مع المطالب، لذلك سيبحث موضوع استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي كخطوة في مسار معالجة الازمة، بعد ان يطلع ميقاتي من الرئيس ميشال عون على موقف قطر ابان زيارته اليها في29 الجاري كونها تبرعت بالوساطة للمعالجة. فاذا كان الجواب ايجابياً يقدم قرداحي استقالته ويوضع الحل على السكة، اما اذا جاء سلبياً وتبين ان الاستقالة لا تجدي نفعاً، آنذاك يعاد درس الوضع وتقييمه في ضوء نتائج المحادثات التي يكون قد عاد بها الرئيس عون من قطر.