لبنان
ارتفاع ملحوظ بعدد ضحايا كورونا.. وعلامات استفهام على مصالحة عون الحريري
اهتمت الصحف الصادرة صباح اليوم في بيروت بالارتفاع الملحوظ الذي يسجله عداد وفيات فيروس كورونا في الأيام الأخيرة، والذي بلغ 50 حالة وفاة في آخر 24 ساعة، في وقت يستمر الإقفال العام للبلاد وإن كانت وتيرة الالتزام بدأت بالتراجع.
وعلى مرمى يوم واحد من دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض، لا تزال الأزمة الحكومية في لبنان تراوح مكانها، رغم الدعوات المتعددة للمصالحة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري الذي عاد إلى البلاد بعد جولة عربية.
"الأخبار": "كورونا": مؤشّر الوفيات إلى تصاعد... والجيش لـ"حماية" المستشفيات؟
يمتلك القطاع الاستشفائي الخاص أكثر من 12 ألف سرير لا تتجاوز نسبة الأسرّة التي خُصّصت لكورونا 10% منها (أ ف ب )
ليل أول من أمس، كادت إحدى السيدات التي تعاني من نزيف في الدماغ أن تلفظ أنفاسها الأخيرة على باب واحد من المُستشفيات الخاصة الكبرى في بيروت. رفضت إدارة المستشفى إدخال المريضة بعدما أظهر الفحص السريع الذي أجري لها في الطوارئ وتقاضى المستشفى 500 ألف ليرة بدلاً له، أنها مصابة بفيروس «كورونا».
لم يكن أمام ذوي السيدة إلا اللجوء إلى أحد المُستشفيات الحكومية التي بات معظمها مخصصاً لاستقبال مرضى الفيروس، في وقت لا يزال عدد كبير من المُستشفيات الخاصة يمتنع عن الالتحاق بـ«الحرب» التي يخوضها البلد ضد الوباء، تارة بذرائع مالية وطوراً بحجج أخرى، ممارسة أسوأ أنواع الابتزاز في ظرف صحي واقتصادي عصيب، وهي التي لطالما أثرَت على «ظهور» اللبنانيين. ليست هذه حادثة وحيدة من نوعها. في الأيام الأخيرة، إشكالات كثيرة وقعت على أبواب مستشفيات رفض عناصر الأمن فيها السماح لفرق الصليب الأحمر بنقل مصابين بالفيروس اليها. وعلى غرار نشر عناصر أمنيين على أبواب المصارف لحمايتها من غضب المودعين، برزت دعوات أمس إلى نشر عناصر من الجيش على أبواب المستشفيات لحمايتها من غضب المصابين الذين لم يعد من أسرّة كافية لاستيعابهم.
أمس، قالها رئيس نقابة المُستشفيات الخاصة سليمان هارون لـ«الأخبار» بوضوح: «لا نستطيع أن نُقدّم أكثر». وأضاف: «المُشاركة (في مكافحة الوباء) تحتاج إلى مبالغ طائلة لا نملكها، وطواقم بشرية غير موجودة. لا نستطيع سوى إضافة أشياء بسيطة». وعن الدعوة إلى تخصيص المُستشفيات للمُصابين بفيروس كورونا، سأل هارون: «ماذا نفعل ببقية المرضى؟ هذا طرح غير عملي إطلاقاً»، مُشيراً إلى أن المُستشفيات الخاصة ضاعفت طاقتها الاستيعابية، «وهناك 90 مُستشفى من أصل 127 تستقبل مرضى كورونا».
لكن هذا الكلام يدحضه الجدول الذي نشرته وزارة الصحة قبل أسابيع، والذي يُبيّن بوضوح تخاذل «كبار» المُستشفيات عن فتح أسرّة لاستقبال مرضى كورونا، وتخصيص بعضها سريراً أو اثنين حداً أقصى كـ«رفع عتب».
