لبنان
اهتمام أمريكي صهيوني بمواقف السيد نصر الله.. والتأليف في إجازة
اهتمت الصحف الصادرة صباح اليوم في بيروت بالشأن الحكومي الذي يعاني من الركود والتأجيل المستمر، وآخره سفر الرئيس المكلف خارج البلاد.
ويبدو أن الانتظار سيكون إلى ما بعد عودة الحريري، وقد يمتد إلى الوقت الذي يستلم فيه الرئيس الأمريكي الجديد مفاتيح البيت الأبيض.
إلا أن الأزمة الصحية الناتجة عن انتشار وباء كورونا، لا سيما النسخة الجديدة منه، لا تنتظر، وقد تعود البلاد إلى الإقفال في بداية العام الجديد.
من جهة أخرى بقيت المواقف الأخيرة للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله محلّ اهتمام، لا سيما من قبل الأمريكي والعدو الصهيوني، في ظل حديثه عن تضاعف القدرات الصاروخية للمقاومة.
"البناء": اهتمام أميركيّ «إسرائيليّ» بكلام السيّد نصرالله: العقاب سيطال الجميع والصواريخ تضاعفت
لا يزال الكلام الذي قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله محور الاهتمام الداخلي والخارجي، ففي الأصداء الخارجيّة برز التركيز الذي أولته الصحافة الأميركية و»الإسرائيلية» على ما قاله السيد نصرالله، خصوصاً في ما أشارت إليه الواشنطن بوست إلى المكانة الخاصة لقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الذي اغتالته القوات الأميركية بأمر رئاسي علني قبل عام، لدى نصرالله، وما يعنيه التزامه بالعقاب الذي يجب أن يطال كل المتورّطين، في إشارة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بينما تولت الواشنطن بوست مع الجيروزاليم بوست وعدد من المواقع الإعلامية في كيان الاحتلال تناول ما كشفه السيد نصرالله عن مضاعفة مخزون المقاومة من الصواريخ الدقيقة خلال عام الاغتيال الذي شهد كثافة في الغارات «الإسرائيليّة» التي استهدفت منع مراكمة الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله، وقالت الجيروزاليم بوست أن هذا كافٍ للقول بالفشل الذريع للجهود «الإسرائيلية» ودعوة لوقف التباهي بإنجازات على الورق.
في الشأن الداخليّ، كان كلام السيد نصرالله عن الشأن الحكومي موضع تحليل القيادات السياسية والإعلاميين، حيث اعتبر التعثر الحكوميّ نتاج أزمة داخلية نافياً الأسباب الخارجية التي يتم تداولها إعلامياً وسياسياً، خصوصاً لجهة الربط بين المسار الحكومي والانتقال الرئاسي الأميركي، ما أفقد كلام المبعوث الأمميّ يان كوبيتش قيمته عن انتظار لبنانيّ لتسلّم الرئيس الأميركيّ المنتخب جو بايدن، وأصاب ما قاله النائب السابق وليد جنبلاط بالاتجاه ذاته، فكل التحليلات عن الربط تنطلق من اعتبار الفيتو الأميركي على تمثيل حزب الله في الحكومة سبباً للتأخير بانتظار زوال هذا الفيتو مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، ليحسم السيد نصرالله العلاقة الإيجابية مع الرئيس المكلّف سعد الحريري، ويربط الأزمة الحكومية مستعيداً ما وصفه الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري بأزمة الثقة بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بينما شكل كلام جنبلاط عن وجه آخر للربط عنوانه تريّث حزب الله ومن خلفه إيران بتسهيل تشكيل الحكومة بانتظار المفاوضات مع إدارة بايدن، فكان للسيد نصرالله رده المفصل حوله ضمناً، من خلال استعراض تاريخ الرفض الإيراني لأي تفاوض على الملفات الإقليمية وحصر مفاوضاتها بالملف النووي، بينما كان هذا مطلب الأميركيين دائماً. وقالت مصادر متابعة للملف الحكومي في تعقيب على كلام السيد نصرالله، إذا كان الربط وارداً من الزاوية الأميركية فيجب أن يظهر على ضفة حلفاء أميركا، وما دام السيد نصرالله قد نفى هذا الاعتبار في خلفية موقف الرئيس الحريري، وبالتالي ثقته بعدم وجود فيتو يترجمه الحريري على تمثيل حزب الله، فهذا يعني أن الاعتبار الداخلي قد يكون أشد تعقيداً مما يتوقعه الكثيرون، خصوصاً مع الاشتباك الناجم عن أزمة الثقة حول الثلث المعطل الذي يكفي لمنع تشكيل الحكومة، طالما لا يطمئن رئيس الجمهورية لحكومة لا توفر هذا الثلث، ولا يقبل رئيس الحكومة العمل في حكومة قابلة للتعطيل بهذا الثلث.
