لبنان
دياب والوزراء لن يمثلوا أمام القضاء.. وفرنسا: لبنان يغرق
اهتمت الصحف الصادرة صباح اليوم بقرار المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، وما تبعه من مواقف وردود أفعال، فيما بات من الواضح أن من ادعى عليهم القاضي، من رئيس حكومة تصريف الأعمال والوزراء الثلاثة، لن يمثلوا أمام القضاء لعدة اعتبارات.
إلى ذلك، برز موقف لوزير الخارجية الفرنس جان إيف لودريان شبّه فيه لبنان بسفينة التايتنك الغارقة، ممهدا لزيارة الرئيس الفرنسي المرتقبة والتي ستكون كأنها لم تكن على صعيد اللقاءات السياسية، ما يشير لعدم وجود حلول في الأفق بما يخص تشكيل الحكومة.
"الأخبار": التحقيق في انفجار المرفأ: السياسيون المدّعى عليهم لن يمثلوا أمام القاضي
قالت صحيفة "الأخبار" إن قرار المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، القاضي فادي صوان، اختار «أول» وزير أشغال دخلت شحنة نيترات الأمونيوم في عهده، و«آخر» رئيس حكومة وقع الانفجار في ولايته. ومعهما وزيران وُضعا على لائحة العقوبات الأميركية قبل أسابيع. ورغم أنّه ضمّن رسالته إلى مجلس النواب أسماء 12 وزيراً و4 رؤساء حكومات، إلا أنّه لسبب ما استبعد الباقين، ما أوحى بأنّ السياسة، وجهات أخرى، دخلت على الملف، حتى باتت انتقائية القرار الذي اتّخذه تُهدد بإطاحة أيّ محاسبة ممكنة.
قبل يومين، نُظِّمت تظاهرة «عفوية» أمام منزل قاضي التحقيق العدلي في جريمة المرفأ، فادي صوان، بهدف دعمه. كانت بين المتظاهرين وجوه معروفة الانتماء السياسي، إلى جانب آخرين يُريدون العدالة فعلاً من دون أي تسييس. رفع بعضهم صوراً للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ولمسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، غير المدّعى عليهما، إضافة إلى الوزير السابق النائب علي حسن خليل. لكن الصورة المهمة التي رُفِعت، كانت لرئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود، مذيّلة بعبارة «كمّل عالكل». وعبّود هو القاضي الذي يُهمَس في أروقة العدلية بأنّه من يقف خلف قرار المحقق العدلي فادي صوّان الأخير إلى جانب نقيب المحامين ملحم خلف والوزير السابق سليم جريصاتي، على الرغم من أنّ عبود كان في السابق معارضاً لتعيين صوّان محققاً عدلياً (موقفه مدوّن في محضر اجتماع لمجلس القضاء الاعلى). لاحقاً، طلب عبود من المحقق العدلي أن ينتقل من مكتبه الموجود في النيابة العامة التمييزية، إلى مكتب ملاصق لمكتب رئيس مجلس القضاء، ليفصل بينهما باب داخلي.
قد لا يعني هذا الكلام شيئاً، لكن النسق الذي رافق قرار صوّان استجواب رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، وثلاثة وزراء سابقين، كمدّعى عليهم، غلّفته الشُبهة. فلو قام صوّان باعتبار جميع الوزراء ورؤساء الحكومات الأربعة في دائرة المدعى عليهم، لما كان في قراره شك. لكنّه، وتزامناً مع حملة المحاسبة القضائية التي بدأها التيار الوطني الحر، ومن دون أن يطرأ جديد على ملف التحقيق في انفجار المرفأ، قرر أنّ حسان دياب وعلي حسن خليل ويوسف فنيانوس وغازي زعيتر مدّعى عليهم، على أن يستمع إليهم خلال أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء.
من المحتّم أنّ دياب لن يستقبل المحقق العدلي. ووزير المال السابق والنائب الحالي علي حسن خليل ووزير الأشغال السابق والنائب الحالي غازي زعيتر لن يمثلا أمام القاضي، معتبرين أنه «ارتكب مخالفة قانونية ودستورية، لأنه لا يحق له الادعاء عليهما». وحده الوزير السابق يوسف فنيانوس لم يكن، حتى مساء أمس، قد حسم أمره.
