لبنان
الملف الحكومي معلّق بسبب التعطيل الخارجي..الدولار يعاود الارتفاع ورفع الدعم سيف سياسي على رقاب المواطنين
يحاول الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، إخفاء العقد الخارجية التي تمنعه من تأليف الحكومة، عبر تحميل المسؤولية لرئيس الجمهورية، وهذا ما أكدت عليه الصحف اللبنانية الصادرة اليوم، مشيرةً إلى أن التعطيل السياسي يرافقه ضغط اقتصادي عبر رفع سعر الصرف والحديث مجدداً عن رفع الدعم الذي أصبح كسيف سياسي مصلط على رقاب المواطنين.
"الأخبار": مصرف لبنان يقود جوقة "التهويل" من استمرار الدعم
وفي هذا السياق، قالت صحيفة "الأخبار" إنه يسود اقتناع لدى القوى السياسية بأنّ سعد الحريري يُسلّط الضوء على مشكلته مع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ، ليُخفي العقدة الحقيقية التي تمنع تأليف الحكومة. الولايات المتحدة تمنع حكومة يتمثّل فيها حزب الله، فيما الحريري يرهن كلّ «سيادته» لديها. لا يقدر على أن يواجه واشنطن، التي يُقال إنّها تشهر سيف العقوبات في وجهه، ويُدرك أنّه لا يقدر على تخطّي فريق لبناني أساسي. في هذا «الوقت الضائع»، تنهار الليرة أكثر، ويُعيد رياض سلامة تفعيل التهديد بوقف الدعم، ما يعني انفجاراً اجتماعياً، ما لم تسبقه خطة مُحكمة".
واضافت الصحيفة أنه كما لو أنّ ثمّة من «كَبس الزر»، مُعلناً انطلاق حملة «رفع الدعم». الحديث مع أي من المسؤولين في مصرف لبنان أو المجلس المركزي يقود مُباشرةً إلى «نقّهم» حول عدم القدرة على الاستمرار في دعم المواد الأولية. إذا كان السؤال عن أي قضية نقدية أو مالية أو اقتصادية، يردّون بأنّه «لم نعد قادرين على الدعم والحكومة لا تتجاوب معنا». استفاقوا قبل أيام على أزمة تعود إلى أشهر مَضت، والأمر ليس «بريئاً» تماماً. فمصرف لبنان ــــ وجميع «حلفائه» ــــ قرّر الانتقال إلى «الخطّة ب» من قرار مواجهة الدعم للسلع الرئيسية: الدواء، القمح، السلّة الغذائية، المحروقات. يُعاونه في خطّة «خطورة استمرار الدعم»، كُتل سياسية، ورجال مال... وأعضاء المجلس المركزي. «التهويل» المُتجدّد، سببه رئيس الحكومة المُكلف سعد الحريري. فسلامة «فقد الأمل» من أن يتمكّن «درعه السياسي»، الحريري، من تأليف حكومة في المدى المنظور. كان يُراهن على التشكيلة الجديدة لتتحمّل هي وزر رفع الدعم شعبياً، فيُخفّف «المركزي» مواجهات مع الناس. ولكن، بما أنّ الحريري لن يعود إلى السرايا قريباً، لم يُترك لسلامة من خيار سوى التعامل مع حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسّان دياب، الذي ترتفع بينهما جبالٌ من الخلافات وقلّة التواصل. يتقاذفان كرة المسؤولية، لأن لا أحد في «الدولة» يجرؤ على اتخاذ قرار، ولا على وضع خطّة تُطبّق. أمام هذا الواقع، عاد الضغط عبر إطلاق «حملة تهويل». والحُجّة القديمة/ الجديدة أنّ «المركزي» لم يعد يملك ما يكفي من الدولارات في «حساب الاحتياط» لاستيراد المواد الرئيسية. ولكن، هل يملك أحدٌ جواباً ــــ باستثناء سلامة ــــ عن حجم «الاحتياطي القابل للاستخدام» من مُجمل «حساب الاحتياط»، حتّى يتبيّن للرأي العام إن كان «التهويل» مُبرّراً، أم أنّ الهدف منه ممارسة الضغوط السياسية؟ الجواب الوحيد الذي يملكه أعضاء المجلس المركزي، وعمّموه، أنّ المبلغ يراوح ما بين 2.6 مليار دولار و3 مليارات دولار أميركي.
