لبنان
لبنان نحو الانهيار الشامل واختبار "رفع الحصانة".. والحكومة بين واشنطن وموسكو
طغى على المشهد اللبناني تفادي "الهيئة المشتركة" في مجلس النواب طلب المحقق العدلي في انفجار مرفآ بيروت القاضي طارق بيطار "رفع الحصانة" عن نواب ووزراء سابقين، ليتجمع على إثر ذلك أهالي الضحايا أمام وزارة الداخلية ومقر رئاسة مجلس النواب مطالبة برفع الحصانات وذهاب الجميع الى التحقيق.
كما تناولت الصحف اللبنانية تفاقم الأزمة المعيشية مع مشارفة الدولار الوصول إلى الـ 20 ألف ليرة، ويترافق ذلك مع انقطاع الكهرباء واختفاء الداوء وتقنينٍ بتوزيع المياه "إلى الحدود الدنيا" وفق مؤسستي مياه لبنان الجنوبي والشمالي.
أمَّا على الصعيد الحكومي، فركزت الصحف على البيان الأميركي - الفرنسي المشترك حول زيارة سفيرتي البلدين في بيروت دوروثي شيا وآن غريو للسعودية والذي عكس توجه البلدين بأنهما يريدان حكومة بصلاحياتٍ كاملة. وفي المقابل صدر عن وزارة الخارجية الروسية بيان عن اتصال هاتفي بين الممثل الخاص لرئيس روسيا الاتحادية في الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف والرئيس الحريري يؤكد ضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة الرئيس الحريري.
المواجهة بين المحقّق العدلي ومجلس النواب
رأت صحيفة الأخبار أنَّ ما صدرَ بعدَ اجتماع الساعتين لـ «الهيئة المشتركة» في مجلس النواب لم يحمل مفاجأة، وتحوّلت أولى جلساتها في مجلس النواب إلى مسرح لنقاش سياسي مغلّف بأطر دستورية، استطاع من خلالها النواب الحاضرون، «مؤقتاً»، تفادي «الحكم الأولي» الصادر عن المحقق العدلي في جريمة المرفأ، القاضي فادي بيطار، المطالب برفع الحصانة عن 3 نواب ــــ وزراء سابقين.
الذين اجتمعوا أمس في عين التينة «على المحقّق العدلي» في جريمة تفجير مرفأ بيروت، خلصوا إلى الآتي: «ما تقدّم به القاضي طارِق بيطار مِن حيثيات ليسَ كافياً لاستجابة مجلس النواب إلى طلبه رفع الحصانة عن الوزراء السابقين ــــ النواب الحاليين: علي حسن خليل، غازي زعيتر ونهاد المشنوق».
لم يكُن مُنتظراً وفق الصحيفة أن يُعطى لبيطار ما يُريده «مُعجّلاً مكرّراً»، رغم أن الجريمة تتقدم على كل ما عداها من ملفات «الضرورة». ومهما علَت أصوات أهالي الضحايا الذين اعتصموا على مدخل «قصر عين التينة» ضد المتورطين وحُماتِهم، ثمّة تسليم بأن المعركة لم تعُد بينهم وبينَ هؤلاء. المعركة الأساسية في هذا الملف انتقلت إلى مكان آخر، الجنود الأضعف فيها هم ورثة الدم، ظاهرها دستوري وباطنها سياسي بين طرفين، لكل منهما خلفية تحرّكه (المجلس والقاضي). أما حصيلة الجولة الأولى بينهما، فهي «المزيد من مغمغمة الملف».
من جهتها، قالت صحيفة البناء أنَّ مصادر نيابية دعت الى عدم تسييس قرار بيطار واستهداف بعض الشخصيات السياسية والأمنية لأهداف خاصة، مشيرة لـ”البناء” الى ان قرار الاستدعاء يجب الا يقتصر على مسؤولين معينين دون آخرين متسائلة عن استبعاد شخصيات رئاسية ووزارية وأمنية وفي مواقع مختلفة من قرار الاستدعاء علماً أنها شغلت مناصب مماثلة للذين استدعاهم بيطار للتحقيق.