المُستشفيات الخاصة تملك القدرة على التجاوب مع الأزمة لكنها لا تملك النية للقيام بذلك
ووفق التقديرات الرسمية، يملك القطاع الاستشفائي الخاص نحو 13 ألف سرير (بين عناية فائقة وعادية)، فيما إجمالي الأسرة المُخصّصة لمرضى كورونا في هذه المستشفيات لا يتجاوز 1250 سريراً، «فهل يُعقل أن تقتصر الطاقة الاستيعابية القصوى للمُستشفيات التي راكمت أرباحاً على مرّ عقود على 10% فقط من أسرّتها؟»، تسأل مصادر رسمية معنية بملف كورونا، مُشيرةً إلى أن هذه المُستشفيات «تملك القدرة على التجاوب مع الأزمة، لكنها لا تملك النية للقيام بذلك بحجة عدم حصولها على أموالها ومُستحقاتها المتراكمة». وإذ ليس هناك أحد ينكر على المُستشفيات حقها في تحصيل أموالها، لكنّ ثمة إجماعاً من قبل المعنيين على أن الجهود التي تبذل لـ«إرضاء» المُستشفيات ينبغي أن تكون كفيلة بدفعها الى رفع منسوب مسؤوليتها إزاء الكارثة الصحية التي تلمّ بالبلاد.
وفي تجلٍّ واضح لتلك الكارثة، أعلنت وزارة الصحة، أمس، وفاة 53 شخصاً خلال 24 ساعة، ما رفع إجمالي ضحايا الوباء إلى 1959، فيما وصلت معدلات الوفيات إلى 280 شخصاً في المليون، وهو رقم يفوق ذلك المسجل في الهند (110 في المليون) التي تحتل المرتبة الثانية عالمياً في إجمالي الإصابات. كذلك سُجلت 3144 إصابة (18 منها وافدة) من أصل 12 ألفاً و371 فحصاً فقط (نصف المعدل المعتاد للفحوصات)، ما يعني أن نسبة إيجابية الفحوصات بلغت 25%! وهي إن دلت على شيء، فعلى خطورة الوضع الآخذ في التفاقم، «والذي سيضع الناس في الأيام المُقبلة في مواجهة مع الفرق الطبية في المُستشفيات، وما يرافق ذلك من مشاكل على أبواب الطوارئ»، وفق الطبيب الناشط في اللجان الطبية الممثلة للأطباء في المُستشفيات جان أبي يونس، لافتاً إلى أنه «لم يسبق لبلد أن تجاوزت فيه نسبة إيجابية الفحوصات الـ10%»، وإلى أن «غياب الاستراتيجيات أدى إلى هذا الواقع الفوضوي الذي يستوجب إعلان حالة طوارئ صحية».
ودعا أبي يونس السلطات المعنية الى ترشيد استعمال أجهزة تصنيع الأوكسيجين وأجهزة التنفس والأدوية المخصصة لعلاج كورونا وغيرها من المُستلزمات التي باتت تباع في السوق السوداء، وتسليمها للبلديات والمعنيين في الأطراف، «ليتمكن الأطباء في المناطق من معالجة نحو 60% من الحالات التي يمكن معالجتها في البيوت متى ما توافرت الأدوات والمستلزمات الطبية لذلك».
الى ذلك، كان لافتاً أن يتضمّن البيان الصادر عن اللجان الطبية الممثلة للأطباء في المُستشفيات، أمس، الدعوة الى توفير الحماية الأمنية اللازمة للمستشفيات لضمان استمرارية العمل «في الأوقات الصعبة المُقبلة». كما عكس البيان اقتناعاً بأن هناك «جهداً تستطيع بذله المُستشفيات الخاصة في هذه المرحلة الحرجة»، مناشداً إياها «خاصةً تلك التي لم تفتح غرفاً للكورونا، القيام بالمزيد في هذه المرحلة التاريخية». كما طالب البيان الجهات المعنية بـ«النظر فوراً في وضع الأطباء المتمرنين وتقديم ما يلزم لهم للصمود في هذه المرحلة، ولو تطلب ذلك أي استثناءات (...) لأنهم فعلياً الطبقة التي يعتمد عليها العديد من المُستشفيات».
"البناء": إبراهيم يشغّل محرّكاته بين عون والحريري... هل يجتمعان السبت؟
على صعيد آخر ومع عودة الرئيس المكلف سعد الحريري الى بيروت نشطت الحركة السياسية والحكومية وتفعلت الوساطات على خط بعبدا – بيت الوسط لرأب الصدع بين الرئيسين ميشال عون والحريري الذي خلفه الفيديو المسرّب الذي اتهم فيه عون الحريري بالكذب.
