لبنان
الجمود الحكومي على حاله.. وأزمات النقل والاتصالات والطاقة تتفاقم
اهتمت الصحف الصادرة في بيروت بالأزمات الجديدة التي بدأت تطفو إلى السطح، لا سيما ما يتعلق بقطاع الاتصالات والانترنت والطاقة والنقل، في ما يوحي بلحاق ما تبقى من هذه القطاعات بما سبق ورفع الدعم عنه نهائيًا.
وفي شأن العلاقات مع السعودية بقيت الصورة على ما هي عليه من تأزم، مع استمرار التشدد من جانب الرياض ومحاولة كسر لبنان من خلال تقديم وزير الاعلام جورج قرداحي لاستقالته، وهو ما لا يقبله جزء كبير من اللبنانيين.
"البناء": استقالة قرداحي سحبت عن الطاولة
تواصلت الاتصالات السياسية بين المعنيين بتداعيات الأزمة الناشئة بين لبنان والسعودية، في ضوء كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد عودته من لندن ومشاركته في اسكتلندا في مؤتمر المناخ واللقاءات التي أجراها هناك، وتراجع الفرص أمام ترجمة ما وصفه بخريطة طريق للخروج من الأزمة، بعدما حقق منها تثبيت مسافة بينه وبين ثنائي حركة أمل وحزب الله في ملفي القاضي طارق بيطار، ووزير الإعلام جورج قرداحي، فتحقق بذلك قدراً من الحصانة لموقعه في شارعه الانتخابي، وتحييده من الهجوم السعودي، فيما بدا أنه حصيلة تفاهم بينه وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لترجمة التوافق الأميركي- الفرنسي بالحفاظ على الحكومة وعلى الاستقرار، وقد عبر تشجيع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لميقاتي عن إيجابية سعودية بالواسطة، فسحب ملف استقالة أو إقالة قرداحي عن الطاولة لحين تبلور صورة واضحة لخريطة طريق حقيقية تفتح باب نهاية الأزمة مع السعودية، وتكون الاستقالة جزءاً منها، بينما نقل المسؤول الإعلامي في بكركي عن الاتصال الذي أجراه البطريرك بشارة الراعي بالسفير السعودي وليد البخاري، إشارة سعودية إلى اعتبار استقالة أو إقالة قرداحي نقطة البداية في أي تجاوز للأزمة، وفيما بقي الملف القضائي عالقاً في السياسة بعد كلام ميقاتي عن رفض فتح الباب لبحثه في مجلس الوزراء، وفقاً لما يطلب ثنائي حركة أمل وحزب الله، ظهرت بوادر لافتة في المسار القانوني والمراجعات القضائية التي قدمها المتضررون، رفعت احتمالات تنحية قرداحي التي بدت معدومة حتى تاريخ قريب.
تبقى الأزمة بين لبنان والسعودية العنوان الأبرز للتطورات، خصوصاً لجهة جذب الاهتمام الدولي، الذي سيشهد تطوراً بارزاً يوم الخميس المقبل، انعقاد منتدى السلام السنوي في باريس، الذي يحضره الرئيس إيمانويل ماركون وعدد من رؤساء الدول والحكومات وشخصيات الرأي العام وقيادات المجتمع المدني ورجال الأعمال والثقافة، بما يشبه منتدى دافوس، ووفقاً لمصدر دبلوماسي فرنسي رفيع قال لـ»البناء» إن الرئيس ماكرون سيجعل من قضية لبنان، واحدة من أولوياته في المؤتمر، ويضيف المصدر أن جهوداً للوساطة الفرنسية مع السعودية لم تتوقف، ويقودها وزير الخارجية جان إيف لودريان، مستفيداً من علاقاته التاريخية بدول الخليج والسعودية خصوصاً منذ أن كان وزيراً للدفاع من عام 2012، وتتولاها من بيروت السفيرة الفرنسية آن غريو، بالتنسيق مع السفيرة الأميركية الموجودة في واشنطن والسفير السعودي وليد البخاري الموجود في الرياض، والثلاثي غريو وشيا والبخاري كان قد شكل خلية أزمة عندما كان موضوع تأليف الحكومة على الطاولة، وكان الموقف السعودي سلبياً في ظل حماسة فرنسية وعدم ممانعة أميركية لولادتها، ويضيف المصدر الفرنسي أن شراكة السفيرين العراقي والمصري بدت ضرورية في ضوء