وعلى وقع اجتماع مكتب المجلس احتشد أهالي شهداء وضحايا المرفأ أمام عين التينة رافعين صور أبنائهم وحاولوا الدخول الى المقر الا أن القوى الأمنية تصدت لهم، وكان هرج ومرج وسقط عدد من الأهالي أرضاً، قبل ان يتوجّهوا الى وزارة الداخلية للاعتصام. وقال المعتصمون في بيان “إلى كل من يختبئ تحت غطاء الحصانة، ويرفض طلب الاستجواب او غيره عبر التلاعب على القانون فهو يبرهن انّه متورّط او لديه معلومات تهمّنا وتفيد التحقيق. تهرّبكم من التحقيق يعادل السماح لنا بالدخول إلى بيوتكم من دون أي إذن، لجلبكم للتحقيق بالقوة ومعرفة مدى تواطئكم مع الميليشيات الداخلية او الدول والأموال الخارجيّة. لا زلنا ننتظر مثولكم أمام القضاء وفي حال عدمه انتظروا منا ما لم تروه سابقاً من تحركات غير سلمية”.
بدورها، أكَّدت صحيفة النهار في حديثها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري أنَّه لن يتهاون أبدًا مع الملف، "ومن حق أهالي الشهداء وكل اللبنانيين الوصول إلى الحقيقة وعدم التغطية عليها. ولن يسكت مجلس النواب عن أي مرتكب أو مقصر حيال هذا الأمر من وزرا ء أو غيرهم".
الخراب الكامل على الابواب
توقعت الصحف اللبنانية أن يحلَّ الخراب والفوضى جراء التدهور الحاصل بسعر صرف الدولار والأزمة المعيشية المتفاقمة، صحيفة الأخبار قالت أنَّ سعر الصرف وصل إلى 20 ألف ليرة لكلّ دولار. الكهرباء انقطعت مهدِّدة بانقطاع شبه تام للمياه وتعطيل الخدمات الصحية... الدواء مفقود من الصيدليات التي أقفل جزء منها أبوابه «إضراباً»... المحروقات غير سهلة المنال... وكذلك السلع الأساسية، التي إنْ وُجدت فأسعارها خيالية. في المقابل، حسمت الطبقة المهيمنة، بسياسيّيها وماليّيها، موقفها بعدم اتخاذ أي قرار لتخفيف سرعة الانهيار، أو تأخير الارتطام الكبير، أو في أحسن الأحوال القيام بخطوات من شأنها حماية السكان من تبعات الانهيار. على العكس من ذلك، تخوض تلك الطبقة معركة إعادة إحياء النموذج الذي انهار، رافضة القيام بعملية توزيع للخسائر، مصرّة على تحميل هذه الخسائر للفقراء ومتوسطي الدخل، وحماية ثروات القلّة من أصحاب المصارف والمحتكرين وتعزيز قدرتهم على تحقيق الأرباح. البلاد تبدو على حافّة انفجار كبير، ليس بالضرورة أن يكون على شكل ثورة أو انتفاضة، بل ربما يكون على صورة فوضى شاملة!
ولم تعتبر إعلان اللجنة التنفيذيّة للَقاح كورونا إلغاء ماراتونَي «أسترازينيكا» و«فايزر» اللذين كان يُفترض إقامتهما اليوم بسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت عن معظم المراكز أمرًا عابرًا. لبنان دخل العتَمة الشاملة. أزمة البنزين، رغم كلّ «التطمينات»، لم يُلمس حلّها بعد ولم تُخفّف من الطوابير. سعر الدولار لامس أمس الـ 20 ألف ليرة، وسيستمر الانهيار في الليرة من دون سقفٍ طالما أنّه لم يُقرّر حلّ جذري. قيمة الرواتب تنهار، وكذلك القدرات المعيشية لمعظم السكّان. سلع رئيسية تُفقد من الأسواق، وإن وجدت فبأسعار لا قدرة لأكثرية السكان على تحمّلها. أما الأخطر، فهو انقطاع أدوية أساسية من الصيدليات بفضل الممارسات الاحتكارية لشركات استيراد الأدوية، التي باتت تُطالب علناً بتحرير الأسعار حتى تُعيد ضخّ الأدوية في الصيدليات.