وبعد دعوة البطريرك الماروني مار بشارة الراعي رئيس الجمهورية للمبادرة ودعوة الحريري الى لقاء في بعبدا لتقريب وجهات النظر والتفاهم بينهما على حلول وسطية وأسماء وزراء لتأليف الحكومة بأسرع وقت ممكن، تحرّك المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على خط الوساطة. إذ التقى إبراهيم أمس بحسب المعلومات الرئيس عون في بعبدا ثم انتقل الى بيت الوسط حيث التقى الحريري في مسعى لتنفيذ مبادرة البطريرك الراعي. وأوضحت المعلومات بأن المواقف على حالها في ما خصّ الحكومة إلا أن المبادرة مستمرة وتحظى بتأييد ودعم أكثر من جهة سياسية تعمل أيضاً على خط المساعي بين عون والحريري.
ولم يُعرَف إذا ما كانت زيارة الحريري اقتصرت على السياحة وتأمين لقاحات من الإمارات أم شهدت حركة سياسية عربية. إلا أن مصادر سياسية لفتت لـ”البناء” الى أن “الحريري سعى خلال جولته إلى جسّ نبض الدول العربية والخليجية من ترؤسه لحكومة لبنان والسقف المسموح به خارجياً”. وفيما لفتت المصادر إلى أن “الحريري يستخدم كافة الأساليب والمناورات والحشد الخارجي واللعبة المسيحية لحشر عون وإحراجه لدفعه الى توقيع حكومة تحت الضغط وشدة الأزمات المالية والاقتصادية”. لفتت مصادر مطلعة على موقف بعبدا لـ”البناء” إلى أن “الرئيس عون لن يتنازل عن الأصول الدستورية لتأليف الحكومات ولا عن المعايير الموحّدة والتوازنات التي تحكم الحكومة المقبلة، وبالتالي وبناء عليه لن يبادر إلى الاتصال بالحريري، لكن أبواب بعبدا مفتوحة للجميع”. إلا أن مصادر عاملة على الخطين توقعت أن تفضي المساعي الى عقد لقاء بين عون والحريري خلال أيام.
وتساءلت أوساط مطلعة عن سبب التأخير في تأليف الحكومة وهل نتيجة العلاقة المتوترة والثقة المفقودة بين عون والحريري أم نتيجة الصراعات الإقليمية والدولية! ولفتت لـ”البناء” الى أن “عرقلة تأليف الحكومة هو حلقة في مسلسل الضغط الأقصى على لبنان لعرقلة مسيرة إنقاذ البلد من مستنقع الأزمات المتعددة وبالتالي تشديد الحصار لفرض تنازلات في قضايا وملفات استراتيجية ووطنية”.
وهذا ما ألمح إليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس، إذ قال في كلمة عبر الفيديو في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر البرلماني الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية الذي تستضيفه العاصمة الإيرانية طهران، تحت عنوان “يوم غزة رمز المقاومة”: “لبنان يرزح تحت وطأة أزمة سياسية واقتصادية ومالية ومعيشية وصحية هي الأخطر بتاريخه ناهيك عن حصار غير معلن لدعمه المقاومة ورفض الرشوات المالية والإغراءات شرط التخلي عن التزاماته بالقضية الفلسطينية”. ودعا الى التمسك بخيار المقاومة، مضيفاً “نؤكد رفضنا ومقاومتنا لأي محاولة لفرض التوطين تحت أي عنوان من العناوين”. واكد ان “غزة هي وجه القدس وكل فلسطين والزمان فيها يجعل الأطفال رجالاً في أول مواجهة مع العدو”. وحذّر “من خطورة تدهور الوضع الصحي في قطاع غزة جراء تفشي كورونا في ظل الحصار الجائر، والأمر نفسه ينسحب على الضفة الغربية والأراضي المحتلة”، وقال: “المجتمع الدولي مدعوّ لتأمين لقاحات لغزة”.
