معركة أولي البأس

 

لبنان

جهات سياسية تحرّك الشارع لتستثمر حكوميًا.. ولقاح كورونا يصل منتصف شباط
28/01/2021

جهات سياسية تحرّك الشارع لتستثمر حكوميًا.. ولقاح كورونا يصل منتصف شباط

ركّزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على التظاهرات الشعبية التي شهدتها بعض المناطق وتصاعدت وتيرتها وتحوّلت إلى اشتباكات ومواجهات مع القوى الأمنية في طرابلس، وعلى إعلان خطة لقاح كورونا الذي ستصل الدفعة الأولى منه إلى لبنان منتصف شهر شباط/فبراير المقبل.

ومن الواضح أن إعادة تحريك الشارع على إيقاع التأزم السياسي والحكومي مخطط وموجّه من قبل جهات سياسيّة لطالما استخدمت الشارع كأداة للاستثمار السياسي، وما يؤكد ذلك اقتصار التحركات على مناطق تُعدّ معاقل انتشار تيار المستقبل.

"الأخبار": التلقيح المعركة الأكبر

بداية مع صحيفة "الأخبار" التي رأت أن لبنان يستعد لبدء عمليات التلقيح ضد فيروس كوفيد 19 (كورونا) مطلع الشهر المقبل. الاتفاق الاولي المعقود مع شركة فايزر، يسمح بالحصول على ربع مليون جرعة خلال عشرة أيام. لكن عمليات النقل والتجهيز كما دلت التجربة في اميركا واوروبا، تدعو الى الحذر وتوقع ان يأخذ الأمر مزيدًا من الوقت، ولا سيما أن الجانب اللوجستي من العملية فرض وقائع كثيرة كانت بعيدة جداً عن التصور النظري وعن التخطيط الذي تضمنته الادارات المعنية في الغرب.

في لبنان مشكلات متنوعة، ابرزها وأهمها غياب الاحصاءات الدقيقة للمواطنين وللمقيمين على الاراضي اللبنانية. حتى الآن، يجري التعامل مع رقم تعرضه الامم المتحدة استناداً الى حسابات غير موثقة بدقة، لكنها تشير الى وجود أقل من سبعة ملايين شخص على الاراضي اللبنانية، بينهم أكثر من مليونين من غير اللبنانيين. كذلك ثمة فئة «غير المعروف وجودهم»، من الوافدين تهريباً أو لم يسبق لهم أن سُجِّلوا في أي من القوائم المتعارف عليها في البلاد. يُضاف إلى ما سبق التضارب الكبير في المعلومات الموجودة لدى المؤسسات غير الحكومية التي تعنى بشؤون اللاجئين أو النازحين أو الهاربين الى لبنان.
مشكلة اضافية تتعلق بعمليات التصنيف الجارية، وذلك ربطاً بآلات قياس معتمدة عالمياً وقد لا تنطبق على لبنان، خصوصاً لجهة العدد الفعلي للذين يفترض تلقيحهم، إذ يجري الحديث عن نسبة تلامس الـ80 في المئة من السكان. لكن هذه النسبة اعتمدت في الغرب أو البلاد المكتظة بالسكان، ربطاً بدرجة الاختلاط. كذلك هناك عامل يتعلق بالفئات العمرية. ففي النموذج الاوروبي، صنف من عمرهم فوق الثمانين السنة، كفئة كبيرة، يجب أن يسبق حصولها على اللقاح من هم بعمر السبعين سنة. بينما لا يمكن في لبنان التعامل مع الأمر إلا وفق قاعدة أن كبار السن هم فعلياً الذين يتجاوزون الخامسة والستين من العمر (يُقدَّرون بنحو 7 في المئة من السكان، في مقابل أكثر من 20 في المئة في أوروبا). ثم إن عدد اللبنانيين من الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة يمثلون كتلة كبيرة، وبالتالي، فإن احتساب المصابين أولاً، ثم الذين هم دون الـ18 سنة ثانياً، ثم إزالة الاخطاء، يكون لبنان بحاجة الى تلقيح أقل من ستين في المئة من عدد سكانه. وهذا من شأنه تسهيل المهمة الاكثر صعوبة، وهي الخاصة بتجهيز مراكز التلقيح.

