لبنان
لبنان ينتظر حلحلة فرنسية والتحقيق العدلي في انفجار المرفأ يتصاعد
ركزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على مسألتي التعقيد في التقدم بتشكيل الحكومة والتصعيد في التحقيق العدلي بانفجار المرفأ. إذ يبدو أن لبنان أخذ ينتظر الأسبوع الأخير الفاصل عن زيارة الرئيس الفرنسي في 22 الجاري، باعتبارها آخر الصدمات الكهربائية لإنعاشه وتعزيز قدرته على الصمود في ظل الوضع الإقتصادي القاتل الذي يعانيه.
كما يبدو أن مسار المواجهة السياسية القضائية المتصلة بالتحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت اتسم بمزيد من التصعيد الصاخب.
"الأخبار": باريس تمهّد لزيارة ماكرون.. محاولة لتقريب وجهات النظر وتهديد بعقوبات أوروبية
عشية دخولها شهرها الثالث، تقِف أزمة تأليف الحكومة في خانة شديدة التعقيد، بعد أن قفزت فوق كل العقبات المتّصلة بمجرد أحجام وحصص، إلى خطوط تماسٍ تتطاير شظاياها في كل اتجاه. شعب يقِف على حافة الجوع، ودولة مشغولة بأزمات سياسية وقضائية مستعصية تدفع بالبلاد الى الانتحار الجماعي، وواقع مالي - اقتصادي تتسارع خطاه في اتجاه الانهيار المروّع. بهذا المشهد القاتم، يدخُل لبنان في الأسبوع الأخير الفاصل عن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 22 الجاري، والتي يُنظَر اليها باعتبارها آخر «الصدمات الكهربائية» لإنعاش شرايين البلد وتعزيز قدرته على الصمود في المرحلة الانتقالية إقليمياً ودولياً. فيما كان لافتاً تراجع حدّة السجال بين الرئاستين الأولى والثالثة، وتنبيه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بعد لقائه رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، من «خطورة الشائعات التي تُبث عبرَ وسائل الإعلام، والتي يهدف البعض من خلالها الى افتعال المشاكل بين الرؤساء والسياسيين»، كاشفاً أن ما «جاء في وسائل الإعلام حول اجتماعه بمجلس القضاء الأعلى من ادّعاءات كاذبة خير دليل على ذلك».
هذا الميل إلى التهدئة تردّه مصادر مطلعة على خط الاتصالات إلى أن «الجانب الفرنسي، وقبل زيارة ماكرون الثالثة، يمهّد لإعداد الأرضية من خلال استئناف التواصل مع كل من عون والرئيس المكلف سعد الحريري والوزير جبران باسيل، علّها تفتح ثغرة في الجدار من أجل الإسراع في تأليف الحكومة». وفيما قالت المصادر إن «جدول أعمال ماكرون حتى الآن لا يتضمن لقاءً مع أي مسؤول سياسي أو رسمي سوى رئيس الجمهورية»، أكدت أن «مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى، باتريك دوريل، الذي يتولّى تقريب وجهات النظر، نقل الى المعنيين رسالة مفادها أن ماكرون لن يحمِل معه أي مبادرة جديدة، بل سيثبّت ما سبق أن طالب به في زياراته السابقة لجهة ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة وتنفيذ الإصلاحات»، أما الجديد الذي سيخرجه ماكرون من جيبه فهو التهديد «بمترتبات مع الاتحاد الأوروبي في حال العرقلة، أي فرض عقوبات أوروبية على الطبقة السياسية». ولفتت المصادر إلى أنه «ليس صحيحاً أن الفرنسيين يقفون على الحياد في ملف تأليف الحكومة، بل إنهم في مكان ما يضعون شروطاً على الرئيس الحريري، ولا سيما بشأن وزارات أساسية، كالطاقة والاتصالات»
وفيما لم تسجّل في موازاة الحركة الفرنسية أي اتصالات بينَ القوى السياسية يُبنى عليها، زار الحريري البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وأبلغه أن «الهدف ليس تأليف الحكومة كيف ما كان أو أن أكون أنا رئيساً لها، بل الهدف القيام بالإصلاحات وإعادة إعمار بيروت». وقد وضعت مصادر الحريري هذه الزيارة في سياق «نفي التهم التي تكال الى رئيس الحكومة المكلف بأنه يريد السطو على الحصة المسيحية في الحكومة، ويريد أن يُسمي هو الوزراء المسيحيين».