في المقابل اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن “نظرية “الرئيس القويّ” هي أكبر مصيبة على لبنان والمسيحيين”.
وفي حديث صحافي رأى جنبلاط أن “نحن نتحمّل المسؤولية في الداخل بعدم استطاعتنا الوصول إلى تأليف حكومة. ما الذي يمكن أن نتأمله بعد من مبادرة فرنسية أو غير فرنسية إذا كنا فشلنا في تأليف حكومة؟ أضم صوتي إلى صوت البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي لا ينفك يناشد رئيس الجمهورية ميشال عون والشيخ سعد الحريري العودة إلى الحوار”.
وحول تحمّل مسؤولية الفشل بالتساوي، أوضح جنبلاط: “لا، بالتأكيد. وأنا دعوت أخيراً فريق الممانعة إلى تشكيل حكومة، وليتحمَّلا مسؤولية الانهيار وحدهما. لكن لدى الحريري ربما وجهة نظر أخرى. وها نحن اليوم في مأزق كبير”.
"اللواء": يأس فرنسي وانزعاج بطريركي وبعبدا متصلبة
واعتبرت أوساط بعبدا ان الأولوية لتفعيل جهود تأليف الحكومة، من دون ان تكشف عمّا إذا كان رئيس الجمهورية سيستجيب لدعوة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، اجراء اتصال مع الحريري، ودعوته إلى بعبدا لاستئناف المشاورات، وإصدار مراسيم الحكومة، التي باتت أكثر من ملحة، مع المعطيات والمؤشرات الخطيرة التي تعصف بالبلد..
وكشف النقاب عن دور يعتزم القيام به المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، للدفع باتجاه دعم الجهود المفترض ان تنطلق محلياً، عبر القنوات التي كشفتها الدولة من رئاسة المجلس ومكتبه إلى الأمن العام ومديره اللواء عباس إبراهيم.
التقييم الفرنسي
فحسب مصادر دبلوماسية، أبلغت باريس جهات اساسية في لبنان بشكل غير رسمي «سحب يدها من مبادرتها» الانقاذية بعد امعان كل القوى دون استثناء في نسف اصل المبادرة وتقديم المصالح الفئوية الضيقة والخلافات الشخصية على المصلحة الوطنية.
وحسب المصادر ما يدعو للقلق، ليس موقف الادارة الفرنسية ولكن توقيته غداة تسلم الرئيس الاميركي جو بايدن الحكم في ٢٠ الجاري، ما يعني نسف كل المعطيات التي تحدثت عن تشكيل الحكومة بعد خروج الرئيس الحالي دونالد ترامب من البيت الابيض.
في السياق، اشارت مصادر على اطلاع على مضمون المشاورات الحكومية بأن الموقف الفرنسي ليس بجديد ولا يجب تحميله اكثر مما يحتمل، فالادارة الفرنسية لن تسحب يدها من لبنان ومن مبادرتها بالمعنى الكامل ولكنها لم تعد مستعدة لالزام نفسها بمواعيد محددة بعد فشل مبادراتها المتكررة لتقريب وجهات النظر بين بعبدا وبيت الوسط سواء عبر موفديها او الوسطاء اللبنانيين من قوى سياسية وروحية.
ولكن الجديد في كلام المصادر الدبلوماسية تاكيدها ان لبنان مقبل على ورشة لتغيير النظام عاجلا او اجلا، وان تشكيل الحكومة بات مجرد تفصيل، كاشفة للمرة الاولى ونقلا عن الفرنسيين ان الحريري قد لا يشكل حكومة وهناك جهات مسيحية «معارضة» ودول عربية تواصلوا مع الاليزيه لسحب التكليف من الحريري وتكليف شخصية سنية اخرى مقبولة وغير استفزازية.
واضافت المصادر بان فرنسا ما زالت تمانع سحب التكليف من الحريري على اعتبار انه لا داعي حاليا لخضة سياسية جديدة في البلد من هذا النوع، فالتحضيرات جارية لعقد مؤتمر لتغيير النظام اللبناني برعاية فرنسية مباشرة خلال اشهر، سواء اتفق اللبنانيون على تاليف الحكومة او استمروا بتضييع الوقت والمماطلة.