الموقف المعادي لصوّان يرى قراره مشبوهاً في الشكل قبل المضمون؛ إذ يرى الفريق السياسي الذي يُحسب عليه الوزراء السابقون أنّ هناك شُبهة كبيرة لاختيار يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل، متسائلين: «هل هي رسالة للأميركي بأنّ هؤلاء الذين أدرجتهم على لوائح العقوبات، عليهم شبهات في ملف تفجير المرفأ؟». كما يرى هذا الفريق أنّ اختيار حسان دياب يأتي في السياق نفسه، لكونه موسوماً بأنّه رئيس حكومة حزب الله. وتساءلت المصادر: هل هناك ضغط لتحقيق إنجاز أو إعلانٍ ما إرضاءً لجهة ما؟ بات هناك اقتناع بأنّ الانتقائية التي مورست بمثابة التماهي مع أجندة سياسية ما.
يكاد يكون المشترك بين الوزراء السابقين المدّعى عليهم أنّ المحقق العدلي نفسه، أعدّ لهم القهوة بيديه، قبل أسابيع، عندما استمع إليهم بصفتهم شهوداً. مكثوا بضع دقائق سأل فيها وأجاب، قبل أن يُطمئنهم إلى أنّه من الواضح لديه أنّهم قاموا بواجباتهم. ومن ثم، وبشكل مفاجئ، بعد أكثر من شهر، يُبلّغون عبر الإعلام بأنّه سيعاود الاستماع إليهم بصفة مدّعى عليهم.
في اتصال مع النائب علي حسن خليل لسؤاله عمّا إذا كان سيمثل أمام المحقق العدلي بصفة مدّعى عليه، قال لـ«الأخبار»: «أنا لم أُبلّغ أصلاً. هناك أصول للتبليغ وعلمت من الإعلام استدعائي. لقد قلت سابقاً وأُكرر أنني مستعد لرفع الحصانة، لكن ما يحصل يطرح أسئلة كثيرة». يقول حسن خليل إنّه لا يعلم إلى الآن أساس الادعاء أو المواد التي ادّعى فيها، لافتاً إلى أنّ «المتداول يتحدّث عن ادّعاء بجنحة إهمال إداري، لكن هذه المسألة من صلاحية التفتيش». يسرد الوزير السابق للمالية باستغراب ما حصل معه، كاشفاً أنّ المحقق العدلي، وفي جلسة الاستماع إليه كشاهد، سأله سؤالاً وحيداً وأجاب عنه بنفسه. يُعلّق مستذكراً: «دام التحقيق دقيقة أو دقيقة ونصف، سألني خلالها المحقق العدلي إن كنت قد أحلت مراسلة الجمارك إلى هيئة القضايا في وزارة العدل، فأجبت بنعم. عندها قال لي: «إنت عملت واجباتك»». ويُضيف، «قرأ السؤال وقرأ الجواب بنفسه، وسألني إن كان لدي مانع بما كُتب، فقلت لا. وبعدها تحدثنا بالسياسة والأوضاع العامة لست أو سبع دقائق قبل أن أُغادر». تحدث حسن خليل عن مسؤولية معنوية على عدد من الوزراء ومسؤولية على قضاة لم يتم استدعاؤهم، سائلاً: «هل نريد عدالة أم نسعى خلف اتهام سياسي؟». وقال نائب مرجعيون: «قمتُ بواجبي على أكمل وجه. وكنت أُريد مواجهته لكوني لست مقصراً، لكن هناك إشكالية دستورية تسبّب بها لادعائه على نائب، فيما مجلس النواب في دورة الانعقاد، تُمنع الملاحقة الجزائية».
