لبنان
لا انفراج في أزمة البنزين بعد اليوم الأول من رفع الأسعار
ركزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على مسألة الأزمات المعيشية والأوضاع الأمنية بالبلاد في ظل تراجع منسوب التفاؤل بإحداث خرق في جدار الأزمة الحكوميّة إذ يحاول رئيس الجمهورية بالاستعانة بمجلس الدفاع الأعلى القيام بإجراءات وخطوات للتخفيف من حدة الأزمات وإيجاد حلول جزئيّة لبعضها الآخر على غرار أزمتي المحروقات والأدوية.
ويبدو أنه رغم رفع سعر صحيفة البنزين الى 70 الف ، فإن الأزمة لم تحل بعد وستبقى الطوابير تنتظر عند المحطات والإحتكار سيد الموقف.
سياسياً كان الجديد، الاجتماع الذي ضمّ وزراء خارجية أميركا أنتوني بلينكن وفرنسا جان إيف لودريان والسعودية فيصل بن فرحان، والإعلان عن مناقشة المسار الحكوميّ المتعثر في لبنان والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف به، وبعد الاجتماع غرّد بلينكن : «مناقشة مهمة مع نظيريّ السعودي والفرنسي بخصوص احتياجات القادة السياسيين في لبنان لإظهار قيادة حقيقيّة من خلال تنفيذ الإصلاحات المتأخرة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد وتزويد اللبنانيين بالإغاثة التي همّ في أمسّ الحاجة إليها»، بينما بقي المتاح معرفته هو ما سرّبه الفرنسيون عن تفويض أميركي سعودي لهم لإدارة الملف اللبناني.
"الأخبار": رفع الدعم يُنذر بأزمة استيراد: العمولة على الليرة بـ 10%
بداية مع صحيفة "الأخبار" التي رأت أن قرار مصرف لبنان وقف «دعم» استيراد السلع الرئيسية، وفي مقدمتها المحروقات، سـ«يقطع» الدولارات من السوق. المستوردون سيحصلون على الدولارات من الصرافين، بعدما كان مصرف لبنان يؤمّن 85% أو 90% منها، ما سيؤدّي إلى المزيد من الطلب على العملة الصعبة. وبسبب عدم قدرة المستوردين على تأمين الدولارات، ربما ستنقطع سلع رئيسية من السوق، ويُحقّق رياض سلامة هدفه بخفض الاستيراد.
اليوم الأول بعد رفع أسعار البنزين والمازوت، أظهر... عدم انفراج أزمة البنزين. المحطّات إما أنّها أقفلت أبوابها أو استمرت في تقنين المادّة للمستهلكين، بسبب اعتراض أصحاب الشركات على طريقة احتساب التسعيرة، مُطالبين باحتسابها على سعر صرف الدولار النقدي، في حين أنّ الجدول وُضع بالاعتماد على سعر صرف 3900 ليرة لكلّ دولار. ليس مستغرباً أن يستمر المُحتكرون في تأمين مصالحهم والسعي إلى زيادة أرباحهم في عزّ الأزمة، طالما أنّهم ينجحون في كلّ مرّة بانتزاع الشروط التي يُريدونها من «الدولة»، بعد أن يأخذوا السكّان رهينةً ويتحكموا بضخّ السلع بالسوق.
يحصل ذلك حتّى قبل انقضاء فترة الـ«سماح» التي أعطاها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة لدعم المحروقات «100%» بحسب سعر صرف الـ 3900 ليرة للدولار، وهي الفترة التي تمتد إلى ثلاثة أشهر فقط. وهي ستكون «فاتحة» لنوعٍ آخر من الأزمات: المزيد من الطلب على الدولار من السوق، لكن ليس بما يؤدي إلى زيادة سعر العملة الصعبة وحسب، بل قد يؤدي إلى عجز المستوردين عن تأمين الدولارات اللازمة للاستيراد. مستوردو المواد الغذائية وقطع الغيار والدواليب والمواد الأولية الزراعية والصناعية وغيرهم يشترون الدولارات من عند الصرّافين حتّى يستوردوا بها مواد من الخارج. بعد ثلاثة أشهر، سيتوقف مصرف لبنان عن فتح الاعتمادات لاستيراد المشتقات النفطية، وسيكون لزاماً على الشركات اللجوء أيضاً إلى الصرّافين. المصير نفسه سيطال مستوردي حليب الأطفال وجزءاً من الأدوية. ترجمة هذا «النزوح» صوب السوق الحرّة يعني أنّ كمية الدولارات في التداول لن تكفي لسدّ حاجة لبنان من الاستيراد، وخاصة إن صحّت الأرقام الصادرة عن مجلس الوزراء ومصرف لبنان، بأنّ الأخير دفع خلال السنة الماضية 5 مليارات و40 مليون دولار لتمويل استيراد المحروقات والدواء والسلّة الغذائية والقمح. رفع الدعم نهائياً، سيؤدّي إلى محاولة المُستوردين تأمين قرابة الـ 3 مليارات دولار من السوق الحرّة، من دون أن ينجحوا في ذلك. فلو كان هذا المبلغ متوافراً فعلاً حالياً، لما كان الضغط على سعر العملة بهذه الحدّة.
