لبنان
الإقفال العام على طاولة "الأعلى للدفاع" اليوم.. ومصير مجهول للحكومة
بات من شبه المؤكد أن البلاد ستذهب إلى الإقفال العام لمدة أسبوعين، وستنجلي الصورة النهائية لتفاصيل القرار اليوم في بعبدا بعد انتهاء جلسة مجلس الدفاع الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حيث بات اللبناني بين سندان الوضع الصحي ومطرقة الوضع المعيشي الاقتصادي.
إلى ذلك، يستمر الصمت في ملف التأليف الحكومي، الذي لم يشهد أي جديد سوى لقاء أمس بين الرئيس المكلف سعد الحريري برئيس الجمهورية، ومن المحتمل أن يكون هذا الملف قد تأثر سلبا بالتصعيد الأمريكي الأخير بفرض عقوبات ضد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وما صدر عن السفيرة الأمريكية أمس من ادعاءات استدعى ردًا من مكتب باسيل.
"الأخبار": العودة إلى الخوف الأول: الإقفال أكثر من أسبوعين؟
مُستبقين مقررات مجلس الدفاع الأعلى التي تصدر اليوم، بدأ غالبية المُقيمين في لبنان منذ يوم أمس التعامل مع الإقفال التام للبلاد بوصفه واقعاً مفروضاً عليهم خلال الأيام المُقبلة. وُضع هؤلاء بـ«الجو» بعدما مهّدت له وزارة الصحة على مرّ الأسبوع الماضي، وخلفها اللجنة الوزارية لمكافحة وباء كورونا، وبعدما بُحّت حناجر المعنيين في القطاع الصحي في الأسابيع الماضية مُطالبةً بالإقفال لإنقاذ القطاع الصحي المتهاوي والمُستنزف.
وبعد مُطالبة نقابة الصيادلة، أول من أمس، بالإقفال لمدة 15 يوماً بسبب الضغط الذي لحق بـ3400 صيدلية نتيجة تردّد كثير من المصابين للحصول على الأدوية اللازمة لعلاج عوارض «كوفيد 19»، أكّد رئيس نقابة أطباء بيروت شرف أبو شرف، أمس، أنّ الحجر الجزئي لم يُعطِ النتيجة المرجوة، مُطالباً بالإقفال التام «لالتقاط الأنفاس وتجهيز المُستشفيات التي لم تعد قادرة على استقبال المرضى». وأشار أبو شرف إلى أنه، إلى جانب وفاة ثلاثة أطباء، ثمة 17 طبيباً في العناية المُشدّدة وأكثر من 100 في الحجر المنزلي، «وإذا استمرّت الأعداد بالتزايد في الطاقمين الطبي والتمريضي، فلن يبقى من يُعالج المُصابين... ولبنان لا يملك القدرات للاستمرار في هذا الشكل».
وزارة الصحة، من جهتها، تُطالب وفق مصادرها بالإقفال «أربعة أسابيع لا أسبوعين فقط، من أجل ضمان السيطرة على أعداد الإصابات المرتفعة جداً، بحيث يتم القضاء على الفيروس على مرحلتين: أسبوعان لخفض عدد المُصابين في أماكن العمل وأسبوعان لخفض أعداد المُصابين في البيت ممن التقطوا العدوى من المصابين في أماكن عملهم. وهو ما يجري اتباعه في أوروبا حالياً».
عضو اللجنة الوزارية لمكافحة وباء كورونا، مدير مكتب وزير السياحة، مازن بو ضرغم شدّد «أيضاً على ضرورة الإقفال أكثر من أسبوعين، أي حتى نهاية الشهر الجاري «لخفض عدد الإصابات بشكل كبير تمهيداً لإعادة فتح البلاد في كانون الأول المُقبل، وهو شهر الأعياد الذي نعوّل عليه من أجل استقبال المغتربين اللبنانيين والسياح». وأكد ضرورة أن يكون الإقفال هذه المرّة جدّياً، وعدم وضع استثناءات، والاستفادة من نجاح التجربة السابقة في الإقفالات الأولى، «وعلينا العودة إلى الخوف الأول... ورغم صعوبة قرار الإقفال، لكن آخر الدواء الكيّ. وهذه عملية جراحية لا بد منها».