لكن الناشط السياسي خلدون الشريف، قال ان المبادرة الفرنسية التي كانت مجمدة، ستخرج إلى العلن من جديد، لكن بصيغة جديدة قد تكون من دون الحريري.
لكن اوساط قالت لـ«اللواء» أن عودة الرئيس الحريري من شأنها أن تعيد تحريك الكلام في الملف الحكومي وأشارت إلى أن موضوع شريط الفيديو قد نال حصته ولكن الأمور يفترض أن توضع على السكة الصحيحة أو على الخط الأساسي أي تشكيل الحكومة مؤكدة أن رئيس الجمهورية ينتظر إجابات من الرئيس الحريري حول النقاط التي طرحها معه في اجتماعهما الأخير في الثالث والعشرين من كانون الأول الماضي لا سيما في مسألتين أساسيتين أولا وحدة المعايير في التشكيلة التي قدمها له حيث يعتبر رئيس الجمهورية أنها غير متوافرة فيها وثانيا ما يتعلق بمبدأ حكومة الأختصاص حيث أن بعض الأسماء التي وردت في اللائحة الحكومية لا تنطبق عليهم صفة الأختصاص في الحقائب التي تمت تسميتهم لها.
ولفتت إلى أن المطلوب إجراء مراجعة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف وهناك رغبة من الرئيس عون في الاستعجال للوصول إلى حل في تشكيل الحكومة، ورأت أن سفر الحريري طيلة الفترة الماضية آخر هذا الاستعجال.
على ان المشهد في المقابل، لا يسقط من الحسابات، التطورات التي حصلت، في ضوء الآذان الصماء بين بكركي وبعبدا، وعدم نجاح زيارة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل إلى الصرح البطريركي، في تسويق مبررات التأخير ولا في إقناع البطريرك الراعي بما صدر عنه.
وعلى خط تجديد الاتصالات بعد عودة الرئيس الحريري من الخارج، علمت «اللواء» ان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم بدأ يعمل على ترطيب الاجواء بين الحريري وبين رئيس الجمهورية والنائب باسيل، في حين تردّد ان الرئيس بري وربما حزب الله قد يدخل ايضاً على خط المساعي، وكل هذا بعد نداء البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي تمنى فيه على رئيس الجمهورية اخذ المبادرة بدعوة الرئيس المكلف الى عقد لقاء بينهما. وهنا طُرح السؤال هل يبادر رئيس الجمهورية ام ينتظر تهدئة النفوس والخواطر بعد فيديو الحديث بين عون والرئيس حسان دياب، ومواقف باسيل في مؤتمره الصحافي الاخير.
وذكرت مصادر المعلومات ان اللواء ابراهيم زار الرئيس عون وربما زار او سيزور الحريري ايضاً، لكن المصادر قالت: ان اي لقاء بين الرئيسين لا يمكن ان يتم من دون تحضير الاجواء مسبقاً لينتج عنه توجه جديد او خطوة ايجابية تفتح الباب مجدداً امام الحديث عن تفاصيل التشكيلة الحكومية.
لكن مصادر قيادية في تيار المستقبل، قالت لـ«اللواء» ان اي تقدم لن يحصل في الملف الحكومي وربما تزداد التعقيدات، إذا استمرت مقاربات الرئيس عون وجبران باسيل على حالها، لكن لا بد من ترك الباب مفتوحاً امام المعالجات. فيما تحفظت مصادر بيت الوسط عن ذكر اي معلومات حول ما يجري.
"الجمهورية": نجاح المصالحة بين الرئيسين مرتبط بصفاء النيّات
المشهد الحكومي المعقّد لا يَشي بعد 20 كانون بتغيير جوهري عما كان عليه ما قبله، ذلك أنّ التراكمات بين الرئيسين على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، من نفور سياسي وشخصي وتعقيدات مصلحية وحصصيّة مرتبطة بشكل الحكومة الجديدة وحجمها ومضمونها، وضعهما أمام استعصاء مقفل يُقارب الاستحالة في بناء قاعدة مشتركة بينهما، يبنيان عليها تفاهماً على حكومة.