أما رئيس الحكومة حسان دياب، فقد أُبلغ عبر الأمانة العامة لمجلس الوزراء بأنه مستدعى للاستماع إليه كمدّعى عليه، وأجاب بأنّه ليس لديه ما يُضيفه على ما سبق أن قاله للقضاء بشأن تفجير المرفأ. وأكّدت مصادر مقرّبة من دياب أنّه لن يستقبل المحقق العدلي أيضاً، رامياً الكرة في ملعب الأخير مجدداً. وذكّرت المصادر بأنّ صوّان راسل دياب، قبل أيام، عبر المدّعي العام التمييزي، فأجاب بأنّه على استعداد لمقابلته. «وحدّد القاضي موعداً للاستماع إليه نهار الثلاثاء، إلا أنّ رئيس الحكومة طلب منه القدوم في اليوم نفسه. ورأت مصادر دياب أنّ «خطوة صوّان المفاجئة والانتقائية، تٌظهر وجود جهة تطالبه بإعلان إنجازٍ ما».
وحده فنيانوس لم يحسم أمره بشأن الاستجابة لدعوة صوّان
أما النائب غازي زعيتر الذي أكّد أنّه لا يوجد أي مسؤولية عليه، فذكر أنّ القاضي عماد قبلان اتّصل به لإبلاغه بوجوب المثول أمام القاضي صوان، فأجابه زعيتر بأنّ قرار الحضور قيد الدرس. وفي اتصال مع «الأخبار»، أكد زعيتر أنّه لن يمثل أمام المحقق العدلي «الذي خالف الدستور». استعاد زعيتر وقائع الجلسة الماضية أمام القاضي صوّان قائلاً: «دامت الجلسة السابقة عشر دقائق. كتب صفحة ونصف أو صفحتين. سألني إن كنت على علم بالنيترات، فرددت بالنفي وقلت له: أنا على استعداد لإجراء مقابلة مع المدير العام عبد الحفيظ القيسي». واعتبر زعيتر أنّ الادعاء عليه في هذا الملف «الذي لا علاقة لي به، بمثابة الادعاء السياسي، لكونه يترافق مع المعلومات التي تتردد عن أنّني قريباً سأدرَج على لوائح العقوبات الأميركية».
أما الوزير السابق يوسف فنيانوس، فقد رفض التعليق. وعلمت «الأخبار» من مصادر مقرّبة منه بأنّه «لا يعرف التهمة إلى الآن»، رغم أنّ جلسة الاستجواب الماضية بصفته شاهداً راوحت بين ١٠ دقائق و ١٥ دقيقة. وأشارت المصادر إلى أنّ فنيانوس وقّع المراسلات التي وردته بشأن نيترات الأمونيوم، لإرسالها إلى هيئة القضايا. ورأت المصادر أنّ فنيانوس لم يحسم أمره بعد إن كان سيحضر الاستجواب أمام صوّان أو أنّه سيتمنّع، مرجّحة حضوره جلسة الاستماع إليه في حال لم تُسجَّل أي مستجدات.
يتردد في الأروقة الضيقة لقصر العدل أنّ القاضي صوّان يعيش أزمة حقيقية تتعلّق بطبيعة الملف الموجود بين يديه. فهو مقتنع بأن الملف لن يتجاوز الإهمال الوظيفي الجنائي في أبعد تقدير. وبالتالي، فإنّ الرأي العام لن يرضى عن أي قرار ظنّي يُصدره. كما أنّ الأطراف الدوليين يعوّلون على القرار للإمعان أكثر في فرض عقوبات على الأطراف السياسيين. لذا قرر أن يرفع السقف، فيُقدم أوراق اعتماد من جهة، ويُرضي الجهة السياسية التي أعلنت بدء الحرب على الفساد.