نتائج قمة بغداد لدول جوار العراق التي حضرها الرئيس الفرنسي وباتت مكوناً إقليمياً فاعلاً، خصوصاً أن فرنسا تعتقد بأن أحداً لن يقدم على الدفع بالعلاقات اللبنانية- السعودية نحو تجاوز الأزمة ما لم تعتبرها فرنسا قضيتها، ويرفض المصدر الفرنسي اعتبار الحركة الدبلوماسية لحكومته تعبيراً عن مصالح نفطية أو خشية من ملف النازحين، معيداً الاهتمام إلى المكانة التاريخية للبنان عند الفرنسيين، واستكمالاً لإعلان المبادرة الفرنسية وضمان نجاحها، مضيفاً سبباً جديداً للاهتمام الفرنسي هو القلق من خطر جدي لتداعيات الأزمة ما لم تتم السيطرة عليها وفتح طرق الحل أمامها، من دون توضيح ماهية الحل، مكتفياً بالقول إن الهدف هو فتح قنوات الحوار لاكتشاف الشكل الأنسب لإحداث اختراق في جدار التصعيد، كما يرفض اختصار الأزمة مع السعودية بتصريح الوزير قرداحي، وتفادى المصدر أي توجه خاص نحو حزب الله الذي لا يعتبره ممسكاً بالكثير من أوراق لبنان، لكنه يفصل بين الخلاف الطبيعي مع توجهات الحزب، وبين تمسك فرنسا بالوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف.
بعدما تعثر «طريق الحل» الذي وضعه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في سوق التداول السياسي فور عودته إلى بيروت، والذي تضمن استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي طوعاً، أو بالإقالة عنوة، في مجلس الوزراء، بدأ البحث بحسب ما علمت «البناء» في مخارج أخرى بديلة عن اقتراح ميقاتي، بعدما رفض حزب الله ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية طرح الإقالة طالما أنه لن يحل الأزمة مع دول الخليج ولن يوقف الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها المملكة، ولن يعيد العلاقات إلى طبيعتها مع دول الخليج في ظل قرار اتخذته القيادة السعودية بممارسة أقصى الضغوط على لبنان لاتخاذه ورقة تفاوضية في المفاوضات الدائرة في المنطقة على أكثر من مسار، أكان المفاوضات الأميركية – الإيرانية أو الحوار بين الرياض وطهران أو مفاوضات الحل السياسي لإنهاء الحرب في اليمن.
وتشير مصادر مطلعة لـ»البناء» إلى أن «طلب ميقاتي عقد جلسة لمجلس الوزراء لطرح مسألة إقالة قرداحي من دون مشاركة وزراء حزب الله وتيار المردة، قوبل بالرفض من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، كون ذلك سيؤثر في تماسك الحكومة ووحدتها واستمراريتها، فضلاً عن تعذر تأمين ثلثي مجلس الوزراء في ظل رفض الوزراء المحسوبين على حزب الله وحركة أمل والمردة والحزب الديموقراطي اللبناني الذهاب إلى هذا الخيار، فضلاً عن تردد الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية، ما يجعل هذا الطرح شبه مستحيل، فيما يرفض الفريق الداعم لوزير الإعلام استقالته الطوعية كونه ليس سبب المشكلة، بالتالي لن تكون استقالته هي الحل، ولذلك فإن الجمود القائم أفضل من أي خطوة تطيح بالحكومة وتحولها إلى تصريف أعمال مبكر، بالتالي الإطاحة بالإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي وبعملية النهوض الاقتصادي في ظل تعذر تأليف حكومة جديدة فيما تبقى من هذا العهد، وقد تبقى الحكومة الحالية إلى ما بعد نهاية العهد إذا تعذر انتخاب رئيس للجمهورية وتطيح بطريقها باستحقاق الانتخابات النيابية، ما يضع البلاد أمام حالة من الفراغ السياسي والدستوري وتفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي ستؤدي بدورها إلى فوضى أمنية وندخل إلى مرحلة هي الأسوأ منذ الطائف حتى اليوم».