في غضون ذلك، أشار صحيفة الديار إلى أنَّ لبنان يحتل المراتب الاخيرة لناحية الحد الادنى للاجور بعد ان اصبح 35$ نتيجة تجاوز الدولار عتبة 18000 ليرة لبنانية. هذا وكشف خبير اقتصادي ان الطبقة الحاكمة منذ ثلاثين عاما انفقت 320 مليار دولار بينما لم ير الشعب اللبناني تطورا هاما في البنى التحتية ولم يشهد على بناء مصانع وقيام اقتصاد انتاجي.
وفي هذا الاطار، تؤكد اوساط مالية لـ "الديار" ان ما يجري في سعر صرف الدولار، هو ترجمة لبداية "انهيار مالي" بعلم الارقام ولا سيما مع اعلان مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة رفع الدعم الشامل على كل السلع التي كانت مدعومة هو امر حتمي ومسألة وقت بعد نفاد الاحتياط الالزامي، وان الترشيد الحاصل في ملف الدواء والمحروقات "إبر مورفين" لمنع الانهيار السريع، او تأجيله لشهرين او ثلاثة وحتى انتهاء فصل الصيف ومغادرة المغتربين.
وتشير الاوساط الى ان الطلب الهائل على الدولار من قبل التجار والمستوردين، ومن بعض البنوك لتتمكن من تنفيذ التعميم 158 ساهم في هذا الارتفاع الجنوني، كما ان هناك مضاربات وتهريب وكله ينعكس على سعر صرف الليرة.
ومن ناحيتها، صحيفة اللواء أوضحت أنَّه على نحو استفزازي يومي، ودوري، تمضي مؤسسة كهرباء لبنان، تحت مزاعم الشفافية، لايهام المواطن بأن ساعات التغذية ستزيد، إذا ما افرغت حمولة شحنة مادة الغاز اويل، الراسية قبالة مصب معمل الزهراني، بعد ان تكون الإجراءات المصرفية استكملت لدى المصارف الأجنبية المراسلة في الخارج بعد ان افرغت حمولة المادة الراسية قبالة مصب دير عمار.
وللحوؤل دون ضخ المياه، سلمت بعد ظهر أمس مؤسسة مياه لبنان الجنوبي 130 ألف ليتر من مادة المازوت و100 ألف ليتر لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان.
في سياقٍ معاكس، لفتت صحيفة البناء إلى أنَّه برزت ملامح حلحلة على صعيد أزمة الكهرباء بعدما أقفلت الصيدليات أبوابها امس. واعلن نقيب الصيادلة غسان الأمين عن “انفراج في أزمة الدواء مطلع الأسبوع”، مشيراً الى ان “الاثنين المقبل سيعلن وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن عن خطة جديدة لتقويم سياسة الدعم التي كانت معتمدة في ملف الدواء بما يساهم في ضبط هدر الأموال والتهريب والتخزين”. ولفت في حديث إذاعي إلى ان “الخطة تقوم على إبقاء الدعم على كل الأدوية الأساسية للمواطنين، على أن تتولى لجان رقابية الإشراف على دخول الأدوية الى لبنان وتوزيعها على الصيدليات، بينما سيتمّ رفع الدعم عن الأدوية غير الأساسية، وهو إجراء يُتوقع ان يوقف عمليات تهريب الأدوية المدعومة وبالتالي الى إراحة السوق”.
أما على صعيد ازمة المحروقات فاستمر مسلسل طوابير السيارات أمام المحطات، لكن بوادر الحلحلة ظهرت حيث فتح مصرف لبنان الاعتمادات الماليّة لبواخر المحروقات الراسية على الشاطئ اللبناني.
وأكد رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط جورج فياض أن “فتح الاعتمادات هي بداية حل وهناك باخرتان بدأتا تفريغ المحروقات بدءاً من مساء أمس، والشركات قد تسلّم السبت والأحد من أجل تخفيف الطوابير على المحطات”.
