لبنان
بوسطة عين الرمانة مجدّداً ضمن خطة الحرب
ناصر قنديل - "البناء"
– ثمة حقيقة لا تحتاج تحقيقاً ولا تبطلها شهادات ألوف شهود العيان المدبّرين، ولا روايات السياسيين وتحليلات الإعلاميين، وهي أنّ مجزرة الطيونة انتهت بسقوط شهداء وجرحى من فريق واحد يفترض أنه الأشد احترافاً بإطلاق النار لو كان شريكاً في اشتباك أو قتال، ولا مجال لأي تبرير أو فبركة التغطية على حقيقة الكمين المدبر الذي بدأت محاولات التراجع عن توصيف المجزرة كنتيجة له لدى جهات أمنية وعسكرية كانت قد قالت ذلك فور وقوع المجزرة وتراجعت بفعل الضغوط السياسية الداخلية والخارجية، لكن الرواية باقية بصفتها الحقيقة الوحيدة القابلة للتصديق، والأطباء الذين عاينوا الإصابات للشهداء والجرحى يجمعون على كون أغلبها من فوق إلى تحت وفي الرؤوس ومن زوايا متعددة، ما يعني أنها من قناصين على سطوح عدة أبنية محيطة بالجوار، وهو أمر يستحيل تفسيره عفوياً، مهما صرخ فلان وعلان وتشدق بالنظريات العسكرية عليتان، فالخطة المدبرة والانتشار المنظم لمجموعة تعرف بعضها جيداً، تقوم بمهمة مشتركة يشكل نقطة الانطلاق لأي تحقيق جدي وصادق يريد أن يصدقه اللبنانيون، الذين نجوا من الجولة الأولى للحرب الأهلية التي غرقوا فيها خمسة عشر سنة عندما نجحت الجولة الأولى لبوسطة عين الرمانة التي كانت كسيناريو تشبه بالتفاصيل ما جرى أمس، موكب يمر في منطقة توزع على سطوح أبنيتها القناصون وبادروا لإطلاق النار القاتل، والفرق الوحيد هذه المرة أن رد الفعل المتوقع باجتياح مسلح لمنطقة الحدث يسقط فيه العشرات، لم يحدث، واقتصر الأمر على بعض الانفعالات الموضعية على رغم حرارة الدم وحجم الفجيعة، ونجحت قيادتا حزب الله وحركة أمل بالسيطرة على شارعهما وضبطه وبقي القتل واضح الهوية والدم واضح الهوية.
– نجا لبنان من الجولة الأولى للحرب الأهلية المقررة كبديل عن حرب «إسرائيلية» مؤكدة الفشل، وقبيل انسحاب أميركي مؤكد الحدوث، وسط استحالة ترك الأميركيين لكيانهم المدلل في دائرة الخطر، والبديل الوحيد كان انفجاراً شعبياً جامعاً يجرم المقاومة كما كانت خطة ركب موجة الغضب الشعبي منذ 17 تشرين وفشلت، وجاء بديلها بعد انفجار مرفأ بيروت، الذي بات لزوم التفكير باعتباره مدبراً لخدمة أغراض الاستثمار فيه، وهو ما يتواصل منذ الانفجار باتجاهين، الأول تحويل الانفجار إلى توصيف يقوم على اعتبار بيروت المسيحية هي الضحية، والثاني توصيف جرمي يقول إن الفريق المسلم في الحكم هو القاتل، وخلال سنة اشتركت مرجعيات دينية وسياسية وسفارات وجمعيات في خلق هذا المناخ وتتويج المحقق العدلي بطلاً مسيحياً على هذا الأساس، وصولاً لتصوير حزب الله راعياً لمنظومة فاسدة تواطأت في قضية النترات لحساب حزب الله لشحنها إلى سورية وصولاً للانفجار، ويبدو التحقيق قد حقق الهدف ووصل إلى الطريق المسدود، ففقد المصداقية، لكنه رفع التوتر الطائفي فشمل الانقسام المرجعيات الطائفية والكتل النيابية ومجلس الوزراء والأحزاب ووصل إلى القضاء والشارع، وفي ظل مؤشرات على ترابط نترات المرفأ بالنترات المنتشرة في أكثر من منطقة من البقاع في عهدة القوات اللبنانية، لزوم التهريب إلى سورية، لحساب الجماعات المسلحة، وهو الأقرب للتصديق من نظرية عجائبية غير قابلة للتصديق عن تخزين حزب الله للنترات في المرفأ ولديه مئات آلاف الأمتار من المستودعات التي تتسع لعشرات آلاف الصواريخ، وأن يبقيها سبع سنوات، وأن يكون المستفيد هو الجيش السوري الذي يملك ترسانة هائلة من السلاح النوعي ويملك مرافئ بحرية مباشرة ويملك مصانع ضخمة للنترات تنتج مثل الكمية التي وجدت في المرفأ في يوم واحد.
– خلال سنة تراجع الخطاب القائم على مخاطبة اللبنانيين كجسد واحد وسقط الرهان على جماعة تشرين، وبدأ الحديث يتصاعد عن الفيدرالية والإدارة الذاتية والثقافات المتعددة، واستحالة نجاح العيش المشترك، وتصاعد الاستقطاب الطائفي، حتى جاءت لحظة تفجير الأمس كشرارة لأخذ البلد إلى الحرب الأهلية فيضيع معها كل تفصيل الشرارة الأولى، ومن يريد منع تكرار المحاولة عليه أن لا يراهن على فعالية حكمة قيادات المقاومة وقدرتها على السيطرة كل مرة، بل أن يراهن على أن متابعة الحقيقة بالتحقيق النزيه، وحده يضمن فعالية الرهان على الحكمة بتأكيد مصداقية الرهان على الدولة.
إقرأ المزيد في: لبنان
01/11/2024