يجب أن تُعزّز الدولة من حضورها، وتتّخذ قرار الاستيراد مباشرة
انقطاع العملة الصعبة في بلد مثل لبنان، يتّكل على الاستيراد لتأمين ــــ تقريباً ــــ كلّ حاجات سكّانه والمواد الأولية اللازمة للصناعات والزراعة، سيخلق كارثة... تُفيد رياض سلامة. الحاكم يُريد تخفيض الاستهلاك عبر زيادة الأسعار، ويُريد إعادة لمّ الكتلة النقدية بالليرة من السوق، لذلك قرّر التوقّف عن دعم الاستيراد. رضخت له السلطة لأنّها لا تُريد أن تتحمّل مسؤوليتها وتُمارس دورها، بل تستمر في تفويض مهامها لحاكم البنك المركزي. علماً بأنّه في مثل هذه الأزمات، وخاصة إذا كانت مُصنفة من قبل البنك الدولي بأنّها واحدة من أسوأ ثلاث أزمات في العالم على مدى أكثر من 150 سنة، يجب أن تُعزّز الدولة من حضورها، وتتّخذ إجراءات تحمي من خلالها القدرات المعيشية للسكّان والاقتصاد المحلي. لا إمكانية إلا باعتماد حلول جذرية، بحسب خبراء اقتصاديين، كأن تتولّى بنفسها استيراد المحروقات للتنقل وتشغيل الكهرباء، والأدوية، والمواد الغذائية... وتطبيق إجراءات فورية، كإصدار بطاقة لكل سيارة دفعت الميكانيك فتُصبح قادرة على شراء بنزين مدعوم بكميات محددة، وأي استهلاك يفوق الكمية المدعومة، يُدفع ثمنه كما هو في السوق. ولا شيء يمنع عقد اتفاقات من دولة إلى دولة، إلا العقلية السائدة بأنّ السيطرة هي للمحتكرين والتجّار والمصرفيين، والخضوع أمام إملاءات الغرب بأنّ التعاون التجاري والاقتصادي ممنوع مع دول غير مرضى عنها أميركياً.
أزمة إيجاد الدولار ستبدأ قريباً، ولكنّ أزمة الليرة بدأت فعلاً مع إبلاغ عدد من المصارف الشركات التي تُوطّن رواتب موظفيها لديها أنّها بحاجة إلى الإتيان بليرات نقدية حتى يتم تحويل رواتب الموظفين، وممنوع على الشركات أن تستخدم الأموال في حساباتها لدى المصارف، إلا إذا ارتضت سحبها كشيك مصرفي. هذا الأمر أدّى إلى أن تصل العمولة على النقد اللبناني أمس إلى 10% (كل شيك بقيمة 100 مليون ليرة، يُصرف في السوق بـ 90 مليون ليرة) بعدما كانت 7%، وهي مرشحة إلى الارتفاع.
"النهار": تنسيق أميركي فرنسي سعودي... وبري "محبط"
بدورها صحيفة "النهار" اعتبرت أن هذه الدولة الفاشلة لا تتقن الا اثارة مزيد من المسببات والدوافع لإشعال مزيد من الغضب من خلال الامعان في تفاقم الازمات. انتظرت هذه الدولة الشركة المالكة للبواخر المولدة للكهرباء لـ"تتحنن" على اللبنانيين بعد رفع الحجز القضائي عنها، وتعود الى تغذية مدّ لبنان المبتلي بأسوأ أزمة فساد أدت الى تعتيمه شبه الكامل وتهديد بقايا قدراته الإنتاجية من دون ان تقدم هي على أي مبادرة لحل نصف الأزمة على الأقل.
