معركة أولي البأس

لبنان

مصر تتماهى مع فرنسا والسعودية .. وشكري: معاجلة الإنسداد الحكومي بإحترام الطائف
08/04/2021

مصر تتماهى مع فرنسا والسعودية .. وشكري: معاجلة الإنسداد الحكومي بإحترام الطائف

ركزّت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري التي لا يمكن تفسيرها، بالشكل والمضمون، سوى أنها ضغط إضافي على «المعرقلين» لتأليف حكومة بالتي هي أحسن. ولذلك، تكامل الموقف المصري المعلن في لبنان مع الموقف الأميركي والسعودي، الذي ينطق به إيمانويل ماكرون ومرؤوسوه.

"الأخبار": وساطة مصرية مبتورة.. القاهرة تتبنّى مطالب واشنطن والرياض السيسي يقاطع نصف اللبنانيين!

بداية مع صحيفة "الأخبار"، التي رأت أنه في العلن، هي مساع للتوفيق بين اللبنانيين علّهم يضعون خلافاتهم جانباً ويذهبون إلى تأليف الحكومة، لكن في الواقع، لم يكن التحرك المصري سوى تأكيد إضافي لتبنّي مصر، ومن خلفها فرنسا، وجهة النظر الأميركية والسعودية، التي يعبّر عنها داخلياً سعد الحريري، واتهام جبران باسيل بالتعطيل. ذلك دور لا يمكن أن يكون توفيقياً، ولا يمكن أن ينتج حكومة. إذا كان باسيل معرقلاً فعلاً، فبالمستوى نفسه على الأقل يعرقل الحريري. يكفي أنه يريد لنفسه ما لا يريده لغيره. أضف إلى أنه يحمل لواء المبادرة الفرنسية، ثم لا ينفك يفرغها من مضمونها الإصلاحي المتمثل في التدقيق الجنائي.

فشل الفرنسيون في إقناع السعوديين بتليين موقفهم من سعد الحريري، فدخل المصريون كبدل من ضائع. صارت «أم الدنيا» مع «الأم الحنون» جزءاً من المشكلة في لبنان. ببساطة، قررا التخلي عن دور الوسيط لصالح تبنّي وجهة النظر التي تعتبر أن «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» يُعرقلان تأليف الحكومة. هما نفسيهما لم يجدا في رهن سعد الحريري نفسه والبلد بانتظار لقاء، لن يأتي، مع ولي العهد السعودي ما يستدعي، على الأقل، تحميله جزءاً من مسؤولية المراوحة. هو في النهاية رئيس الحكومة المكلف بتأليف الحكومة، والمسؤولية الأولى تقع عليه، لكنه لا يفعل سوى انتظار المبادرات والتنازلات.
زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لا يمكن تفسيرها، بالشكل والمضمون، سوى أنها ضغط إضافي على «المعرقلين» لتأليف حكومة بالتي هي أحسن. ولذلك، تكامل الموقف المصري المعلن في لبنان مع الموقف الأميركي والسعودي، الذي ينطق به إيمانويل ماكرون ومرؤوسوه. وهذا الموقف كرّره وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أمس، في الجمعية الوطنية الفرنسية، حيث أشار إلى أن بلاده ستتخذ «تدابير محددة بحق الذين فضّلوا مصالحهم الشخصية على مصلحة البلاد». واعتبر أن «الأيام المقبلة ستكون مصيرية، وفي حال لم يتخذ هؤلاء الأطراف قرارات ملائمة، فسوف نقوم من جهتنا بواجبنا». وقال إن «الأزمة في لبنان ليست ناتجة عن كارثة طبيعية، بل عن مسؤولين سياسيين معروفين، القوى السياسية تتعنّت عن عمد ولا تسعى للخروج من الأزمة، هذا التعنت يأتي من قبل أطراف سياسيين محددين يضعون مطالب تعجيزية خارج الزمن».
أما شكري فأسف في تصريحاته لاستمرار الانسداد السياسي، وأشار إلى أنه «ينقل رسالة تضامن من مصر، وتأكيد توفيرها لكل الدعم للخروج من هذه الأزمة لتأليف الحكومة، بما يفتح الباب للدعم الإقليمي والدولي، ويؤدي الى تحقيق المصلحة المشتركة لدول المنطقة، ولكن في المقام الأول للشعب اللبناني الشقيق». لكن الوزير المصري الذي أتى إلى لبنان «لاستمرار بذل كل الجهود في إطار التواصل مع المكونات السياسية اللبنانية كافة من أجل الخروج من الأزمة الراهنة»، لم يجد حرجاً في التغاضي عن لقاء فريقين سياسيين على علاقة مباشرة بتأليف الحكومة هما «حزب الله» (الحزب الأكثر تمثيلاً على المستوى الشعبي في لبنان) و«التيار الوطني الحر» (صاحب الكتلة النيابية الأكبر). لكنه في سياق دعم الجهود التي تبذل «لتأليف حكومة من الاختصاصيين»، وجد، على سبيل المثال، أن من المفيد لقاء النائب السابق سامي الجميّل والاتصال بسمير جعجع، اللذين لا يُقدّمان ولا يؤخّران في المسألة الحكومية. شكري الذي التقى أيضاً النائب السابق وليد جنبلاط والبطريرك الماروني بشارة الراعي واستقبل النائب السابق سليمان فرنجية، زار رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والرئيس المكلف، لكنه لم يتردد في كسر البروتوكول، فلم يلتق الرئيس حسان دياب ولا وزير الخارجية (كان حاضراً في اللقاء مع رئيس الجمهورية). لكنه مع ذلك، أكد بعد لقائه الحريري أن «مصر حريصة على أمن لبنان واستقراره، وذلك يقتضي إنهاء حالة الجمود الراهنة واضطلاع الجميع بمسؤولياتهم في تعزيز استقرار لبنان ووحدته، واضطلاع مؤسساته بمسؤولياتها الكاملة تجاه الشعب اللبناني الشقيق».