بدوره، أكد ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا أن “الشركات المستوردة بدأت بتسليم مادة البنزين الى المحطات، التي ستفتح أبوابها يومي السبت والأحد بهدف إراحة السوق”. وشدّد في حديث إذاعي على ان “كميّات البنزين التي توزّع في السوق وفيرة وكافية”، لكنه استغرب “أين تذهب هذه الكميات”.
وعلى صعيد أزمة الكهرباء أصدرت مؤسسة كهرباء لبنان بياناً، أشارت فيه إلى أن “المصارف الأجنبية المراسلة قد قامت بكل الإجراءات المصرفية العائدة للقسم الأول من شحنة مادة الغاز أويل الراسية قبالة مصب معمل دير عمار، وقد صدرت على أثره موافقة المورد للمباشرة بتفريغ هذا القسم خلال فترة بعد الظهر”.
وأضاف البيان، “أمّا بالنسبة للقسم الثاني من حمولة شحنة مادة الغاز أويل، فإنّها لا تزال راسية قبالة مصبّ معمل الزهراني، أيضًا بانتظار استكمال الإجراءات المصرفية لدى المصارف الأجنبية المراسلة في الخارج”.
وربطًا بالكهرباء، ذكرت صحيفة نداء الوطن إعلان مؤسستي مياه لبنان الجنوبي والشمالي البدء بتقنين توزيع المياه "إلى الحدود الدنيا" نسبة لانقطاع التيار والشح الحاصل في مخزون المازوت والبنزين، وتراجع جهوزية وقدرة المولدات الكهربائية على سد العجز في التيار الكهربائي وتأمين استمرارية عمل محطات ضخ المياه والآبار الارتوازية في مختلف المناطق اللبنانية.
الحكومة بين أمريكا وروسيا
تناولت صحيفة البناء بيان وزارة الخارجية الروسية الذي يقول «أنه وبناء لإتفاق مسبق، جرى اتصال هاتفي بين الممثل الخاص لرئيس روسيا الاتحادية في الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف والرئيس المكلف سعد الحريري. وعرض الرئيس الحريري أثناء المكالمة لوجهة نظره وتقييمه ورأيه في ما يتعلق بتطور الأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في لبنان، والذاهبة في اتجاه مزيد من التعقيد والصعوبات.
اضاف البيان: في المقابل، أكد الجانب الروسي على ضرورة دعم كل الجهود في سبيل الإسراع بتشكيل لبنان حكومة مهمة قادرة، من التكنوقراط، برئاسة الرئيس سعد الحريري. كما شدد على ضرورة الوصول إلى توافق وطني بين كل القوى السياسية والطائفية الأساسية الفاعلة، على مبادئ الوحدة الوطنية ووحدة الأراضي اللبنانية والاستقلال والسيادة.
وتابع: وضمن هذا الاتجاه، تم التأكيد وفق البيان، على توجهات موسكو في متابعة الاتصالات المكثفة مع ممثلي القوى الاجتماعية السياسية الفاعلة في لبنان، بالاعتماد على الرصيد القوي لعلاقات الصداقة التاريخية الروسية اللبنانية، المبنية على المصالح المشتركة بين البلدين.
ورغم ذلك، أشارت صحيفة البناء إلى أنَّه لم يظهر توجه الرئيس الحريري بانتظار عودة السفيرتين الأميركية والفرنسية من الرياض للاطلاع على نتيجة المشاورات مع القيادة السعودية.
وبحسب مصادر “البناء” فإن الاتجاه الأرجح هو نحو البحث عن اسم آخر غير الحريري بعدما وصل الجميع الى قناعة بأن الحريري لن يستطيع تأليف الحكومة في ظل الخلاف مع العهد ومشكلته مع السعودية. وأضافت المصادر أن البحث يجري أيضاً حول شكل الحكومة الجديدة ومهمتها التي تنحصر في إجراء انتخابات نيابية وإنجاز عدد من الإصلاحات الضرورية كما يشمل البحث برنامج الحكومة.
