لبنان
"توقّع الحياة في زمن كوفيد-19" على طاولة البحث في مركز أبحاث العلوم الاجتماعية في اللبنانية
نظّم مركز الأبحاث في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية برئاسة البروفسور حسين أبو رضا ندوة تناولت "توقّع الحياة في زمن كوفيد - 19"، وذلك بدعوة من منسق مختبر الديموغرافيا البروفسور شوقي عطيه والباحثة وأستاذة الديموغرافيا في المعهد الدكتورة رجاء الغصيني.
البروفسور حسين أبو رضا
وأشاد البروفسور أبو رضا بنشاطات مختبر الديموغرافيا، مشيرا إلى أنّ تنظيم المركز لأنشطة مختلفة من مؤتمرات وندوات ومحاضرات محلياً وإقليمياً ودولياً، في شتى ميادين العلوم الاجتماعية ينسجم مع أهدافه الساعية إلى "مساعدة أساتذة المعهد وطلاب الدراسات العليا فيه على تطوير انتاجاتهم البحثية، وتوفير منبر علمي لهم للتفاعل مع أقرانهم الباحثين".
وأضاف البروفسور أبو رضا في كلمة له "إنّنا بصدد القيام بورش تدريبية تمكّن الباحثين، خصوصًا طلاب الدراسات العليا، من امتلاك المقدرة اللازمة للقيام بالأبحاث ومقاربة الظواهر الاجتماعية الراهنة وتداعياتها على مستوى المجتمع"، لافتا إلى أنّ "هذا النشاط يندرج ضمن الديموغرافيا والصحة ويتناول توقّع الحياة في زمن الكوفيد - 19".
وقال إنّه "يتّسم باهتمام خاص لكل الباحثين، أولاً بسبب راهنيته، وثانياً بعد أن ألقت جائحة "كورونا" بظلالها على جميع المستويات المجتمعية"، مؤكّداً أنّنا "لسنا بصدد دراسة تداعيات هذه الجائحة الواسعة على البشرية جمعاء، ولا بهدف مقاربة الأبعاد الصحيّة المختلفة التي أحدثتها، بل للاستفادة من علم الديموغرافيا في المجال الطبّي ضمن التشاركية العلمية، أو ما يطلق عليه المقاربة البينمناهجية".
وأوضح البروفسور أبو رضا أن "طرح هذه التساؤلات قد يساعد في وضع الخطط والبرامج لمواجهة تداعيات الجائحة، فكما الجهاز الطبي في طليعة المواجهين لها، يجب على الباحثين السوسيولوجيين مساعدة هذا الجهاز على مستوى التحليل والتدقيق في المعطيات والمعلومات التي تراكمت من مصادرها".
الدكتورة رجاء الغصيني
من جهتها، تحدثت د. الغصيني عن مؤشّر توقّع الحياة الذي يعود تاريخ احتسابه الى كل من Graunt & Halley عام 1662، وهو كناية عن وصف إحصائي للسكان، ويعرف بمتوسط عدد السنوات الإضافية المتوقّع أن يعيشها الفرد بعد عمر معيّن.
وأوضحت في كلمة لها "كيفية احتساب المؤشّر من خلال جدول وفاتية الجيل Generation Life Table ومن جدول الوفاتية الآني Current Life Table مع تقديم مقارنة بين الجدولين، وعرض موجز لقيم أعمدة جدول الوفاتية وطريقة حسابهم، وصولاً إلى احتساب قيمة المؤشّر من الجدول".
وأظهرت د. الغصيني من خلال الرسوم البيانية المسار التصاعدي للمؤشّر في دول العالم كافة، مشيرة إلى "ارتفاعه عند الإناث منه عند الذكور منذ منتصف القرن الماضي حتى العام 2020"، وقارنت بين وباء الإنفلونزا الاسبانية 1918 ووباء كوفيد 19 من حيث تأثيرهما المتشابه على صحة الفرد وعلى مؤشّر توّقع الحياة.
وبينت الأسباب المرافقة لارتفاع الوفيات في زمن كوفيد ــ 19، ومنها عجز وهشاشة الأنظمة الديمقراطية في مواجهة الجائحة، كاتّباع مناعة القطيع وفتح الحدود الجوية، فيما اعتمدت الصين بالمقابل سياسة التحصين بالقوّة، ولفتت إلى أنّه "على الرغم من تراجع مؤشّر ارتفاع الإصابات في العام 2020 في بعض الدول كالولايات المتّحدة الأميركية بفارق 1.13 سنة عما كان عليه في العام 2019، انما لا يزال مؤشّر توقع الحياة يحافظ عالمياً على ارتفاعه".
وحذرت د. الغصيني من "كارثة سكّانية مع ارتفاع وفيات كوفيد ــ 19 في العام 2021 بشكل غير مسبوق عالميًا بما فيه لبنان، ما يؤثّر سلبا على مؤشّر توقّع الحياة"، معتبرة أنّ "الرهان يبقى على الموانع التحصينية الوقائية، وتمنيع السكان في العالم من خلال تلقيح 70% منهم، بهدف التقليل من أعداد الوفيات، ومعاكسة التقديرات التي تُشير إلى صعوبة العودة الى الحياة الطبيعية".
البروفسور شوقي عطيه
بدوره، أكّد منسّق مختبر الديموغرافيا البروفسور شوقي عطيه أهمية ما قدّمته د. الغصيني من ناحية ربط الديموغرافيا بالأوبئة، وأشار إلى أن "احتساب نسبة الوفاة تكون بنسبة الوفاة من المصابين، وليس بنسبة الوفاة لعدد السكّان"، موضحا أنّ "السبب في ذلك مردّه لعدم إصابة كل السكّان بالوباء لغاية الآن".
