لبنان
بوريل أنهى زيارته ملوّحًا بالعقوبات.. وجولة خارجية لعكر تشمل دمشق
اهتمت الصحف الصادرة صباح اليوم في بيروت بنتائج جولة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على عدد من المسؤولين اللبنانيين، وتلويحه بالعقوبات الأوروبية على بعض الجهات في البلاد تحت عناوين الفساد وعرقلة جهود تشكيل الحكومة وسوء الإدارة المالية وانتهاكات حقوق الإنسان.
كما أفردت الصحف اللبنانية مساحات لمواقف رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، بالأمس، والتي طلب فيها مساعدة من الأمين العام لحزب الله في الشأن الحكومي، وما كان لها من ارتدادات ومواقف من اكثر من جهة.
واهتمت الصحف بزيارة وزيرة الخارجية بالوكالة، زينة عكر، إلى عدد من الدول ومنها سوريا، لمتابعة قضية النازحين السوريين في لبنان.
"الأخبار": جولة خارجية لعكر تشمل دمشق: هل بدأ الانفتاح على سوريا؟
لطالما تهرّبت حكومة الرئيس حسان دياب، عندما كانت «شغّالة» وفي مرحلة تصريف الأعمال، من اتخاذ قرار بتفعيل العلاقات مع سوريا، خوفاً كالعادة من البعبع الأميركي. وقد جاء «قانون قيصر» لفرض العقوبات على سوريا «شحمة على فطيرة» الحكومة «قيصر» للاستمرار في حال «القطيعة»، باعتبار أن «أي تعامل مع الحكومة السورية، تجارياً ومالياً واقتصادياً، تعتبره الإدارة الأميركية دعماً للحكومة السورية، ويعرّض الأفراد والشركات اللبنانية والقطاع المصرفي للعقوبات». رغم أن دولاً كثيرة تنجح في الحصول على استثناءات من القوانين الأميركية كما هي، مثلاً، حال العراق الذي حاز استثناء الحصول على الغاز والكهرباء والمشتقات النفطية من إيران.
تهرّب الحكومة الحالية يأتي استمراراً لسياسات اعتمدتها الحكومات المتعاقبة منذ 2011 بمقاطعة سوريا، في ظل اقتناع كثيرين ممن انقلبوا على دمشق بعد 2005 بأن هناك فرصة للانتقام من النظام السوري. ورغم أن هذه السياسة كانت جلداً للذات أكثر منها ضغطاً، ومع بدء انعطافة عربية وغربية تجاه دمشق، لا يزال بعض من في لبنان مستمّراً بسياسة التهوّر، غير مكترث بثقل الأزمة، ومدى انعكاس هذه السياسة سلباً على البلاد.
صحيح أن زيارات عديدة لوزراء لبنانيين إلى دمشق سُجّلت في الأعوام الثلاثة الماضية، إلا أنها كانت أقرب الى مبادرات «فردية»، لا رسمية، لتسوية ملفات مرتبطة بالوزارات التي يشغلها هؤلاء، وانحصرت بوزراء محسوبين على الفريق السياسي الحليف لسوريا، وبغضّ طرف حكومي. غيرَ أن هذا الأمر لم يعُد مقبولاً من قبل دمشق التي تُصرّ على أن يكون التعامل معها من دولة إلى دولة (وهذا هو الأمر الطبيعي)، علماً أنها لم تقفِل أبوابها يوماً واستجابت دائماً للتنسيق (غير الرسمي)، ولبّت طلبات مساعدة (آخرها تقديم 75 طناً من الأوكسجين بعد أزمة انقطاعه أخيراً). إلا أن الطلب السوري بالتعامل الرسمي لم يتوقّف منذ عام 2017، وقد عادَ هذا الملف ليتحرّك في الأيام الماضية. وعلمت «الأخبار» أن وزراء في حكومة دياب بدأوا بمناقشته، مطالبين بالحصول على تكليف رسمي لزيارة دمشق والبحث في عدد من الملفات، من بينها «رسوم النقل التي فرضتها سوريا على الشاحنات وسيارات النقل». ومن بين هؤلاء وزير الصناعة عماد حب الله الذي أكد أن «النقاش فُتِح، وأنا واحد من الوزراء الذين يطالبون بالتواصل الرسمي وأدعو إلى ذلك، وأشدد على أن أي زيارة لي الى دمشق يجب أن تكون بتكليف رسمي من رئيس الحكومة». وأكد حب الله لـ«الأخبار» أن «التعاون يجب أن يحصل على مستوى الدولة، وهناك كثير من الملفات تنتظر التباحث فيها، من بينها البحث في خفض رسوم الترانزيت المرتفعة، لما في ذلك من مصلحة للمصدرين اللبنانيين».