لكن المشكلة بحسب المصادر تكمن أن لا اتفاق حتى الآن حول اسم لرئيس الحكومة حيث من الصعب ان يتفق فريق العهد من جهة والرئيس بري والرئيس الحريري من جهة ثانية على شخصية واحدة.
وأوضح المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس أن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا والسفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو “أجرتا مشاورات ثلاثية مهمة الخميس مع السعودية لمناقشة الوضع في لبنان والسبل التي يمكننا من خلالها سوياً دعم الشعب اللبناني، والأهم المساعدة على استقرار الاقتصاد اللبناني الذي يضع عبئاً كبيراً على الشعب اللبناني”. وأضافت: “إن السعودية لاعب إقليميّ مهم ومن الأطراف المعنية في لبنان وما نحاول أن نقوم به والعديد من الشركاء هو تسليط الضوء على المحنة الإنسانيّة للشعب اللبناني. وهذا كان موضوع نقاش دائم عندما كان الوزير أنتوني بلينكن في أوروبا الأسبوع الماضي، حيث ناقش ملف لبنان مع العديد من المسؤولين من بينهم قداسة البابا فرنسيس. هذا ما نحاول فعله ومن الواضح أن المساعدة الإنسانية التي نسعى إليها للشعب اللبناني ستتطلّب دعماً من العديد من الأطراف بما في ذلك من المنطقة وأبعد. والولايات المتحدة راغبة وعازمة على مواصلة دعم الشعب اللبناني ونقوم بجهود من أجل الدفع نحو دعم دولي أوسع لتقديم هذه الإغاثة للشعب اللبناني”.
وأعلنت الخارجية الأميركية في بيان أن سفيرتنا في بيروت تجري محادثات ثلاثية مع نظيريها الفرنسي والسعودي بشأن الأوضاع في لبنان.
من جانبها، بيَّنت صحيفة الجمهورية أنّ زيارة السفيرتين الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو الى السعودية، وبحث الملف الحكومي مع المسؤولين السعوديين، قد فرضت على كل المستويات السياسية انتظار نتائج هذه الزيارة، التي يُفترض ان تحدّد الاتجاه الذي سيسلكه الملف الحكومي، الّا انّ اللافت للانتباه هو انّ ما انتهت اليه كان التعجيل بحكومة بصلاحيات تنفذ اصلاحات.
وسجّلت مصادر سياسية مواكبة للحراك الأميركي والفرنسي حول لبنان، عبر «الجمهورية» الملاحظات التالية:
اولاً، على الرغم من موقف واشنطن وباريس من الطبقة الحاكمة وفسادها، فإنّ البيان اعاد منح «قادة لبنان» ما بدت انّها فرصة جديدة « لاتخاذ اجراءات ملموسة لمعالجة عقود من سوء الادارة والفساد».
ثانياً، لم يشر البيان صراحة الى تعقيدات تأليف الحكومة، ولا الى المعطّلين، كما لم يتطرّق من قريب او بعيد الى ما ذهبت اليه مطابخ التنجيم والترويج في لبنان، التي رافقت زيارة السفيرتين الى السعودية، تارة بالقول بأنّ الزيارة تهدف الى احداث انقلاب في الصورة السياسية في لبنان، وتارة أخرى بإلباسها هدف جذب السعودية الى لبنان وتسهيل تشكيل حكومة، وتارة ثالثة بعنونتها بهدف الاطاحة بتكليف الرئيس المكلّف سعد الحريري، والبحث عن اسم بديل منه مع السعوديين.
ثالثاً، جوهر البيان الأميركي - الفرنسي انطوى على تأكيد متجدّد للموقف التقليدي لواشنطن وباريس لناحية الحث على تشكيل حكومة في ظل الطاقم السياسي الحالي، ما ينفي ما جرى ترويجه لناحية احداث انقلاب في الصورة الداخلية، او لناحية استبدال الرئيس المكلّف.
