لبنان
نهر العاصي.. ثروة مبددة
تغريد الجوهري
ينبع نهر العاصي من لبنان، ويبلغ طوله حوالي 571 كيلو متراً تقريباً، 525 كيلو متراً منها في كل من سوريا والاسكندرون أمّا الباقي فهو من حصة لبنان. ويصب هذا النهر في البحر الأبيض المتوسط.
رسمياً يعتبر المنبع الأساسي له في منطقة اللبوة في البقاع لأنه أول رافد، لكنه جاف منذ عشرات السنين، في حين أن المنبع الذي يعطي أكبر كمية من الماء هو عين الزرقاء في الهرمل. ارتبط وجود منطقة الهرمل بنهر العاصي، فإلى جانب كونه مصدرًا للمياه، يستثمر هذا النهر اقتصاديًا في القطاع الزراعي وخاصةً الزراعة الحيوانية (زراعة السمك)، وفي القطاع السياحي، وبالتالي فإن استثماره يساهم بشكل كبير بتحريك العجلة الاقتصادية في المنطقة.
القطاع الزراعي
يجري نهر العاصي في وادٍ ضيق، ولذلك إن المساحات الزراعية على ضفتيه قليلة، تتراوح بين 50 و200 متر تقريبًا.
ما قبل العام 1990، كان هذا النهر يستثمر في الزراعة النباتية فقط، وذلك في المناطق المنخفضة عند الحدود، وخصوصًا في زراعة الذرة، لحاجات الاستهلاك المحلي والعلف الحيواني. بعد هذا العام تبين أن خصائص النهر، من حيث درجة حرارة المياه، ونسبة الأوكسجين فيها، ومن حيث اإنحدار المجرى، ملائمة جدًا للزراعة الحيوانية أي زراعة السمك، وخاصةً سمك "الترويت"، فنشط الاستثمار في هذا القطاع وبدأ يزدهر حتى وصل عدد مزارع السمك إلى 100، ووصل الإنتاج إلى 3 آلاف طن من السمك في السنة. وقد وجدت هذه السلعة أسواقا للتصريف محليًا وخارجيًا خصوصًا في السوق السوري وأسواق الخليج، ووفرت مادة للتصنيع الغذائي حيث نشأت بعض مصانع "تدخين السمك".
المشاكل التي يعاني منها قطاع "زراعة السمك"
1- غياب القوانين: يعاني هذا القطاع الزراعي من غياب قوانين ترعاه، لذلك أنشئت مزارع الأسماك بشكل عشوائي على ضفاف نهر العاصي، الأمر الذي جعلها عرضة للفياضنات التي تحصل بداية ونهاية فصل الشتاء، مما يكبدها سنويًا خسائر جسيمة.
2- ارتفاع كلفة الإنتاج: نظرًا إلى أن علف الأسماك مستورد، يعاني اليوم المزارعون مع ارتفاع سعرف صرف الدولار من ارتفاع في كلفة الإنتاج، حيث يبلغ سعر الطن من العلف 1800 دولار. الأمر الذي دفع بعضهم للجوء لبديل محلي، وهو أحشاء الدجاج التي يجمعونها من المسالخ. وبالرغم من أن ذلك ساهم في إلى حد كبير بخفض كلفة الإنتاج إلاّ أنه في المقابل أدى إلى تلويث مياه النهر والتسبب بأمراض لهذه الثروة السمكية وخاصة سمك "السلمون".
وبما أنه لا يوجد قوانين تنظم هذا القطاع، ولا برامج لدى وزارة الزراعة لدعم المزارعين، فإن ضبط المخالفات محصور بالضابطات العدلية المكلفة بهذا الأمر، وهي "مكتب حماية الثروة الحرجية والسمكية" و"القوى الأمنية"، أما التدخل الفاعل فكان للبلديات.
فقد أنشأت بلدية الهرمل معملًا للعلف المحلي، بأسعار مخفّضة. كما وأنشأ اتحاد بلديات الهرمل بالتعاون مع محافظة البقاع لجنة لحماية نهر العاصي، عملت على تحديد مصادر التلوث، وقامت بوضع برامج مراقبة بشكل يومي بالتعاون مع الجهات الأمنية والمدعي العام البيئي في البقاع ونتج عن ذلك توقيف المخالفين (الذين يستعملون أحشاء الدجاج) وإغلاق بعض المسامك المخالفة. ولكن هذه الإجراءات تراخت مع تفاقم حدة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان.
أدى هذا الارتفاع بكلفة استيراد الأعلاف، إلى انخفاض كمية الإنتاج حيث وصلت إلى 2500 طن، وما زال التراجع مستمرًا، مع الإشارة إلى أن سعر الطن تدنى أيضًا إلى 2000 دولار بعد أن كان 3500 دولار، فيما بقي سعر العلف على ما هو عليه. وبالتالي بلغ انخفاض الربح 1500 دولار في الطن، الأمر الذي أدى إلى إغلاق العديد من هذه المسامك وتدهور حال هذا القطاع، الذي كانت تعتاش منه حوالي 200 عائلة ( بين مالك، ومستثمر وعامل).
القطاع السياحي
يعتبر الاستثمار الأمثل في نهر العاصي، هو "السياحة" حيث نشأ على ضفتي النهر حتى اليوم أكثر من 100 مرفق سياحي (مطاعم، منتزهات وشاليهات)، 15% منها تعمل على مدار السنة و85% منها موسمية تعمل خلال فصل الصيف فقط.
حتى سنة 1990 لم يكن الاسثمار في هذا القطاع فاعلًا، لأنه مرتبط مباشرة بالأوضاع الأمنية وما إن شهد لبنان استقرارًا أمنيًا حتى بدأت المرافق السياحية على ضفاف النهر تستقطب زبائن من خارج المنطقة وزاد عددها بشكل كبير.
وفي العام 2000 برزت رياضة "الرافتينغ" حيث يعتبر مجرى النهر ملائمًا لها، فزادت أعداد الزبائن من كل المناطق ومن خارج لبنان وشهد هذا القطاع ازدهارًا كبيرًا.
يستفيد من هذا القطاع أكثر من 200 عائلة ويساهم المردود المالي منه في تحريك العجلة الاقتصادية في المنطقة. لكن مستوى ازدهاره متذبذب بحسب الأوضاع الأمنية، حيث تأثر بشكل كبير أثناء الحرب في سوريا والمواجهات العسكرية في جرود عرسال ما بين العام 2013 و2017، نظرًا الى أن منطقة العاصي (الهرمل) قريبة من الحدود السورية والميادين التي شهدت مواجهات عسكرية كما أنها تعرضت خلال هذه الفترات لسقوط صواريخ.
التدخل البيئي
حلت "لجنة حماية نهر العاصي" مشكلة تلوث المياه في القسم الأعلى من النهر وفي القسم الناشط سياحيًا، وذلك من خلال إنشاء حفر صحية ذات مواصفات عالية للمياه الآسنة ومياه الصرف الصحي التي تنتج عن المرافق السياحية. وكذلك تقوم هذه اللجنة بحملات تنظيف دورية لمجرى النهر من النفايات الصلبة، وحملات إرشادية لحث رواد هذه المرافق على الحفاظ على نظافة النهر، ورش مبييدات بشكل موسمي. كما وعملت هذه اللجنة على وضع النهر ضمن خطة "مكتب مواجهة الكوارث" التابعة للهيئة العليا للإغاثة، بمتابعة من قبلها وبإشراف من محافظة بعلبك الهرمل.
إقرأ المزيد في: لبنان
09/11/2024