ماذا عن رأي رئيس الحكومة؟
يؤكد حب الله: «لا أظن أن هناك رفضاً من رئيس الحكومة، وهناك بحث في الأمر»، بينما كشفت مصادر مطلعة أن «مرجعيات سياسية فاتحت الرئيس دياب قبلَ أيام، وأكد أنه لا يمانِع في المبدأ»، وأنه «يجري العمل حالياً على اختيار الوزراء بحسب الملفات العالقة وتحديد موعد الزيارات». كذلك، أكدت مصادر رئيس الحكومة أن «الأخير لا يُمانِع، وأن الوزراء لا يحتاجون الى تكليف رسمي، فهم حصلوا على موافقة شفهية، كما حصل مع وزير الصحة حمد حسن إبان أزمة الأوكسجين، وقبله وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفيه الذي زار دمشق للبحث في ملف النازحين». وقالت المصادر إن «هناك عدداً كبيراً من الملفات بيننا وبين سوريا يجِب أن يحل، من بينها ملف الترانزيت، وملف ترسيم الحدود البحرية شمالاً الذي يجري العمل عليه»، مستغربة المطالبة بـ«تعاون رسمي على مستوى الدولتين، لأن هذا هو ما يحصل حالياً».
ومعلوم أن الرئيس ميشال عون عبّر أمام مرجعيات رسمية، بعد انتخابه، عن نيته الانفتاح مباشرة على سوريا، علماً بأن التواصل بينه وبين الرئيس بشار الأسد لم ينقطع يوماً. وهو كان في صدد إرسال مبعوث شخصي له الى دمشق، وكان يدرس تكليف الوزير السابق جبران باسيل بهذه المهمة بصفته وزيراً للخارجية. والأخير أعلن صراحة، في 13 تشرين الأول 2019، أنه ينوي زيارة دمشق، لكن حراك 17 تشرين الأول طيّر الحكومة والزيارة. وبعد تشكيل حكومة حسان دياب، لم يبد وزير الخارجية ناصيف حتي حماسة للزيارة، إلى أن خلفه شربل وهبي أبلغ مسؤولين في قصر بسترس أنه يستعد للقيام بزيارة رسمية لدمشق.
فاتحت مرجعيات سياسية دياب في ملف التعاون الرسمي مع دمشق فأكد عدم ممانعته
ورغم استقالة وهبي، لا يزال المشروع قائماً. وعلمت «الأخبار» أن وزيرة الخارجية بالوكالة زينة عكر فوتحت بالأمر، وأبدت استعدادها للقيام بالزيارة من ضمن جولة على عدد من العواصم العربية والأجنبية. وسيكون البند الرئيسي على جدول أعمال جولة عكر ملف عودة النازحين السوريين الى بلادهم. وهي أثارت الأمر في اجتماعها أول من أمس مع نائب رئيس الاتحاد، الممثل الاعلى للشؤون الخارجية جوزف بوريل، ولمست «مناخات أكثر إيجابية من السابق، لجهة أهمية مساعدة أوروبا في توفير المساعدة للعائلات السورية للعودة الى دمشق، علماً بأن عكر أكدت في كلمتها في الاجتماع الوزاري العربي في قطر الأسبوع الماضي ضرورة عودة سوريا الى الجامعة العربية.
"البناء": بوريل ملوّحاً بالعقوبات
ويقدّم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تقاريره لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اليوم الاثنين حيال الأزمة اللبنانية وما تمخضت عنه لقاءاته مع القادة السياسيين في لبنان، بحسب المعلومات فإن عصا العقوبات الاوروبية باتت حاضرة، فلا يجوز أن يبقى الوضع في لبنان على ما هو عليه من فراغ حكومي فيما الشعب يتخبط. وأظهرت مذكرة دبلوماسية للاتحاد الأوروبي أن معايير فرض العقوبات ستكون على الأرجح الفساد وعرقلة جهود تشكيل الحكومة وسوء الإدارة المالية وانتهاكات حقوق الإنسان.