في مطلع العام ستظهر مرة أخرى محاولات تحريك المسار الحكومي، كما تقول المصادر المتابعة، وسيظهر مجدداً حجم الترابط مع الانتقال الرئاسي الأميركي، أو حجم التأثر بأزمة الثقة وربما اجتماع العاملين معاً.
في تداعيات إحراق مخيّم النازحين السوريين في الشمال تواصلت التحقيقات والملاحقات الأمنية والقضائية، وتحدّث السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي عن قيام الأجهزة الأمنية بعدد من التوقيفات، داعياً في الوقت نفسه إلى تنسيق حكومي لبناني سوري لتسريع عودة النازحين في ظل الوضع الاقتصادي اللبناني الذي يزداد صعوبة، بينما الحكومة السورية مستعدّة لتوفير الحد الأدنى اللازم لضمان أمن وكرامة النازحين العائدين.
ولم يسجَّل يوم أمس، أي اتصال أو لقاء على خط تأليف الحكومة بسبب عطلة الأعياد المجيدة وسفر الرئيس المكلف سعد الحريري إلى الإمارات لقضاء عطلة العيد مع عائلته قبل أن يعود الى بيروت خلال أيام.
ولفتت مصادر مطلعة على الملف الحكومي لـ»البناء» إلى أن «الاتصالات مجمّدة لعودة الرئيس المكلف الى بيروت»، متوقعة «استمرار الجمود الحكومي حتى مطلع السنة الجديدة على أن يستأنف الرئيس سعد الحريري اتصالاته مع رئيس الجمهورية ميشال عون لتذليل العقد المتبقية أمام ولادة الحكومة».
وفيما أفيد أن مطلع العام سيشهد تحركاً فرنسياً على خطي بعبدا – بيت الوسط للدخول في تفاصيل الخلاف على بعض الحقائب، علمت «البناء» أن «البطريرك الماروني مار بشارة الراعي سيعود الى واجهة الوساطة مجدداً عبر إيفاد ممثلين عنه الى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة فور عودته من الخارج، وذلك للدفع بالملف الحكومي الى الامام»، فيما لفتت مصادر «البناء» الى «تنسيق يجري بين التحرك الفرنسي ووساطة الراعي لهدف واحد هو الضغط على رئيس الجمهورية للتنازل عن بعض الشروط مقابل أن يُلاقيه الحريري في وسط الطريق».
إلا أن أوساطاً مطّلعة على الوضع الإقليمي والدولي لفتت لـ»البناء» الى أن «لا حكومة قبل انتقال آمن وسلس للسلطة في الولايات المتحدة، فطالما الرئيس ترامب موجود في البيت الأبيض سيبقى التدخل والتعطيل الأميركي للحكومة في لبنان سيد الموقف»، موضحة أن «الحريري يدرك ذلك وما حركته وطروحاته الأخيرة الا بالونات اختبار ومناورات لتمرير الوقت وإبعاد كأس الاتهام عنه بتعطيل التأليف بانتظار جلاء المشهد الاميركي».
ونقلت أوساط عين التينة عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لـ»البناء» امتعاضه مما آلت اليه الأوضاع لا سيما على الصعيد الحكومي، إذ كان يفضل ولادة الحكومة كعيديّة في الأعياد علها تثلج قلوب اللبنانيين وتبدأ بمعالجة الأزمات ووقف الانهيار»، مشيرة الى أن الرئيس بري لطالما ردّد أننا بحاجة الى حكومة بأسرع وقت لأن الوضع لم يعُد يُحتمل وهو قام بكل ما عليه لتسهيل ولادتها إلا أن كل المساعي اصطدمت بحائط مسدود حتى الآن».