وبحسب "الأخبار" فإن "اللافت أن يكون الرقم شبه ثابت منذ أشهر. السبب بكلّ بساطة أنّ رياض سلامة «يخدع» كلّ المسؤولين، ولا يسمح لهم بالاطلاع على أي معلومات، حتى لو كان كشفُها حقّاً للعامة. لا يُلغي ذلك وجود مُشكلة في شكل الدعم في لبنان، ففي معظم الدول يكون الدعم موجّهاً حتّى تستفيد منه الفئات الأكثر تضرّراً في المجتمع. في حين أنّ الدعم الشامل لكلّ السكّان، يعني لا عدالة في الاستفادة، واستمرارية لمنطق تركّز الثروة في يد قلّة على حساب الأكثرية".
وقالت الصحيفة "مثلاً، أحد «أصحاب الثروات» في البلد، لديه مليار دولار، يملك أكثر من سيارة، وسائقاً ومرافقين له ولكل فرد من أفراد عائلته، قادرٌ على دفع ثمن المحروقات مهما ارتفع سعرها، لكنّه يستفيد من استيرادها بالسعر المدعوم. في المقابل، لن يستفيد أي شخص غير قادر على امتلاك سيّارة من دعم المحروقات، وفي الوقت ذاته، هو محروم من تنفيذ شبكة نقل عام فعّال ومُنظّم تُخفّف عليه التكلفة. المطلوب إذاً ليس أقل من إيجاد صيغة جديدة للدعم، تُصيب مُباشرةً الفئات المُتضررة، يسبقها وضع سياسات تُواكب رفع الدعم، وتوجد حلول لمسألة النقل والغذاء والحصول على الدواء والخدمات الرئيسية. لا تهديد الناس يومياً بتوقّف الدعم، وانقطاع المازوت والبنزين، وفي مرحلة مقبلة انقطاع خدمة الإنترنت لعدم القدرة على الدفع للموردين، وإطلاق «وعود» لا تُغني ولا تُسمن عن «بطاقات» ستوزّع على «المحتاجين».
وسألت الصحيفة "كيف سيتمّ تحديد المُستفيدين من البطاقات في بلد تخطّت نسبة الفقر فيه الـ 55%؟ إذا كانت الدولة عاجزة عن إصدار إخراجات قيد، فكيف يثق الناس بإصدار بطاقات؟ وبعدما سُرقت دولارات المودعين واحتُجزت أموالهم لدى المصارف، ولم تُقرّ استراتيجية الحماية الاجتماعية التي وُعد المواطنون بها، وتُعرقل المساعدات العينية، لماذا عليهم أن يُصدّقوا المزيد من الوعود؟ من يُريد إلغاء الدعم، أو ترشيده، فيُفترض أن يكون قد بدأ العمل منذ أشهر، وأطلق البطاقة، وجرّب مدى فعاليتها وعالج الثغرات فيها، قبل أن يترك الناس من دون مُعيل ليواجهوا انهيار قدراتهم الاستهلاكية وانهيار العملة والارتفاع الجنوني للأسعار. ليل أمس، وصل سعر الصرف في «السوق السوداء» إلى أكثر من 8300 ليرة للدولار الواحد. صحيحٌ أنّ عوامل ارتفاعه «مُبرّرة» بسبب الأزمة المالية/ النقدية، لكنّ جزءاً أساسياً من سعر الصرف يتحكّم به التلاعب السياسي. ولكن «الجوقة» التي تُحرّض ضدّ الدعم، هي نفسها التي تحمي رياض سلامة وتمنع تطبيق القانون وفرض التدقيق الجنائي في كلّ حسابات مصرف لبنان، حتّى تتبيّن فعلاً قيمة الخسائر، والالتزامات والمطلوبات، والمبالغ المُتبقية. ومن غير المُستبعد أن تكون «شيطنة» الدعم أخيراً تمهيداً لتعميم سيُصدره «المركزي» باتخاذ قرار بوقف الدفع لاستيراد المواد المدعومة، أو تخفيف الدعم عن سلع محددة، وأن يصبّ ذلك في خانة الضغط السياسي ليفرض سعد الحريري شروطه في تأليف الحكومة".