"البناء": لودريان: لبنان تايتنك تغرق لكن دون موسيقى
وفي مناخ الانسداد السياسيّ الذي يصل حد الاحتقان، يبدو الملف الحكومي مؤجلاً حتى العام المقبل وفقاً لما تراه مصادر على صلة بمتابعة ما يدور في العلاقات الرئاسية، تقول إن كل شيء سيبقى قيد الانتظار حتى تسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن الى البيت الأبيض، وحتى ذلك التاريخ مزيد من التدهور نحو الانهيار، في ظل سيناريوات قاتمة تنتظر الوضعين الاقتصادي والمالي، قد يخفف من وطأتها نجاح المساعي التي يتابعها مع الحكومة العراقية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لتأمين اتفاقية تؤمن احتياجات لبنان النفطية للعام 2021، ومعلوم أن المستوردات النفطية تمثل أكثر من ثلثي المستوردات، وبالتالي مصدر الطلب على العملات الصعبة، ما سيخفف من مخاطر رفع الدعم والنتائج الخطيرة التي سيكون أبرزها انهيار سعر الصرف بصورة دراماتيكية.
الانهيار الدراماتيكي وصفه وزير الخارجية الفرنسية بقوله إن لبنان يشبه حال السفينة الأميركية الغارقة تايتانك مع فارق أن ليست هناك فرقة موسيقية تعزف لركاب الباخرة فتنسيهم المصير القاتم الذي ينتظرهم، ممهداً لامتناع الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون عن إجراء أي لقاء سياسي خلال زيارته المرتقبة الى لبنان، التي تقرّر حصرها بزيارة مقار القوات الفرنسيّة المشاركة في قوات الطوارئ الدولية في الجنوب، بمناسبة عيد الميلاد.
لن يلتقي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أيّ جهة سياسية خلال زيارته المرتقبة للبنان في 22 الحالي وفي المعلومات أن ماكرون يربط لقاءاته بالمسؤولين السياسيين بمسار تأليف الحكومة، وبالتالي فإن مقاطعته لرئيس الجمهورية والمعنيين سوف تشكل رسالة انزعاج فرنسي من المعنيين على الخط الحكومي من عرقلة التشكيل. وبحسب المعلومات فإن ماكرون سيزور في اليوم الأول من زيارته للبنان الناقورة، حيث سيلتقي قائد قوات الطوارئ الدوليّة ثمّ دير كيفا ليلتقي قائد القوات الفرنسيّة العاملة ضمن قوات الأمم المتحدة. كما أنه قد يلتقي ممثّلين عن المجتمع المدني ومتضرّرين من انفجار المرفأ. وستكون لماكرون مواقف يحمّل فيها المسؤولين مسؤولية ما يجري. وأن لا أحد سيساعد لبنان إذا لم يساعد اللبنانيون أنفسهم. واعتبرت مصادر سياسية أن «التيار الوطني الحر نجح في نقل الخلاف من تشكيل الحكومة إلى قضية الاستدعاءات بشان انفجار المرفأ»، مضيفة: لا مؤشرات توحي بزيارة قريبة للحريري إلى بعبدا في القريب المنشود في ظل التشدد الذي يمارسه رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر في عملية التأليف، فهما يريدان تأليف حكومة يحصلان خلالها على الثلث المعطل، وهذا ما يعرقل مشاورات التأليف التي يقوم بها الرئيس سعد الحريري والتي تجري بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب، مع إشارة مصادر بيت الوسط الى أن حزب الله لم يعارض التشكيلة الحكومية التي حملها الحريري الى بعبدا.
"اللواء": صوان يصطدم بـ «لا صلاحية الادعاء»: لن يستمع إلى دياب والوزراء
من جهتها أشارت "اللواء" إلى أنه بعد اسبوع واحد، يعود الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان للمرة الثالثة في غضون اربعة اشهر ونيّف، من دون ان يتمكن فريق السلطة، من تأليف حكومة جديدة، بعد ان قدم الرئيس المكلف سعد الحريري تشكيلة كاملة، متكاملة، متوازنة، على المستويات كافة،وتنتظر فقط اصدار المراسيم، وفقا لمصادر قريبة من الثنائي الشيعي.
واستبق وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لو دريان وصول الرئيس ماكرون، بنظرة تشاؤمية إذ قال: ان الانهيار السياسي والاقتصادي في لبنان يشبه غرق السفينة تايتانيك لكن من دون موسيقى.