وبرزت انتقادات وجّهها الرئيس نجيب ميقاتي لرئيس الجمهورية، في حديث لقناة «ال بي سي»، بقوله إن «تصرف فخامة الرئيس عون يوحي وكأنه جزء من فريق سياسي وليس حَكَما أو كأنه لا يزال رئيساً للتيار الوطني الحر»، وأضاف ميقاتي: «لا أنصح الحريري بالاعتذار عن تأليف الحكومة والرئيس عون عليه ان يعرف أنه يستطيع ردّ القرارات وعلينا الانتهاء من سياسة التعطيل».
في موازاة ذلكن أمل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بأن «تستطيع فرنسا بما تملك بأن تفتح الأبواب، في حال تشكّلت حكومة مقبولة، للتفاوض مع البنك الدولي والمؤسسات الدوليّة لنباشر بعملية الإصلاح».
وحمّل جنبلاط مسؤولية عدم بتّ الملف الحكومي، للرئيس عون والحريري وحزب الله، «ولا ننسى أن التيار الوطني الحر فريق أساسي». ورأى جنبلاط أن «القوة المركزيّة في لبنان، يعني إيران متمثّلة بحزب الله تنتظر استلام الرئيس المنتخب الجديد جو بايدن لتتفاوض إيران معه، على الملف اللبناني، الصواريخ، العراق، سورية، اليمن، هم مرتاحون في وقتهم».
وكان لافتاً قول جنبلاط بأن تفجير المرفأ سيكشف تورط مقرّبين من مسؤولين سياسيين كبار.
"الأخبار": التأليف في اجازة: جنبلاط يوزّع اتهامات التعطيل
صحيفة "الأخبار" رأت أن الطبقة الحاكمة بكاملها تتنعّم بأيام العطلة. بين عيدَي الميلاد ورأس السنة، انصرف كل منهم إلى عائلته متناسياً أن ٦٠٠ ألف عائلة صارت غير قادرة على تأمين متطلبات العيش. أن يقال إن كل المسؤولين غير مبالين إلا بمصالحهم فهذا تكرار، لكنه قد يكون ضرورياً لمن لا يزال مقتنعاً بأن الحل سيأتي على يد من أوصل البلد إلى الانهيار. حتى الحديث عن عودة الحركة السياسية مع بداية العام فيه الكثير من التفاؤل المفتعل. وهو أقرب إلى ما سوّقه سعد الحريري من على منبر قصر بعبدا، حين أعلن أن الحكومة يمكن أن تُؤلف قبل عيد الميلاد، ثم انتقل الى حديث عن تأليفها بعد رأس السنة.
ببساطة قرر الرئيس المكلّف استبدال مهمة تأليف الحكومة بالدخول في معركة رأي عام. وعليه، ليس المهم أن تؤلف الحكومة، الأهم أن توجه أصابع التعطيل إلى بعبدا لا إلى بيت الوسط. العقد الحكومية هي نفسها، وهي لن تتغير على الأرجح، كما أنها ليست مرتبطة مباشرة بالتأليف بقدر ارتباطها بغياب أي إمكانية للتفاهم بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري. لكن مع ذلك، فإن المسؤولين في الداخل لا يخجلون من التأكيد أن كل الأمور قابلة للحل، في ما لو أتت كلمة السر الأميركية الى الحريري أو بضغط فرنسي على السلطة السياسية.
ربط تأليف الحكومة بتسلّم جو بايدن للرئاسة صار أمراً واقعاً، وهو ما دفع المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان بان كوبيتش الى السخرية عبر إشارته في تغريدة الى أن «الاقتصاد المالي والنظام المصرفي في حالة من الفوضى، والسلام الاجتماعي بدأ بالانهيار، والحوادث الأمنية آخذة في الارتفاع. الهيكل اللبناني يهتز في أساساته»، فيما «يبدو أن القادة السياسيين ينتظرون بايدن. لكن، هذا لبنان، وليس الولايات المتحدة».
لكن ثمة من لا يريد أن يرى هذا الانهيار، ولا أن يتحمل مسؤوليته في وقف ولو نسبة صغيرة ممّا تسبّبت فيه حكومته والحكومات المتعاقبة، لينضم الى ركب محاولي تبييض صفحتهم أمام الرأي العام، وإلقاء كل الموبقات التي ارتكبوها على مرّ السنوات على عهد ميشال عون وجبران باسيل شخصياً.