وهذا ما استدركته واشنطن وباريس وبعض الدول الأوروبية بإبلاغها الرئيس ميقاتي بأن الحكومة خط أحمر للحفاظ على ما تبقى من استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني في لبنان، على الأقل حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة.
وفي سياق ذلك، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية أنها على «اتصال وثيق بجميع الأطراف المعنية بالنزاع المستجد بين الدول العربية ولبنان». ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في تصريح نشره موقع الخارجية الفرنسية، «جميع الأطراف وكذلك المسؤولين اللبنانيين، إلى تعزيز التهدئة والحوار لصالح الشعب اللبناني واستقرار لبنان»، مشدداً على أنه «أمر حاسم للمنطقة». واعتبر لودريان أن «فصل لبنان عن الأزمات الإقليمية له أهمية أساسية». وقال: «يجب أن يكون لبنان قادراً على الاعتماد على جميع شركائه الإقليميين لدعمه على طريق تطبيق الإصلاحات».
وانطلاقاً من هذا الواقع، تستبعد مصادر «البناء» استقالة ميقاتي وإن لم يستقل قرداحي، بل سيمضي رئيس الحكومة في مساعيه لإيجاد المخرج المناسب بالتنسيق مع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي نبيه بري الذي يعتصم بالصمت منذ بدء الأزمة مع السعودية، ورفضت مصادر عين التينة الإفصاح عن موقف رئيس المجلس وحركته ومساعيه وما إذا كان يقوم بدور ما في الكواليس السياسية والديبلوماسية، لا سيما مع الكويت أو إعداد مبادرة متكاملة للملفات الخلافية المستجدة! واكتفت المصادر بالقول لـ»البناء»: «الصمت أبلغ من الكلام».
وعلمت «البناء» أن «الرئيس بري يجري مروحة مشاورات مع حزب الله بالدرجة الأولى لبلورة رؤية للحل ينقلها إلى ميقاتي وعون، لكن على قاعدة احترام السيادة الوطنية وعدم تعريض لبنان للخضوع والإذلال والابتزاز التي تمارسه السعودية». ومن ضمن الحلول البديلة للاستقالة، حل أزمة المحقق العدلي في تفجير المرفأ طارق البيطار انطلاقاً من مبادرة البطريرك الماروني مار بشارة الراعي التي وافق عليها الرئيس بري، وهذا ما بدت مؤشرته من خلال قرار محكمة الاستئناف كف يد المحقق العدلي الحالي بعد دعوى مخاصمة الدولة التي قدمها رئيس الحكومة السابق حسان دياب، وبعد ذلك يعود وزراء حركة أمل وحزب الله إلى الحكومة وتجري مناقشة عدد من الملفات الخلافية كموضوع استقالة قرداحي وإلى حينه يكون ميقاتي قد بلور رؤية ما بالتفاهم مع عون وبري لملاقاة الجهود الأميركية – الفرنسية في هذا الإطار».
وأفادت مصادر مقربة من الثنائي الشيعي، لقناة «أو تي في» بأن وزراء أمل وحزب الله لن يشاركوا في جلسة مجلس الوزراء قبل معالجة قضية البيطار، وأكدت أن «الحكومة باقية، وقرداحي باقٍ، والبيطار راحل»، معلنة أن مؤشرات استبعاد البيطار استوت، وإبعاد البيطار هو مدخل للمعالجة».