وكان بوريل كشف في تصريحات بعد محادثات مع الرئيس العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أنه وجّه رسالة صريحة مفادها أن بعض الزعماء قد يواجهون عقوبات إذا استمرّوا في عرقلة الخطوات الرامية لتشكيل حكومة جديدة وتنفيذ إصلاحات تمس الحاجة إليها.
وقال لمجموعة من الصحافيين قبل مغادرة بيروت: «من الواضح أنه تشاحن من أجل توزيع السلطة. لا بد أن أقول إن هناك أيضاً حالة كبيرة من انعدام الثقة».
وأوضح بوريل أن لبنان بحاجة إلى حكومة تتمتع بقدرات فنية وسلطة حقيقية لتجنب ما حدث من إخفاق لحكومة حسان دياب المنتهية ولايتها والتي قال إنها قدمت خطة إصلاح مالي سليمة، لكن الساسة وضعوا العراقيل أمامها.
وشدّد بوريل على أن المساعدات الخارجية لن تتدفق بدون حكومة تعمل مع صندوق النقد الدولي وتنفذ إصلاحات لمعالجة الفساد وسوء إدارة الأموال، لكنه قال إن القادة الذين التقى بهم كانوا متشائمين بشأن إحراز تقدّم.
وأكد أن عدم اتخاذ إجراء سيؤدي إلى انخفاض الاحتياطيات الأجنبيّة وجعل البلاد من دون عملات أجنبية لدفع ثمن السلع الأساسية أو مواجهة نقص الإمدادات بالمستشفيات.
وأشار الى أن محادثاته سلّطت الضوء على الانقسامات العميقة بين الطوائف اللبنانيّة سواء مسيحيّة أو سنيّة أو شيعيّة أو درزيّة، والطريقة التي يتمّ بها تقاسم السلطة. وقال «هذا البلد لديه مشكلة واضحة في نظام الحكم الخاص به».
الى ذلك أطلّ رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أمس، محمّلة مسؤولية تعطيل التأليف الى القوى التي ترفض الشراكة والمناصفة وتتخطى الدستور، وقال أزمة التشكيل أظهرت أن المشكلة ليست بالنصوص الملتبسة للدستور الذي يفتقد للمهل، بل بالنيّات الدفينة التي تفضح أصحابها بلحظة تأزم أو غضب وبهذه اللحظة تسقط كل معاني الشراكة والعيش المشترك ووقف العدّ، ويحلّ محلها التذكير بالعدد.
وشدّد رئيس التيار الوطني الحر على أن جوهر الأزمة الوجود والدور والشراكة في دولة تقوم على الإصلاح، وحتى الطائف الذي ارتضيناه، مطالباً بتنفيذه وتطويره، وقال: «قدّمنا مشروعاً متكاملاً بهذا الخصوص، صار المتمسكون به هم من يسيئون إليه، بسوء تطبيقه وعدم احترام نصوصه ورفض تطويره، وبسببهم صار الطائف بخطر».
وأشار باسيل إلى أن رئيس الحكومة يقوم بمداورة كاملة باستثناء وزارة واحدة هي المالية وكأنّها صارت حقاً مكتسباً، معتبراً أن هذا وحده كافٍ ليسقط الطائف، وأكد أنه لن يقبل به.
وقال: «المناصفة الفعلية هي 12 بـ 12، يسمّونهم بالتوازي والتساوي المسيحيين والمسلمين، انا اليوم أريد أن أستعين بصديق هو السيد حسن نصر الله، لا بل أكثر، أريده حكماً وأئتمنه على الموضوع انا لا أسلّم أمري ومن أمثّل الى السيّد حسن بل ائتمنه على الحقوق. هو يعرف انّنا مستهدفون، وكل شي هو للنيل منا، وهو يعرف أننا تنازلنا بموضوع الحكومة عن كثير من الأمور». وتوجّه إلى نصرالله بالقول: «يا سيّد حسن، أنا أعرف انّك لا تخذل الحق. انا جبران باسيل، من دون تحميلك أي عبء، أقبل بما تقبل به انتَ لنفسك. هذا آخر كلام لي بالحكومة».