واعتبر أنّ "متوسّط الإماتة للفيروس، تراوحت بين 2 إلى 2.5 % على صعيد العالم بينما الإنفلونزا العادية تصل الإماتة فيها إلى 0.1 % مثلا"، معتبرا أنّنا "محظوظون في لبنان كون معدّل الإماتة لا زال في حدود 0.8% (عام 2020)، على الرغم من ارتفاع أرقام الإصابات عالمياً بشكل هائل يومياً".
وأوضح منسّق مختبر الديمغرافيا أوجه الفرق والتشابه بين الإنفلونزا الأسبانية وكوفيد ــ 19، مشيراً إلى "أن التشابه الكبير بينهما يعود إلى سرعة الانتشار وسرعة الانتقال، إلا أن الخطورة الأكبر مع الإنفلوانزا الأسبانية كمنت في الفئات المستهدفة، أو الفئات الأكثر عرضة للوفاة، أي الناشطون في العمر، بينما يطال الكوفيد، بنسب أكبر، كبار السن من 65 سنة وما فوق".
ووضع البروفسور عطيه "بعض الملاحظات المحدّدة لناحية التوقّعات، منطلقاً من وضعه فرضية متوسطّة"، موضّحاً أسبابها بموت الكثير من الأشخاص يتأملون باللقاحات، وأنا منهم. ولكن، بناء على الخطة التي أصبحت موجودة عند الجميع، لن يجري توزيع اللقاحات قبل نهاية السنة على أكثر من مليون ونصف مليون شخص.
وأضاف: "من الآن لغاية بداية تموز 2021 سيتم توزيع 600 ألف لقاح فقط، بما يعادل 12% من السكّان الفعليين، أو 15% من عدد سكان لبنان المُعلن عنهم"، معتبراً أنّ "تأثير اللقاح على السكان سيكون جيّداً، كونه سيستهدف الفئات الضعيفة والأكثر عرضة مثل الجهاز التمريضي والطبي، وكبار السن".
واستعرض البروفسور عطيه خلاصة دراسة أجريت مؤخّراً في الولايات المتحدة الأميركية طالت توقّع الحياة عند الولادة، وبيّنت أنّ التأثير يتراوح بين السنة والخمس سنوات انخفاضاً في الدول المتطوّرة.
ومن هذا المنطلق وبالاستناد إلى دراسة سريعة جداً لجدول الوفيات الأقرب إلى لبنان، توقّع عطيه قائلا إنه "لن يبقى توقّع الحياة عند الولادة في لبنان كما هو وإنّما ينخفض بحدود نصف سنة للعام 2020، مبيّناً أنّ الأهمية تكمن كما أشارت الدراسة، ليس في نسبة الانخفاض، وإنّما كونها المرّة الأولى التي ينخفض فيها توقّع الحياة عند الولادة منذ 40 سنة في الولايات المتّحدة الأميركية، وهو أمر رآه عطيه ينطبق على لبنان "يعني صحيح أنّ الانخفاض هو طفيف، ولكن لأول مرة يحدث هذا الأمر في تاريخ لبنان الحديث".
وقال إن "من المنطقي جدا أن تزداد أرقام الوفيات، مع الالتفات أنّ هناك نوعين لوفيات الكوفيد: الوفيات المباشرة بكوفيد، أي من أصيبوا بهذا الوباء وتوفوا، وبخاصّة الصغار الذين لا يُعانون من أي أمراض، والوفيات غير المباشرة بكوفيد: لمن هم لم يجدوا أماكن للعلاج في المستشفيات، ولعدم توفّر الأدوية، ولأنّ النظام الصحي استنزف".
وذكّر منسّق مختبر الديمغرافيا أنّ "لبنان يسجّل كل سنة بين 25 و 27 الف وفاة"، مشيراً إلى أنّ "أي زيادة على هذه النسب تعني أنّ هناك أسبابا استدعت هذه الزيادة، وتوقّع من منطلق الإسقاطات على جدول الوفيات إنّه من الممكن أن ينخفض توقّع الحياة في لبنان بين 5 إلى 7 سنوات بسبب هذه الجائحة في العام 2021 ليعود الى ما كان عليه بعد انتهاء الجائحة".
هذا وتضمّنت الندوة مداخلات ونقاشات قيّمة بين الحضور والمحاضرين، واختتمت بخلاصة لرئيس مركز الأبحاث البروفسور أبو رضا اعتبر فيها انّنا أمام نقاش أغنى هذه الندوة التي فتحت المجال أمامنا "لنلحظ أهمية هذا الموضوع وراهنيته، ويظهر ذلك من خلال الحضور الكبير للطلاّب والأساتذة والاهتمام بالنقاش حوله".
وقال البروفسور أبو رضا: "نحن أمام واقع يسلّط الضوء على أهمية البحوث الاجتماعية لهذا الموضوع، كما يسلّط الضوء على صعوبة القيام بأبحاث عن هذه الظاهرة من دون المعطيات الدقيقة والقراءة الواضحة عن هذه المعطيات"، مضيفا أننا "كديموغرافيين وكعلماء اجتماع نحتاج أن نحصل على معطيات علمية دقيقة جداً كي نتمكّن من بناء كيفية دراسة الظاهرة. مع الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد السياسية والمصالح الاقتصادية والأبعاد الأخرى... وبالتالي علينا أن ندقّق في ما نحصل عليه من معطيات".