واذا كان تأليف الحكومة قد شكّل الهمّ الاساسي منذ استقالة رئيس حكومة حسان دياب في آب الماضي وبعدها الإطاحة بتكليف السفير مصطفى اديب، الّا أنّ ما تَسارع من تطورات منذ تكليف الرئيس الحريري، وعلى ما يقول مطلعون على أجواء القصر الجمهوري وبيت الوسط لـ»الجمهورية»، جعلَ من عقد تأليف الحكومة وبالرغم من صعوبتها، أمراً ثانويّاً أمام انحدار العلاقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف الى حدود الكَسر بعد الفيديو المسرّب لرئيس الجمهورية وكلامه بحق المباشر بحق الرئيس الحريري، وهذا معناه أنّ أيّ محاولة بحث جديدة عن مفتاح التأليف، توجِب أن تسبقها أولاً إعادة ترتيب العلاقة بين الرئيسين الشريكين دستوريّاً في تأليف الحكومة، تأخذ شكل المصالحة بينهما، وبعد ذلك يتم الإنتقال الى الخطوة التالية أي وضع الملف الحكومي على بساط التأليف من جديد، فمع بقاء حالة الكسر في علاقة الرئيسين على ما هي عليه، يسقط مسبقاً أيّ رهان على توافقهما على تأليف حكومة».
تشاؤم... إلّا إذا؟
وعلى الرغم من أنّ الرئيسين عون والحريري لم يجاهرا صراحةً وعلناً بالقطيعة بينهما، في وقت أنّ اجواءهما تجاهر بأكثر من ذلك، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الوضع: هل ثهناك من هو قادر على عقد المصالحة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف؟ وهل انّ الرئيسين على استعداد للمصالحة وفتح صفحة جديدة في العلاقة بينهما يمضيان من خلالها نحو تأليف الحكومة؟ أم أنّهما وصلا فعلاً إلى حائط مسدود إلى حدّ أنّ التعايش بينهما تحت سقف حكومي واحد قد أصبح مستحيلاً؟
وعلى ما يؤكد مواكبون للعلاقة بين الرئيسين لـ«الجمهورية» فإنّ ما طَفا على سطح هذه العلاقة، إنْ عبر الكلام العالي السقف الصادر عنهما مباشرة أو عبر الهجومات السياسية المتبادلة بحدّة بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، لا يشي بالتفاؤل، بل يعزّز فرضية التشاؤم وبقاء الجسور مقطوعة بين القصر الجمهوري وبيت الوسط، ويضاف إلى هذا التشاؤم فشل كل المحاولات الحثيثة التي بذلت، وعلى وجه الخصوص من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، لإصلاح ذات البين بين الرئيسين بما يحملهما على الإفراج عن الحكومة».
وتجزم المصادر «أنّ العوامل السياسية المفاقمة لهذه الأزمة مع ما رافقها ممّا بات يسمّى بـ»صراع معايير ثلث معطّل» على حلبة تأليف الحكومة بين عون والحريري، صار جليّاً أنّها تحتلّ المرتبة الثانية، بعد العامل الشخصي الذي وسّع الهوّة بينهما أكثر، والمتفاقم أصلاً بينهما منذ ما قبل تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة. فهذه العوامل بشقّيها السياسي والشخصي تبدو حتى الآن أقوى من أيّ محاولات جَرت لتجاوزها وفشلت، أو أيّ وساطات بين الرئيسين، كتلك التي يجري الحديث عن القيام بها مع عودة الرئيس المكلف الى بيروت، لعلها تنجح في اعادة التواصل بين عون والحريري وتحملهما على استئناف لقاءاتهما والبحث من جديد في تأليف الحكومة، وعلى نحو مُغاير لما كان عليه قبل ظهور جمر الخلاف بينهما من تحت الرماد».
وفيما كشف معنيون بتلك الوساطات لـ«الجمهورية» انّ الاسبوع الجاري قد يحمل قبل نهايته بعض الايجابيات على هذا الصعيد، خصوصاً في ظل «التجاوب» الذي بدأ يظهر على خط المسعى الذي يقوم به منذ أيام اصدقاء مشتركون بين القصر الجمهوري وبيت الوسط، فإنّ المعطيات المتوافرة لدى بعض الوسطاء تفيد بأنّ الرئيسن عون والحريري لم يقفلا الباب نهائياً، الّا انّ المشكلة تكمن في أنّ كلّاً منهما ينتظر الآخر لكي يبادر في اتجاهه.