أما الاستثناءات فستحدد استناداً الى ما كان سارياً سابقاً، وتشمل عمال الدلفيري (إقفال المطاعم لصالاتها وتسيير خدمة التوصيل) ومراكز الخدمات الصحية والمؤسسات الغذائية وغيرها، فيما ترددت معلومات بشأن إعادة إحياء نظام تسيير السيارات وفق لوحات المفرد والمزدوج مع تحديد ساعات للتجول وساعات لإعادة فتح المحال التي سيُسمح لها بالعمل. أما المطار «فلا حاجة إلى إقفاله، لأن الإصابات الوافدة محدودة جداً والمطار يستقبل أعداداً محدودة من المسافرين».
نقيب الأطباء: 17 طبيباً في العناية المُشدّدة وأكثر من 100 في الحجر المنزلي
جمعية الصناعيين استبقت الإعلان عن الاستثناءات وأعلنت رفضها الامتثال لقرار الإقفال في حال لم تشمل الاستثناءات المصانع. واعتبر نائب رئيس الجمعية زياد بكداش أن الموضوع فيه «خربان بيوت»، قائلاً: و«في جميع دول العالم التي ذهبت إلى الإقفال التام تم استثناء القطاع الصناعي (...)، فكيف نذهب إلى تقليد الدول الأوروبية بقرار الإقفال ولا يتم تقليدها في ما يتعلّق بالاستثناءات»، فيما يبدو مستبعداً جداً أن يترافق قرار اليوم بإقرار مساعدات مالية أو وضع خطة اقتصادية تراعي الأوضاع المعيشية الصعبة للمواطنين. مصادر حكومية أكّدت لـ«الأخبار» عدم إمكان طرح هذا الخيار أصلاً «بسبب حالة الإفلاس التي نعيشها»، فيما تقول مصادر الوزارة أن «الصبر هو المطلوب في ظل الوقت الراهن، إذ إن بوادر اقتراب موعد التوصل إلى لقاح فعال من شأنها أن تساعد الناس على الالتزام وعدم التململ». ودعا وزير الصحة حمد حسن الرافضين لقرار الإقفال الى «التأمل في أعداد الوفيات لإدراك حجم الواقع الحرج».
"اللواء": قطاعات الإنتاج تعترض على قرار الإقفال.. والقطاع الصحي يتمسك بأسبوعين كحدّ أدنى
وعلى وقع «اشتباك ظاهر» بين الصحة كحاجة ملحة لاقفال البلد، لمواجهة التفشي الخطير لوباء كورونا القاتل، والحاجة البالغة الإلحاح لاستمرار فتح البلد حرصاً على عمل ما تبقى من يد عاملة ومستخدمين، فضلاً عن قطاعات في السياحة أو الصناعة أو حتى التجارة، يجتمع مجلس الدفاع الأعلى، في اجتماع طارئ لاتخاذ قرار الاقفال، بناءً لاتجاه لجنة الصحة الوزارية المعنية بكورونا، والمستند إلى تقرير اللجنة العلمية في وزارة الصحة، تجري حتى لحظة الانعقاد مشاورات حول الطريقة والمدة والإجراءات.. والاستثناءات والتداعيات، والآثار في الاحتمالات المختلفة، وعلى الصعد كافة، اقتصادية أو صحية أو تربوية، أو خدماتية، فضلاً عن التطرق إلى البدائل.