ورأى لو دريان في مقابلة نشرتها صحيفة «لو فيغارو» إن «لبنان هو تيتانيك بدون الاوركسترا... اللبنانيون في حالة انكار تام وهم يغرقون، ولا توجد حتى الموسيقى».
على ان الأنكى، هو المشهد القضائي- السياسي، المتعلق بمسار التحقيقات في انفجار 4 آب الماضي، والذي كان السبب في مجيء ماكرون الى بيروت، قبل حلول 1 ايلول للاحتفال بذكرى مرور مائة عام على ولادة او اعلان لبنان الكبير عام 1920.
وفي السياق، بات من غير الممكن معرفة مسار التحقيقات، بعد «الدعسة الناقصة»، الانتقائية للمحقق العدلي، بحصر الادعاء على رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، والوزراء علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس (وخليل وزعيتر نائبان حاليان في كتلة التنمية والتحرير النيابية)، والتوجه لدى هؤلاء عدم الحضور الى دائرته في قصر العدل، فضلاً عن أن الرئيس دياب، لن يلتقيه كمدعى عليه.
إذ، بعد انتقال الرئيس حسان دياب من السراي الكبير الى منزله في تلة الخياط، ابلغت السراي المحقق العدلي القاضي فادي صوان عدم جواز ان يستمع الى دياب كمدعى عليه.
وذكر مصدر قريب من السراي (موقع الانتشار) ان دياب ادلى بإفادته امام صوان قبل ثلاثة اشهر، وهو اول رئيس يتجاوب مع القضاء بهذا الشكل.
وحول الحديث عن «الاستهداف الامني» فهو يرتبط بتحذيرات امنية تبلغها المسؤولون».
في حين ان النائبين خليل وزعيتر، ينتظران الى اذن المجلس النيابي، ورفع الحصانة ولن يمثلا امام صوان، في حين ان فنيانوس، سيواصل مشاوراته، لحذو حذو الرئيس دياب والوزيرين النائبين.
والثابت ان إدعاءات قاضي التحقيق العدلي في جريمة إنفجار المرفأ فادي صوان على الرئيس حسان دياب وآخرين، وردود الفعل عليها بين مؤيد ورافض المس بصلاحيات رئاسة الحكومة، اسهمت في تعقيد المشهد الداخلي كله لا المشهد الحكومي فقط، الذي ما زال بإنتظار ردود الرئيس المكلف سعد الحريري على الملاحظات التي قدمها له رئيس الجمهورية ميشال عون على توزيع بعض الحقائب المسيحية وعلى اسماء بعض الوزراء المسيحيين والمسلمين.
وذكرت مصادر رسمية ان ملاحظات عون تركزت على ما يمكن ان يقبله وما له عليه تحفظات او ملاحظات لجهة بعض الحقائب والاسماء المسيحية، إضافة الى استفسار عن اسماء بعض الوزراء المسلمين ومنهم الشيعة، بعدما تنامي الى عون ان حزب الله لم يقترح اي اسماء حسبما اعلن النائب حسين الحاج حسن، بينما قيل ان الرئيس نبيه بري قدم منذ فترة اكثرمن عشرة اسماء ليختار منها الحريري اثنين. كما لم يُعرف ما اذا كان هناك توافق درزي على اسم الوزير المقترح لحقيبتي الخارجية والزراعة.
واوضحت المصادر ان الرئيس عون يخشى عدم رضى الكتل النيابية عن الاسماء المقترحة فلا تعطي الثقة للحكومة او تضغط على الوزراء للاستقالة اذا لم يحظوا بغطاء سياسي، ما يمكن ان يضع البلاد مجدداً امام المجهول.
اما اوساط الرئيس الحريري فقد سرّبت انه قام بما عليه وفق الدستور وقدم تشكيلته الحكومية كاملة بالحقائب والاسماء، وينتظر رد رئيس الجمهورية عليها.
وعلى هذا، عاد الوضع الحكومي الى «البراد» لا الثلاجة، بإنتظار تطور ما قد يتمثل بزيارة الرئيس الفرنسي ماكرون يوم 22 الجاري علّه يُسهم في إقناع المتشددين بتدوير الزوايا، في حين ذهب آخرون الى ترقب تسلم الرئيس الاميركي جو بايدن مهامه ومتى يتفرغ للوضع اللبناني؟وعلى امل ان تنقشع غيمة الادعاءات القضائية التي لبّدت السماء السياسية.