وحين قررت الدولة الفاشلة ان تضع حداً لأسوأ ازمة محروقات بعد تماديها منذ اكثر من أسبوع، جاء الحل ملغوماً ومرتبكاً ومتخبطاً بين شركات التوزيع والمحطات بعد جدول تركيب أسعار جديد زاد اسعار المحروقات، فاذا بالأزمة تتفاقم امس، وكأن أي تدبير او إجراء جديد لم يتخذ ولم يتبدل مشهد الطوابير المذلة المتراصفة عند المحطات.
وحين قرر أركان الدولة الفاشلة ان يلجأوا الى ذر الرماد في العيون والمضي في إيهام اللبنانيين ان همومهم تستوطن ضمائر الحكام والمسؤولين وتقض مضاجعهم وتؤرقهم، شاهد اللبنانيون هذا النوع من المهازل الذي اسفر عنه اجتماع المجلس للأعلى للدفاع في قصر بعبدا حيث تبارى رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الاعمال في التآسي على أحوال اللبنانيين واذلالهم امام المحطات من دون ان يترددا عن انتقاد قطع الطرق والحوادث التي تتسبب بها الازمة. كما راحا يبشران الناس بموسم سياحي واعد وكأنهما يسبحان في جرم آخر وفاتهما التطرق او الاعتراف باأفضالهما وأفضال السلطة قاطبة في التسبب للبنانيين أولا وأخيراً بكل هذا الهول على أيديهم.
احباط بري؟
وفي ظل تفاقم الصورة الكارثية للدولة الفاشلة حيال المجتمع الدولي، لم يكن مستغرباً ان تظهر معالم متواترة وجديدة للقلق الدولي على لبنان. جاءت معالم التنسيق الثلاثي بين واشنطن وباريس والرياض في وقت علمت فيه "النهار" ان معالم الاحباط بدأت تظهر على موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري حيال مبادرته لتسهيل تشكيل الحكومة. ومع ان بري يلزم الصمت منذ أيام، فان معلومات "النهار" تؤكد انه بات قاب قوسين او ادنى من التخلي عن مبادرته التي تعرضت للقنص السياسي، كما ان هذه المعطيات تبدو بالغة التشاؤم حيال استبعاد تشكيل حكومة قبل الانتخابات النيابية.
تنسيق ثلاثي
ولكن ما بدا لافتاً على الصعيد الخارجي انه بعد أيام قليلة من لقاء وزيري الخارجية الأميركي والفرنسي في باريس، وتداولهما خصيصا في الملف اللبناني، أعلن امس وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تفاصيل اجتماع جمعه بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
وكتب بلينكن في تغريدة على "تويتر": "أجريت مناقشة مهمة مع نظرائي السعودي والفرنسي حول ضرورة أن يُظهر القادة السياسيون في لبنان قيادتهم الحقيقية من خلال تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتوفير الإغاثة التي يحتاجها الشعب اللبناني بشدة".
وفي هذا السياق نقلت الزميلة رندة تقي الدين من باريس عن مسوؤل فرنسي رفيع متابع للملف اللبناني تأكيده ان باريس وواشنطن قررتا تعزيز التنسيق التام للمزيد من الضغط على المسؤولين في لبنان لتشكيل حكومة. وقال المسوؤل لـ"النهار" ان التنسيق سيكون في كل مجالات الضغط الاميركي الفرنسي على اللبنانيين بما فيها العقوبات. وقال ان وزراء خارجية الولايات المتحدة انطوني بلينكن والفرنسي جان ايف لو دريان والسعودي الامير فيصل بن فرحان تناولوا الموضوع اللبناني في روما وان الثلاثة يعملون من اجل تنسيق تحرك الدول الثلاث باتجاه الدفع والضغط لتشكيل حكومة وهي الضرورة الملحة حالياً لاخراج لبنان من انهياره.
يوم أخر !
في المقابل كان لبنان يعاني من يوم آخر من أيام الازمة تحت وطأة تخبط الدولة الفاشلة من دون أي معالجات حقيقية، بدليل ان موجات قطع الطرق في كل انحاء لبنان ومناطقه وشرايينه الساحلية وعاصمته ومدنه، عادت بأقوى مما كانت في الأيام السابقة كلها.