وافادت مصادر مطلعة لـ«اللواء» أن المجلس الأعلى للدفاع الذي ينعقد اليوم سيخرج بتوصيات تتصل بالاقفال لكن أي استثناءات لم تحسم بعد خصوصا أن أصواتاً من القطاعات ارتفعت اعتراضا على الأقفال العام وبالتالي لم تتمكن لجنه كورونا من الوصول إلى اتفاق وتركت الأمر للمجلس الأعلى للدفاع. وأوضحت المصادر أن هناك من يقول أن المطار وبعض القطاعات مستثناة مشيرة إلى أن ثمة من يتحدث عن إقفال شبيه بما صدر في أوائل ايام التعبئة إلا ان كله يندرج في إطار الخيارات، بانتظار القرارات التي ستصدر اليوم.
وهكذا، إنشغل لبنان امس، بسبل مواجهة توسع انتشار فيروس كورونا، مع إنشغاله بقضايا تشكيل الحكومة والهم المالي والاقتصادي والمعيشي، وسط تضارب المواقف بين الجهات الصحية المعنية وبين الهيئات الاقتصادية والتجارية بشأن قرار الاقفال العام الشامل في البلاد.إضافة الى ترقب مسار مفاوضات ترسيم الحدود المقررة غداً الاربعاء وسط خلافات لبنان والكيان الاسرائيلي حول حصة لبنان من الحدود البحرية.
ولهذه الغاية، ترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب عصر امس في السرايا الحكومية، اجتماعاً للجنة الوزارية لمتابعة أزمة وباء كورونا.
وجرى النقاش في توصيات اللجنة العلمية التي ستتم مناقشتها في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع المقرر اليوم لإتخاذ القرار النهائي بشأن مواجهة أزمة الكورونا، ورفعت اللجنة حسب معلومات «اللواء» بالاقفال العام اعتبارا من يوم السبت المقبل في 14 الشهر الحالي ولغاية 30 منه، أي 17 يوماً، يُصار بعدها الى تقييم الموقف وإتخاذ القرار.
وافادت مصار المجتمعين لـ«اللواء» ان وزير الصحة الدكتور حمد حسن قدم عرضاً وافياً ودقيقاً لمسار انتشار كورونا واوضاع المستشفيات الحكومية والخاصة لا سيما لجهة عدم توافر الاسرة الكافية في غرف العناية الفائقة واقترح اقفال البلاد بصورة شاملة من السبت حتى نهاية الشهر، حتى تتمكن المستشفيات من توفير نحو 60 سريراً إضافياً او اكثر، وليلتقط القطاع الصحي المنهك انفاسه ، وايضاً بهدف السيطرة على انتشار الوباء عبر الاقفال الشامل وعدم الاختلاط. وتعهد وزير الصحة بالعمل على توفير بين 150 و200 سرير للعناية الفائقة.
وأوضحت المصادر ان الاقفال لن يشمل مطار رفيق الحريري الدولي وتبقى الرحلات مستمرة كالعادة. كما ان الاستثناءات ستطبق وفق إجراءات التعبئة العامة، وتشمل الاداراة العامة لتأمين عمل المرفق العام لكن بنصف عدد الموظفين، والقطاعين الزراعي والصناعي لتأمين استمرار الانتاج، والافران والسوبر ماركت ومحلات بيع المواد الغذائية والقطاع والاعلامي، على ان يتم التشدد في مراقبة الالتزام بالاجراءات الوقائية. وقد رفعت التوصية الى المجلس الاعلى للدفاع الذي يجتمع عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم لإتخاذ القرار المناسب.
وعشية اجتماع المجلس، تواصلت ردود الفعل الرافضة للاقفال العام، نظراً للمظالم التي يخلفها بحق القطاعات المنتجة والعاملين فيها.
ونفذت جمعية الصناعيين اعتصاماً امام وزارة الصناعة، طالبت باستثناء المصانع من الاقفال رأفة بالاقتصاد والعمال، مؤكدة التزامها بأي اقفال غير كامل للبلاد.