كل ذلك يشير إلى أن الزيارة المصرية، إن كان لها من مساهمة في مسألة تأليف الحكومة، فقد كانت مساهمة سلبية، تؤكد وقوف مصر مع فريق من اللبنانيين ضد آخر، وهي بذلك بدت حريصة على التماهي مع الفرنسيين والسعوديين، من دون ادعاء القدرة على الحلول مكانهم.
في لقائه مع الرئيس نبيه بري، ثمّن شكري «جهود دولته ومبادراته التي يطلقها للعمل من أجل الخروج من هذه الأزمة في إطار الحفاظ على الأرضية الراسخة السياسية والقانونية المتمثلة في تطبيق الدستور اللبناني واتفاق الطائف واستعداد مصر لتقديم كل ما في وسعها لمعاونة الأشقاء لتجاوز هذه الأزمة».
وفي هذا السياق، لا تزال مبادرة بري حيّة ترزق، رغم العقبات التي تواجهها. وبحسب معلومات «الأخبار»، ثمة مستوى متقدّم من التواصل الداخلي «الجدي» بين القوى السياسية، خصوصاً التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله والحريري. وبحسب مصادر سياسية رفيعة المستوى، المشكلة الأساسية التي تعتري مبادرة بري هي في تفسير الحريري لها، لجهة منحه نفسه حق تسمية وزراء مسيحيين خارج حصة رئيس الجمهورية. لكن هذه المشكلة حُلَّت، بحسب المصادر، «فحتى الحريري صار مسلّماً بأنه لن يسمّي أي وزير مسيحي».
باختصار، صار جلياً أن الأزمة أكبر من أن تُرمّم من خلال كيل فرنسا بمكيالين أو من خلال عين مصرية واحدة. فرنسا بمبادرتها أصبحت ثقلاً على تأليف الحكومة، بالرغم من أنها لا تزال من القلة المهتمة بالشأن اللبناني. والرئيس المكلف صار حريصاً على المبادرة أكثر من حرصه على التأليف، لكن فاته عمداً أن المبادرة تلك، على ما ذكّر رئيس الجمهورية أمس، تشير في بندها الأول إلى التدقيق المالي في حسابات مصرف لبنان. وهذا يعني أن الحريري، وبالتعاون مع الرئيس نبيه بري وجنبلاط، هم أول من أفرغ هذه المبادرة من مضمونها. وبالتالي لا يجوز التفجّع عليها ممن يأخذ منها ما يناسب صراعه الشخصي مع باسيل فقط.