وقال صديق مشترك بين بعبدا وبيت الوسط لـ«الجمهورية»: من الطبيعي ان تشهد اي وساطات بعض الصعوبات، وذلك بالنظر الى أنّ الهوة بين عون والحريري تعمّقت الى حدّ كبير جداً بفعل المداخلات من قبل المحيطين بهذا الجانب او ذاك، والتي وَرّمت العوامل السياسية والشخصية بينهما الى الحد الذي بلغته وجرى التعبير عنه في السجالات الاخيرة.
وأكد الصديق المشترك أن في الاشتباك القائم ارتفع كل رئيس الى سقفه الأعلى، وبالتالي استنفد طرفا الأزمة كلّ شيء، وقدّم كل منهما اقصى ما لديه، ما يعني انهما وصلا الى حائط مسدود، ولا يستطيعان الاكمال على هذا المنحى التصعيدي. ووفق معطيات هذا الصديق، فإنّ عون والحريري أصبحا محرَجين حتى ولو لم يعترفا بذلك، ولن يطول الامر حتى يسلّما بالأمر الواقع، وبانعدام الخيارات امام كل منهما، وتبعاً لذلك يخطو كل منهما خطوة في اتجاه الآخر، وهذا ما قد تشهده الأيام المقبلة ربطاً بحركة الوسطاء.
ماذا بعد 20 كانون؟
الى ذلك، وعلى الرغم من التأكيدات الداخلية والخارجية في آن معاً بأن لا رابط بين الاستحقاق الاميركي في 20 كانون الثاني وبين الاستحقاق الحكومي اللبناني المعطّل منذ أشهر، فإنّ بعض القراءات السياسية على ضفتي الاشتباك الداخلي تلتقي على اعتبار أنّ ما بعد هذا التاريخ، مرحلة لبنانية جديدة عنوانها العدّ التنازلي لتشكيل الحكومة.
وسألت «الجمهورية» مرجعاً مسؤولاً اذا كان يتفق مع تلك القراءات؟ فقال: أتمنى لو أنها واقعية، فاللبنانيون حشروا أنفسهم في الاستحقاق الأميركي رغم إدراكهم أن لا مكان لهم فيه على الاطلاق، وأنّ لبنان وأزمته خارج اجندة اولويات الادارة الاميركية الجديدة.
وقال: إنّ مشكلتنا في الاساس هي مشكلة نيات مبيّتة ما زالت قائمة بين طرفي التأليف، واستمرار يعدم كل فرضية تفاؤل بإمكان تأليف الحكومة في المدى المنظور، ومعنى ذلك أننا سنبقى في هذا الجو المعطّل حكومياً لعدة أشهر في أقل تقدير. ورداً على سؤال عمّا اذا حصل تقارب بين عون والحريري ربطاً بجهود الوسطاء؟ اكتفى المرجع المسؤول بالقول: هذه النيات لا تزول بين ليلة وضحاها، فضلاً عن أنّني لا أتوقع ان يتنازل احد لأحد، لأنّ كل طرف رَسّم حدوده عند نقطةٍ إذا تراجع عنها ستعتبر هزيمة له وإحراجاً امام جمهوره، وربحاً ومكسباً للطرف الآخر. وبالتالي، لا أرى أنّ شريكَي التأليف سيتنازلان لبعضهما البعض إلا اذا أرغمهما على ذلك طرف ثالث وفرض عليهما تأليف الحكومة، الّا أنّ هذا الطرف الثالث لم يظهر بعد، وبالتأكيد انّ هذا الطرف ليس لبنانياً.
«بيت الوسط»
الى ذلك، وبعد 24 ساعة على عودة الرئيس الحريري الى بيروت، لم يعلن شيء عن نشاطه بما يتصل بتشكيل الحكومة او اي ملف آخر، واحتفظت مصادر بيت الوسط بالكثير من الصمت حول الحديث المتنامي عن مشروع مبادرة كانت تنتظر عودته لتحريك الاتصالات بين بيت الوسط وبعبدا من اجل استئناف البحث في عملية التاليف.