 وتُظهر الدراسات القائمة حتى الآن، أن اختيار مستشفيات أو مراكز طبية قد لا يكون أمراً مناسباً ربطاً بالتنظيم الكبير الذي تحتاج إليه هذه المراكز للفصل بين مهمتي التلقيح من جهة، ومهمة متابعة الطبابة من جهة ثانية، عدا عن كون غالبية المراكز الطبية في لبنان ليست بالحجم الذي يتيح تنظيم وجود بشري كبير بصورة متواصلة خلال فترة زمنية غير قصيرة. وضيق الأمكنة سيفرض وتيرة من الاختلاط التي تهدد العملية برمتها، بينما تظهر الدراسات الاولية أن هناك حاجة الى بنية من نوع مختلف، تقوم على فكرة استخدام ساحات كبيرة، مثل ملاعب كرة القدم في المدن الكبرى أو مراكز الاقضية، وحيث يجب إقامة مستشفيات ميدانية تقتصر موجوداتها على خط يحتوي على خيم الانتظار حيث يتم التثبت من قوائم المصرّح لهم بالحصول على اللقاح في هذا التاريخ، تجاورها خيم التجهيز التي يتم فيها تلقّي اللقاح، وهي تكون عادة ملاصقة للخيم التي تحوي اللقاحات، وتليها خيم الانتظار لنحو نصف ساعة بعد اللقاح للتثبت من عدم ظهور علامات تحسّس عند متلقّي اللقاح. كما ينبغي إقامة خيم مجهزة لتقديم الاسعافات الطبية لأيّ متلقّ تظهر عليه علامات تحسس أو أي أعراض جانبية أخرى، إضافة الى جاهزية لوجستية (غرف عناية) أو «سيارات إسعاف» لمعالجة المتضررين أو نقلهم الى مراكز طبية متخصصة.

من جانب آخر، هناك الجاهزية البشرية للفريق الذي سيقوم بعملية التلقيح، إذ في حالة لبنان، لا يمكن الاستعانة بالجسم التمريضي بصورة كبيرة، لأنه مشغول أصلاً بدوره القائم في المستشفيات والمراكز الطبية. وبالتالي سيكون العدد المتاح من الممرضين قليل جداً، ما يوجب تدريب عدة آلاف من المتطوعين لعمل «الإسعاف» الذي يتيح لهم القيام بعملية التلقيح بإشراف متخصصين، وهو أمر متاح، ويمكن توفيره في فترة قياسية في حالة قررت الدولة إشراك الهيئات الاهلية الاسعافية في هذه العملية. ويوجد في لبنان هيئات لديها قدرات وطواقم قادرة على المساعدة بقوة، مثل الصليب الاحمر اللبناني والهيئة الصحية الاسلامية وآخرين، وهذه نقطة مهمة ليس واضحاً أنها حظيت باهتمام كبير أو بخطة عملانية حتى الآن.
لكن، فوق كل ذلك، ثمة معضلتان: الاولى تتعلق بضمان وصول الكمية المطلوبة من اللقاحات، والثانية تتعلق بجدول الفئات التي يفترض تلقيحها وفق برنامج أولويات خاص بحالة لبنان.
في الجانب الاول، تظهر المعطيات فشلاً كبيراً من جانب السلطات المعنية، سواء في الحكومة أم حتى في القطاع الخاص، بالوصول الى مراكز إنتاج تتيح للبنان الحصول على كميات كبيرة من اللقاحات، ما يسرّع عملية التلقيح الشاملة، وسط معركة عالمية تتطلب جهوداً خاصة ولا تستند فقط الى القنوات التقليدية، خصوصاً أن الاجتماعات والاتصالات والمراسلات التي جرت حتى الآن مع جميع الحكومات والشركات في العالم، لم تتح للبنان الحصول على عدد كبير من الجرعات، علماً بأن الحكومة وفّرت كما البنك الدولي مبالغ مالية مقبولة. والمشكلة هنا ليست إجرائية وحسب، إذ لا يزال في لبنان من يتصرف بعقلية متخلفة لناحية إصرار البعض على الاكتفاء بما تسمح به منظمة الصحة العالمية، وهي التي أقرّت لقاح «فايزر»، بينما لم تقر بعد بفعالية اللقاحات الأخرى، من الانكليزي الى الروسي الى الصيني، علماً بأن مئات ملايين البشر بدأوا يتلقون اللقاحين الصيني والروسي. ولا بد من الاشارة هنا الى أن النقاشات حول نوعية اللقاحات وجدواها يجب أن تظل محصورة بين أهل العلم، وعدم تركها لأي جهات أخرى، خصوصاً أن العالم محكوم بمعادلات سياسية وتجارية وغير ذلك من الأمور التي تقضي على الانسان بوباء أو من دونه.

