لبنان
ملف انفجار المرفأ يعمّق الخلافات..وسجال بين بعبدا وبيت الوسط
بقيت تداعيات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وما عقبها من مشاحنات وأجواء سلبية، تستحوذ على المشهد العام في البلاد، لا سيما بعد قرار المحقق العدلي باستدعاء رئيس حكومة تصريف الأعمال وعدد من الوزراء.
وقد وقع سجال بين بيت الوسط وقصر بعبدا ببيانات وردود من الجانبين، ما يشي بعدم تحقيق أي تقدم على صعيد تأليف الحكومة ويبعدها عن النور أشواطا، وهذا ما أوحت به أجواء عين التينة، حيث اعتبر الرئيس نبيه بري أن وضع البلاد ليس مريحاً على الاطلاق، قائلا "لقد دخلنا في النفق ولا أعرف كيف سنخرج منه".
"الأخبار": المحقق العدلي نحو إصدار مذكرات إحضار ومجلس النواب يتهمه بمخالفة
لن يمثل حسان دياب وعلي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس أمام المحقق العدلي في جريمة المرفأ. الأخير سيّس ملف التحقيق من خلال حصر ادعائه بجهة سياسية واحدة، فقابلها المدعى عليهم بمستوى مقابل من التسييس، عبر رفضهم المثول أمام القضاء بذرائع شتى. وبعد ضياع فرصة محاسبة المسؤولين عن الجريمة، تُنذر الأيام المقبلة بمواجهة سياسية قاسية بين فريق المحقق العدلي، وفريق المدعى عليهم.
بلغ الاشتباك أشدّه في ملف انفجار مرفأ بيروت. صباح أمس، وصلت رسالة من الأمانة العامة لمجلس النواب، عبر النائب العام التمييزي غسان عويدات، إلى المحقق العدلي فادي صوان يُطلب منه فيها تزويد المجلس النيابي بالمستندات التي استند إليها لقراره الاستماع إلى نوّاب بصفة مدعى عليهم، وتتهمه بمخالفة الدستور، مشيرة عليه بأنّه لا يمكنه تحريك دعوى الحق العام والملاحقة الجزائية وهو يعلم أن المجلس النيابي في عقد عادي. وبالتالي، لا يمكن للمحقق العدلي تحريك دعوى الحق العام بحق نائب من دون رفع الحصانة عنه. خلاصة الكتاب أن الاختصاص بالتحقيق والاتهام يعود لمجلس النواب وليس المحقق العدلي.
تزامن ذلك مع تحديد صوان مواعيد جديدة لجلسات الاستجواب. وعلمت «الأخبار» أنّه سيُصار إلى إبلاغ النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر حسب الأصول عبر مجلس النواب، ورئيس الحكومة حسان دياب عبر رئاسة مجلس الوزراء، على أنّ يُبلغ الوزير السابق يوسف فنيانوس عبر القوى الأمنية. وقد حُدّد نهار غد الأربعاء موعداً للاستماع إلى كل من خليل وزعيتر، على أن يُستمع الخميس إلى فنيانوس، والجمعة إلى دياب. وعلمت «الأخبار» أن هناك توجهاً لدى فريق المدعى عليهم المتوجس من عدم حيادية المحقق ولاموضوعيته، للتقدم بطلب أمام محكمة التمييز لنقل الدعوى للارتياب المشروع.
جواب صوّان على رسالة المجلس النيابي أتى بإصراره على الاستماع إلى النواب عبر تحديد موعد جديد لجلسات الاستجواب. وتحدثت المعلومات عن قراره الذهاب بعيداً وإصدار مذكرات إحضار بحق من يرفض المثول أمامه. وهذا ما دفع وزير الداخلية محمد فهمي إلى إعلان أنه لن يمتثل لأي قرار قضائي في هذا الشأن. وهذا ما يعزّز الكباش الدائر بين صوان وداعميه من جهة، والمجلس النيابي وتيار المستقبل ورؤساء الحكومات السابقين من جهة أخرى. المواجهة السياسية القضائية ستزداد حدة في الأيام المقبلة، ولا سيما أنّ فريق المدعى عليهم يعتبر أنّ تسييس هذا الملف بدأ مع زيارة القضاء إلى رئيس الجمهورية، بينما كان الملف يسير باتجاه آخر قبلها. كما أنّ قرار صوّان الانتقاء بين الأسماء عزز فرضية التسييس، لأنه لو اعتبر جميع الوزراء ورؤساء الحكومات السابقين الأربعة في خانة المدعى عليهم، لكان قطع الطريق على أي اتهام بالتسييس. وبالتالي، كان جرى تجاوز مسألة الحصانات حتماً على اعتبار المجلس العدلي أعلى محكمة جزائية استثنائية.