في سياق آخر، تُعقد جلسة تشريعيّة لمجلس النواب الإثنين المقبل، وعلى جدول أعمالها نحو 70 بنداً، من بينها تجديد عقد التشغيل لكهرباء زحلة لسنتين إضافيتين، إضافة إلى مشروع قانون للإعفاء من الرسوم الميكانيكية عن العام 2020 – 2021، واقتراح قانون تعليق العمل بأحكام قانون سريّة المصارف.
"النهار": الحريري في بكركي والمواجهة السياسية القضائية تحتدم
كتبت صحيفة "النهار" تقول: الفارق الوحيد الذي برز امس بين مسارين يتسابقان في طريق التصعيد والتأزم، تمثل في ان مسار تأليف الحكومة الجديدة عاد الى التأزم الملجوم والصامت فيما مسار المواجهة السياسية القضائية المتصلة بالتحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت اتسم بمزيد من التصعيد الصاخب. ومع ان الزيارة التي قام بها الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري لبكركي شكلت اختراقا إيجابيا لمناخ آخذ في الانسداد والتشاؤم والتشكيك في إمكانات فتح مسارب للحلول، فان تأثيرات الزيارة يستبعد ان تتجاوز الإيضاحات الضرورية التي أفضى بها الرئيس الحريري للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي سواء في الملف الحكومي وآفاقه ومسببات عرقلة الولادة الحكومية او في ما يتصل بكارثة انفجار المرفأ. وعلمت "النهار" ان الزيارة تركت أصداء مريحة لدى بكركي وسيدها الذي لا يكاد يمضي يوم واحد من دون ان يرفع صوته بالإلحاح على تشكيل الحكومة كما عكست مواقفه من تداعيات التحقيق العدلي في انفجار مرفأ ما استدعى من الحريري إيضاح حقيقة المواقف التي اتخذت في شان رئاسة الحكومة والحفاظ على المسار الدستوري في التحقيقات من دون أي حمايات وحصانات. وفهم ان الحريري ركز على التأكيد ان ليس هناك أي بعد طائفي مسيحي إسلامي في دلالات التشكيلة التي بحثها مع رئيس الجمهورية. كما ان الموقف من الادعاء على رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب يتسم بمعيار دستوري أولا وأخيرا بما يحصن التحقيق.
وأوضح الحريري بعد اللقاء مع البطريرك في حضور الوزيرين السابقين غطاس خوري وسجعان قزي والنائب البطريركي العام المطران حنا علوان انه وضع البطريرك الراعي "في جو التشكيلة التي قدمتها الى فخامة الرئيس والقائمة على اختصاصيين غير منتمين حزبيا ومن اهل الكفاءة والنزاهة وقادرين على القيام بإلاصلاحات المتفق عليها". ولفت الى انه ابلغ البطريرك "ان الهدف ليس تشكيل حكومة كيفما اتفقنا ولا ان أكون انا رئيس حكومة وانما وقف الانهيار وإعادة اعمار بيروت وهذا الهدف لا يتحقق الا عبر القيام بالإصلاحات المتفق عليها لاعادة تدفق التمويل في اتجاه لبنان". وفي موضوع المرفأ قال الحريري انه اكد للراعي "اصرارنا على معرفة الحقيقة وتأكيدنا حق جميع اللبنانيين وبالدرجة الأولى حق الضحايا وأهاليهم بمعرفة كامل الحقيقة والمسؤوليات، وفي هذا الاطار لا غطاء على احد ولا تغطية لاحد إنما في اطار الاحترام الكامل للدستور والقوانين". وردا على سؤال قال الحريري "انا مع الحياد وسبق ان قلت ذلك وهذا الامر يجب ان يحصل عاجلا ام آجلا ولكنه أولا في حاجة الى توافق".