وسط هذا الجمود والمساعي المقفلة لتأليف حكومة جديدة نتيجة بقاء المشهد السياسي على ما هو عليه بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، يمارس رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط لعبته المفضلة التي تقتصر على إلقاء تنظيراته السياسية في الوقت الضائع، علّه يجد من يصدقها. ففي حديث الى جريدة «الأنباء»، صرّح جنبلاط بأن الحزب الاشتراكي هو الوحيد في المواجهة، من دون أن يوضح مواجهة من، ما دام هو أحد أركان «المافيا» التي أوصلت البلد الى الإفلاس والانهيار الشامل، ليتحدث بعدها عن إعداد كتلته ملفاً عن الكهرباء وتوجهها الى النيابات العامة لكن «القضاء ليس مستقلاً».
ويتعجب البيك من عدم انضمام أي من الجماهير اليه في هذا الملف الذي ظهر صدفة بعد فتح التيار الوطني الحر ملف وزارة المهجرين. من ناحية أخرى، هاجم جنبلاط حزب الله، أو «إيران متمثلة بحزب الله»، مشيراً الى استفادة الحزب من الفراغ في لبنان، و«تركيبه أجهزة ATM في مناطقه تمكّن من سحب مبلغ يصل إلى حد الـ5000 دولار نقداً، والمواطن اللبناني العادي يذهب إلى المصارف و»يتشرشح»، ولا يستطيع سحب إلا كمية قليلة جداً بالعملة اللبنانية وبعد الواسطة. أما هم فنراهم مرتاحين».
ما سبق دليل آخر على «الكذب» الجنبلاطي بحديثه عن الصراف الآلي التابع لمؤسسة القرض الحسن التي لا توزّع دولارات على المارّة، بل تمنح زبائنها قروضاً لقاء رهنهم لكمية معينة من الذهب. أما حكومياً، فيحمّل زعيم المختارة مسؤولية عدم البت به الى «عون والحريري وحزب الله، ولا ننسى أن التيار الوطني الحر فريق أساسي، كما وقعت أخطاء من قبل الحريري أنه يريد أن يفرض على ميشال عون أسماء معينة، فهناك خلاف حول الأسماء بحسب الظاهر، كما هناك خلاف حول الوزارات». وانتقد إصرار الحريري على اختصاصيين، فـ«اختصاصي وغير مُلمّ بالسياسة أمر ليس بالسهل في لبنان. يمكن أن يكون اختصاصياً في فرنسا وغيرها من البلدان، لكن في لبنان تريد اختصاصيا وقادراً على أن يفرض رأيه السياسي».
قرر الحريري استبدال مهمة تشكيل الحكومة بالدخول في معركة رأي عام
على طريقة جنبلاط نفسها، أتى تصريح النائب نجيب ميقاتي الذي دعا الى «تشكيل الحكومة وليحدد مجلس النواب موقفه من منح الثقة لها أو عدمه». أي إنه يطلب من رئيس الجمهورية البصم على تشكيلة الحريري من دون أن يلعب أي دور في هذا السياق. واعتبر «أن تصرّف الرئيس عون يوحي وكأنه جزء من فريق سياسي وليس حكَماً، أو كأنه ما زال رئيساً للتيار الوطني الحر، ويتطلع الى سدة الرئاسة، ورئيس التيار الوطني الحر يتصرف وكأنه رئيس للجمهورية»، ليعقّب بعدها بأن على الرئيس «أن يقتنع بأنه ليس شريكاً في السلطة التنفيذية، بل فوق كل السلطات، فلننته من سياسة التعطيل المستمرة منذ 1989».
يتجاهل هنا ميقاتي أنه كان لرئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان حصة وزارية من دون أي اعتراض من ميقاتي الذي يبتدع اليوم شروطاً سبق له أن أجازها لنفسه. وفي مقابلته مع المؤسسة اللبنانية للإرسال، أكد «أنه لا ينصح الرئيس الحريري بالاعتذار»، مشيراً الى أنه «في حال اعتذر وأعيدت تسميته مجدداً، فحتماً سنصل الى طريق مسدود، وإلى أزمة حكم، ونكون أضعنا المزيد من الوقت والفرص لمعالجة الأوضاع».