وقالت الصحيفة إنه بالنسبة إلى الملفّ الحكومي، تكاد المعلومات تُجمع على أنّ الحريري «يفتعل» مشكلة مع «فريق العهد» ليهرب من «العقدة» الحقيقية التي تمنع تأليف الحكومة، وهي تمثّل حزب الله فيها. ففي الاجتماع الأخير بين الرئيس ميشال عون والحريري، وافق الرئيس على أن تؤلّف من 18 عضواً، مُقسمة بالتساوي بين المُسلمين والمسيحيين. المُفاجئ كان في شرط الحريري الجديد، تسمية 7 وزراء مسيحيين من أصل 9، وترك «الحُرية» لعون بأن يُسمّي وزيرَي الخارجية والدفاع، شرط أن «يُوافق» عليهما الحريري أيضاً. تقول المصادر إنّ الحريري «وبعد إبلاغه من قنوات أميركية رسمية رفض مشاركة حزب الله في الحكومة، أكان مباشرةً أم غير مباشرة، فرمل تأليف الحكومة، لا بل أصبح مذعوراً من الفكرة وقد يكون من مصلحته تأجيلها حتّى اتضاح اتفاق إقليمي ما»، ولا سيّما أنّه انتشرت «أخبارٌ» في الساعات الماضية عن أنّ الحريري «لم يُبلّغ حصراً بمنع توزير محسوبين على حزب الله، بل هُدِّد بإضافته هو شخصياً إلى لائحة العقوبات الأميركية في حال تشكيله حكومة مع الحزب». وفي هذا الإطار، أعلن القيادي في «تيار المستقبل»، مصطفى علّوش عبر قناة «Otv» أنّ «المقربين من الحريري ينصحونه بتقديم تشكيلة حكومية قريباً إلى رئيس الجمهورية... هو قادر على تأليف حكومة من دون حزب الله بالاتفاق معه»، مُضيفاً إنّه «يُمكن الحريري التشاور مع الكُتل التي سمّته، أما التي لم تفعل فلن تدخل الحكومة. ولرئيس الجمهورية 3 وزراء من أصل 9».
"البناء": الملف الحكوميّ معلّق على الانتظارات الخارجيّة رغم الإنكار الداخليّ
من جهتها صحيفة "البناء" قالت إنه في ظل التخبط الأميركي في المنطقة بعد سقوط فقاعات الحديث عن الحرب، والعجز عن تأمين تسويات سياسية تواكب اي قرار جدي بالانسحاب، تقدم جيش الاحتلال إلى الواجهة للمشاغلة الأمنية بتوصيات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، فتحرّكت جبهتا جنوب لبنان والجولان بعمليات متفاوتة المسارات بين قصف استهدف مواقع عسكرية سورية على حدود الجولان، وإلقاء القنابل المضيئة والقصف المدفعي في المناطق المتاخمة للحدود في جنوب لبنان، وهو ما وضعته مصادر في محور المقاومة في دائرة الحرب النفسيّة للإيحاء بالقدرة على تغيير الموازين والتلويح بإمكانية شن حرب، بينما الإسرائيلي محكوم بمعادلات ردع تفوق قدرته على التورط بما يتخطّى حدود العمل التكتيكي. وقالت المصادر إن جهوزية قوى المقاومة والجيش السوري عالية لمتابعة التطورات، والتعامل مع أي فرضيّة تصعيد تسعى لتغيير المعادلات والتوازنات.