"البناء": طرابلس تقرع الجرس.. الانفجار والفوضى وراء الباب… الفقر يولّد بيئة سقوط الأمن

بدورها صحيفة "البناء، أشارت الى أن عشرات الإصابات ومشهد شوارع طرابلس بعد منتصف الليل، والاستهداف للجيش والقوى الأمنية من جهة، وحجم الفقر المنتشر من جهة أخرى، معادلة قابلة لأخذ طرابلس ومن ورائها الشمال ومن خلالهما لبنان كله نحو الانفجار والفوضى. فمعادلة الفقر والأمن كمعادلة البيضة والدجاجة لا أسبقية ومفاضلة في معالجتهما، حيث يستحيل الاكتفاء بالوقوف إلى جانب الجيش والقوى الأمنية ضد الاستهداف الذي تجاوز حدود الاحتجاج، من دون الالتفات لحجم الفقر الذي يخيم على المدينة العريقة في وطنيتها ومدنيتها وتاريخها النضالي الاجتماعي والسياسي.

المعالجة مستحيلة بالمفرق، وفقاً لمصادر تابعت أحداث الشمال خلال الأيام الماضية، وتتوقع المزيد من التصعيد والانتشار للمشهد الطرابلسي، بعدما بلغ الفقر حد العجز عن التحمل، وبلغ تفشي الوباء حد العجز عن التقبل، وبلغت الاستعصاءات السياسية في ملف تشكيل الحكومة حد الاستعصاء على فهمها.

توقفت المصادر أمام البيئة القابلة للاستثمار من الذين يريدون العبث أو توجيه الرسائل السياسية، وقالت إن الأزمة ذاهبة للمزيد من التوسع، فكلفة الاستثمار منخفضة في ظل حجم الفقر من جهة وتدني سعر صرف الليرة من جهة موازية، بالنسبة الى أي جهة ممولة من الخارج، أو بأموال تأتي من الخارج، خصوصاً بعدما أوحى كلام الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري بنيته إبعاد شبهة الاتهام نحوه في الوقوف وراءها لحماية شروطه في تشكيل الحكومة، كما أوحى باتهام فريق سياسي يريد استغلال أوجاع الناس لإيصال رسائل سياسية، بما لا يمكن فهمه إلا اتهاماً لشقيقه بهاء بالوقوف وراء التلاعب بما تعانيه طرابلس وتوظيفه، واعتبار الرسالة موجّهة للرئيس سعد الحريري مباشرة. فالقادرون على التحرك في الشارع الطرابلسي لا مصلحة لهم بما يجري باستثناء فرضيّتي الشقيقين، وانتفاء إحداهما تثبيت للأخرى. وتساءلت المصادر عما إذا كان هذا الوضع سيدفع برئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري نحو الاقتراب من إنتاج حل سياسي للأزمة الحكومية بدلاً من تبادل المصادر المقربة منهما للاتهامات باستغلال الوضع لتحسين شروط التفاوض.