وأوضحت المصادر أن مطلع الأسبوع الحالي يشكل اختبارا لكيفية مقاربة موضوع الحكومة لجهة بقائه من دون أي خطوات ملموسة أو دخول مساع جديدة حتى وإن كانت الفرصة ضئيلة في هذا المجال.
وأكدت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» أن الملف الحكومي مجمد حاليا لكنه قد يعود ويتحرك عشية زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت الأسبوع المقبل دون أن يعني حسم الملف. وقالت المصادر إن السقوف وضعت دون أن يعرف كيف يصار إلى الوصول إلى نقطة وسطية بين ملاحظات رئيس الجمهورية على التشكيلة الحكومية للرئيس المكلف وبين ثوابت الرئيس الحريري في هذه التشكيلة، لافتة إلى أن ذلك يتطلب جلسات من التواصل مع العلم ان عاصفة الاستدعاءات لم تهدأ بعد.
غير أن هذه المصادر افادت ان هذه الاستدعاءات زادت الأمور تعقيدا وهناك انتظار لما قد يقدم عليه المحقق العدلي وربما هذا قد يؤخر انقشاع الملف الحكومي الذي في الأصل لم يكن في موقع متقدم.
بعبدا على الخط
ودخل رئيس الجمهورية على خط السجال الكلامي الدائر، فردّ عبر مكتبه الاعلامي على ما وصفه تصريحات وتحليلات تضمنت ادعاءات حول مسؤولية ما يتحملها رئيس الجمهورية في موضوع التحقيقات الجارية في التفجير الذي وقع في مرفأ بيروت.
وتوقف عند:
أولا: المرة الأولى التي اطّلع فيها رئيس الجمهورية على وجود كميّات من نيترات الأمونيوم في المستودع رقم 12 في مرفأ بيروت كانت من خلال تقرير للمديرية العامة لأمن الدولة وصله في 21 تموز الماضي. وفور الاطلاع عليه، طلب الرئيس عون من مستشاره الأمني والعسكري متابعة مضمون هذا التقرير مع الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع الذي يضم كافة الأجهزة الأمنية والوزارات المعنية.
ثانيا: لم يتدخّل رئيس الجمهورية لا من قريب ولا من بعيد في التحقيقات التي يجريها قاضي التحقيق العدلي في جريمة التفجير، وان كان دعا اكثر من مرة الى الإسراع في إنجازها لكشف كل الملابسات المتعلقة بهذه الجريمة وتحديد المسؤوليات.
ثالثا: خلال الاجتماع الذي عقده رئيس الجمهورية مع مجلس القضاء الأعلى يوم الثلاثاء الماضي، لم يتطرق الحديث الى التحقيق في جريمة المرفأ، وبالتالي فإنّ كل ما يروّج عن ان الرئيس عون طلب التدخّل في التحقيق، هو كلام كاذب لا اساس له من الصحة لأنّ البحث في هذا الاجتماع اقتصر على عمل المحاكم وضرورة تفعيلها».
"الجمهورية": التأليف في المنحدر!
في السياسة انحدارٌ لا مثيل له، والممسكون بزمام أمور البلد، يقدّمون النموذج الأسوأ في مقاربة أزمة متشعبة تنذر بإعدام وطن بكامله، في وقت يتفق العالم بأسره على احتضاره، وحاجته الى ما يمكّنه من التقاط انفاسه، وتجاوز هذه الازمة، واستعادة استقراره المفقود سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
في هذا المنحدر، هوى الملف الحكومي الى الدرك الأسفل، تتجاذبه مزاجيات متصارعة تسعى الى تطويعه بما يخدم توجّهاتها واهدافها المتناقضة، وما هو سائد ما بين القصر الجمهوري وبيت الوسط، يؤكّد انّ تأليف الحكومة قد طوي لفترة طويلة لا تُقاس بالأسابيع، بل بالأشهر على أقل تقدير!