وبالعودة إلى مضمون الكتاب، فقد طلب مجلس النواب من المحقق العدلي تجميد الإجراءات المخالفة للأحكام الدستورية الواجبة المراعاة. وكشفت مصادر مطّلعة على مضمون الرسالة أنّ المجلس النيابي في رسالته طلب معطيات ولم يطلب سحب الصلاحية من المحقق العدلي، معتبرة أنّ مجرد قرار الاستماع إلى أي نائب واستجوابه كمدعى عليه يعني حكماً أنّ القاضي حرّك دعوى الحق العام، وذلك غير ممكن لوجود حصانة. ورأت المصادر أنّ قرار محاسبة أي نائب على إهماله بصفته وزيراً وبمناسبة أدائه لمهامه الوزارية، ولكون الفعل مرتبطاً بصفته كوزير، يستوجب تطبيق المادتين ٧٠ و٧١ من الدستور، أي أن يتولى المجلس النيابي إجراء التحقيق. وإذا وجد أدلة يُركن إليها، يقوم بالاتهام، بعد ذلك يتولى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء (غير الموجود والذي لم يقم بدوره يوماً) المحاكمة.
في المقابل، ترى مصادر متابعة للقضية أن انتقائية القاضي غير المبررة لا تُعفي الوزراء من المثول أمامه. تبرز عدة أسئلة لم يقدم المحقق العدلي إجابات للرأي العام عنها؛ إذ لم يعتمد منهجية منطقية ليسلُكها في تحقيقاته في انفجار مرفأ بيروت. والتوجه اليوم لتضييع التحقيق بين المراسلات بدلاً من البحث عن المسؤول الأساسي عمّا حصل؛ إذ إنّ صوان لم يُقدم إجابات واضحة عن الأسئلة المنطقية الأساسية ليترك التحقيق والرأي العام ضائعاً بين نصف نظرية مؤامرة ونصف إهمال بعد مرور أربعة أشهر على الجريمة. وهو لم يُجب عن سؤال أساسي: هل جاءت النيترات إلى لبنان بالصدفة أم أنّها جاءت بفعل فاعل؟ وإذا كانت بالصدفة، فذلك يعني أنّ لا مسؤولية، لا على مالك السفينة ولا على القبطان والطاقم وحتى الوكيل البحري. وإذا كانت هناك مؤامرة، فذلك يعني أن هؤلاء جميعهم متورطون.