"الجمهورية": المنطقة في غليان.. ولبنان مُربك
من جهتها رأت "الجمهورية" أن لبنان يعاني الإنكسار الكامل؛ الشلل هو العنوان، والسياسة بشكل عام خاوية تماماً وفي انحدار مريع، بحيث لم يعد لها أيّ معنى، وعدّادات «كورونا» لم تعد قادرة على اللحاق بعدد الاصابات بهذا الوباء، وخزّانات الأزمة طافحة بالتعقيدات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المتفاقمة وصارت على حافة الانفجار الاجتماعي الرهيب، والسيناريوهات المخيفة تلوح في الأفق وتُنذر باحتمالات سوداء ربطاً بالتطوّرات المتسارعة في المنطقة. أمّا العقل السياسي الذي يفترض أن يتدبّر أمر البلد بحكمة ومسؤوليّة، فهو إمّا مثقوب، وإمّا مَنخور بسوس مصالحه وشهواته على حساب وطن وشعب بكامله، وإمّا مهاجر في إجازة مفتوحة لا سقف زمنياً لها!
هي صورة من صنع الحكام، ولعلّها الصورة الأسوأ التي يظهر فيها لبنان على مرّ تاريخه، كوطن صار مخلّع الأسس، وكدولة عنوانها الافلاس الكامل، ولم تعد تحمل من معنى الدولة سوى الإسم. أمّا اللبنانيّون فمنسيّون على قارعة أزماتها المتتالية والمتشعبة، ومكتوب عليهم انتظار أن يأتي الفرج من عِلم الغيب. فيما الأفق مسدود فلا نوافذ مفتوحة على حلول، ولا أبواب مفتوحة على مخارج، وليس في نهاية النفق ما يؤشّر إلى شفاءٍ من هذا المرض العضال.
خطران
كورونيّاً، يبدو أنّ لبنان يُساق إلى تجربة مريرة جديدة مع الوباء، سواء بالنسخه الأولى لـ»كورونا» التي هزمت الإجراءات العشوائيّة للسلطة الحاكمة، وغباء المُستهترين بها، وتفشّت في الأرجاء اللبنانية بشكل مريع، أو بنسختها الثانية المتحوّرة التي تنذر مع هذا الوضع بشرور لا تحمد عقباها. وعلى ما تقول مصادر طبيّة لـ«الجمهوريّة» فإنّ ما قد ينتظر لبنان في هذا السياق، إن لم يتم تَداركه سريعاً بإجراءات استثنائيّة صارمة في حزمها وشدّتها وصرامتها، هو الكارثة الكبرى بعينها، وما أصابَ لبنان منذ تفشّي كورونا الأولى في شباط الماضي قد يشكّل نقطة في بحر ما هو آت».
وتؤكد المصادر «انّ الوضع مخيف جداً، فلقد كان لبنان امام خطر وبائي، فصار امام خطرين متفاعلين مع بعضعهما البعض. وبالتالي، على المواطن اللبناني أن يدرك ذلك، كما على الدولة أن تخرج من سطحية قراراتها وإجراءاتها السابقة، وتستفيد من فشلها، وتُسارع الى اتخاذ القرار الحاسم، وتقتدي بما اعتمد في العديد من الدول لِردّ هذا الخطر، حتى ولو اقتضى الأمر الإقفال التام للبلد، وبالقوة.
وكشفت المصادر أنّ الأعداد المتزايدة من الإصابات بوباء «كورونا»، والتي بدأت تتجاوز عتبة الـ2000 إصابة يومياً، تجعلنا نشعر بخوف شديد من أن نصل الى مرحلة يتجاوز فيها عدد الاصابات الـ5 آلاف حالة يوميّاً وربما أكثر، ذلك أنّ سرعة تفشّي الوباء في لبنان تعتبر من الأعلى من بين الدول المنكوبة بكورونا. والمسؤولية عن ذلك مشتركة يتقاسَمها استهتار المواطنين، وكذلك استخفاف السلطة وعدم قيامها بمسؤولياتها كما يجب منذ بداية هذه الأزمة.
ورداً على سؤال حول اللقاح المنتظر وصوله الى لبنان منتصف شباط المقبل، لفتت المصادر الى انّ مفعول هذا اللقاح - إذا وصل في الموعد المحدد - يمكن الحديث عنه بعد بدء اللقاحات. ولكن حتى ذلك الحين تفصلنا فترة تُقارِب الشهرين، وليس معنى ذلك ألّا تشدد السلطة من إجراءاتها، أو أن يستهتر المواطن وتزيد الاصابات، وأمام هذا الاستهتار نستقبل اللقاح وقد زاد عدد الحالات 100 إلف إصابة جديدة.