إلا أن أوساطاً نيابية رجحت أن تدخل الأزمة الناشئة مع السعودية في دائرة الجمود الطويل، أي تعليق جلسات مجلس الوزراء وبقاء حزب الله والمردة على موقفهما مع ربط استقالة قرداحي بحل كامل متكامل ومقابل ضمانات بتراجع المملكة عن إجراءاتها الأخيرة، أما من جهة السعودية فالمتوقع أيضاً أن تبقى على موقفها مع اتخاذ إجراءات إضافية إلا إذا تدخلت واشنطن وباريس وبعض الدول الخليجية الوسيطة على خط الأزمة للجم الاندفاعة السعودية. ولفتت الأوساط لـ»البناء» إلى أن «أزمة تنحي البيطار وأحداث الطيونة واستدعاء رئيس القوات سمير جعجع للتحقيق ملفات تحاصر الحكومة وتقيدها وتهدد مصيرها، وعليه لا تتوقع المصادر استقالة الحكومة ولا عودتها سليمة معافاة إلى جلساتها المعتادة حتى وقت طويل، ربما بانتظار تبلور المشهد الاقليمي». كما توقعت الأوساط نفسها أن «يدخل لبنان بمسلسل من الأحداث السياسية والأمنية حتى الانتخابات النيابية، إذ ستحاول كل من الرياض وإسرائيل استخدام كافة أوراق التصعيد في وجه حزب الله بهدف الضغط عليه في ملفات عدة في لبنان كترسيم الحدود وربما الإطاحة بالانتخابات النيابية إذا لم يتأكد الأميركيون والسعوديون خصوصاً من تغيير المعادلات النيابية والسياسية القائمة، إضافة للضغط على صعيد ملفات المنطقة كاليمن». وتخوفت من حصول تفجيرات أمنية متنقلة على الساحة الداخلية على غرار ما حصل في الطيونة لجر الحزب إلى الاشتباكات في الشارع لتقليب الرأي العام عليها وتشويه صورتها في الخارج وإشغالها واستنزافها وإنهاكها في الداخل، وقد عاد أمس تحريك «ورقة خلدة» من خلال قطع عدد من مناصري الموقوف في جريمة خلدة الشيخ عمر غصن الطريق قرب سنتر شبلي احتجاجاً على قرار المحكمة العسكرية بعدم إخلاء أي موقوف من موقوفي أحداث خلدة، وسط انتشار كثيف للجيش في المنطقة.
وذكرت وسائل إعلامية أن لقاء جمع ميقاتي بالمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل أول من أمس تم خلاله بحث الأزمة القائمة من دون التوصل إلى حل بعدما حاول ميقاتي إقناع الخليل بإقالة قرداحي والسير بالحل الذي طرحه. إلا أن مكتب ميقاتي نفى هذه المعلومات.
ومن المتوقع أن تكون هذه الملفات لا سيما التصعيد السعودي المستجد وموقف الحزب منها ومن اقتراحات الحلول، محور كلمة السيد حسن نصرالله عصر يوم الخميس المقبل بمناسبة «يوم شهيد حزب الله»، ومن المتوقع أن يرفع نصرالله سقف التحدي بوجه السعودية استكمالاً للمواقف التي أطلقها قادة الحزب خلال الفترة الأخيرة.
"الأخبار": تفاقم أزمات النقل والاتصالات والطاقة... والضغط مستمرّ على المودعين
من جهتها لفتت "الأخبار" إلى أن انعدام الخطة المركزية للدولة في معالجة تداعيات الأزمة القائمة، مردّه إصرار تحالف السلطة السياسية مع الفريق المالي والاقتصادي على رفض تحمل المسؤولية عن الكارثة المستمرة بحق الناس. لا يكتفي هؤلاء بإصرارهم على نفس آليات التفكير والعمل، بل يريدون تحميل الناس كلفة الخسارة على أكثر من صعيد. مرة بسرقة الودائع وتوظيفها في مشاريع خارجية فاشلة، أو تضييعها في سياسات توظيف داخلية أكثر فشلاً، ثم في عملية قص الشعر العشوائية التي تصيب أصحاب الأرصدة الأقل، وتترك الكبار في مرحلة الانتظار للتعويض عنهم من خلال بيعهم أصول الدولة.