واشارت الصحيفة إلى أن الوضع الإقليمي والدولي الذي يبدو متقدماً الى الصف الأول من الأحداث على حساب الأوضاع المحلية، بدأ يتحول الى تفسير وحيد للجمود المسيطر على المسار الحكومي، حيث الأسباب المحلية أمام مخاطر الفشل في ولادة حكومة جديدة، وتقدم مسار الانهيار، لم تعد كافية لفهم الانسداد في المسار الحكومي، خصوصاً أن لا أحد يستطيع الفصل بين المسار الحكومي من جهة، ومسار العقوبات المتكرّر عند كل عقدة استعصاء حكومية، ومحاولة رسم سقوف خارجية متعددة تحكم كل تحرك نحو تشكيل حكومة، خصوصاً بعد الانضباط الفرنسي تحت السقف الأميركي، وفق ما أرادت قوله كلمات الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون بين سطورها بالحديث عن وزراء يحظون برضا المجتمع الدولي، وكلمة المجتمع الدولي تعني في كلام ماكرون طرفاً واحداً هو الأميركي.
واضافت انه وفقاً لهذا التفسير الذي تعتبره مصادر مواكبة للمسار الحكومي سبباً للتشاؤم في تجاوز العقد بمساعٍ داخلية للحلحلة، وشروط خارجيّة تعجيزيّة، ما يعني توقع مرحلة غير قصيرة من التدهور السياسي والاقتصادي والمالي بدأت ملامحه بالارتفاع التصاعدي لسعر صرف الدولار الذي تجاوز سقف الـ 8000 ليرة، وهو ما ترى المصادر المتابعة للوضع النقديّ في سوق الصرف أنه تعبير عن إعلان مرحلة جديدة عنوانها العودة لسلاح الضغط على سعر الليرة لتحريك الشارع للضغط السياسي، تحت شعار المطلوب الحصول على العملات الصعبة وطريقها معلوم. وهذا الطريق هو استرضاء الأميركي، وسبل الاسترضاء لا تُخفى على أحد وعنوانها تلبية الشروط الأميركيّة.
واشارت إلى أنه بالتوازي بقي التفشي لفيروس كورونا في ظل الإقفال في تصاعد يحصد أرقاماً عالية بين الإصابات والوفيات، بينما قالت مصادر صحيّة إنه من المبكر الحكم على الإقفال قبل نهاية مهلة الأسبوعين.
مسودّة حكوميّة للحريريّ نهاية الأسبوع
وفي هذا الإطار قالت "البناء" يبدو أن الرئيس المكلّف سعد الحريري يتّجه إلى رمي كرة تعطيل تأليف الحكومة إلى ملعب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وذلك عبر إيداعه مسودة حكومية تتضمن الأسماء وتوزيعة الحقائب وذلك في زيارة مرتقبة إلى بعبدا خلال أيام مع ترجيح أن تكون نهاية الأسبوع الحالي. وهذا ما أكده عضو كتلة «المستقبل» النائب هادي حبيش في تصريح أمس، بأن «الرئيس الحريري سيقدم تشكيلته قريباً لأن الوضع لم يعد يحتمل وهذه ستكون الفرصة الأخيرة للبنان والطبقة السياسية». وكشف بـ»أننا سنرى أسماء في الحكومة لم نسمع بها من قبل لكن سيرها الذاتية مهمة للغاية».
وعون لن يوقّع…
واضافت إلا أن الرئيس عون بحسب أوساط مطلعة على موقفه لـ"البناء" لا يزال على موقفه ولن يوقع تشكيلة حكوميّة لا تراعي المعايير الموحّدة والأصول الدستورية التي تمنح رئيس البلاد صلاحية الشراكة بالتأليف، وبالتالي الموافقة على الأسماء التي يقترحها الرئيس المكلف.