السؤال الثاني يتعلق بتعويم السفينة ونقل النيترات إلى العنبر الرقم ١٢. هل عُوّمت السفينة لغاية في نفس أحدهم أم أنّ النيترات نُقلت فعلاً لكون حال السفينة كانت مُزرية؟
توجه لدى المدعى عليهم للتقدم بطلب نقل الدعوى من صوان بسبب «الارتياب المشروع»
السؤال الثالث يتعلّق بالمسؤوليات الإدارية والأمنية؛ إذ إنّ الثابت وجود تقصير وإهمال إداري في ما يتعلّق بتعامل الموظفين في المرفأ والمديرَين العامين للجمارك، السابق والحالي، شفيق مرعي وبدري ضاهر، ورئيس لجنة إدارة المرفأ حسن قريطم. كما أنّ هناك تقصيراً قضائياً فاضحاً يرقى إلى مستوى الجرم الجزائي لجهة إهمال رئيسي هيئة القضايا السابق مروان كركبي والحالية هيلانة اسكندر= عدة مراسلات تُحذّر من خطر النيترات. ورغم ذلك، لم يستدع المحقق العدلي أيّاً منهما. ولكن، يبقى الخلل الأساسي أمني بامتياز. فمرعي كان قد راسل قيادة الجيش عام ٢٠١٤ بخصوص النيترات. لم يُراسل غرفة التجارة والصناعة لتقترح عليه بيعها لشركة الشمّاس للمتفجرات، بل راسل قيادة الجيش بصفتها المعنيّ الأول بالأمن. وفي هذا الخصوص، فإنّ الإخفاق ليس في الشق الاستعلامي، بل بالشق العملاني في التعامل مع الملف؛ إذ إنّ الجيش يعلم منذ ست سنوات بوجود هذه المواد، لكنه لم يُحرّك ساكناً. أما بشأن غياب منهجية التحقيق التي كان يُفترض بالمحقق العدلي مراعاتها، فتتعلق بكونه لم يجرؤ على استدعاء المسؤول الأول عن الأمن، أي الجيش. فلم يستدع قائد الجيش السابق جان قهوجي ولا قائد الجيش الحالي جوزيف عون الموجود في منصبه منذ ثلاث سنوات، بل لاحق الحلقة الأضعف، سواء ضباط الأمن العام أم ضابط أمن الدولة. لم يكتف صوّان بذلك، بل عمد بشكل مفاجئ إلى ملاحقة المسؤولين السياسيين انتقائياً، على الرغم من إرساله رسالة إلى مجلس النواب تتضمن أسماء ١٢ وزيراً مع أربعة رؤساء حكومات. وللعلم، فإنّ مسؤولية الوزراء ورئيس الحكومة معنوية سياسية فقط. فلنفترض أنّ رئيس الحكومة حسان دياب نزل إلى المرفأ لتفقّد النيترات، ممّن كان سيطلب التصرف بشأنها؟ هل كان سيحملها على ظهره ليُخرجها من المرفأ؟ بالطبع كان سيطلب من قيادة الجيش التعامل معها. والجيش يعلم بوجودها منذ ست سنوات. الأمر نفسه ينسحب على رئاسة الجمهورية التي كانت ستقوم بالإجراء نفسه عبر إبلاغ المعني الأول عن الأمن، وهو الجيش واستخباراته.
الى ذلك، علمت «الأخبار» أنّ هناك مساعي يقوم بها «نادي القضاة» لعقد «تجمّع للقضاة» دعماً لصوّان.
"الجمهورية": عون والحريري: كشف المستور.. والصدام القضائي يتفاعل
حكوميّاً، يبدو انّ الحمْل الحكومي قد تعرّض للإجهاض قبل أن تولد الحكومة، والوضع العام المحيط بهذا الملف هو في أعلى درجات التشاؤم، وهو ما عَكسه الرئيس نبيه بري الذي قال رداً على سؤال لـ«الجمهورية»: الوضع ليس مريحاً على الاطلاق، فقد دخلنا في النفق ولا أعرف كيف سنخرج منه. لقد أصبحنا في حال يرثى لها، والوضع الحكومي مسدود بالكامل. امّا لماذا هذا الانسداد؟ فبالتأكيد انّ الجواب هو لدى رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، وإن شاء الله يتمكّن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من أن يفعل شيئاً في زيارته المقبلة، وما علينا سوى أن ننتظر».
واكد بري «أن الوضع الذي وصلنا إليه يوجِب الاسراع في تشكيل الحكومة»، وهو ما شَدّد عليه ايضاً المكتب السياسي لحركة «أمل» الذي حذّر «من محاذير عرقلة وتأخير تشكيل الحكومة في لحظة الخوف على المصير الوطني، داعياً «بشدة إلى الاسراع في تشكيل الحكومة بعيداً عن المحاصصات والخلافات الضيقة».
سجال الشريكين
الى ذلك، ومع فقدان الجنين الحكومي الذي عُمل على تكوينه على مدى أسابيع، وفي مناخ ملبّد بالتعقيدات والالغام السياسية والمزاجيات الشخصية، وكذلك مع انقطاع كل الشعرات الواصلة بين الرئيسين عون والحريري حول هذا الملف، واستبدالها بكرات نارية ألقى بها كلّ منهما على الآخر، وبسِجال يحمل كلاماً من فوق السطوح بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، تصبح إمكانية تكوين هذا الجنين من جديد مهمة شبه مستحيلة.