ولم يمر كلام باسيل مرور الكلام عند القوى السياسية وردّت «القوات» ببيان فندت خلاله ما أسمته المغالطات التي وردت في مؤتمر باسيل وحملته مسؤولية ما آلى اليه الوضع على صعيد الأوضاع المعيشية والاقتصادية، معتبرة أن باسيل يسلّم البلد إلى حزب الله.
ورأت أوساط سياسية متابعة، لـ «البناء» أن ما يجري على خط بعبدا – عين التينة لا يجوز أن يستمر، مشيرة الى ان ترافق الاتهامات والبيانات لن يوصل الا الى الصدام خاصة وأن التصعيد الذي ورد في البيانات أشبه بإعلان الطرفين فتح الجبهات ضد بعضهما البعض، معتبرة أن المساعي يجب ان تنصب على عقد لقاء بين الرئيس عون ورئيس المجلس النيابي من أجل تهدئة الأجواء واستكمال المساعي الحكومية. وهنا دعت الأوساط حزب الله الى مواصلة مساعيه مع الرئيس عون والنائب باسيل لتسهيل التأليف، فلعبة الابتزاز الباسيلي ستكون خاسرة وستلحق الضرر بالجميع.
وبانتظار عودة الرئيس المكلف من الإمارات التي توجه اليها ليل السبت – الأحد، شددت مصادر معنية بالتاليف لـ «البناء» على أن لا حكومة في الأفق، فاتصالات التشكيل وضعت على الرفّ، خاصة أن المعلومات تشير الى أن رئيس الجمهورية لن يوقع أي حكومة يترأسها الرئيس سعد الحريري.
وليس بعيداً، تؤكد مصادر التيار الوطني الحر لـ «البناء» ان ما يجري اليوم هو محاولة مدروسة من قوى سياسية لمحاصرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فهذه القوى قلقة من طروحات الرئيس عون لا سيما التدقيق المالي على وجه الخصوص، وبالتالي فهي تعتبر أن معركتها معه ستكون مفتوحة الى نهاية العهد، بيد أن الرئيس عون سيصمد أمام كل ما يحاك ضده، وتبدي المصادر عتباً على حزب الله الذي رغم كل ما يحصل يواصل دفاعه عن رئيس مجلس النواب، الذي يحاول ضرب صلاحيات الرئيس وافتعال المشكلات.
أما البطريرك الماروني بشارة الراعي فقال في عظة الاحد، يعطل المسؤولون تشكيل الحكومة بسبب الصلاحيات، على ما يقولون. فنسأل عن أي صلاحيات تتكلمون؟ هل تريدون إطعام الشعب بالصلاحيات؟ وتوفير الدواء بالصلاحيات؟ ورد أموال المودعين بالصلاحيات؟ ووقف الهجرة بالصلاحيات؟ وتأمين المحروقات بالصلاحيات؟ وإيجاد فرص عمل بالصلاحيات؟ تتحدثون عن صلاحيات وحقوق وجميعكم تتصرّفون خارج الدستور وخارج الصلاحيات. تتصرّفون كأنكم في حفل تسليم البلاد إلى الفوضى، والدولة إلى اللادولة، والسلطة إلى اللاسلطة. نحن لا نشكو من قلة الصلاحيات، بل من قلة المسؤوليّة».
وتابع: «إذ نتطلّع إلى مؤتمر دعم الجيش الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي أخيراً بعين الامتنان والشكر، نطالب، أكثر من أي وقت، كل الحريصين على المؤسسة العسكرية الضامنة للوحدة الوطنية والسلم الأهلي من مقيمين ومغتربين إلى حشد كل طاقاتهم دعماً لهذه المؤسسة حتى تستمر في القيام بمهامها وسط التحديات غير المسبوقة التي تواجه جنودنا الأبطال المدافعين عن سيادة لبنان وكرامته.. وعليه حان الوقت لأن تحسم الدولة موقفها وتحصر اعترافها به دون سواه مسؤولاً شرعياً وحيداً عن سيادة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه.