وحذر رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر من نتائج كارثية على العمال والحركة الاقتصادية في حين تقرر الاقفال العام، مشيراً إلى عدم التعامل الإيجابي من قبل المسؤولين والداخلية والبلديات للاقفال الجزئي، الذي تقرر في بعض المناطق.
وتساءل جان بيروتي أمين عام اتحاد النقابات السياحية: هل انتهت الحلول كافة ولم يبق امام الدولة الا الاقفال العام؟ وتساءل أيضاً: هل سيبقى أحد واقفاً على رجليه؟
واعتبر الوزير حسن ان الاقفال لمدة أسبوعين شرّ لا بدّ منه يمكن البلد استشفائياً من السيطرة على التفشي المرضي، واصفاً اياه بالفرصة الأخيرة.
وكانت نقابة الصيادلة انضمت الى وزير الصحة ولجنة الصحة النيابية (...)، في الدعوة الى الاقفال العام. واشارت في بيان الى ان «الدولة في حال عدم القدرة على فرض «القيود» على المواطنين، مطالبة بإلإقفال الكامل على الأقل لمدة 15 يوماً لايقاف ازدياد عدّاد كورونا المتصاعد من جهة، والسماح للقطاع الصحي بكل فروعه لالتقاط انفاسه والاستعداد لمواجهة الاعظم».
ويأتي الاقفال في ظل وضع دولي حرج للبنان، إذ حذّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو» وبرنامج الأغذية العالمي، ان لبنان واحد من بين 16 بلداً مهدداً بشدة من جرّاء زيادة مستويات الجوع الحاد.
وأعربت منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي عن املها بـ«ان يُشجّع هذا التقرير العمل على الفور لمنع حدوث أزمة كبرى أو سلسلة من الأزمات بعد 3 إلى 6 اشهر»، مؤكدة ان «تطور الوضع في هذه البلدان مرهون بشكل خاص بالوصول إلى المساعدات الإنسانية والتمويل المستمر للمساعدات الإنسانية».
"البناء": اشتباك باسيل - شيا
ولا يزال قرار العقوبات الأميركية على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في واجهة المشهد الداخلي في ظل تداعياته ومفاعيله السياسية والإعلامية والقضائية. إذ شهد أمس اشتباكاً إعلامياً بين مكتب باسيل والسفارة الأميركية في بيروت.
فبعد المواقف النارية والهامة التي أطلقها باسيل في مؤتمره الصحافي الأحد الماضي ضد الإدارة الأميركية، سارعت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا للردّ على باسيل، مشيرة في بيان إلى حصول «سوء فهم لكيفية سير العقوبات، ونقص في فهم السياسة الأميركية وكيفية صنعها». ولفتت شيا الى أن «باسيل أعلن الاستعداد للانفصال عن حزب الله بشروط معينة وأعرب عن امتنانه، لأن الولايات المتحدة جعلته يرى كيف أن العلاقة هي غير مؤاتية للتيار حتى أن مستشارين رئيسيين أبلغوني أنهم شجّعوا السيد باسيل على اتخاذ هذا القرار التاريخي».
في المقابل رد المكتب الإعلامي لباسيل على السفيرة الأميركية بالقول: «أعطت السفيرة الأميركية في بيروت برهاناً على انه لا توجد إثباتات على الاتهامات الموجّهة لرئيس التيار بالتورط في الفساد، وذلك بإعلانها أن المعلومات التي تم الاستناد إليها غير قابلة للنشر؛ فإذا كانت هذه المعطيات متوفرة ولا تريد نشرها، فإنّ النائب باسيل يطالب أقلّه بأن تقوم الجهة الأميركية المعنية بتسليمها للسلطات اللبنانية المختصة».
وأضاف البيان: «إذا كانت السياسة الأميركية قد فشلت حتى الآن في فك التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله على الرغم من كل الضغوط التي مارستها واشنطن عبر السنين وبالرغم من كل التهديد والترغيب، فإن محاولة دق الإسفين بينهما من خلال بيان إعلاميّ، يتكلّم عن «شروط معيّنة» بدلاً من الكلام عن مسار حواري وطني شامل، هي محاولة ظريفة ولكنّها لن تنجح بهذه الطريقة حتماً».