وعلى رغم صدور جدول اسعار المحروقات الجديد متضمناً زيادة في سعر صحيفة البنزين اقتربت من سقف قياسي جديد هو 63 الف ليرة لم يتبدل المشهد على الارض امام المحطات. وزاد الطين بلة ان الجدول الجديد اثار لغطاً عزي الى انه حدد اسعاراً أقلّ من تلك التي تم الاتفاق عليها، ما حال دون تسليم الشركات الكميات الى المحطات. ولكن المديرية العامة للنفط أكدت بعد الظهر "ألا خطأ في التسعيرة بحسب الجدول المعتمد، لأنه قد تمت دراسة جدول الأسعار وفق قرار رئاسة مجلس الوزراء لاعتماد سعر /3900/ ل.ل. كسعر لصرف الدولار. واجتمعت المديرة العامة للنفط أورور فغالي مع أصحاب الشركات لكونهم اعترضوا على احتساب بعض عناصر التسعيرة مطالبين باحتسابها على سعر صرف الدولار النقدي Fresh Dollar. وقد أبدت المديرة العامة للنفط تفهمها لمطالبهم واستعدادها لدرسها وعرضها على وزير الطاقة والمياه وبنهاية الاجتماع تم الاتفاق على تزويد السوق بالمحروقات".
وأصبحت الأسعار على الشكل الآتي: بنزين 95 أوكتان: 61100 ليرة. بنزين 98 أوكتان: 62900 ليرة. المازوت: 46100 ليرة. الغاز: 37600.
… وعالم آخر!
وسط هذا التخبط الواسع كان الرئيس ميشال عون يبرر دعوته الى اجتماع المجلس الأعلى للدفاع " بالبحث في الوضع الأمني خصوصاً مع حلول فصل الصيف حيث يُتوّقع أن يكون الموسم السياحي واعداً مع مجيء اللبنانيين المنتشرين في الخارج". وأعتبر ان "ما حصل في الأيام الماضية أمام محطات المحروقات غير مقبول، وإذلال المواطنين مرفوض تحت أي اعتبار، وعلى جميع المعنيين العمل على منع تكرار هذه الممارسات سيّما وانّ جدولاً جديداً لأسعار المحروقات صدر، ومن شأنه أن يخفّف الأزمة". كما لفت الى ان "إقفال الطرق امام المواطنين يتسبب بمعاناة كبيرة لهم تُضاف الى ما يعانونه نتيجة الأوضاع المالية والاقتصادية الصعبة".
وكانت أطروحة مماثلة لرئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب متحدثا عن "فرق بين الاعتراض، والاعتداء على الناس وأملاكهم وأرزاقهم. قطع الطرق لا يعبر عن الناس ويحصل ضد الناس. الفوضى وتكسير السيارات والاعتداء على الجيش ليست تعبيرا عن حال اعتراض على الأوضاع الصعبة. ما يحصل يشوه صرخة الناس، ويضيع حقهم. وما يحصل هو ضد الناس أنفسهم. لذلك، نحن معنيون اليوم بشكل أساسي بمعالجة هذه الفوضى الهدامة التي تزيد من الأزمات والضغوط على البلد وعلى اللبنانيين".
ومن باب لزوم ما لا يلزم قرر المجلس "الطلب الى الأجهزة العسكرية والأمنية الإبقاء على الجهوزية اللازمة لعدم السماح لبعض المخلّين بالأمن، زعزعة الوضع الأمني بسبب الأوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية، خصوصا في ما يتعلق بإقفال الطرق العامة او التعدي على الأملاك العامة والخاصة، كما تقرر الطلب الى وزارتي الاشغال العامة والنقل والصحة، اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسريع وتسهيل عملية اجراء فحوصات الـPCR للمسافرين الوافدين الى مطار رفيق الحريري الدولي، والطلب الى وزارة الاشغال العامة والنقل، لا سيما المديرية العامة للطيران المدني، استكمال الإجراءات اللازمة لتسهيل حركة المسافرين وتأمين راحتهم في اسرع وقت".