"الجمهورية": باسيل يفجّر عاصفة ردود مسيحية
أكّد المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزف بوريل المؤكّد، في انّ «الازمة الحكومية محلّية الصنع»، وقد جاء موقف هذا المسؤول الدولي ليُسقط كل الذرائع القائلة، إنّ الأزمة خارجية، في محاولة للتلطّي خلف الخارج، تبريراً للفشل في التأليف الذي تعود أسبابه إلى عِقد داخلية سلطوية، وخوفاً من الناس الفقيرة والجائعة، ورفضاً لتحمُّل المسؤولية، من أجل إنهاء هذه الأزمة المتفاقمة التي تنذر بمخاطر كبرى.
قالها بوريل في وضوح، انّ الأزمة محلية، سعياً الى مزيد من الضغوط على المسؤولين المعنيين بتأليف الحكومة، علّهم يفرجون عن مراسيم التأليف. ولكن الانقسامات بين هؤلاء المسؤولين ما زالت تتعمّق، وأحد وجوه تعمّقها المؤتمر الصحافي لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، الذي فتح النار في كل الاتجاهات، مستدعياً ردوداً من كل حدب وصوب.
وأبرز ما جاء في مؤتمره، استنجاده بالأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله بقوله: «أقبل بما تقبل به انت لنفسك»، في محاولة لإحراجه والخروج عن حياده ودعم مطالب باسيل على حساب مطالب الآخرين، معتقداً انّه بوضعه الكرة في حضن السيد نصرالله يحرجه ليبدِّل في طبيعة وساطته ويضغط لمصلحته. إلّا انّ السؤال اليوم هو كيف سيردّ السيد نصرالله؟ وهل سيبقى على حياده أم سيدعم باسيل على حساب رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلّف سعد الحريري؟ وهل يعتقد باسيل انّ نصرالله يمكن ان ينحاز له ضدّ حليفه وشريكه بري، الذي قام بمبادرة لقيت دعماً معلناً من نصرالله؟ وهل حياد الأخير سببه رغبته في الوقوف على الحياد، أم لأنّ باسيل يتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية عن عدم تأليف الحكومة؟.
علمت «الجمهورية»، انّ بري وعلى رغم انزعاجه مما ورد في كلمة باسيل، طلب من مسؤولي حركة «امل» ونوابها عدم الردّ عليه.
الى ذلك، اعتبرت اوساط سياسية مواكبة للأزمة الحكومية، انّ احتكام باسيل إلى السيد نصرالله في الملف الحكومي «من شأنه ان يزيد الإحراج الذي يشعر به الحزب في هذه المرحلة». ولفتت الى انّ الحزب لا يستطيع من جهة أن يتجاهل مبادرة باسيل حيال امينه العام واستعانته به، على رغم كل الضغوط والاتهامات التي يتعرّض لها (باسيل) من الداخل والخارج بسبب تحالفه مع «حزب الله»، ولا يستطيع من جهة أخرى ان يتحمّل عبء الدور الذي طالبه به رئيس التيار، أولاً، لأنّه ليس الطرف الذي يتولّى تشكيل الحكومة حتى يقرّر حجم او وزن كل جهة فيها، مع ما يرتبه ذلك من تبعات. وثانياً، لانّه ليس في وارد زعزعة علاقته التحالفية مع الرئيس نبيه بري، سواء من حيث الشكل المتعلق بكونه صاحب المبادرة الذي دعمه فيها نصرالله مباشرة بل رشحّه لهذه المهمّة، او من حيث المضمون المتصل بالجوهر السياسي للمسائل التي هي موضع خلاف.
واشارت هذه الاوساط، الى انّه وبمعزل عن الموقف الذي سيتخذه الحزب من طرح باسيل، فالاكيد انّ هامش قدرته على البقاء محايداً يضيق، وبالتالي صار مطلوباً منه أن يكون أكثر حسماً في خياراته، ولو انّ الثمن المحتمل هو ان يزعل البعض منه، وذلك عملاً بالمثل الفرنسي القائل بأنّ «اذا اردت ان تصنع العجة فعليك ان تكسر بعض البيض».