وفي هذا السياق، تعتبر مصادر اشتراكية أنه لا يمكن الاستمرار على هذا المنوال من العمل السياسي، فالبلد ينهار يوماً بعد يوم. وهذا يحتّم على الجميع، أصدقاء وخصوماً، فصل الخلافات الشخصية عن السياسة، والذهاب فوراً إلى تأليف الحكومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأي أمر آخر، لا قيمة له. وسألت المصادر: ماذا يعني أن يُكبّل الرئيس المكلّف نفسه بشروط مسبقة، كأن يرفض لقاء باسيل؟ ومع تأكيد المصادر الخلاف السياسي الكبير مع باسيل، إلا أنها تسأل: كيف يعقل أن يطلب الرئيس المكلف الحصول على ثقة العونيين، من دون أن يلتقي رئيس كتلتهم؟ علماً بأنه هو نفسه التقى الرئيس السابق للحزب القومي أسعد حردان، بالرغم من الخلافات العميقة التي تجمع «المستقبل» بـ«القومي»، للحصول على تسمية كتلته المؤلفة من ثلاثة وزراء فقط.
إلى ذلك، شدّد عون، أمام شكري الذي نقل له رسالة تضامن من الرئيس عبد الفتاح السيسي، على «دقة المهمات التي ستلقى على عاتق الحكومة الجديدة، ولا سيما في مجال الإصلاحات الضرورية التي يلتقي اللبنانيون والمجتمع الدولي في المناداة بها والعمل على تحقيقها، وفي مقدمها التدقيق المالي الجنائي لمحاسبة الذين سرقوا أموال اللبنانيين والدولة على حدّ سواء».

"النهار": افتتاحية “النهار”: عون يشعل معركة التدقيق في مواجهة “العزل”!

بدورها، صحيفة "النهار" رأت أنه اذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون خصص كلمته الغاضبة المفاجئة الى اللبنانيين مساء امس بملف التدقيق الجنائي دون سواه ظاهرياً، فإن الخلفية المتصلة بتطورات الملف الحكومي وسط تصاعد الضغط الفرنسي – المصري المنسق الى ذروته على الفريق المعطل لتأليف الحكومة الجديدة، بدا ماثلاً بقوة وراء توقيت الكلمة وتلميحها الى الغطاء السياسي لمن اتهمهم عون بتعطيل التدقيق الجنائي. بذلك حوّل عون مسألة التدقيق الجنائي شرطاً أساسياً من شروط إقلاع المبادرة الفرنسية وتأليف الحكومة وتدفق المساعدات الدولية، متجاهلاً العلة الأساسية التي باتت الدول تحمّله إياها مع فريقه السياسي، أي تعطيل تأليف الحكومة الى حدود كاد معها الفرنسيون يسمون الفريق المعطل فيما هم يلوحون باقتراب بدء فرض الإجراءات المتعلقة بعقوبات محتملة على المعطلين. ولكن توقيت كلمة عون بدا لافتاً لجهة ربطه ضمنا بالزيارة المثيرة للجدل التي قام بها امس وزير الخارجية المصري سامح شكري لبيروت والتي شكلت ظاهرة ديبلوماسية لافتة لجهة استثنائه من برنامج لقاءاته رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل و”حزب الله” في رسالة تعد الأكثر وضوحاً لجهة كشف المعطلين لتأليف الحكومة في مقابل دعم الرئيس المكلف سعد الحريري في مهمته. كما ان الجولة جاءت غداة فشل المحاولة التي أجريت لعقد لقاءات في باريس، اذ بدا ثابتاً ان السيناريو الذي جرى تداوله في هذا السياق قد طوي تماما. وعاد الملف الحكومي الى دائرة الشكوك بقوة في ظل الاتجاهات التي بدأت تكشفها الضغوط الفرنسية حول احتمال اضاءة الأضواء الخضراء امام عقوبات يتردد ان أوانها قد حان.

جولة شكري واتصالاته التي شملت الرؤساء عون ونبيه بري وسعد الحريري الى بكركي ورؤساء أحزاب الاشتراكي والكتائب والقوات اللبنانية والمرده اتخذت دلالات قوية للغاية لجهة الرسالة المصرية المنسقة مع فرنسا في تصعيد الضغوط المشتركة للدولتين الأكثر اضطلاعا بدور حيوي حيال الازمة اللبنانية منذ انفجار مرفأ بيروت قبل ثمانية اشهر. وبرزت معالم تصاعد الضغط المنسق والمشترك بوضوح، اذ انه فيما كان شكري يكمل جولته في بيروت، صدر موقف متشدد جديد لوزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان امام مجلس الشيوخ الفرنسي امس معلنا فيه “أن بلاده ستتخذ إجراءات بحق من عرقلوا حل الأزمة في لبنان والأيام المقبلة ستكون مصيرية”. وشدد لودريان على “أن الأزمة في لبنان ليست ناتجة عن كارثة طبيعية بل عن مسؤولين سياسيين معروفين”. وتابع قائلاً: “القوى السياسية اللبنانية عمياء ولا تتحرك لإنقاذ البلاد على الرغم من تعهداتها، وهي تتعنت عن عمد ولا تسعى للخروج من الأزمة” .