نار الاقتصاد والمال
في الجانب الآخر من الازمة، تلوح في الأفق الاقتصادي والمالي والاجتماعي سيناريوهات متعددة حول انهيارات محتملة مع بدء السنة الجديدة. وعلى ما يؤكد خبراء اقتصاديون لـ«الجمهورية»، فإنّهم مرعوبون من ممّا يلوح في الافق اللبناني من احتمالات خطيرة، فبداية السنة الجديدة قد تحمل معها فتائل اشتعالٍ خطير على المستوى الاقتصادي، بعدما سُدّ أفقه بالكامل جرّاء الصراعات السياسيّة وعدم وجود سلطة فعلية تبادر الى وقف الإنهيار.
واذا كان الحديث عن موضوع الدعم قد تراجع في الفترة الحالية، فإنّ هذا الأمر في رأي الخبراء سيُخضِع البلد في الفترة المقبلة الى وضع شديد الصعوبة، فيكون متأرجحاً بين نار التمسّك بالاحتياطي الالزامي لمصرف لبنان، ونار استمرار الدعم وما يترتّب على ذلك من استنزاف لهذا الاحتياط، ونار وَقف هذا الدعم وما قد يترتب على ذلك من آثار اجتماعية رهيبة يُخشى معها أن تؤدي الى فوضى شاملة وانفجار اجتماعي خطير.
وبحسب الخبراء لا حلول حتى الآن، خصوصاً أنّ مصرف لبنان قد حدد سقف قدرته على الاستمرار في هذا الدعم، وهذا يُلقي المسؤولية على السياسيين وتأخّرهم في تشكيل حكومة تستعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان، وتَشرع فوراً في تطبيق برنامج إنقاذي يستهل باستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وإجراء الاصلاحات التي من شأنها أن تكافح الفساد الذي ما يزال مستشرياً في كل القطاعات، وتوقف الهدر القائم في مالية الدولة. وتلك هي الشروط الاساسية التي حددها المجتمع الدولي لتقديم مساعدات الى لبنان. لا نقول هنا انّ تأليف الحكومة قد يشكّل عصا سحرية لوقف الانهيار وإنهاء هذه الازمة، إنما هو قد يشكّل خطوة أولى في رحلة الـ1000 ميل في هذا الاتجاه.
وعلى الرغم من أنّ تشكيل الحكومة لا يشكل عامل الوَقف الفوري للانهيار الاقتصادي والمالي، بل يشكل عامل اطمئنان ونقطة انطلاق لوضع علاجات للأزمة، إلّا أنّ الخبراء الاقتصاديّين يعتبرون أنه في موازاة الشحّ في مخزون لبنان من العملة الاميركية الخضراء، ثمة خشية من أنّ تأخير الحكومة والتفاعلات السياسية التي تحيطه، قد ينسحب فلتاناً مريعاً في سعر الصرف، وهو ما تؤشّر إليه تحذيرات المؤسسات المالية الدولية، وكذلك بعض المعطيات الداخلية التي تفيد عن تحضيرات للعبة خطيرة بالدولار في السوق السوداء ترفع سعر الدولار الى مستويات خيالية.
كبّروا الحجر
الى ذلك، ورداً على سؤال عمّا إذا كان التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وسائر مؤسسات الدولة وقطاعاتها يشكل عاملاً ايجابياً ومساعداً في وقف الازمة والانهيار؟ قالت مصادر اقتصادية: هذا الموضوع سياسي بامتياز، يبدو أنّهم كبّروا الحجر لكي لا يصيب. صحيح انّ التدقيق مطلوب في كل شيء، ويجب ان يحصل ويشمل كل الوزارات والمؤسسات ولا يستثني شيئاً، ولكنّه مطلوب بشفافيّة وصدقية، فهل هذا ممكن في لبنان؟ وفي ظل هذا الطاقم الحاكم المشكوك فيه؟
أضافت المصادر: بصرف النظر عن كل شيء، طالما أنّ الكلّ بات على إجماع بأنّ الشعب اللبناني فقد الثقة بدولته وحكامه، فإنّ كلّ ما يُحكى عن إجراءات لمكافحة الفساد، بما في ذلك قانون رفع السرية المصرفية وربطها بالتدقيق المالي الجنائي، لن يكون في أفضل الأحوال إلّا أدوات لتمرير صفقات سياسيّة، أقله إلى أن يثبت عكس ذلك، وبالتأكيد لن يثبت العكس.