هيئة المكتب وصوان
اما على جبهة التداعيات التي اثارها ملف الادعاءات السياسية في قضية انفجار مرفأ بيروت على يد المحقق العدلي في هذا الملف القاضي فادي صوان، فان الموقف الذي اتخذته هيئة مكتب مجلس النواب في اجتماعها امس برئاسة رئيس المجلس نبيه بري شكل مؤشرا إضافيا الى تصاعد المواجهة السياسية القضائية على خلفية الادعاءات التي أصدرها صوان من جهة، والاشتباك القانوني السياسي الذي انزلقت اليه القضية كلا من جهة أخرى. ذلك انه على رغم الاجتهاد الشكلي المنمق الذي خرج به نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي في اعتبار حصول "سهو" من جانب القاضي صوان عبر انتهاك مبدأ فصل السلطات وتوجيه التهمة ضمنا الى مجلس النواب بالتخلف عن واجباته كانت نبرة الرد البرلماني على صوان حازمة للغاية في رفضها طلبه من المجلس أولا ان يتخذ الإجراءات ضد مجموعة واسعة من رؤساء وزراء ووزراء سابقين لا وجود لاي شبهة في حقهم ومن ثم في عدم تزويده المجلس ملف التحقيقات والإثباتات ليبنى على الشيء مقتضاه. وبذلك عكست هيئة مكتب المجلس قرارا واضحا وانطباعا واضحا ترجمه الفرزلي برمي الكرة كليا في مرمى المحقق العدلي من خلال كتاب أرسلته الهيئة اليه وتنتظر جوابه عليه متضمنا الملف الذي يفترض ان يحمل الشبهات الجدية. وبدا لافتا للغاية اعلان الفرزلي ان الهيئة اتخذت قرارا بعدم نشر رسالة صوان التي أرسلت ردها عليه من باب احترام القضاء، ولكن الهيئة ضمنت ردها نقطة أساسية مفادها "انها تأسف لمخاطبة المجلس النيابي كأنه اهمل ممارسة صلاحياته الدستورية فكيف للمجلس ان يتهم من دون دلائل واضحة ؟ وأين اصبح مبدأ فصل السلطات". وشدد الفرزلي على "اننا لم نجد في الملف المرسل مرفقا بمستندات أي شبهة جدية او غير جدية فكيف نتعامل مع مجهول؟".
"البناء": مساعٍ فرنسيّة لجسّ النبض لفتح الباب للبحث بالعقد السياسي الجديد والحكومة معاً
بدورها، صحيفة "البناء" رأت أن لبنان يستعد لاستقبال الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون الثلاثاء المقبل، مع تصعيد سياسي يطال ملف تشكيل الحكومة، ويضعها أمام الانسداد والاتصالات المقطوعة، بالتوازي مع مخاطر الوقع السريع في دائرة الانهيار المالي في ظل تحذيرات من نفاد القدرة على تأمين العملات الصعبة من قبل مصرف لبنان لتمويل الاستيراد وبدء مسار الارتفاع الجنونيّ في سعر الصرف ما ينذر بكارثة اجتماعية ويهدّد بدخول لبنان مرحلة الفوضى الشاملة.
في مناخ شائع عن نيّة الرئيس الفرنسي الامتناع عن عقد لقاءات مع أي من القيادات اللبنانية، تسرّبت معلومات عن وجود مسودة لورقة عمل تشتغل عليها دوائر الإليزية وربما توضع بين أيدي القيادات اللبنانية خلال أيام لجسّ النبض حول وجود فرصة للأخذ بها كأساس لمسعى فرنسيّ جديد، يقوم على تسهيل ولادة حكومة تمثل الكتل النيابية بالتزامن مع البدء بالنقاش لمشروع عقد سياسيّ جديد سبق وتحدّث الرئيس الفرنسي عن الحاجة إليه، معتبراً أنه بالإمكان البدء بحكومة أسماها حكومة مهمّة وتأجيل البحث بهذا العقد السياسي الجديد، وما يستدعيه من تعديلات للدستور.
على الجبهة القضائيّة لا تزال المناخات التصادمية بين المحقق العدلي مدعوماً من مجلس القضاء الأعلى، ومجلس النواب هي السائدة على خلفية الاستدعاءات التي وجّهها القاضي فادي صوان للنائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل، وفي هذا السياق كشف نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي عن مراسلة تمّ توجيهها لصوان تطالبه بإيداع المجلس النيابي مستندات الاتهامات التي وجهها للنائبين، ووفقاً لمصادر نيابية فإن المراسلة تتضمن إثارة تساؤلات عن سبب توجيه طلب ناقص للمجلس سابقاً للقيام بالادعاء من دون وقائع، وعن سبب قيام المحقق بادعاء ناقص قياساً بلائحة أسماء أوحى بها في رسالته، ولكنها بقيت ناقصة لكامل الأسماء الذين تمّ ذكرهم كعدد إجمالي بصفات وزارية من دون أسماء، وهو ما يناقض الأصول القانونية، وفقاً للمصادر. وتوقفت المصادر أمام تحديد المحقق العدلي لمواعيد مثول بديلة للنائبين زعيتر وخليل في الرابع من كانون الثاني، أي بعدما يكون العقد العادي لمجلس النواب قد انتهى، ما يتيح التحرّر من مظلة الحصانة النيابية في سجال الادعاء العدلي في حسابات صوان، ويعني تصعيداً للسجال.