وأكدت أوساط التيار الوطني الحر لـ"البناء" أن «لا التيار ولا الرئيس عون سيرضخون لتركيبة حكومية نسخة جديدة عن التركيبة التي حكمت البلد منذ العام 1990 حتى 2005»، متسائلة: كيف يتفق الرئيس المكلف مع ثنائي أمل وحزب الله ورئيس الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس المردة سليمان فرنجية على الحصص الشيعية والسنية والدرزية ويمنح نفسه حق اختيار الحصة المسيحية؟ واتهمت الأوساط الفريق الأميركي في لبنان باستغلال ظرف إقليمي – دولي لفرض حكومة جديدة وفق شروطهم وبالتالي فرض معادلة جديدة في البلد»، وأكدت بأننا شركاء في القرار السياسي في البلد ولن نسمح بتهميشنا مهما بلغت الضغوط والعقوبات التي لن تجدي نفعاً مع رئيس التيار جبران باسيل».
وعن المعلومات التي تتردّد عن تهديد أميركي بفرض عقوبات على الرئيس عون، أوضحت الأوساط العونية أن العقوبات الأميركية على باسيل جاءت بذريعة الفساد رغم أنها ادعاءات فارغة لكن وفقاً لأي ذريعة سيجري فرض عقوبات على رئيس الجمهورية؟ وأضافت بلغة ساخرة: «إذا حصل ذلك فالأفضل أن يأتي الأميركيون ويتسلموا البلد ودستوره ويحكموه وفق القوانين الترامبية الأميركية، فهل هذا ما يريده الأميركيون؟».
ماكرون يتابع
وقالت الصحيفة إنه في ظل الانقسام في الموقف الفرنسي حيال التعامل مع الأزمة اللبنانية برز موقف فرنسي لم يتضح تفسيره وترجمته على أرض الواقع، عبرت عنه الرئاسة الفرسية بقولها إن «الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتابع الوضع في لبنان حيث يجب تعيين وزراء تثق بهم الأسرة الدولية».
مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي أوضحت لـ"البناء" أن «فرنسا هي صاحبة المبادرة التي أطلقها ماكرون خلال زيارته الى لبنان بعد تفجير المرفأ في آب الماضي، ولذلك تعمل لأن يكون لديها حصة وازنة في الحكومة عبر وزراء مقربين منها وبحقائب محددة ترى أنها تحقق المصالح الفرنسية في المتوسط وليس في لبنان فحسب»، تضيف المصادر بأن إصرار الحريري على اختيار الوزراء المسيحيين ما هو إلا انعكاس لموقفين الأول فرنسي الذي يريد نيل حصة وازنة في الحكومة وللموقف الأميركي بإقصاء الرئيس عون والنائب باسيل حليفي حزب الله عن التشكيلة الحكومية أو على الأقل تقليص نفوذهما قدر الإمكان»، كاشفة عن خلاف أميركي فرنسي حول تمثيل حزب الله في الحكومة، ففي حين لا تقف باريس ضد ذلك تصرّ واشنطن على استبعاد الحزب عن اي تمثيل في الحكومة».
شروط أميركيّة على الحريري
وفي سياق ذلك كشفت مصادر مطلعة لـ"البناء" أن الإدارة الأميركية أبلغت الرئيس الحريري عبر سفارتها في بيروت، جملة شروط يجب أخذها بالاعتبار في مسألة تأليف الحكومة الجديدة وهي:
منع رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل من تسمية الوزراء المسيحيين.
رفض تمثيل حزب الله في الحكومة مباشرة أو مواربة.
أما الشرط الثالث والأخطر فهو منع الحريري من تقديم اعتذاره عن متابعة التأليف.
فالإدارة الأميركية بحسب المصادر تريد حكومة توقع لـ”إسرائيل” اتفاق ترسيم الحدود لمصلحتها وتسقط من حساباتها إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم وتستجيب لشروط صندوق النقد الدولي لاستكمال وضع اليد على لبنان بالكامل.
وفي أول موقف له في ملف ترسيم الحدود بعد العقوبات على باسيل، أكد رئيس الجمهورية خلال استقباله قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب “اليونيفيل” ستيفانو ديل كول، أن “ترسيم الحدود البحرية يتم على أساس الخط الذي ينطلق براً من نقطة رأس الناقورة، استناداً الى المبدأ العام المعروف بالخط الوسطي من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية الفلسطينية المحتلة”. من جهته، أكد الجنرال ديل كول “اننا مرتاحون للمفاوضات الجارية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية”.