وفيما أشارت مصادر التيار الوطني الحر وأخرى في فريق المقاومة لـ«البناء» الى أن «صفو العلاقة بين الحزب والتيار لن ولم تعكّرها بعض الترسبات والوحول التي ترميها الإدارة الأميركية الراحلة والبائدة وتركتِها في لبنان المتمثلة بالسفيرة الاميركية»، مؤكدين أن «العلاقة ستبقى صلبة وعصية على الأساليب الاميركية الرخيصة التي تحاول نشر الفتن والانقسام بين أطياف الشعب اللبناني للمسّ بالوحدة الوطنية»، مجددة التأكيد على أن العلاقة الصلبة مرت بمطبات وامتحانات وظروف أصعب بكثير منذ العام 2005 حتى الآن ولم تُكسر، أما الملفات الخلافية فتحل داخل الأطر الداخلية للطرفين عبر الحوار والتفهم المتبادل ولا يمكن إفساح المجال لطرف خارجي للدخول لاستغلال أي تباين وخلاف بوجهات للنظر بينهما».
وفيما ألمح الوزير باسيل في مؤتمره الصحافي الى بصمات داخلية في قرار العقوبات عليه، لفت ما قاله مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية توم حرب بأن «اكثر من 800 اسم سلموا الى وزارة الخارجية الاميركية من لبنان حول شخصيات فاسدة أو لديها ارتباطات بحزب الله واللبنانيون أنفسهم قدموها لقاء مبالغ مالية». وتابع أن «الخزانة الأميركية لا تفرض عقوبات على أي شخص إذا لم تكن تملك وثائق تثبت فساده، وتابع أنه باستطاعة باسيل رفع دعوى في محاكم الولايات المتحدة ضد العقوبات».
ولفتت أوساط نيابية مطلعة على ملف العقوبات الأميركية على لبنان الى أن «إدراج قرار العقوبات على باسيل في إطار تهمة الفساد وليس بتهمة العلاقة مع حزب الله لاعتبار الأميركيين بأن باسيل يعرقل الدولة، وخصوصاً تشكيل الحكومة»، مشيرة الى أن «قرار العقوبات ملزم للإدارات المقبلة إلا اذا تم اتباع مسار قضائي في أميركا وانتفاء الحاجة السياسية لقرار كهذا بالنسبة للإدارة المقبلة لا سيما أن القرار في أميركا يبقى للرئيس الحالي دونالد ترامب حتى تسلم الرئيس الجديد في 20 كانون الثاني المقبل». مذكرة بأن «قانون ماغنيتسكي أقرّ في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما»، كاشفة عن سلة عقوبات جديدة على بعض الأشخاص الذين ينتمون الى تيارات سياسية مختلفة، لكن تم إصدار قرار خاص يتعلق بباسيل لإعطائه الطابع السياسي واستثماره بقضايا سياسية تهم الادارة الأميركية الحالية».
وقد كان لافتاً ذكر السفيرة الأميركية لباسيل بألقابه كافة لا سيما «وزير الطاقة»، ما يدعو للتساؤل هل إصرار الرئيس المكلف سعد الحريري على رفض منح الطاقة لشخصية مقربة من باسيل يعكس إرادة وضغطاً أميركياً في هذا الاتجاه؟
"الجمهورية": مصير الحكومة معلّق
حكوميًّا، طفت على سطح المشهد في الساعات القليلة الماضية أجواء ساوت بين احتمالي التسريع بتأليف الحكومة والتأخير فيه، ربطاً بالعقوبات التي فرضتها الخزانة الاميركية على باسيل.
وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ حركة الإتصالات تكثّفت خلال اليومين الماضيين، شاركت فيها مراجع سياسيّة وجهات معنيّة بمطبخ التأليف، سعياً لاستكشاف المواقف، وما اذا كانت ارتدادات العقوبات الاميركية على باسيل، قد بدأت تتمظهر على خط التأليف. وتبيّن من هذه الاتصالات، أنّ الأجواء لم تتبدّل في «بيت الوسط» والرئيس سعد الحريري ماضٍ في ذات المنحى التسريعي لتشكيل الحكومة، بمعزل عن كل ما استجد. وهذا التسريع تعكسه ايضاً اجواء القصر الجمهوري، ويتلاقى ذلك مع ما يؤكّد عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة التعجيل بالحكومة، كون البلد لا يحتمل مزيداً من تضييع الوقت.
لقاء الرئيسين
الّا انّ مصادر سياسية، لفتت الانتباه عبر «الجمهورية»، الى «انّ الصورة الحقيقية للمواقف، ستتبدّى في اللقاءات المرتقبة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، والتي ستتحدّد فيها وجهة التأليف، إما نحو الاستمرار في المنحى الايجابي الذي سلكته مع اللقاءات السابقة بينهما، وإما في اتجاه «التريّث» اكثر، ربطاً بالشروط التي طرحها باسيل في مؤتمره الصحافي، وبالمعايير التي حدّدها للتسريع في تشكيل الحكومة».
وفي هذا السياق، افيد امس، عن لقاء جديد عُقد بعد ظهر امس بين الرئيسين عون والحريري في القصر الجمهوري، واكتفى خبر مقتضب نُشر على موقع رئيس الجمهورية بالإشارة الى انّ رئيس الجمهورية استقبل بعد ظهر امس الرئيس المكلّف واستكمل معه درس الملف الحكومي. ولوحظ انّ هذا اللقاء، هو الاول من بين اللقاءات السابقة بينهما، الذي لم يؤتَ في نهايته على ذكر ايجابيات، بما فُسّر على انّه اشارة سلبية غير مشجعة.
لا رابط
وفي هذا السياق، قال معنيون بملف التأليف لـ«الجمهورية»، إنّه « لا وجود لأيّ رابط بين هذه العقوبات وبين تأليف الحكومة، خصوصاً وانّ هذه العقوبات سابقة لملف التأليف، وليست وليدة اليوم، وهي في الأساس كانت معلومة من قبل الجهات المعنيّين بها وبأنّها ستصدر حتماً، وهو ما أشار اليه باسيل صراحة، حينما كشف عمّا دار في سلسلة اللقاءات - المحادثات مع الأميركيين حول هذه العقوبات، سواء معه شخصياً او مع رئيس الجمهورية، ووسط هذه الاجواء عُقدت اللقاءات المتتالية بين الرئيسين عون والحريري، ولم يبدُ انّها كانت متأثرة بالعقوبات على باسيل، بل عكست ما يفيد بأنّ الرئيسين قطعا مسافات مهمة في الطريق الى اتمام التأليف، وأجواؤهما كانت ولا تزال توحي بإيجابيات تجاوزت الكثير من السلبيات والتعقيدات، وانّهما لا يزالان يقاربان ملف التأليف بنَفَس ايجابي لن تستغرق ترجمته وقتاً طويلاً.
وبحسب هذه المصادر، فإنّه، وربطاً بالإيجابيات التي ابداها الرئيسان عون والحريري بعد سلسلة اللقاءات التي عقداها، تبقي كرة حسم التأليف السّريع في ملعبهما معاً، حيث انّهما باتا محكومَين بالاستجابة لحاجة البلد الملحّة الى وجود حكومة في أسرع وقت ممكن، بالنظر الى المنحى الانحداري الرهيب الذي تسلكه أزمات الداخل المتفاقمة كورونيًّا ودولاريًّا واقتصاديًّا وماليًّا ونقديًّا ومعيشيًّا واجتماعيًّا، كما انّهما في الوقت ذاته، لا يستطيعان أن يتجاهلا الحثّ الدولي المتجدّد على التعجيل في تشكيل الحكومة، والذي عاد وعبّر عنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للرئيس عون، في الاتصال الهاتفي بينهما نهاية الاسبوع الماضي، وقبله بأيام قليلة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، الذي ابلغ عون أنّ واشنطن تتطلع الى تشكيل حكومة ملتزمة وقادرة على تطبيق الاصلاحات.