رابعاً، انطوى البيان الاميركي- الفرنسي المشترك، على التأكيد الى «الحاجة الماسّة إلى حكومة»، بما يعني التسريع في تشكيل الحكومة. لكن الجديد في هذا السياق هو الاشارة الواضحة هذه المرة الى «حكومة بصلاحيات كاملة لتنفيذ اصلاحات». من دون ان يوضح البيان معنى هذه الصلاحيات، بمعنى سواء اكانت صلاحيات متفق عليها ادبياً بين القوى السياسية على ذلك، ام صلاحيات استثنائية يمنحها ايّاها مجلس النواب، وكذلك لم يوضح البيان، حدود هذه الصلاحيات، وما اذا كانت صلاحيات مؤقتة ومحدّدة بمجالات معينة، او صلاحيات شاملة ولمدى مفتوح.
خامساً، تناول البيان الاميركي - الفرنسي المشترك ما بحثته السفيرتان غريو وشيا مع المسؤولين السعوديين بشكل عام، دون الدخول في تفاصيل النقاط التي تمّ بحثها، كما لم يتضمّن البيان الاميركي - الفرنسي اي اشارة الى الموقف السعودي من الملف الحكومي في لبنان.
كما أكَّدت الجمهورية أنَّه ترددت في بعض الاوساط انّ الرئيس الحريري قد أظهَر رؤية متشائمة من الوضع، وأبلغَ الجانب الروسي انه في صدد إعلان اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة، بداية الاسبوع المقبل».
وكشفت صحيفة الأخبار بعض المعطيات المرتبطة بالمهمة الأخيرة للسفيرتين الأميركية والفرنسية في الرياض، يتحدّث عن أنهما حملتا معهما أحد خيارَين كي يفاضل المسؤولون السعوديون ما بين أحدهما، على أنهم شركاء فعليّون لواشنطن وباريس في منع الانهيار الشامل لهذا البلد، ما يتسبّب للبنانيين بفقدانه تماماً، لكنه مصدر إقلاق مهم أيضاً للعواصم الثلاث تلك المؤثرة فيه والمتأثرة به، أضف أن لديهما نفوذاً تقليدياً تاريخياً عميقاً في علاقة كل منهما بالدولة اللبنانية، كما بالأفرقاء المحليين:
أول الخيارَين المحمولين الى الرياض يقترح في حال تأكد أن ثمّة إصراراً سعودياً لا عودة عنه هو رفض ترئيس الحريري الحكومة أن يصير الى طرح بضعة أسماء تخلفه، من غير أن يُعدّ أصحابها بالضرورة مرشحي المملكة، بيد أنها تدعمهم ولا يزعجونها، ويتمكّن الأميركيون والفرنسيون من تسويق أحدهم في الداخل، وخصوصاً لدى رئيس الجمهورية ميشال عون وحزبه ولدى حزب الله. تجاوب الرياض مع الخيار الأول، بمرشحين غير مستفزّين، يتيح للأميركيين والفرنسيين أيضاً مفاتحتها والتمنّي عليها دعم لبنان مالياً، وإعادة إنعاش اقتصاده وانتشال نقده الوطني من القعر.
ثاني الخيارين في حال تشبّث السعوديين برفض ترئيس الحريري، كما برفض اقتراح أي اسم بديل منه، أن يصير على الأقل الى توفير مقوّمات صمود البلد الآيل الى السقوط. يقضي ذلك بتقديم مساعدات الى اللبنانيين مباشرة، كمستفيدين فعليين، من خلال حكومة تصريف الأعمال التي تبقى إذذاك الخيار الوحيد الباقي في ظلّ تعذّر التوصل الى تأليف حكومة جديدة. يقصد بالمساعدات هذه، إحداها التي تتيح للمجتمع مواجهة مشكلاته المعيشية كتمويل البطاقة التموينية. بيد أن الشقّ الأهم في هذا الدعم يكون للجيش وقوى الأمن اللبنانية على أنهما الرهان الوحيد من أجل المحافظة على الحد الأدنى من الاستقرار الأمني الداخلي، تحت وطأة تهاوي كل المصادر الأخرى المتبقية للاستقرار، السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنقدي.
إقرأ المزيد في: لبنان
27/11/2024