رسائل شكري
في المقابل كان شكري يشدد امام المسؤولين والزعماء الذين التقاهم على ضرورة قيام حكومة اختصاصيين ليصل الدعم الدولي الى لبنان. وفيما وصف لقاؤه برئيس الجمهورية بانه كان بروتوكوليا وباردا اعرب عون في المعلومات الرسمية التي وزعت عن اللقاء عن “شكره للدور الذي تقوم به جمهورية مصر العربية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لمساعدة لبنان في مواجهة الازمات المختلفة التي يعاني منها، ولاسيما منها الازمة الحكومية”، متمنيا ان “تثمر هذه الجهود عن نتائج إيجابية لاسيما اذا ما توافرت إرادة حقيقية للخروج من هذه الازمة من خلال اعتماد القواعد الدستورية والميثاقية التي يقوم عليها النظام اللبناني وبالتعاون مع جميع الأطراف اللبنانيين من دون اقصاء او تمييز”.

اما شكري فقال: “للأسف بعد ثمانية اشهر، لا يزال هناك انسداد سياسي ولا تزال الجهود تبذل لتشكيل حكومة من الاختصاصيين القادرين على الوفاء بحاجات الشعب اللبناني الشقيق وتحقيق الاستقرار المهم ليس فقط للبنان بل للمنطقة ومصر للارتباط الوثيق القائم على المستوى السياسي والشعبي بين لبنان ومصر”. وأوضح ان الرسالة التي ينقلها تتعلق “بتضامن مصر وتوفيرها كل الدعم للخروج من هذه الازمة لتشكيل الحكومة بما يفتح الباب للدعم الإقليمي والدولي ويؤدي الى تحقيق المصلحة المشتركة لدول المنطقة ولكن في المقام الأول للشعب اللبناني الشقيق. وبالتأكيد، فان الاطار السياسي يحكمه الدستور واتفاق الطائف واهمية الالتزام الكامل بهذه الدعائم الرئيسية للاستقرار، ومصر لن تدخر جهدا في مواصلة دعمها للبنان خلال هذه المرحلة الدقيقة”.
وكان اللقاء الأبرز لشكري مع الرئيس المكلف سعد الحريري في”بيت الوسط”، اذ اعلن بعد اللقاء أنه أكّد للحريري “دعم مصر تشكيل حكومة مهمّة بعيدة عن التجاذبات السياسية، لاستعادة لبنان موقعه الطبيعي كمنارة في المنطقة”. وأضاف ان “مصر حريصة على أمن واستقرار لبنان، وذلك يقتضي إنهاء حالة الجمود الراهنة”، مشيراً إلى أنه “يتطلّع لاستمرار الحوار الوثيق مع الحريري والأطراف كافة من أجل الخروج من الأزمة وستبقى مصر داعمة للبنان” .

وقبيل إلقاء عون كلمته مساء كتب رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل عبر صفحته على تويتر: “أبديت وما زلتُ أبدي كل التجاوب مع أي رغبة فرنسية بزيارة باريس، او بلقاء في اي مكان ومع ايٍّ كان، بلا عِقد أو حجج، ومن دون المسّ بصلاحيات رئيس الجمهورية أو التعرّض لدوره شكلاً ومضموناً. فالهم واحد أوحد هو تنفيذ الاصلاحات بدءاً بتأليف الحكومة. لكن رغم كل ذلك، ورغم قرار التيّار عدم المشاركة في الحكومة مع تقديم كل تسهيل لتشكيلها وازالة كل العقبات امامها، ورغم تحديد أكثر من موعد وفرصة، جاء من يعطّل كل محاولة فيها أمل . سنبقى نتجاوب، ضمن الأصول، مع كلِّ مسعى خارجي أو داخلي، ولن نيأس إلى ان يبصر الحل النور”.