"البناء": بلينكن وبن فرحان ولودريان لتحريك المسار الحكوميّ… والبنزين متوفر إلى إعادة التسعير
أما صحيفة "البناء"، اشارت الى أن هناك مراوحة سياسية، ومزيدًا من التأزم الإقتصادي والقلق الأمني ترجمه اجتماع المجلس الأعلى للدفاع بدعوة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وتأكيده على التمييز بين حرية التعبير وحق التظاهر من جهة، وتخريب الأمن وقطع الطرق والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة من جهة أخرى، مطالباً القوى العسكرية والأمنية بتحمل مسؤولياتها، بينما شكلت أزمة البنزين التي قيل إنّها انتهت، عنواناً لأخذ ورد بين الشركات المعنية ووزارة الطاقة انتهى بإعلان الوزارة والشركات عن خلل في التسعير سيتم تصحيحه ما سيعني رفع سعر الصفيحة الى الـ 70 ألف ليرة كما كان المعلن والمتداول قبل قرار الرفع الذي حدّد سعر الصفيحة بـ 61 الف ليرة، دون ان يتوافر البنزين في المحطات، وهو موجود طبعاً في المستودعات، وأغلبه تم شراؤه على سعر دولار الـ 1500 وليس على السعر الجديد 3900 ليرة للدولار.
سياسياً كان الجديد، الاجتماع الذي ضمّ وزراء خارجية أميركا أنتوني بلينكن وفرنسا جان إيف لودريان والسعودية فيصل بن فرحان، والإعلان عن مناقشة المسار الحكوميّ المتعثر في لبنان والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بلبنان، وبعد الاجتماع غرّد وزير الخارجية الأميركيّة انتوني بلينكن عبر حسابه على تويتر قائلاً: «مناقشة مهمة مع نظيريّ السعودي والفرنسي بخصوص احتياجات القادة السياسيين في لبنان لإظهار قيادة حقيقيّة من خلال تنفيذ الإصلاحات المتأخرة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد وتزويد اللبنانيين بالإغاثة التي همّ في أمسّ الحاجة إليها»، وهو ما كان موضع تفحص وتدقيق بين القيادات اللبنانية لمعرفة حدود ما تمّ بحثه وطبيعة التوافقات التي جرت، بينما بقي المتاح معرفته هو ما سرّبه الفرنسيون عن تفويض أميركي سعودي لهم لإدارة الملف اللبناني، بينما قالت مصادر متابعة للمبادرة الفرنسية إن الفرنسيين يعلمون أنهم يتهمون واشنطن بعرقلة مبادرتهم بالعقوبات التي تسببت بتصعيد المستهدفين بها، وفي طليعتهم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وإن السعوديين لم يتجاوبوا مع رغباتهم باستقبال الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، ولا قبلوا تسهيل مهمته بتشكيل حكومة، ما تسبب بتردده وابتعاده عن تقديم مبادرات تسرّع التشكيل، وتساءلت المصادر هل حصلت فرنسا على أجوبة إيجابيّة في هذين الملفين؟
وبقيت الهموم والأزمات المعيشية والأوضاع الأمنية في البلاد في واجهة المشهد الداخلي وصدارة الاهتمام الرسمي في ظل تراجع منسوب التفاؤل بإحداث خرق في جدار الأزمة الحكوميّة إلى أدنى مستوى منذ انطلاق مبادرة الرئيس نبيه بري. وفي ظل هذا الوقت الضائع حتى تأليف حكومة جديدة، يحاول رئيس الجمهورية بالتعاون مع ما تبقى من حكومة تصريف أعمال وبالاستعانة بمجلس الدفاع الأعلى القيام بإجراءات وخطوات للتخفيف من حدة الأزمات وإيجاد حلول جزئيّة لبعضها الآخر على غرار أزمتي المحروقات والأدوية، بموازاة تحصين الوضع الأمني في مواجهة الأحداث الخطيرة التي يشهدها الشارع والمتوقّع أن تتفاقم وتتّسع وتتخذ منحًى أكثر عنفاً في قابل الأيام بحسب تقارير أكثر من جهاز أمني، وذلك كلما تردت الظروف الاجتماعية والاقتصادية أكثر.
وعلى رغم صدور جدول أسعار المحروقات الجديد أمس، استمرت صورة طوابير السيارات أمام محطات الوقود بعدما تبين أن الجدول فيه «هفوة» بحيث حدد أسعاراً تُعتبر أقل من تلك التي تم الاتفاق عليها، ما حال دون تسليم الشركات الكميات الى المحطات، إذ كان من المتوقّع أن يكون السعر بين 69 ألف ليرة و73 ألف ليرة. وقال ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا إن «هناك هفوة في جدول أسعار المحروقات وبعض شركات المحروقات سلّمت البنزين إلى المحطات والطوابير لا تزال موجودة بانتظار أن يتم إفراغ البواخر المتبقية وتسليم الكميات».