العقدة سياسية
بالتوازي مع تشديد المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي على أنّ الأزمة لبنانية الطابع مئة في المئة، جاء تجديد رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لدعوته الى التسوية التي لا مفرّ منها من أجل تأليف الحكومة، ليؤكّد ما ذهب إليه بوريل في انّ العقدة ليست تقنية كما يحاول البعض تصويرها، إنما هي سياسية بامتياز، وتستدعي الذهاب إلى تسوية كمدخل وحيد للتأليف. ولكن لا مؤشرات لدى طرفي النزاع الى انّهما على استعداد لتسوية من هذا النوع، إنما على العكس من ذلك التصعيد ما زال سيّد الموقف.
ولكن زيارة بوريل دلّت الى انّه على رغم الفشل في تأليف الحكومة، فإنّ المسعى الأوروبي لم ولن يتوقّف سعياً لإخراج لبنان من الفراغ وتجنيبه الكوارث، وانّ دعم لبنان لن يقف عند حدود دعم المؤسسة العسكرية، إنما المساعي لتأليف الحكومة ستتواصل، وفي اللحظة التي تتألف فيها الحكومة وتباشر بالإصلاحات المطلوبة يُفتح باب المساعدات الذي يربطه المجتمع الدولي بهذه الإصلاحات.
زيارة عبرت
وفي الوقت الذي غاب اي نشاط يتصل بملف التأليف الحكومي، عقب استعادة الافرقاء السياسيين لخطابهم المتشنج، عبرت زيارة الممثل الاعلى للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الاوروبية، من دون ان تترك اي ردّات فعل على مستوى الجهود التي بذلها للفت نظر اللبنانيين الى حاجتهم الى حكومة جديدة، تعيد وصل ما انقطع مع المجتمعين العربي والدولي، وتنبيههم الى مخاطر الاستمرار في المناكفات السياسية التي تحول دون تأليف الحكومة العتيدة.
صمت في بعبدا
وفي هذه الأجواء، لم يشهد القصر الجمهوري اي نشاط منذ ان غادره موفد الاتحاد الاوروبي عصر السبت، فيما شغر «بيت الوسط» نتيجة سفر الحريري الى ابو ظبي في زيارة خاصة بلا برنامج، يُتوقع ان تمتد لاسبوع على الاقل، ما لم يطرأ اي جديد يستدعي عودته الى بيروت.
وقالت مصادر قريبة من بعبدا لـ «الجمهورية»، انّ «المساعي التي بُذلت لتشكيل الحكومة لم تنته الى ما اريد لها. وانّ رئيس الجمهورية كان ولا يزال ينتظر تشكيلة مقترحة من الرئيس المكلّف من أجل النظر فيها وفق المعايير والمعادلات الدستورية والوطنية التي حدّدها، الامر الذي لم يحصل الى الآن».
وداعاً لصيغة الـ (888)
وفي تعليقها على مضمون مؤتمر الصحافي لباسيل، قالت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ»الجمهورية»، أنّه يجب النظر الى ما اعلنه من مواقف من المنظار السياسي، وعدم التوقف عند العبارات التي صدرت منه بمضمونها الحرفي. ولفتت هذه المصادر، الى انّ توجّه باسيل الى السيد نصرالله في الشكل والمضمون الذي استخدمه يجب قراءته من هذا المنحى السياسي للامور، وخصوصاً عندما قال له «أعرف أنّك لا تخذل الحق». فهو كلام يترجم موقف التيار واحترامه لالتزاماته تجاه الحزب. اما قوله «أنا جبران باسيل ومن دون أن أحمّلك أي عبء ومن دون أن أسلّم أمري وأمر من أمثّل أقبل بما تقبل به أنتَ لنفسك»، فالمقصود منه إنهاء مبادرة الرئيس نبيه بري لأنّه لم يكن وسيطاً نزيهاً على الاطلاق. كذلك رأت في قوله «هذا آخر كلام لي في الحكومة»، دعوة جديدة الى وضع إطار جديد لكل المساعي المبذولة من أجل تشكيل حكومة اسقطت تشكيلة الـ (8+8+8) الى غير رجعة».