في هذه الأجواء، وكما يؤكّد مواكبون لملف التأليف، ثمة حالة وحيدة لكسر حلقة التعطيل، عنوانها تفاهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري على تخريج صيغة حكومية رضائية، إلاّ أنّ المعطيات المتوافرة لدى هؤلاء تعكس انّ الهوّة بينهما آخذة في الاتساع، وتصلّب الرئيسين ساهم في تعميقها أكثر فأكثر.
رفض متبادل
وبحسب هؤلاء، فإنّ الرئيسين عون والحريري قاربا اللقاء الأخير بينهما الأسبوع الماضي على أنّه لقاء مفصلي، رمى فيه كلّ منهما الكرة في ملعب الآخر؛ فرئيس الجمهورية رفض بالمطلق «تشكيلة الأمر الواقع»، التي قدّمها الرئيس المكلّف، والتي قرأ فيها استفزازاً متعمّداً له، وتجاوزاً لدوره وموقعه وشراكته الكاملة في تأليف الحكومة، وأمّا الرئيس المكلّف، يرى في ما قدّمه رئيس الجمهورية شروطاً تعجيزية متعمّدة، ومانعة لتشكيل الحكومة.
الثلث المعطّل
تبعاً لذلك، فإنّ الأكيد في رأي مواكبي مسار التأليف، انّ كلا الرئيسين ليس في وارد التراجع او تخفيض سقف مطالبه او التنازل للآخر، ذلك أنّ هذا التنازل يعادل الانتحار. وتؤكّد ذلك معلومات موثوقة استقتها «الجمهورية» من مطلعين عن كثب على أجواء الرئيسين، والتي يبدو انّها تورّمت بعد لقائهما الاخير، تفيد بأنّ رئيس الجمهورية بات حاسماً وبشكل قاطع في التمسّك بحضور فاعل ووازن له وللتيار الوطني الوطني الحر في الحكومة. وهو اذا كان مصرًّا على مجموعة حقائب أساسية يعتبرها ثوابت له وللتيار، مثل وزارة الطاقة والعدل والدفاع، فإنّ إصراره الأكبر هو الحصول على سبعة وزراء يشكّلون الثلث المعطّل في الحكومة.
وبحسب هذه المعلومات، فإنّ هذه «الحصّة السباعيّة»، هي الحدّ الذي يقبل به رئيس الجمهورية دون نقصان. وثمة من ينقل كلاماً صريحاً في هذا السياق، مفاده «7 وزراء ونقطة على السطر، ولا مجال على الإطلاق للنزول أقل من هذه الحصّة، مهما كلّف الأمر، لا بل مهما طال أمد تأليف الحكومة، وحتى ولو ظلّ تصريف الأعمال من قِبل الحكومة المستقيلة من الآن وحتى نهاية العهد بعد نحو سنتين».
محاولات فاشلة
وتشير المعلومات ربطاً بذلك، الى محاولات على شكل تمنيات قام بها حلفاء واصدقاء للعهد ومن بينهم «حزب الله»، لتليين الموقف الرئاسي وحمله على القبول بأقل من سبعة وزراء، على ان يكون «الثلث المعطل» في الحكومة، ثلثاً مشتركاً بين الحصّة الرئاسية وحصّة بعض الحلفاء وتحديداً «حزب الله»، الّا انّ هذه المحاولات مُنيت بالفشل واصطدمت بموقف رئيس الجمهورية الرافض لحصّة في الحكومة أقل من الثلث المعطل.
لن نقدّم الحكومة لجبران!
في المقابل، تلفت هذه المعلومات الى أنّ التصلّب في «بيت الوسط» في أعلى درجاته، والرئيس المكلّف، على ما يقولون في محيطه، «قد قام بما عليه، وأعدّ تشكيلة حكومة يفترض أنّها لا تستفز احداً، حكومة بحجم المرحلة من شخصيات تتمتع بمستوى عال من الخبرة والكفاءة، وقادرة على ان تقود مرحلة الانقاذ».