وأصبحت الأسعار على الشكل الآتي: بنزين 95 أوكتان: 61100 ليرة. بنزين 98 أوكتان: 62900 ليرة. المازوت: 46100 ليرة. الغاز: 37600.
ولاحقاً أصدرت المديرية العامة للنفط بياناً توضيحاً أكدت فيه بأن «لا خطأ في التسعيرة حسب الجدول المعتمد، لأنه قد تمّت دراسة جدول الأسعار وفق قرار رئاسة مجلس الوزراء لاعتماد سعر /3900/ ل.ل. كسعر لصرف الدولار». واجتمعت المديرة العامة للنفط أورور فغالي مع أصحاب الشركات لكونهم اعترضوا على احتساب بعض عناصر التسعيرة مطالبين باحتسابها على سعر صرف الدولار النقدي Fresh Dollar.. وقد أبدت فغالي تفهمها لمطالبهم واستعدادها لدرسها وعرضها على معالي وزير الطاقة والمياه وبنهاية الاجتماع تم الاتفاق على تزويد السوق بالمحروقات».
بدوره، أعلن تجمع الشركات المستوردة للنفط في بيان أنه «سوف يتم إصدار جدول أسعار جديد يأخذ بكل العناصر السابقة في أقرب وقت ممكن، بعد مراجعة وزير الطاقة والمياه».
وعلى وقع تفاقم الأزمات والغليان الشعبيّ في الشارع، انعقد المجلس الأعلى للدفاع في بعبدا، بدعوة من رئيس الجمهورية بحضور رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والوزراء المختصين وقادة الأجهزة الأمنية والقضائية، للبحث في الأوضاع الأمنية في البلاد والتطورات.
وفي مستهلّ الاجتماع، قال عون: «ما حصل في الأيام الماضية أمام محطات المحروقات غير مقبول، وإذلال المواطنين مرفوض تحت أي اعتبار، وعلى جميع المعنيين العمل على منع تكرار هذه الممارسات لا سيّما أنّ جدولاً جديداً لأسعار المحروقات صدر، ومن شأنه أن يخفّف الأزمة». ولفت عون الى أن «إقفال الطرقات أمام المواطنين يتسبّب بمعاناة كبيرة لهم تُضاف إلى ما يعانونه نتيجة الأوضاع المالية والاقتصادية الصعبة». وتابع «التعبير عن الرأي مؤمّن للجميع، ولكن لا يجوز أن يتحوّل إلى فوضى وأعمال شغب، وعلى الجهات الأمنيّة عدم التهاون في التعاطي معها حفاظاً على سلامة المواطنين والاستقرار العام».
وبعد الاجتماع تلا اللواء محمود الأسمر مقرراته وأهمها: «الطلب الى الأجهزة العسكرية والأمنية الإبقاء على الجهوزية اللازمة لعدم السماح لبعض المخلّين بالأمن، زعزعة الوضع الأمني بسبب الأوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية، خاصة في ما يتعلق بإقفال الطرق العامة او التعدي على الأملاك العامة والخاصة، وتم الطلب الى وزير المالية التنسيق مع وزيري الدفاع والداخلية لإيجاد السبل الآيلة الى دعم القوى العسكرية والأمنية، خصوصاً في ظل الأوضاع المالية والاقتصادية المتردية».
ولفتت مصادر معنية لـ«البناء» إلى أن «أنه ورغم وجود أسباب موضوعيّة وحقيقيّة تراكميّة لانفجار الأزمات المختلفة، إلا أن جهات عدة نافذة في الدولة ومن خارجها تساهم في تأزيم المشاكل عن عمد لأهداف سياسية وتجارية لزيادة أرباح الشركات والتجار وأصحاب رؤوس الأموال من مختلف الاطراف السياسية». وكشفت المصادر أن «مصرف لبنان إحدى الجهات التي ساهمت بتفاقم مختلف الأزمات كالدولار والمحروقات من خلال فتح الاعتمادات لشركة دون أخرى، ما يرفع الضغط على محطات معيّنة ويتسبب بزحمة السيارات، فيما الأجدى بمصرف لبنان فتح الاعتمادات لكل الشركات في الوقت نفسه لكي تلبي حاجة السوق كافة وتمنع الازدحام أمام المحطات». كما أشارت المصادر الى ضرورة «مواكبة الأجهزة الأمنية والرقابية في وزارتي الطاقة والاقتصاد كميات المحروقات منذ استيرادها من قبل الشركات الى حين تفريغها من البواخر وصولاً الى مرحلة تسليمها الى المحطات والتأكد أيضاً من أن هذه المحطات تفرغ كافة مخزونها وتبيعه للزبائن». وأشارت المصادر نفسها الى أن «أحد أسباب أزمة المحروقات هو التخزين والاحتكارات في المستودعات المغطاة من الاجهزة الرسمية في بعض الأحيان، في موازاة محاولة هؤلاء المحتكرين حرف الأنظار عن مسؤوليتهم وتوجيه التركيز الإعلامي على مسألة التهريب على الحدود الى سورية»، مضيفة: «بموازاة العمل على وقف التهريب على الدولة مكافحة التخزين والاحتكار ما يؤدي الى الحد من التهريب».