واللافت في هذه الاجواء هو انتقال شريكي التأليف (عون والحريري) من حلبة التأليف الى حلبة السجال والاشتباك السياسي، فالرئيس المكلف أشار في بيان لمكتبه الاعلامي الى انه التقى رئيس الجمهورية 12 مرة، في محاولة حثيثة للوصول الى تَفاهم بشأن تشكيل الحكومة، وهو في كل مرة كان يعبّر عن ارتياحه لمسار النقاش، قبل ان تتبدّل وتتغيّر الامور مع الأسف بعد مغادرة الرئيس الحريري القصر الجمهوري».
وكشف «انّ الرئيس المكلف يريد حكومة اختصاصيين غير حزبيين، امّا فخامة الرئيس فيطالب بحكومة تتمثل فيها الاحزاب السياسية كافة، الأمر الذي سيؤدي حتماً الى الامساك بمفاصل القرار فيها وتكرار تجارب حكومات عدة تَحكّمَت فيها عوامل المحاصصة والتجاذب السياسي». وأوضح «انّ الرئيس المكلف، وفي الزيارة الأخيرة له الى قصر بعبدا قبل ايام، قدّم تشكيلة حكومية كاملة متكاملة بالاسماء والحقائب، من ضمنها 4 أسماء من اللائحة التي كان فخامة رئيس الجمهورية َسلّمها للرئيس المكلف في ثاني لقاء بينهما، وهي لائحة تتضمن أسماء مرشحين ومرشحات يرى فيهم فخامة الرئيس المؤهلات المطلوبة للتوزير.
وإذ اكد المكتب الاعلامي للحريري انه لا يريد ان يشكّل حكومة «كيف ما كان»، اعلن انه ينتظر توقيع فخامة رئيس الجمهورية مراسيم تشكيل الحكومة ووضع المصالح الحزبية التي تضغط عليه جانباً، وأهمها المطالبة بثلث معطّل لفريق حزبي واحد، وهو ما لن يحصل ابداً تحت اي ذريعة او مسمّى.
رد عون
وردّ المكتب الاعلامي لرئيس الجمهورية على بيان مكتب الحريري، مشيراً الى انه «تضمّن مغالطات»، موضحاً أنّ اعتراض عون على اللائحة التي قدمها الرئيس المكلف قام اساساً على طريقة توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف، ولم يجر البحث في الأسماء المقترحة. وقد رأى رئيس الجمهورية انّ المعايير ليست واحدة في توزيع هذه الحقائب، وطلب من الرئيس المكلف إعادة النظر بها. كذلك اعترض الرئيس عون على تفرّد الرئيس الحريري بتسمية الوزراء، وخصوصاً المسيحيين منهم، من دون الاتفاق مع رئيس الجمهورية، علماً انّ الدستور ينص على انّ تشكيل الحكومة يكون بالاتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة».
ولفت الى «انّ رئيس الجمهورية لم يسلّم لائحة بأسماء مرشحين للتوزير، بل طرح خلال النقاش مجموعة أسماء كانت مُدرجة في ورقة أخذها الرئيس المكلف للاطلاع عليها. واستطراداً، لم تكن هذه الورقة معدّة للتسليم او لاعتمادها رسمياً، بل أتت في خانة تبادل وجهات نظر». وأشار الى انه «في كل مرة كان يزور فيها الرئيس المكلف قصر بعبدا، كان يأتي بطرح مختلف عن الزيارات السابقة، والصيغة التي قدمها في آخر زيارة له كانت مختلفة عن الصيَغ التي تشاور في شأنها مع رئيس الجمهورية».
واكد المكتب الاعلامي «انّ الرئيس عون لم يطرح يوماً أسماء حزبيين مرشحين للتوزير، بل كان يطرح على الرئيس المكلف ضرورة التشاور مع رؤساء الكتل النيابية الذين سوف يمنحون حكومته الثقة ويتعاونون معه في مشاريع القوانين الإصلاحية التي كانت تنوي الحكومة اعتمادها».