لكن في هذه المرحلة الانتقالية، حيث لا استراتيجية لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي غير شراء الوقت ورشوة الناس ببعض الخدمات من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية، هذا إن حصلت، يبدو أن الفريق الحاكم يستسهل «تشليح» الناس ما بقي معهم من مدخرات، من خلال آليات عمل تفرضها تعاميم حاكم مصرف لبنان وتزيد عليها إدارات المصارف، أو من خلال تمهيد الأجواء لفرض زيادة كبيرة على كلفة الخدمات البديهية للناس في مواجهة متطلبات حياتهم اليومية.
على مدى أشهر قليلة، فُرضت على الناس أسعار مفتوحة للمشتقات النفطية، جعلت أي عائلة لبنانية تحتاج الى ما قيمته ضعفَي الحد الأدنى للأجور كبدل نقل فقط، كما تحتاج الى مبلغ مماثل لشراء ما معدله 12 ساعة تغذية من الكهرباء يومياً، وفرضت تسعيرات غير محددة السقف للفواتير الطبية وأسعار الأدوية، وتركت الباب مشرعاً أمام مافيا التعليم الخاص لرفع استنسابي لكلفة الأقساط، وها هي الحكومة تستعد وتختبر الناس، في ملفين أكثر خطورة: زيادة سعر تعرفة الكهرباء التي لم تصل بعد التغذية فيها الى أكثر من 4 ساعات يومياً، والتمهيد لزيادة كلفة الاتصالات الهاتفية على أنواعها، بالإضافة الى خدمات الإنترنت. ورغم أن النفي والتوضيحات لا تتوقف على لسان المسؤولين، إلا أن مرجعاً بارزاً أكد لـ«الأخبار» أن البحث حول تعديلات بدلات النقل والأجور والمنح التعليمية لموظفي القطاعين العام والخاص، لن تتم من دون تعديلات موازية على إيرادات الخزينة. وما يعرفه اللبنانيون منذ قيام هذه البلاد، أن زيادة الإيرادات تكون من خلال زيادة الرسوم والضرائب، من دون أي توزيع عادل على الفئات الاجتماعية، فيما لم يعد هناك سوى كتلة غنية صغيرة جداً، بينما جرى دمج الطبقات المتوسطة والدنيا في كتلة واحدة تبحث عن خلاصها بالهجرة قبل أي شيء آخر.
ووسط كل النقاش حول الخيارات البديلة، لا تظهر الحكومة أي استعداد عملاني للبحث في استراتيجيات إنقاذية، ولا سيما في القطاعات التي تتطلب علاجات فورية وعاجلة مثل النقل والكهرباء والاتصالات، بما يساعد على مواجهة ارتفاع أعباء المواصلات عند الناس وتأثير ذلك على الدورة الاقتصادية، ولا في تعديل آلية إنتاج الطاقة الكهربائية العادية أو البديلة، وترك القطاعات الحيوية لـ«بلد الخدمات» تنهار وتموت ببطء.
«المركزي» يضرب المقترضين
في هذه الأثناء، تبيّن أن المصارف اللبنانية كانت قد تبلغت من مصرف لبنان خفض حصصها من بيع الدولارات بنسبة 80 في المئة. وبدورها عكست المصارف هذا القرار في تعاملاتها مع الزبائن وبدأت تضيّق عليهم وتطلب منهم تسديد أقساط قروض التجزئة والسكن، بالدولار وليس بالليرة بحجّة أن مصرف لبنان توقف عن بيعها الدولارات.
قانونياً، لا يمكن المصارف أن ترفض قبول الليرة اللبنانية التي تحمل قوّة إبرائية. وبالتالي لا يمكنها رفض الليرة اللبنانية لتسديد القروض الممنوحة للزبائن بالعملات الأجنبية. وطالما أن مصرف لبنان والمصارف لا تعترف بعد بانهيار سعر الصرف، فلا يمكنهما احتساب قيمة الأقساط بسعر صرف يفوق 1507.5 ليرات وسطياً، وإلا عليهما أن يعترفا بأن الودائع أيضاً أصبحت بسعر الصرف هذا.