وتساءلت مصادر سياسية لـ«البناء» عن وجود أهداف سياسية دولية تقف خلف التصويب والتركيز على مسألة التهريب لفتح ملف الأمن على الحدود وإحياء مشروع تدويل الحدود اللبنانية – السورية بموازاة الهدف الأميركي الدائم السيطرة على الحدود الجغرافية على غرار ما يحدث على الحدود السورية – العراقية؟».
وفي سياق ذلك، نقلت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الفريق الأميركي – الخليجي خبراً مفاده ان «فريقاً أمنياً مدنياً غربياً وصل الى لبنان امس لإجراء محادثات مع عدد من المسؤولين العسكريين تتناول الأوضاع الأمنية في البلاد وإجراءات ضبط الحدود شمالاً وشرقاً وبحراً بهدف تقييم الحاجات وتقديم ما يلزم من الدعم للجيش لاستكمال مهمته. وسيجري الوفد الذي تمتد زيارته على مدى أسبوع كشوفات ميدانية في المناطق الحدودية لتنفيذ مشاريع تتصل بتمكين المؤسسة العسكرية من الاضطلاع بالمهام الجسام الملقاة على عاتقها في المرحلة الامنية الحساسة ومنع التهريب الذي تبذل قيادة الجيش جهوداً جبارة في سبيل فرملته».
أما أزمة الكهرباء فليست أفضل حالاً من أزمة المحروقات، في ظل تقنين قاسٍ في التيار الكهربائي وصل لساعتين يومياً، إلا أن مصادر اعلامية ذكرت بأن «التغذية الكهربائية ستتحسن لمدة أسبوع فقط، بعد ان قامت موسسة كهرباء لبنان بتزويد بواخر إنتاج الكهرباء التابعة لشركة كارادينيز التركية بكمية من الفيول GRADE Bالمتوفر بكثرة في لبنان». واوضحت أن «المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، قام برفع الحجز عن شركة كارادينيز، بينما قامت مؤسسة كهرباء لبنان بدفع جزء من الديون بالليرة اللبنانية فيما ستتمّ جدولة المبالغ المترتبة عليها للشركة التركية».
في غضون ذلك، وبعد ارتفاعه في عطلة نهاية الأسبوع الى معدلات قياسية ناهزت الـ 18 ألف ليرة، سجّل سعر صرف الدولار في السوق السوداء أمس، انخفاضاً ملحوظاً إذ تراوح ما بين 16750 ليرة للشراء و16850 ليرة للمبيع، لكنه عاد وارتفع بعد الظهر حيث بلغ 16925 ليرة».
وقال مرجع وزاريّ معنيّ لـ«البناء» «إنه لا يمكن ضبط سعر صرف الدولار والسيطرة على حركته لا سيما في عطلة نهاية الأسبوع، كما حصل يوم السبت الماضي لأسباب عدة أهمها العطلة الرسمية»، موضحاً أن «سعر الدولار الحالي في السوق السوداء مضخّم ولا يعبر عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية والمالية، بل هو يخضع لتقلبات ومعادلات وهمية وتتحكم به التطبيقات الالكترونية في الداخل والخارج فضلاً عن العوامل السياسية التي يتأثر بها»، وأكد المرجع أن «لا حل لأزمة الدولار وكل الأزمات الحالية إلا بالسياسة من خلال تسوية سياسية تؤدي الى تأليف حكومة وفق المبادرة الفرنسية تلبي متطلبات المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي».
إقرأ المزيد في: لبنان
27/11/2024