رد على الرد!
وفي رد على رد المكتب الاعلامي لرئيس الجمهورية، اكد مكتب الحريري على مضمون بيانه السابق، لا سيما لجهة تَسلّم الرئيس المكلف لائحة من فخامة الرئيس بأسماء المرشحين للتوزير في الاجتماع الثاني بينهما، واختياره منها 4 اسماء لشخصيات مسيحية، خلافاً لما أورده بيان القصر عن تَفرّد الرئيس المكلف بتسمية الوزراء المسيحيين»، ولفت الى انّ الرئيس المكلّف تسلّم في الاجتماع الاخير مع فخامة الرئيس طرحاً محدداً لإعادة النظر في توزيع الحقائب والتواصل مع الكتل النيابية بما يُفضي الى تمثيلها في التشكيلة الحكومية وتوفير الثلث الضامن لأحد الجهات الحزبية».
"اللواء": جريصاتي يشعل «حرب روايات» بين بعبدا وبيت الوسط حول عقبات التأليف
وحسب "اللواء".. في المشهد صورتان، على تعلق الواحدة بالاخرى، الصورة الأولى، تواصل السجال بين بعبدا وبيت الوسط، بعدما فجر المستشار في القصر الجمهوري الوزير السابق سليم جريصاتي دورة جديدة من دورات السجال، الذي يتلطى وراء ستارة دستورية، حيناً، وميثاقية حيناً آخر، و«تربيح جميلة» مرّة ثالثة، ليستتبع رداً محكماً من المكتب الإعلامي للرئيس المكلف، ومن رؤساء الحكومة السابقين وهكذا دواليك..
والصورة الثانية، تتعلق بالصدام بين السلطات السياسية، وهي دستورية، والمحقق العدلي القاضي فادي صوان، على خلفية الادعاء غير الدستوري، الذي طال رئيس حكومة تصريف الأعمال، واعفى مراجع ووزراء وقيادات أمنية وإدارية أخرى، ولو من باب العلم، الذي سارع هؤلاء إلى البوح به، من دون جدوى.. في وقت أخذ القاضي صوان وجهة المثابرة على الادعاء، وحدد موعداً جديداً للاستماع إلى الرئيس دياب يوم الجمعة المقبل، في حين ان النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات تنحى عن التحقيق، كمدع عام، في قضية انفجار المرفأ، على خلفية المصاهرة، التي تربطه بالنائب الحالي والوزير السابق غازي زعيتر..
على ان الأخطر، تخوف مصادر مطلعة من ان تزيد البيانات التي تتضمن روايات متضاربة حول الملف الحكومي تعقيدا، «فالكربجة» الحاصلة هي نتيجة المقاربة المختلفة لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف. وقالت أن الصورة الحكومية أصبحت أكثر تشاؤمية ولا تكهنات بمصيرها.
ولفتت المصادر إلى أن ما يفهم من هذه البيانات المتبادلة أن كلا منهما متمسك بما اورده وليس على استعداد للتنازل عن موقفه أو ملاحظاته.
وأشارت هذه المصادر إلى أنه بعد ذلك ليس معروفا ما إذا كان الحريري سيزور قصر بعبدا قريبا أو سيمر وقت حتى تهدأ الأجواء المتصلة بهذا الملف وأكدت أن أي تطور مرهون بخرق معين لكن ليس واضحا ما إذا كان حاضرا ام لا، مع الإشارة إلى ان مهلة تأليف الحكومة ما تزال في الدائرة الطبيعية، انطلاقاً من ان مرسوم تكليف الرئيس الحريري تأليف الحكومة صدر في 22 ت1 الماضي.