وإزاء سلة الشروط والمعطيات، بحسب المصادر، فإن الحكومة باتت بحكم المؤجلة إلى أجل غير مسمّى وربما إلى العام المقبل وأكثر وباتت حكومة لبنان مرتبطة بالوضع المستجدّ في الولايات المتحدة الأميركية والصراع في المنطقة.
وأمام هذا الواقع السياسي والحكومي المأزوم وتصعيد الضغط والحرب الأميركية الاقتصادية والسياسية على لبنان، تخوّفت جهات أمنية من “انعكاسات ميدانية خطيرة ناتجة عن تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين ما سيؤدي الى تحركات شعبية مطلبية تكون عرضة لتدخلات خارجية لتأجيج الشارع، لا سيما مع استخدام واشنطن وحلفائها في لبنان سلاح الدولار في الصراع الداخلي للضغط على رئيس الجمهورية وحزب الله”، وهذا ما ظهرت مؤشراته بقفز سعر صرف الدولار في السوق السوداء خلال أيام الى 8500 ليرة. قبل أن يسجل مساء أمس تراجعاً إذ بلغ 8350 ليرة للشراء و8400 ليرة للمبيع.
أما الخوف الأكبر فيكمن بحسب المصادر، من “ضرب الاستقرار الأمني والاجتماعي وتهديد الوحدة الوطنية عبر أعمال إرهابية وعمليات اغتيال لشخصيات سياسية أو دينية”، وما يعزز هذا الاحتمال بحسب المصادر أن “أميركا اليوم بحالة انكفاء وانكسار وانسحاب لجيوشها من المنطقة، وبالتالي بحالة استراتيجية لا تمكنها من شن حرب عسكرية في المنطقة لذلك ستلجأ الى العمليات الأمنية التخريبية لتغطية انسحاباتها، إضافة الى افتعال حليفتها “اسرائيل” احداثاً وتوترات عسكرية على الحدود الجنوبية”.
"النهار": "وزراء الأسرة الدولية" محور التجاذبات
أما صحيفة "النهار" فقالت "يطل لبنان في الساعات المقبلة على محطة احياء ذكرى الاستقلال يوم الاحد المقبل مثقلا بتداعيات وأجواء ثقيلة غير مسبوقة على كل الصعد السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية بما يضفي على هذه المناسبة الوطنية، وسط اخفاق إجراءات التعبئة العامة الراهنة في تخفيف الانتشار الوبائي لفيروس كورونا، مناخا شديد القتامة. ولعل ما يزيد سوداوية الواقع الداخلي في هذه المحطة ان التجاذبات السياسية حول مسار تأليف الحكومة الجديدة تبدو متجهة نحو التصعيد ولا شيء في افق الانسداد يوحي بحلحلة نسبية بعدما انكشفت الأيام الأخيرة عن صعوبة ردم الهوة الآخذة في الاتساع بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى حدود العودة الفعلية الى مربع البدايات".
واضافت انه "قد اتخذت في هذا السياق الإشارات الجديدة الصادرة عن باريس في شأن لبنان طابعا معبرا عن تقويم سلبي، بل بالغ السلبية، لنتائج المهمة التي قام بها موفد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مستشاره باتريك دوريل في بيروت الأسبوع الماضي، وذلك بعدما اخضعت هذه النتائج في ظل تقرير الموفد دوريل لدرس معمق، يبدو انه زاد خيبة باريس ولو لم يجعلها تتراجع عن مبادرتها في لبنان. وبرزت أمس اشارتان في هذا السياق اتخذتا دلالات مهمة. الأولى مع ما نقل عن الرئاسة الفرنسية من ان الرئيس ماكرون يتابع الوضع في لبنان حيث يجب تعيين وزراء تثق بهم الاسرة الدولية، وهي إشارة فسرها المراقبون بانها بمثابة دفع لمنطق اختيار وزراء اختصاصيين غير حزبيين على النحو الذي يتمسك به الرئيس المكلف. واما الإشارة الثانية فكانت في دعوة وزارة الخارجية الفرنسية السلطات اللبنانية الى تسريع التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. واتخذت الدعوة أيضا بعدا بارزا في ظل انخراط فرنسا في التحقيقات التي أجريت في الانفجار كما في ظل الدعوات المتصاعدة للمجتمع المدني اللبناني لتسريع اعلان نتائج التحقيقات".