أما ما يقوم به مصرف لبنان لجهة خفض «كوتا» المصارف من الدولارات، فلا قيمة فعلية لإجراء كهذا، إذ إن هذه الدولارات التي يبيعها المصرف المركزي للمصارف، هي إما من أموال المصارف الموظفة لديه، أو أن يخلق عملة محلية لا يملكها، وفي كلتا الحالتين ينطبق على هذه الدولارات تعبير «الدولار المحلّي» الذي أتاح مصرف لبنان المتاجرة فيه بسعر يقلّ عن سعر الدولار في السوق الفعلية. والمشكلة أن مصرف لبنان المسؤول الأول والمباشر والحصري بموجب قانون النقد والتسليف عن تنظيم السوق المصرفية، لكنه بدلاً من الانصراف لمعالجة المشكلات الناجمة عن انهيار سعر الصرف وسلوك المصارف المشين في تعاملها مع الزبائن، يعمل على إغراق الاقتصاد بأسعار متعددة لليرة، تاركاً المودعين والمقترضين للمصير الأقوى. وفي المحصلة، صار القويّ يأكل الضعيف، وكالعادة فإن المصارف، على رغم إفلاسها غير المعلن، لا تزال صاحبة النفوذ الأقوى وهي تأكل الضعفاء من صغار المقترضين محاولةً أن تفرض عليهم شراء شيكات بالدولار من السوق لتسديد أقساط ديونهم، وشراء الدولارات النقدية لتسديد أقساط التأمين الملازمة لقروضهم.
حجّة سلامة لخفض بيع الدولارات للمصارف، كما ينقل عنه، أن بعض المصارف «لا توزّع كلّ الكوتا التي تحصل عليها على الزبائن»، مشيراً إلى أن بعضهم استخدم هذه «الكوتا» للمتاجرة بالشيكات المصرفية بالدولار أو لتكوين مؤونات لتغطية خسائر متوقعة في ميزانياتهم، أو لتغطية الخسائر في رؤوس أموالهم بالدولار... لكن حجّة مصرف لبنان التي يروّج لها تثبت أنه ليس أهلاً لإدارة السوق. فمن واجباته منع المصارف من القيام بعمليات متاجرة لم يسمح لهم بها، ومن مسؤوليته ومسؤولية لجنة الرقابة على المصارف مراقبة المصارف وردعها عن القيام بأمور تمسّ بأصول العمل المصرفي، لكنه لا يجد حرجاً في سياق قيامه بهذه الواجبات من الإمعان في ضرب المودعين والاقتصاص منهم، ولا يجد حرجاً في ترك المصارف تمارس سلوكها الانتقامي من المقترضين وصغار المقترضين تحديداً. من واجبات مصرف لبنان حماية المقترضين أيضاً وإجبار المصارف على قبول الليرة اللبنانية طبقاً للقوانين المرعية الإجراء، وقمع المصارف المخالفة، إلا إذا كان يهتمّ حصراً بحماية المصارف ومساعدتها على الانتقام من الزبائن.
"اللواء": تفاهم رئاسي على آلية المعالجة
في خضم واحدة من أخطر الأزمات المصيرية التي تواجه لبنان الدولة والمجتمع، والمتعلقة بتأزم العلاقات مع المملكة العربية السعودية خاصة، ودول الخليج على وجه عام، بدا الموقف اللبناني مشرَّعاً على كل الاحتمالات، وان القوى الرسمية والسياسية كل يغني على ليلاه:
1 - الرئيس نجيب ميقاتي يسعى لرأب الصدع في العلاقات، من موقع ما نص عليه البيان الوزاري، وعدم ترك الحبل على غاربه في ما خصّ الأزمة الناشئة مع الرياض ودول مجلس التعاون، ليتاح لاحقا للحكومة ان تفي بوعودها في ما خص الكهرباء وسعر صرف الدولار وإصلاح النظام المصرفي، وخطة التعافي الاقتصادي، مع ترقب زيارة للأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش إلى لبنان قبل نهاية العام الجاري.