عون والمعركة !
اما كلمة الرئيس عون الى اللبنانيين عن التدقيق الجنائي فحمل فيها بعنف بالغ على ممثلي وزارة المال وحاكمية مصرف لبنان في ما وصفه بالمماطلة المؤكدة في المفاوضات مع شركة “الفاريز ومارسال” ما يدل على عدم وجود إرادة بإجراء التدقيق الجنائي، وقدم عرضا مسهبا للوقائع السابقة المتصلة بهذا الملف معتبرا ان “الشكوك كانت تتأكد يوماً بعد يوم بان حسابات المصرف المركزي غير شفافة ولم يكن يعرف حجم النقص في الاحتياط بالعملات الأجنبية وهو نقص كانت تتم تغطيته من أموال المودعين خلافا للقانون”. ورأى “ان هدف المماطلة هو دفع الشركة الى اليأس لتغادر لبنان وتوقف بالتالي التدقيق الجنائي ويفلت المجرمون من العقاب”.

"البناء": عون يضع التدقيق الجنائيّ سقفاً للحكومة… ويدعو حكومة دياب لاجتماع استثنائيّ 

أما صحيفة "البناء" اعتبرت أنه خلال أربع وعشرين ساعة مضت، انقلب المشهد الداخليّ والبيئة الدوليّة والإقليميّة المحيطة به، من التفاؤل الى التشاؤم، فقد تزامنت مجموعة من التطورات التي دفعت بالمصادر المتابعة للشأن الحكومي إلى الاستنتاج أن هناك تغييراً جذرياً في المواقف يجعل التعقيدات التي تعترض تشكيل الحكومة الجديدة تتغلب على مساعي التسهيل، وكان أول التطورات هو ما تبلغته الجهات اللبنانية الرئاسية والسياسية من باريس عن صرف النظر عن المسعى الفرنسي لعقد لقاء مصالحة يضمّ الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وتبع ذلك كلام فرنسيّ على لسان وزير الخارجية جان إيف لودريان عن التلويح بفرض عقوبات على مَن وصفهم بالمعرقلين الذين يضعون مصالحهم الضيقة أمام مصلحة بلدهم. 

وقالت المعلومات الفرنسيّة إن المقصود بالتلويح بالعقوبات هو فريق رئيس الجمهورية، أما ثالث التطوّرات فكان الرمزيّة التي حملتها زيارة وزير الخارجيّة المصريّة سامح شكري بمن قصدهم الوزير المصريّ بزيارات مقارهم ومَن استثناهم، فإذا كانت زيارة كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب من باب تحصيل الحاصل، وتقع خارج الحساب السياسيّ، إلا أن اختيار زيارة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري واستثناء رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، من جهة، واختيار زيارة النائب السابق وليد جنبلاط والاتصال الهاتفي برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لتعذّر زيارته بسبب إصابته بكورونا، وزيارة بكركي للقاء البطريرك بشارة الراعي، مقابل استثناء رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وحزب الله، وضع الزيارة في دائرة إحياء الانقسام السياسي اللبناني على ضفاف النزاع الإقليمي والدولي، وانسحاب العامل الخارجي من دور المساعي الوسطية الى العمل على تعزيز الاستقطاب حول المحاور، بينما قالت المصادر إنه كان بمستطاع الوزير المصري تظهير مساعي التوفيق بين الأطراف لو كان هذا المطلوب من خلال طاولة تعفيه من كل الزيارات تشبه الطاولة التي عقدها الرئيس الفرنسي في قصر الصنوبر وضمّت الجميع.

ليلاً، جاءت رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحت عنوان التدقيق الجنائي، لتنعى عملياً مساعي تشكيل الحكومة، بوضع التدقيق الجنائي سقفاً للحكومة الجديدة، وتغمز من قناة القيادات السياسية التي تعاقبت على الحكومات السابقة، وعلى الذين يقدّمون الغطاء لمصرف لبنان، وفهم تتويج الرئيس عون لرسالته بدعوة حكومة تصريف الأعمال لاجتماع استثنائي تأكيداً قاطعاً بتراجع مساعي تشكيل الحكومة، وعلم على هذا الصعيد أن رئيس حكومة تصريف الأعمال سيتريّث باتخاذ موقف من دعوة رئيس الجمهورية لدراستها ومعرفة مواقف الأطراف المختلفة منها.

المصادر المتابعة قالت إن المساعي الداخلية التي يقودها رئيس مجلس النواب نبيه بري باتت وحيدة، في ظل المناخات الخارجية الجديدة، وإنها وحدها اليوم يمكن أن تشكل المسعى الذي يمكن التعويل عليه لعدم ذهاب البلد الى الانسداد الكامل.

إقرأ المزيد في: لبنان