واشارت الصحيفة إلى أنه مع ذلك فان المعطيات المتوافرة عن تعقيدات مسار تأليف الحكومة لا تسمح بتوقعات متفائلة اطلاقا، اذ تفيد المعلومات القريبة من دوائر الحكم ان محركات التأليف توقفت من حيث انتهى اللقاء السريع الأخير بين الرئيسين عون والحريري في قصر بعبدا والذي لم يتجاوز انعقاده العشر دقائق طلب خلالها الرئيس عون من الرئيس المكلف تقديم تشكيلته الحكومية كاملة، بما فيها ضمنا أسماء الوزراء الشيعة، بدلا من البحث في أسماء الوزراء المسيحيين. ولم يتفق بعد هذا اللقاء على موعد الاجتماع التالي. وتلمح هذه المعطيات الى خيار آخر طرح هو الاتفاق على صيغة حكومية جديدة بعد التشاور بين الرئيس المكلف والكتل النيابية باعتبار ان الحكومة ستنال ثقة المجلس ويجب التشاور مع الكتل وليس فقط مع رئيس مجلس النواب.
حقائب "سيدر"
وقالت إنه في المقابل تقول الاوساط القريبة من الرئيس المكلف ان الحريري لا يبدي اعتراضا على تسمية رئيس الجمهورية لوزراء كما يشاع، لكن من دون ان يعني ذلك امتلاك الرئيس حصرية التسمية الكاملة للحقائب المسيحية وشرط الا تكون أسماء الوزراء الذين يريدهم فاقعة على طريقة المحسوبيات. ويفهم من هذه الأوساط ان الخلاف يبقى قائما مع بعبدا في المرحلة الراهنة حول القواعد التي على أساسها ستحصل تسمية عدد من الوزراء الذين سيتولون حقائب مهمة مرتبطة بالإصلاحات التي تقررت في مؤتمر "سيدر" والجهة التي ستضطلع بتسميتهم. ويبدو واضحا ان الأمور لم تنضج بعد ولا يستبعد ان يؤدي المضي في إطالة المأزق الى خروج الحريري عن صمته وتسمية الأمور باسمائها.
واشارت الصحيفة إلى أنه لوحظ في هذا السياق ان عضو "كتلة المستقبل" هادي حبيش شدد امس على عدم صحة الكلام عن عدم وجود معايير موحدة في التاليف لافتا الى انه بعد الزيارات المتكررة للحريري لرئيس الجمهورية "كان الأولى ببقية الأحزاب ان تعترض بدل التيار الوطني الحر". وقال حبيش "سنرى أسماء في الحكومة لم نسمع بها من قبل لكن سيرها الذاتية مهمة للغاية " وتوقع ان يقدم الرئيس الحريري تشكيلته قريبا "لان الوضع لم يعد يحتمل وهذه ستكون الفرصة الأخيرة للبنان والطبقة السياسية".
وفي سياق التعامل مع تداعيات المأزق الحكومي اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط امس انه "أيا تكن الخلافات السياسية فان حكومة حسان دياب هي حكومة تصريف اعمال ولا يحق لها دستوريا ان تعتكف عن العمل الى ان تشكل حكومة جديدة". وقال " مر لبنان أيام الحرب بظاهرة حكومتين لكن تسيير المرفق العام قضى باختراع المراسيم الجوالة. اليوم اتخاذ القرارات كالموازنة وغيرها اكثر من ضروري ".