2 - التيار الوطني الحر، وفريق الرئيس ميشال عون، منشغل بمآل التعديلات على قانون الانتخاب، من باب الطعن، امام المجلس الدستوري، بدءاً من اليوم بعد نشر قانون الانتخاب في الجريدة الرسمية أمس من خارج التوقيع الرئاسي، على ان تنتهي المهلة المتاحة في 18ت1 الجاري، أي قبل عيد الاستقلال.
3 - الفريق الشيعي، لا سيما حزب الله، يعطي الأولوية لرؤية قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت خارج الملف، بعد كفّ يده، ثم يأتي دور مجلس الوزراء للحضور، من زاوية التضامن مع وزير الإعلام جورج قرداحي، كما هو الوضع حتى الآن.
4 - وسط هذه الوضعيات المأزومة، لم ينج مجلس القضاء الأعلى من خضة داخلية، على خلفية قرار القاضي حبيب مزهر بكف يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار في انفجار المرفأ على خلفية الدعوى التي قدمها ضده الوزير السابق يوسف فنيانوس، موقفا التحقيق في انفجار المرفأ، لترفع شكوى ضده إلى التفتيش القضائي، مع العلم ان القاضي مزهر عضو في مجلس القضاء الأعلى.
واشارت مصادر سياسية إلى ان مسار معالجة الازمة المستجدة مع المملكة العربية السعودية، يميل نحو تخفيف منسوب التصعيد السياسي، وانتهاج اسلوب التبريد المتدرج والاستيعاب، وصولا الى حل المشكلة التي تسببت بها مواقف وزير الاعلام جورج قرداحي وما تبعها من ردود فعل ومواقف متلاحقة بهذا الخصوص.
وكشفت المصادر أن التفاهم على انتهاج اسلوب التبريد والاستيعاب، تم الاتفاق عليه في اللقاء الذي جمع بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي امس
الاول، باعتباره الاسلوب الانسب والمفيد، باتجاه حل الازمة، واعادة تأهيل العلاقات المهتزة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، لمافيه مصلحة لبنان وهذه الدول، بدلا من سياسة التصعيد التي توصد كل الابواب وتضر الجميع من دون استثناء، ومحاولة فصل هذا الملف عن حملات التراشق والتصعيد المتبادل بين الحزب والمملكة.
واعتبرت المصادر ان سلوك هذا المنحى الاستيعابي، بالتفاهم بين جميع الاطراف، يرتكز اولا، على تجنب الاصرار على اقالة وزير الاعلام كما دعا البعض، على أن يتبع ذلك استقالة طوعية لقرداحي، يزال من خلالها فتيل تفجير الازمة مع دول الخليج واستناد االى هذه المصادر، يبدو أن هذا المخرج لحل الازمة، لا يلقى رفضا من قبل الاطراف الداعمة لقرداحي، لاسيما حزب الله وتيار المردة تحديدا، اللذين رفضا اقالته، الا انهما ابلغا رئيس الحكومة، عبر الحاج حسين خليل ووسطاء، انهما لن يطلبا من وزير الاعلام الاستقالة، ولا البقاء في الوزارة، وهو حر بالخيار الذي يعتمده بالنهاية، بقاء او استقالة، الامر الذي اعتبرته المصادر بمثابة المخرج المرتقب للازمة، برغم الصعاب والتدخلات التي قد تعيق وتعطل تنفيذه، لغايات وحسابات سياسية واقليمية.