وهكذا، بدل ان يجري البحث عن قواسم مشتركة لتشكيل الحكومة وإنقاذ البلد من حالة الانهيار التي سقط فيها، إندلعت حرب بيانات بين قصر بعبدا وبيت الوسط ستؤدي حتما الى مزيد من التعقيد في تشكيل الحكومة، فيما اندلعت حرب مواعيد بين قاضي التحقيق العدلي في إنفجارالمرفأ فادي صوان وبين رئيس الحكومة حسان دياب، ما يعني ان البلد دخل في دوامة مقفلة لن يخرج منها من دون تفاهمات سياسية كبرى جديدة ترسم حدود التعامل بين القيادات الرسمية والمؤسسات الدستورية.او من دون تدخل خارجي كبير وقوي ضاغط على الجميع بما يدفعهم الى جعل مصلحة البلاد والعباد اولوية بدل التناحر على الصلاحيات والمكتسبات.
ويبدو حسب مصار متابعة ان تشكيل الحكومة يترنح اكثر، وسط تنازع الصلاحيات، وبعد ترقب عون والحريري الواحد للآخر، وكأن هناك «فيتو» من جهة معينة لمنع التشكيل، ما يجر البلاد الى مراحل اصعب. وأُفيد ان ألامانة العامة لمجلس النواب طلبت من القاضي صوان عبر النيابة العامة التمييزية، المستندات اللازمة للسير في ملف استدعاء النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر من خلال المجلس النيابي.
جريصاتي يُشعل السجال
ولئن كانت عدم استجابة السراي والوزراء الثلاثة المدعى عليهم للحضور إلى مكتب المحقق صوان في وزارة العدل بدءاً من اليوم، بعلة الحصانة النيابية لكل من خليل وزعيتر، والتمثل بهما بالنسبة لوزير الاشغال السابق يوسف فنيانوس، معروفة، فإن المفاجأة، ان ينبرى جريصاتي، عبر مقالة منشورة، لرمي «كرة النار الحارقة» بتأخير التأليف في ملعب الرئيس المكلف سعد الحريري، من خلال تأكيده على النقاط التالية:
1- المهلة المعقولة لتأليف الحكومة قد مضت.
2- تأخير تأليف الحكومة يعني تأييد حالة تصريف الأعمال في أدق الظروف واحوجها إلى القرارات الحاسمة، والناضجة من حكومة مكتملة الاوصاف الدستورية..
3- دعوة الرئيس المكلف لوضع «كفّه بكف» الرئيس (رئيس الجمهورية) الذي نستطيع ان نأتمنه في «الازمات والملمات».
ردّ الحريري-1
لم يتأخر ردّ الرئيس الحريري، عبر المكتب الإعلامي، إذ حبّذ ان يعدل المستشار جريصاتي «وجهة رسالته»، إلى «الجهة المسؤولة عن تأخير التأليف، وهي على مسافة خطوات من مكتبه في القصر الجمهوري».
بكلمات قليلة، اعتبر الرئيس الحريري المشكلة لدى رئيس الجمهورية وهو المسؤول عن تأخير المراسيم..
اما السبب فهو التباين في النظرة إلى الحكومة، فالرئيس الحريري يريد حكومة اختصاصيين غير حزبيين لوقف الانهيار الذي يعيشه البلد واعادة اعمار ما دمّره انفجار المرفأ، اما فخامة الرئيس فيطالب بحكومة تتمثل فيها الاحزاب السياسية كافة، سواء التي سمّت الرئيس المكلف او تلك التي اعترضت على تسميته، الأمر الذي سيؤدي حتماً الى الامساك بمفاصل القرار فيها وتكرار تجارب حكومات عدة تحكمت فيها عوامل المحاصصة والتجاذب السياسي.
وهذا يعني ان الرئيس الحريري لا يريد تكرار تجارب في حكومات سابقة ترأسها، ولم تؤد إلى أية قرارات إنقاذية.
وكشف الحريري ان 12 لقاءً عقدها مع رئيس الجمهورية، وهذا دحض لما اسماه «جريصاتي المهلة المعقولة»، وان التشكيلة تضمنت أسماء أشخاص وسيدات طلب رئيس الجمهورية توزيرها في اللقاء الثنائي.
وجزم الرئيس الحريري أن الخروج من مشكلة تأخير المراسيم، يكون بـ«توقيع رئيس الجمهورية على مراسيم تشكيل الحكومة»، «ووضع المصالح الحزبية التي تضغط عليه جانباً، واهمها المطالبة بثلث معطّل لفريق حزبي واحد، وهو ما لن يحصل أبداً تحت أي ذريعة أو مسمى».