يبدو أن قرار قاضي التحقيق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت فادي صوان فتح فصولاً جديدة من الصراعات السياسية والطائفية، أضيفت إليها أمس، مواجهة أخرى بين القضاء والمجلس النيابي الذي صعّد موقفه واصفاً قرار صوان بـ"السهو".
وعقدت هيئة مكتب مجلس النواب في عين التينة اجتماعاً برئاسة رئيس المجلس نبيه بري. وأشار نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي في مؤتمر صحافي بعد الاجتماع الى أننا «تبلّغنا رسالة من القاضي صوان ولقد اتُّخذ القرار بعدم نشرها على الإعلام من باب احترام القضاء اللبناني، وحرصاً منّا على قيامه بعمله على أكمل وجه ونأمل الوصول إلى الحقائق المنشودة بشأن جريمة المرفأ وأسبابها». وأضاف «هيئة مجلس النواب أرسلت رسالة إلى القاضي صوان بانتظار أن يأتينا جواب يتضمّن الملف الذي يحمل الشبهات الجدّية ليُبنى على الشيء مقتضاه». وتابع «الرسالة تتضمّن نقطة أساسية مفادها أنّنا نأسف لمخاطبة المجلس النيابي وكأنّه أهمل ممارسة صلاحياته الدستوريّة، فكيف للمجلس أن يُتَّهَم من دون دلائل واضحة؟».
وتابع الفرزلي: «لا نشكّ في خلفية ادّعاء القاضي صوان»، ونسأله «أين أصبح مبدأ الفصل بين السلطات؟، ونحن لم نجد أيّ شبهة جدّية أو غير جدّية على كلّ مَن ذُكرت أسماؤهم». وأوضح أن «المجلس النيابي ملزم بتطبيق القانون بأصول قانون المحاكمات أمام المجلس الأعلى نسبة إلى الملف المرسل من قبل القاضي المختص».
وقرّرت الهيئة عقد جلسة عامة في الأونيسكو الاثنين المقبل وعلى جدول أعمالها 70 بنداً.
مصادر مطلعة على الملف كشفت لـ»البناء» أن أحد الاحتمالات التي قد يلجأ إليها قاضي التحقيق هي إصدار مذكرات توقيف بحق المُدعى عليهم إن لم يستجيبوا لطلباته المتكرّرة بالمثول أمام التحقيق، لكنه سيتريث فاسحاً بالمجال أمام المجلس النيابي ليلعب دوره في هذا الخصوص. لكن ذلك لن يوقِف صوان عن تبليغ المُدعى عليهم بموعد التحقيقات.
وأشارت أوساط نيابيّة لـ»البناء» إلى أن «المرجع الصالح للبتّ بقرار صوان هو المجلس النيابي لأن فحوى الادعاء هو الإخلال بالواجبات الوظيفيّة وبالتالي المطلوب من القضاء تزويد المجلس بملف متكامل مع كل ما لديه من أدلة ووثائق وثبوتيّات ليبنى على الشيء مقتضاه».
وعن موقف المجلس فيما لو استمرّ صوان في مساره وسطّر مذكرات توقيف بحق المدعى عليهم بمن فيهم النائبان خليل وزعيتر، لفتت الأوساط إلى أن «أي قرار على هذا الصعيد يُعدّ خطوة تصعيدية ضد المجلس الذي أعلن أنه سيقوم بدوره بعد تسلّمه ملفاً كاملاً من القضاء، وأي مذكرات توقيف لن يكون لها مفعول عملي وإجرائي وتندرج في إطار الاستعراضات لا أكثر ولا اقل».
وشدّدت الأوساط على أن «المجلس قال كلمته أمس، في بيان لمكتب المجلس وبالتالي على القضاء إعادة النظر بقراره واتباع الأصول في التعامل مع الملف ومع المجلس النيابي». وأوضحت أن «القاضي صوان أرسل الملف إلى مجلس النواب خارج الأصول وهذا يعني أنه اقتنع بأن الملف ليس من اختصاصه ولذلك يجب أن يترك القرار للمجلس».
وتساءلت الأوساط عن «تسرّع القضاء واستعجاله في اتخاذ القرار من دون دراسة معمّقة بالأصول القانونية والدستورية فيما لم يتحرّك ولم يتخذ قرارات في ملفات عدة؟»، داعية إلى «إعادة النظر بأداء القضاء وتصويب عمله».