كوبيتش
ولفت في هذا السياق، موقف للمنسق الخاص للامين العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، الذي قال: «من اجل استقرار لبنان، من الضروري ان تتوصل مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة الى نتيجة مثمرة على وجه السرعة، تأسيساً على الاتفاقات التي جرى التفاهم عليها بشأنها بين الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري في ما يتعلق بشكل الحكومة وتوزيع حقائبها».
استاذ في النكد!
على أنّ في مقابل هذه الأجواء، تتبدّى صورة تشاؤميّة يبدو فيها الأفق الحكومي مسدوداً بالكامل.
وفي هذا السياق، ابلغت شخصية سياسيّة بارزة معارضة لرئيس الجمهورية وتياره السياسي الى «الجمهورية» قولها: «إنّ مهمّة الرئيس المكلّف في تأليف الحكومة، باتت أكثر صعوبة مما كانت عليه قبل صدور العقوبات على باسيل، إذ أنّ هذا الفريق سيحاول أن يتحصّن امام هذه العقوبات بمحاولة تحقيق مكاسب إضافية له في الحكومة، مستنداً الى دعم مباشر له في تحقيقها من قِبل «حزب الله»، والشروط التي عاد وطرحها باسيل، لا تعبّر فقط عن موقفه بقدر ما هي تعبّر عن موقف عون. ما يعني انّ باسيل قال ما لم يقله عون، ومفاده انّ معايير تأليف الحكومة قبل العقوبات، لا تصلح لأن تُعتمد في تأليف الحكومة بعد العقوبات».
اضافت الشخصية المعارضة: «من هنا فإنّ ما أخشاه هو ان يكون الحريري أمام مرحلة جديدة من المماطلة السياسيّة التي قد تعطّل تأليف الحكومة بشروط تعجيزية تفرّغ هذه الحكومة من الغاية التي يريدها الحريري منها، وبالتالي لا يستطيع أن يتجاوب معها. مثل الإصرار على حكومة موسّعة تصل الى 24 وزيراً وربما اكثر، وكذلك الاصرار على الوزارات التي يعتبرها هذا الفريق ملكاً حصرياً له مثل وزارة الطاقة، واكثر من ذلك، الاصرار على الثلث المعطل في الحكومة. من هنا، فإنّني أرى أنّ طريق الحريري الى تشكيل الحكومة مزروعة بالألغام، وأنا شخصيًّا لا أتوقّع سوى النكد من هذا الفريق، وخصوصاّ أنّ التجربة مع المرشد السياسي لتيار باسيل، اكّدت للقاصي والداني انّه في مثل هذه الحالات هو «استاذ في النكد السياسي».
العوض بسلامتكم!
على أنّ هذه الصورة التشاؤمية تجلّت بشكل واضح في بعض الصالونات السياسية المعنية مباشرة بملف التأليف، حيث برز فيها تقييم لشخصية سياسية رفيعة المستوى خلصت فيه الى الآتي:
اولاً، العوض بسلامتكم في ما خصّ الحكومة، كنا ننصح ونأمل في أن يتمّ تشكيل الحكومة قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية، وأمّا الآن فقد فتحت امامنا صفحة جديدة عنوانها العقوبات الاميركية، التي طالت باسيل، وقد تطال شخصيات اخرى تنتمي الى جهات سياسية اخرى، وهناك مؤشرات الى أنّ هذه العقوبات ستصدر خلال فترة وجيزة، والواضح من اداء بعض المعنيين بالحكومة انّ هناك محاولة جدّية للربط المتعمّد بين تأليف الحكومة والعقوبات، ما يعني انّ هذا التأليف قد تعثّر في الوقت الراهن، ويمكن مع هذه التطورات افتراض انّ تأليف الحكومة قد رُحِّل الى فترة طويلة أقلّه الى شهر آذار المقبل، وربما الى ما بعد تشكّل الادارة الاميركية الجديدة برئاسة الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن.