ولذلك، توقعت المصادر ان يستغرق تنفيذ هذا الحل بعض الوقت، في حين كان التركيز خلال لقاءات رئيس الحكومة مع عون وبري، على ضرورة، تسريع الخطى، لمعاودة عقد جلسات مجلس الوزراء المعلقة، بأسرع وقت ممكن، لاظهار مدى جدية الحكومة الإلتزام بتنفيذ تعهدات امام المجتمع الدولي، ولعدم اضاعة مزيد من الوقت سدى، بينما سينكب رئيس الحكومة والوزراء على دراسة وانجاز ملفات متطلبات المرحلة المقبلة، بانتظار معاودة جلسات الحكومة المعلقة، بسبب مطالبة الثنائي الشيعي الحكومة باتخاذ قرار تنحية أو رفع يد المحقق العدلي بتفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، الذي يبدو ان اسلوب معالجته، يأخذ منحى آخر، قد يشكل مخرجا لهذه المشكلة أيضا.
وعلى الرغم من اقفال ابواب المعالجات السياسية والقضائية، إلّا ان بعض الامور التي تعمل عليها السلطات الرسمية «ما زالت ماشية» كما قال مصدر رسمي لـ«اللواء»، حيث ان ملف التدقيق الجنائي الذي تقوم به شركة «الفاريز اندمارسال» في حسابات مصرف لبنان على السكة الصحيحة حتى الان، وتقوم الشركة بدرس اجوبة مصرف لبنان على 133 سؤالاً ارسلتها له ويرد عليها تباعاً، عدا ان التحضيرات لمفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي «ماشية» أيضاً من الجهتين اللبنانية والدولية.
بالمقابل، أبلغت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» أنه لم يسجل أي جديد على صعيد معالجة الأزمة مع دول الخليج وليس هناك إلا سلسلة اتصالات تتم وفق خارطة الطريق التي أطلقها الرئيس ميقاتي. واعتبرت المصادر أنه في حال نجحت الاتصالات لتأمين جلسة الحكومة فإن مناخ التفجير قد يكون طاغيا ولذلك فإنه من الأفضل تأمين اجواء توافقية قبيل أي جلسة حكومية.
ورأت أن الحكومة في وضع لا يحسد عليه، على أن أي خيار تلجأ إليه سيكون مرا معربة عن اعتقادها أنه من الضروري افساح المجال امام تحركات داخلية وخارجية لبلورة حل بشأن الأزمة مع دول الخليج يتيح على الأقل عودة التمثيل الديبلوماسي.
ولكن أوساط مراقبة قالت أن المسألة ليست بهذه السهولة على الإطلاق ولذلك لا بد من أن تكون الخطوات مدروسة ولا تعمق الأزمة ولا تطيلها.
ونفى مكتب الرئيس ميقاتي ما ورد في «الجديد» عن لقاء جمعه مع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل.
وذكر التقرير ان «ميقاتي بقي مصرا على ان حل الأزمة يبدأ باستقالة قرداحي أو اقالته» مشيرا إلى ان «حزب الله متمسك بموقفه بضرورة الإبقاء على قرداحي ومنعه من الاستقالة».
وهكذا راوحت الازمات القائمة على اكثر من صعيد مكانها، فلا حلول لعودة جلسات مجلس الوزراء ولا مقاربات حقيقية عملية لمعالجة الازمة مع المملكة العربية السعودية، برغم نداءات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبعض المسؤولين الاخرين لوزير الاعلام جورج قرداحي «لتحكيم ضميره والنظر الى مصلحة لبنان». فيما تتوجه الانظار الى ما سيعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في هذه القضايا، حيث يتحدث في «يوم شهيد حزب الله»، الخميس المقبل في الثالثة عصراً.
ويبدو ان كل الاقتراحات التي طرحت لمعالجة مسألة جلسات الحكومة سقطت، حيث علمت «اللواء» ان حزب الله يرفض عقد اي جلسة قبل معالجة مسألة «الارتياب» من القاضي طارق بيطار، وخشية طرح مسألة إقالة الوزير قرداحي. وقد جرى تواصل بين الرئيس ميقاتي والمعاون السياسي للامين العام لحزب الله حسين الخليل الذي ابلغ رئيس الحكومة رفض عقد اي جلسة تطرح فيها إقالة قرداحي، وابلغ الخليل هذا الموقف الى معاون رئيس المجلس النائب علي حسن خليل الذي ابلغه بدوره للرئيس نبيه بري.