على مستوى تفشي وباء كورونا، لفتت مصادر طبية بالتزامن مع الإعلان عن خطة اللقاح الوطنية من السراي الحكومي، إلى خطورة الوضع الصحي رغم انخفاض عدد الإصابات اليومية. وقالت المصادر إن لبنان يقف مع سويسرا وبريطانيا والبرتغال وتشيكيا في المرتبة الأولى عالمياً لنسبة عدد الإصابات اليومية والوفيات اليومية بالقياس لعدد السكان، ما يجعل الحاجة ملحّة لتمديد الإقفال مجدداً، لكن مع شبكة أمان اجتماعية فعالة للفئات الأشد فقراً.

وتوزّع الاهتمام الداخلي أمس، بين حدثين: الأول التظاهرات الشعبية في بعض المناطق والتي تصاعدت وتيرتها وتحوّلت إلى اشتباكات ومواجهات مع القوى الأمنية في طرابلس، وبين السرايا الحكومية التي شهدت إعلان خطة لقاح كورونا الذي ستصل الدفعة الأولى منه إلى لبنان منتصف شهر شباط المقبل.

ولليوم الثالث على التوالي، ارتفعت وتيرة الاشتباكات بين المحتجين وعناصر مكافحة الشغب أمام سراي طرابلس، حيث قام المحتجون على الأوضاع المعيشية الصعبة بإلقاء مواد حارقة على سور السرايا الحديدي والأشجار الملاصقة للسور وأشعلوا النيران فيها.

واللافت إقدام المتظاهرين على رشق مبنى السرايا بالحجارة وقنابل «المولوتوف» بشكل كثيف وإحراق آلية للقوى الأمنية ومحاولة اقتحام السراي، فيما ردت عناصر مكافحة الشغب بخراطيم المياه وقنابل الغاز المسيلة للدموع لإبعاد المحتجين.

وأفادت مصادر ميدانية إلى أن عناصر قوى الأمن أطلقت الرصاص في الهواء بشكل كثيف لإبعاد المحتجين الذين ألقوا قنبلة مولوتوف على مبنى السراي وحاولوا الدخول إليها من الجانب الخلفي.

وسُجل سقوط 26 جريحاً جراء هذه المواجهات من كلا الطرفين، نقل بعضهم في سيارات الصليب الأحمر، وعولج البعض ميدانياً من قبل فرق الصليب الأحمر جهاز الطوارئ والاغاثة.

وأعلنت قيادة الجيش في بيان، أن «31 عسكرياً أصيبوا بجروح مختلفة ورضوض جراء تعرضهم للاعتداء والرشق بالحجارة وقنابل المولوتوف والمفرقعات النارية من قبل عدد من المحتجين أثناء تظاهرات شهدتها مدينة طرابلس وتضررت آليات عسكرية وعتاد، وقد تمّ توقيف خمسة أشخاص لإقدامهم على التعدّي على الأملاك العامة والخاصة وافتعال أعمال شغب والتعرّض للقوى الأمنية وبوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص».

ومع اشتداد حدّة الاشتباكات منتصف ليل أمس دعت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ببيان المتظاهرين «للانسحاب فوراً وعدم الدخول الى السراي حفاظاً على سلامتهم لأننا مضطرون للدفاع عن مراكزنا بكل الوسائل المشروعة». وكشفت مصادر طرابلسية قيام جهات في المدينة بتوزيع أموال على الاشخاص المحتجين في الشارع لشراء المولوتوف والمفرقعات والليزر. وأكدت أنها تسعى لمعرفة مَن وراءها لتوتير الوضع الأمني ولأي هدف.

ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أنه «من الواضح أن إعادة تحريك الشارع على إيقاع التأزم السياسي والحكومي، مخطط وموجّه من قبل جهات سياسيّة لطالما استخدمت الشارع كأداة للاستثمار السياسي، وما يؤكد ذلك اقتصار التحركات على مناطق تُعدّ معاقل انتشار تيار المستقبل الذي لم يصدر بياناً حتى الساعة لإدانة هذه الاعتداءات على الجيش رغم مرور أربعة أيام عليها». وتوقفت المصادر أمام الأسلوب المتبع لهذه المجموعات الميدانيّة التي تلعب لعبة الكرّ والفرّ مع القوى الأمنية والجيش التي أصبحت هدفاً بدل التوجّه إلى منازل المسؤولين السياسيين وزعماء المدينة الذين كانوا السبب بإفقار أهالي طرابلس ولا يقومون بشيء لمساعدة المواطنين، فيما عناصر الجيش والقوى الأمنيّة هم أيضاً يعانون من الضائقة المعيشية بعد تدهور سعر صرف الدولار وباتت رواتبهم لا تكفيهم نصف الشهر». فهل المطلوب وضع المتظاهرين في وجه الجيش والقوى الأمنيّة ولأي سبب؟ وهل هذا مخطط ممنهج لتعبئة أهالي المدينة سياسياً وطائفياً ومذهبياً تحت ضغط الأوضاع المعيشيّة لخلق بيئة آمنة ومؤاتية لإعادة تسلل المجموعات المتطرفة واستنهاض الخلايا النائمة وبقايا الإرهاب إلى طرابلس؟ وهل المطلوب إعادة استحضار الإرهاب في الساحة اللبنانية بالتوازي مع عودته الى الساحة العراقية بعد التفجيرات الأسبوع الماضي؟

وبعد مرور ثلاثة أيام على الأحداث في طرابلس علق الرئيس المُكلف سعد الحريري قائلاً: «قد تكون وراء التحركات في طرابلس جهات تريد توجيه رسائل سياسية وقد يكون هناك مَن يستغل وجع الناس والضائقة المعيشية التي يعانيها الفقراء وذوو الدخل الحدود، وليس هناك بالتأكيد ما يمكن أن يبرر الاعتداء على الأملاك الخاصة والأسواق والمؤسسات الرسميّة بحجة الاعتراض على قرار الإقفال».

وفيما رأت مصادر التيار الوطني الحر أن الأحداث الأمنية في طرابلس ومناطق أخرى ليست معزولة عن سياسة الضغط على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للرضوخ لمطالب الحريري في عملية تأليف الحكومة الأمر الذي لن يحصل لا الآن ولا غداً ولن تنفع الرهانات على ليّ ذراع عون.


"النهار": التفلُّت يتّسع… و"نداء الطوائف" لحكومة فوراً

كتبت صحيفة "النهار" تقول: إذا كان اطلاق الخطة الوطنية للقاح ضد وباء كورونا شكل التطور الإيجابي الأول الموعود بوضع لبنان على سكة المواجهة الجذرية مع كارثة الانتشار الوبائي بعد طول تأخير وانتظار مكلف بشريا واقتصاديا، فان ذلك لم يحجب الخشية من تداعيات البطء الذي اعترى برمجة عمليات تسليم اللقاح الذي تبين ان الدفعة الأولى منه لن تصل قبل منتصف شباط في ظل تخوف من تأخر الشركات المصنعة في التسليم كما يحصل في دول عدة في العالم تحت وطأة ضغط الانتاج. ومع ذلك اثار اطلاق الحكومة الخطة رسميا امس ارتياحا نظرا لندرة أي تطور إيجابي في مجمل مشهد الازمات والاختناقات التي تحكم واقع اللبنانيين وتحاصرهم، اما عبر الحجز والمرض والموت جراء استفحال الانتشار الوبائي والواقع الاستشفائي الكارثي الذي يواكبه، واما عبر استفحال التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي تتكشف يوما بعد يوم عن اتساع مخيف للفئات الفقيرة والمحتاجة الى الدعم والمعونات. ولذا ظل الحدث الطاغي على المشهد الداخلي مركزا على اتساع التفلت في الشارع الذي انفجر عصيانا على إجراءات الاقفال العام انطلاقا من "ثورة طرابلس" التي كانت سباقة في تحدي إجراءات الاقفال وأدت حدة مواجهة الاحتجاجات فيها الى واقع خطير تمثل في تصاعد المواجهات بين جماعات المحتجين والقوى العسكرية والأمنية علما ان اعداد المصابين في الجيش اول من امس فاق 31 جنديا وضابطا.