ثانياً، إنّ بعض المعلومات تشير الى انّ الادارة الاميركية الحالية، وكما مارست ضغوطاً على باسيل، يُخشى انّها قد مارست ضغوطاً مماثلة على بعض المعنيين الآخرين بالملف الحكومي، وتلويحاً بفرض عقوبات عليهم على غرار باسيل، كالرئيس سعد الحريري على سبيل المثال، وذلك لقطع الطريق على اي محاولة لتشكيل حكومة تضمّ في صفوفها حضوراً مباشراً او غير مباشر لـ»حزب الله» عبر وزراء يسمّيهم الحزب او وزراء تابعين له.
ثالثاً، انّ بعض المعطيات المتوفّرة من بعض الجهات السياسية المحلية تفيد بتوجّه لديها نحو عدم الرضوخ لضغوطات الإدارة الاميركية الحالية، باعتبارها ادارة راحلة، وبالتالي محاولة تحقيق ما يمكن لها ان تحققه في حكومة، خلافاً لرغبة هذه الادارة الاميركية الراحلة، والتي تصفها هذه الجهات بالادارة الظالمة، ما يعني انّ الوضع اللبناني وفي هذا الجو التصادمي، مفتوح على احتمالات خطيرة، من الآن ولغاية انتهاء ولاية الرئيس الاميركي دونالد ترامب اواخر شباط المقبل.
رابعاً، انّ كل المؤشرات تشي بأنّ الفترة الفاصلة من الآن وحتى نهاية ولاية الادارة الاميركية الحالية، هي الأكثر خطورة التي تشهدها نقاط كثيرة على مستوى العالم ومن ضمنها لبنان، فما يُخشى منه هو ان تبادر ادارة اميركية ترامبية متهورة في اتخاذ مزيد من القرارات والخطوات، سواء على مستوى الداخل الاميركي، او على مستوى العالم ملزمة بها الادارة الاميركية، ومن شأنها ان تخلق توترات على اكثر من جبهة، وتشكّل ارباكاً لإدارة بايدن قبل تشكّلها، ويندرج في ذلك، حمل رئيسة الادارة الوطنية للأمن النووي في وزارة الطاقة الاميركية، التي تشرف على مخزون الولايات المتحدة من الأسلحة النووية، جوردون هاجرتي، على الاستقالة من منصبها، دون إبداء الأسباب. وإيكال هذا المنصب لأحد المقربين من ترامب وليام بوكليس، وكذلك محاولة رفع مستوى الاستفزاز للصين، عبر القرار الذي اتخذته ادارة ترامب، ومن دون سابق انذار رفع «حركة تركستان الشرقية الاسلامية» التي تمثل جماعة ( الإيغور) المعروفة بتطرّفها وعنفها الاجرامي، عن لائحة الارهاب، بعد عقدين من تصنيفها في اعقاب هجمات 11 ايلول في العام 2000.
ولعلّ اخطر ما تحذّر منه الشخصية السياسية الرفيعة المستوى، ان تفاجئ ادارة ترامب الجميع بقرارات غير متوقعة، سواء تجاه ايران او سوريا او تجاه الملف الفلسطيني وحتى جنوب لبنان ومزارع شبعا. ومن هنا فإنّ اعين اللبنانيين ينبغي انّ تظل مفتوحة خلال الشهرين الخطيرين، سواء في اتجاه الداخل اللبناني او في اتجاه الجبهة الجنوبية، تحسباً لأي طارئ قد يقلب الأمور رأساً على عقب.
فيروس كوروناالمجلس الاعلى للدفاع