ويضيف هؤلاء «انّ الحريري وضع تشكيلته بمعيار إنقاذي للبلد، واختار فئة من الشخصيات الاختصاصية من غير الحزبيين، ولا اعتراض عليها من غالبية الكتل السياسية المعنية بها، ما خلا اعتراض «الفريق العوني» لأسباب معروفة، وهو، اي الرئيس المكلّف، يعتبر نفسه قد أدّى المطلوب منه، وليس في وارد التراجع عن التشكيلة التي قدّمها لحكومة متوازنة، ولا القبول بطروحات يُراد منها تعطيل حكومته قبل أن تبدأ مهمّتها، سواء ما يتعلّق ببعض الوزارات، او ما يتعلق بمنح رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» الثلث المعطّل في الحكومة، فمنحهم الثلث المعطل امر مستحيل، فإن تحقق لهم ذلك، فهذا معناه جعل هذه الحكومة محكومة لمزاجيّة فريق بعينه عند كل خطوة أو قرار، سواء أكان قراراً صغيراً او كبيراً، فكيف اذا كان هذا الفريق مسيّراً من جبران باسيل، وخلاصة الامر لا يمكن ان يقبل الحريري بأن يقدّم الحكومة لباسيل عبر الثلث المعطل، ويُخضعها لمزاجيّته للتحكّم بها وبقراراتها»؟
لماذا هذا التصلّب؟
في موازاة هاتين النظرتين المتصادمتين على حلبة التأليف، تبرز قراءات سياسية مختلفة لموقفي الرئيسين عون والحريري، تتفق على انّ تصلبّهما ليس مرتبطاً بالحكومة وتشكيلتها، بقدر ما هو مرتبط بأمور ذاتية لكلّ منهما.
القراءات المتفهّمة لموقف رئيس الجمهوريّة، تلحظ منحًى اقصائياً له ولدوره ولشراكته في تأليف الحكومة، خلافاً للدستور، وهذا يعطي الحقّ الكامل لرئيس الجمهورية في الإصرار على صلاحياته ورفض أن تُسجّل سابقة من هذا النوع. في موازاة قراءات مقابلة تدرج إصراره على «الوزارات النوعيّة»، كما على الثلث المعطل، في خانة السعي المباشر والواضح لإبقاء باسيل في قلب المعادلة السياسية والحكومية، وللتعويض في هذه الحكومة عمّا خسره في العقوبات الأميركيّة التي فُرضت على رئيس «التيار الوطني الحرّ». وهو بالتالي سيرفض أيّ تشكيلة حكوميّة لا تحقق هذا الهدف، على غرار التشكيلة التي قدّمها الحريري في لقاء بعبدا الاخير، وفق معادلة 6-6-6، مع خلطة حقائب جديدة، والتي تُخرج باسيل من هذه المعادلة نهائياً.
واما في المقابل، فتبرّر قراءات القريبين من الحريري، خضوعه لما يعتبره سقف المبادرة الفرنسية ومندرجاتها الانقاذية والاصلاحية التي وافق عليها كلّ الاطراف بمن فيهم عون و«التيار الوطني الحر»، فيما تلقي قراءات مقابلة بالمسؤولية على الحريري في تعمّد تقديم تشكيلة حكومية، يدرك سلفاً أنّ عون سيرفضها، وذلك من خلفيّة عدم استعجال الحريري الى تشكيل حكومة، قبل تسلّم الادارة الاميركية الجديدة مهامها في البيت الابيض، إذ انّه يخشى من إقدامه على تشكيلة حكومية، لـ»حزب الله» دور او حضور مباشر او غير مباشر فيها، قد تكون دافعاً للإدارة الاميركية الحالية لأن تضعه تحت سيف العقوبات الاميركية قبل انتهاء ولايتها. علماً أنّ «حزب الله» يؤكّد أنّه لم يتلقَّ اي اشارات حول وجود او عدم وجود «فيتو» اميركي او غير اميركي على مشاركته بصورة مباشرة او غير مباشرة في هذه الحكومة.