«بيت الوسط»
اما في «بيت الوسط»، فقد حضرت اوساطه في غياب سيّده، فقالت لـ «الجمهورية»: «لا نرى انفسنا مضطرين للردّ، ففي مثل الكلام الذي سمعناه ما يكفي للإشارة الى مجموعة المخاوف التي عبّرنا عنها، وقلقنا على كل المساعي التي بُذلت من اجل تشكيل الحكومة العتيدة، بعدما كشف باسيل صراحة عن كل ما أرادوه من المناقشات العقيمة التي سادت في الاسابيع الاخيرة. كان واضحاً انّ باسيل ومن وراءه لا يريدون تركيبة حكومية، لا يضمن فيها الثلث المعطّل، ليس من أجل التوازنات التي يتحدثون عنها بل من اجل ان يلعبوا بالحكومة على خلفية رفضهم منذ البداية تكليف رئيسها المهمة. وهم ومنذ تلك المرحلة، اي قبل ثمانية اشهر، كانوا يوجّهون الضربات المتتالية لعملية التأليف. فيكف اذا حققوا ما أرادوا منها وخصوصاً بعد نيلهم الثلث المعطل بالإنابة عن جميع المسيحيين».
"اللواء": جنبلاط: التسوية أولا
وفي خطوة سياسية ذات دلالات، جال جنبلاط، على عددٍ من المرجعيات الدينية لطائفة الموحدين الدروز، يرافقه عضوا اللقاء الديمقراطي، النائبان أكرم شهيب وفيصل الصايغ، ومفوّض الإعداد والتوجيه عصام الصايغ، ووكيل داخلية الجرد جنبلاط غريزي، والقاضي الشيخ غاندي مكارم.
واشار جنبلاط خلال جولته إلى أن، «هذه الظروف استثنائية وسيئة، ويبدو أن لا حل في المستقبل القريب كون الحل لن يأتي من الخارج. وإذا كان البعض ممن يسمّى بالساسة الكبار يظنون أن الحل سيكون من الخارج، فليس هناك أي حل من الخارج. فالحل يجب أن يأتي من الداخل، والتسوية ليست بعيب في السياسة، التسوية هي أساس في السياسة من أجل الوطن»، مضيفاً، «لا أملك معطيات جديدة ترشح للتسوية ولإمكانية لجم هذا الانهيار الاقتصادي والمالي».
ولفت جنبلاط إلى أن الأيام المقبلة صعبة جداً، وأنا كحزب مستعد للقيام بواجبي، لكن الأيام القادمة أصعب بكثير من الأيام الماضية.
وتابع، «اليوم أكتب تغريدة عن التسوية. أرى الشتائم من جماعة الثورة وغيرها، ولكنها ليست بمشكلة. فالمطلوب تشكيل حكومة توقف الانهيار لكي تستطيع مواجهة البنك الدولي والمؤسّسات الدولية من أجل أن نأخذ قروضاً مشروطة وليست بالمجان، ولكن ليس أمامنا سوى هذا الحل».
وأضاف، «منذ الانفجار، وزيارة الرئيس ايمانويل ماكرون ونحن نقف بمكاننا، نرفض وزيراً بالزائد أو بالناقص. هذا مضحك. كل هذا لأنه لا توجد دولة، و»ما حدا فاضي للبنان»، لأنّ مشاكل العالم أكبر بكثير من لبنان. ماكرون فقط قام بمجهود شرط أن نساعد أنفسنا».
وقال: «أهم شيء المحافظة على التضامن الاجتماعي والأسري والحزبي، والهدوء من قِبل بعض العناصر الحزبية. حاول كمال جنبلاط منذ عام 1953 حتى 1974، قبل أن تدخل بوسطة عين الرمانة، أن يقوم بالإصلاح في النظام اللبناني بالداخل ولكن لم يلبّوه، مع العلم أنه كان هناك نخبة من السياسيين والمحامين، ولكن النظام بتركيبته حلّ الثورة».
ونفى مفوض الاعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي صالح حديفة ما نشر عن زيارة قام بها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط الى دمشق، مؤكداً ان هذا الخبر عار من الصحة، جملة وتفصيلاً.