وإذا كانت مجريات الاحتجاجات شهدت امس اتساعا كبيرا تمثل في تنقل الاحتجاجات وقطع الطرق عبر مختلف المناطق نهارا ومساء، فان سؤالا كبيرا اثير على خلفية هذا التفلت عما ستفعله حكومة تصريف الاعمال لمواجهة خطر انهيار خطة التعبئة الصحية وتدابير الاقفال العام، علما ان المداولات الماراتونية التي حصلت في اجتماعات السرايا امس لانجاز خطة اللقاحات تناولت هذا الخطر. وقد قفز موضوع المساعدات المالية للأسر المحتاجة الى مقدم الأولويات خصوصا ان أصوات المحتجين كشفت عمق الازمة الاجتماعية التي تتحكم بتحريك الشارع ولن ينفع تاليا اللعب السياسي في توظيف هذا التحرك لتوجيه اتهامات الى شارع او جهة مذهبية معينة على غرار ما بدأ يتصاعد من كواليس الجهات السلطوية التي تعطل تشكيل الحكومة وتحاول إلقاء تبعة عصيان الشارع على خصومها فيما تتجاهل هذه الجهات خطورة الواقع الاجتماعي للمحتجين. وقررت الحكومة في هذا السياق رفع عدد الآسر المستفيدة من المساعدات الاجتماعية التي تبلغ 400 الف ليرة لكل عائلة من 240 الف عائلة الى 300 الف عائلة.

اما التحركات الاحتجاجية فتنقلت امس عبر تظاهرات وقطع طرق بين طرابلس وعكار وبعلبك وضهر البيدر وصولا الى صيدا والنبطية. ولليوم الثالث شهدت طرابلس مواجهات جماعات المحتجين على الاوضاع المعيشية ورفضا للاقفال مع القوى الأمنية والعسكرية. وتجمع المحتجون في ساحة النور حيث تم قطع الطرق وقام عدد منهم بالقاء مواد حارقة داخل غرفة الحرس امام مدخل السرايا واشعلوا فيها النار، ما اضطر عناصر قوى الامن الداخلي الى اطلاق القنابل الدخانية لتفريق المحتجين بعدما رموا قنابل المولوتوف على باحة السرايا. ولكن التوتر اشتد ليلا وطلبت قوى الامن الداخلي من المحتجين الانسحاب وعدم دخول السرايا بعدما قاموا بأعمال شغب وخرق للباب الرئيسي وحذرتهم من انها ستضطر الى الدفاع عن مراكزها بكل الوسائل المشروعة ثم أطلقت وابلا من القنابل الدخانية لمنع المحتجين من الدخول، ورصد استقدام تعزيزات من قوى الامن من بيروت الى طرابلس. وحصلت مواجهة مباشرة لدى إلقاء قنابل في اتجاه القوى الأمنية التي قالت انها كانت قنابل يدوية حربية وليست قنابل مولوتوف وأدت المواجهات الى وقوع عدد من الجرحى . وقد تدخلت وحدات من الجيش مع آلياتها وملالاتها لمؤازرة قوى الامن وانتشرت في ساحة النور وراحت تسير دوريات لاعادة فرض الهدوء وتفريق المحتجين.