وفي هذه الظروف تتحدث مراجع عليمة تواكب حركة الاتصالات الجارية لـ«الجمهورية» انّ حركة الاتصالات كما رسمت قبل عودة الحريري الى بيروت ما زالت عند العناوين التي رسمت، وتستند الى كيفية معالجة تداعيات الفيلم المسرّب من قصر بعبدا وإمكان تجاوز تداعياته التي طالَته بطريقة لا يمكن معرفة كيفية تجاوزها في مثل الظروف التي باتت تتحكم بعلمية التأليف.
عون
وقبَيل استئناف الاتصالات، تحدثت مصادر قريبة من بعبدا لـ«الجمهورية» انّ عودة الحريري ستحرّك الإتصالات الجارية في هذا الاتجاه، بعدما عبّرت عن املها بإمكان تجاوز تداعيات الشريط المتلفز للعودة الى البحث من حيث انتهت الاتصالات بين عون والحريري في لقاء 23 الشهر الماضي عشيّة الميلاد.
ولفتت المصادر الى انّ رئيس الجمهورية، الذي ناقش صباح امس التطورات اضافة الى موضوع اللقاحات ضد فيروس كورونا مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي التقى بدوره الرئيس المكلف وبحث معه موضوع اللقاحات أيضاً، ما زال عند موقفه الذي يصرّ على تشكيلة تحترم المعايير الموحدة في عملية توزيع الحقائب التي لم تكن متوافرة في تشكيلة 9 كانون الاول الماضي التي تسلّمها من الحريري. وشددت على ضرورة اجراء المراجعة اللازمة للعقبات وفق الملاحظات التي ابداها رئيس الجمهورية في حينه، باعتباره شريكاً في عملية التأليف وانّ موقعه كرئيس للجمهورية لا يقف عند رأيه في المقاعد المسيحية، فهو ليس ممثلاً للمسيحيين في البلاد وله رأي في كل الحقائب والاسماء كاملة.
وجدّدت المصادر رفض السيناريوهات التي تتحدث عن إصراره على حصوله على الثلث المعطّل. لكنها قالت: طالما انّ الحريري سيسمّي السنّة منهم، وانّ الوزراء الشيعة من حصة الثنائي الشيعي كما الدروز وفرنجية والطاشناق، فإنّ من حقّ عون تسمية الستّة الباقين انطلاقاً من صيغة الـ «6×6×6» التي تمّ التفاهم عليها في نهاية اللقاءات السابقة وقبل ان تتوقف.
وأضافت المصادر أنّ البحث يمكن ان يستأنف في اي وقت بانتظار استكمال الخطوات الدستورية المؤدية الى تشكيل الحكومة واصدار المراسيم عند التفاهم على التشكيلة النهائية، على عكس ما يتهم به رئيس الجمهورية بأنه لم يوقّع المراسيم الخاصة بتشكيل الحكومة كما ورد على لسان احد اعضاء كتلة «المستقبل» المحامي سمير الجسر، معتبرة انّ ما ورد على لسان رجل قانوني ودستوري يشكّل استباقاً للمراحل الدستورية التي لم تكتمل بعد، وانّ البحث ما زال قائماً في الاتجاه الصحيح، وانّ توقيع المرسوم قبل التفاهم الكامل هو هرطقة دستورية.
وختمت المصادر: انّ تجاوز تداعيات الشريط المسرّب تفرض وَقف التسريبات والجدل القائم، فرئيس الجمهورية التزم منذ البداية بوقف التسريبات ولم يفعل كما الآخرون منذ فترة طويلة، وهو لم يتحدث لا عن أسماء مرشحة للتوزير ولا عن لوائح تم تبادلها بين الرئيسين كما قيل، وانّ التسريبات لا اساس لها من الصحة كما حصل من قبل، فرئيس الجمهورية لم يقترح اسماء للتوزير ولم يتبادل مع الحريري اي اسماء تم ضمّها الى تشكيلته، كما يجري الادعاء.