والواضح، ان وراء أكمة التأخير مطالبة تكتل لبنان القوي بسبعة وزراء، وهذا لن يتحقق من قبل الرئيس المكلف، تحت أي اعتبار..
ردّ الرئاسة الأولى
وإذا كان ردّ الرئيس الحريري تضمن رواية واضحة، ضمن معلومات وخيارات، فإن ردّ المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية، دحض بعض ما في الرواية من باب ما اسماه مغالطات، وحصرها بأربع:
1- نفي البحث بالأسماء، وان اعتراض رئيس الجمهورية كان «على طريقة توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف»..
وطلب رئيس الجمهورية إعادة النظر نظراً لأن «المعايير ليست واحدة في توزيع الحقائب».
وفي هذه النقطة إضافة مأخذ على الحريري، وهو «تفرده بتسمية الوزراء خصوصاً المسيحيين، من دون الاتفاق مع رئيس الجمهورية».
ثانياً: لم يسلّم رئيس الجمهورية لائحة بأسماء مرشحين للتوزير، بل طرح خلال النقاش مجموعة أسماء كانت مدرجة في ورقة اخذها الرئيس المكلف للاطلاع عليها، واستطراداً لم تكن هذه الورقة معدّة للتسليم، او لاعتمادها رسمياً بل أتت في خانة تبادل وجهات نظر.
ثالثاً: في كل مرة كان يزور فيها الرئيس المكلف قصر بعبدا، كان يأتي بطرح مختلف عن الزيارات السابقة، والصيغة التي قدمها في آخر زيارة له كانت مختلفة عن الصيغ التي تشاور في شأنها مع رئيس الجمهورية.
رابعاً: لم يطرح الرئيس عون يوماً أسماء حزبيين مرشحين للتوزير، بل كان يطرح على الرئيس المكلف ضرورة التشاور مع رؤساء الكتل النيابية الذين سوف يمنحون حكومته الثقة ويتعاونون معه في مشاريع القوانين الإصلاحية التي كانت تنوي الحكومة اعتمادها، ولم يرد في ذهن الرئيس عون يوماً «امساك الأحزاب بمفاصل القرار» او «تكرار تجارب حكومات عدة تحكمت فيها عوامل المحاصصة والتجاذب السياسي».
هذا التضارب، في الرواية الصادرة عن بعبدا، تكشف عن أزمة ثقة، تولدت خلال اللقاءات 12 بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
ردّ الحريري-2
الرد الثاني للمكتب الإعلامي للرئيس الحريري، وضع السجال الدائم في خانة المسبب جريصاتي.. داعيا الرئاسة الأولى لوقف ما اسماه التلاعب في مسار تأليف الحكومة، وضبط ايقاع المستشارين بما يسهل عملية التأليف لا تعقيدها، مشدداً على ان الاولوية التي لا تتقدم عليها اي اولوية هي الخروج من نفق الازمة وتداعياتها المعيشية والاقتصادية ووضع البلاد على سكة الانقاذ الحقيقي.
لكن المكتب أكّد في رده على ما جاء في الرواية الوقائعية الأولى. وقال: يهم المكتب الإعلامي للرئيس الحريري التأكيد على مضمون البيان الذي صدر عنه تعقيباً على مقالة المستشار الرئاسي، لاسيما لجهة تسلم الرئيس المكلف لائحة من فخامة الرئيس بأسماء المرشحين للتوزير في الاجتماع الثاني بينهما، واختياره منها أربعة أسماء لشخصيات مسيحية، خلافاً لما أورده بيان القصر عن تفرد الرئيس المكلف بتسمية الوزراء المسيحيين.
كما تسلم الرئيس المكلف في الاجتماع الأخير مع رئيس الجمهورية طرحاً محدداً لإعادة النظر في توزيع الحقائب والتواصل مع الكتل النيابية بما يفضي إلى تمثيلها في التشكيلة الحكومية وتوفير الثلث الضامن لأحد الجهات الحزبية.