كما ان نطاق قطع الطرق اتسع ليلا في منطقة البقاع حيث قطعت الطرق الرئيسية في تعلبايا والمصنع وجديتا والمرج .
الواقع المازوم في طرابلس دفع الرئيس المكلف سعد الحريري الى الإعلان انه" قد تكون وراء التحركات في طرابلس جهات تريد توجيه رسائل سياسية وقد يكون هناك من يستغل وجع الناس والضائقة المعيشية التي يعانيها الفقراء وذوي الدخل المحدود. وليس هناك بالتأكيد ما يمكن ان يبرر الاعتداء على الاملاك الخاصة والاسواق والمؤسسات الرسمية بحجة الاعتراض على قرار الاقفال" . وقال "انني انبه اهلنا في طرابلس وسائر المناطق من أي استغلال لاوضاعهم المعيشية، واطالب الدولة والوزارات المختصة باستنفاد كل الوسائل المتاحة لكبح جماح الفقر والجوع وتوفير المقومات الاجتماعية لالتزام المواطنين قرار الاقفال العام".

كما ان الوضع الدراماتيكي تحت وطأة الازمة الحكومية دفع رؤساء الطوائف الاسلامية والمسيحية في لبنان الى توجيه نداء اكتسب دلالات بارزة ونادرة تكشف عمق التحسس بأخطار الازمة وتجاوز الانقسامات والتوحد حول هذا النداء الذي وان عمم المسؤولية السياسية عن الازمة فانه حمل نبرة ادانة شديدة لأهل القرار السياسي. واعتبر رؤساء الطوائف انه "في الوقت الذي تتسارع فيه خطى الانهيار في لبنان بكل ما تحمله من مخاطر على المستقبل والمصير، تستمر الخلافات بين أهل السياسة من أصحاب القرار، وتتعطل محاولات التوفيق كافة، الداخلية منها والخارجية، لإنقاذ الدولة من الكارثة التي استدرجت اليها نتيجة حسابات خاطئة وخلافات شخصية، يدفع الشعب اللبناني ثمنها غاليا جدا". وأضاف النداء "إن أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة إذ يرفعون معا صوتا لبنانيا وطنيا واحدا، يدينون بشدة استمرار هذه السياسات الخاطئة والخلافات الشخصية التي تجر لبنان الى الطريق المسدود". وشددوا على "التمسك بالولاء للبنان دولة الدستور والقانون والنظام، ووطن رسالة العيش المشترك والتمسك بأهداب السلم الأهلي وأسس الشراكة الوطنية كما حددها وأرسى قواعدها اتفاق الطائف، بعيدا من أي شكل من أشكال الإبتزاز" وطالبوا "بالعمل فورا على تشكيل حكومة "مهمة وطنية" مترفعة عن الحسابات الشخصية والفئوية، تتجاوز تفاصيل المحاصصات التي تخضع للإبتزاز والإبتزاز المعاكس " مؤكدين "اننا نرى بحكم مسؤوليتنا الدينية والأخلاقية والوطنية انه ما عاد السكوت ممكنا على هذا الوضع الكارثي والمأساوي. ليس لبنان في أزمة سياسية فقط، انه في صلب أزمة أخلاقية كبرى ".

وفي السياق الحكومي علم ان العقبات التي تعترض تاليف الحكومة الجديدة تأخذ حيزا بارزا في الجولة الجديدة التي باشرتها السفيرة الأميركية درورثي شيا على المسؤولين والزعامات السياسية للمرة الأولى في ظل ادارة الرئيس الأميركي جو بايدن مما يشير الى احتمال كونها تهيء تقريرا وافيا وشاملا عن الواقع اللبناني بمعظم ازماته الراهنة لتقديمه الى الإدارة الجديدة. وقد التقت شيا مساء امس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وعرضت معه التطورات في ملفات تشكيل الحكومة وترسيم الحدود والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة بالإضافة الى سبل مكافحة وباء كورونا .

فيروس كورونا

إقرأ المزيد في: لبنان

خبر عاجل