لبنان
لبنان في هاوية كورونا.. والراعي يصعّد طائفيّا
عاد فيروس كورونا ليتصدر المشهد على الساحة الداخلية بقوة، بعد تخطي عداد الحالات حاجز الألف إصابة يوميا، وسط تخوف من عدم قدرة المستشفيات على استيعاب هذا الارتفاع إن استمر تصاعديا، ما يرسي واقعا مسلّما به أن لبنان بات في الهاوية وبانتظار رحمة إلهية لانتشاله منها في ظل عدم مسؤولية شعبية ورسمية.
إلى ذلك تصدّرت مواقف البطريرك الماروني أمس أخبار الصحف، حيث اتهم في كلمة له بشكل واضح الطائفة الشيعية بعرقلة الحكومة، ما أثار ردود فعل ومواقف شاجبة من عدة أطراف على رأسها المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، على أن الأجواء الحكومية راكدة حاليا، إن لم تكن تتجه للخلف في ظل أجواء دولية لا توحي بالإيجابية، لا سيما الموقف الأمريكي بتجديد العقوبات على إيران من طرف واحد.
"الأخبار": كورونا: لبنان في الهاوية
بشكل متوقع، سار لبنان نحو الهاوية التي كان يرسمها المسار الوبائي لـ«كورونا» منذ أشهر، في ظل تراخٍ رسمي وشعبي لم يرتق الى خطورة الأرقام التي ظل عدّاد الفيروس يسجلها بازدياد في الأسابيع الماضية، لتبلغ الأمور ذروة غير مسبوقة مع تسجيل أكثر من 1000 إصابة أمس، و11 ضحية جديدة. فيما عاد البحث في خيار الاقفال التام الى الواجهة مع التشكيك في قدرة كل الأجهزة المعنية على تطبيقه في ضوء التجارب السابقة. لبنان سقط في هاوية «كورونا»
قبل نحو شهر، أُثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي شبهات حول تلاعب وزارة الصحة، بالتواطؤ مع المستشفيات، في أعداد الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا و«تزوير» الأسباب الحقيقية لبعض الوفيات، بهدف تقاضي أموال من الجهات المانحة مخصصة لمساعدة لبنان على مواجهة الوباء. وقد نفى وزير الصحة حمد حسن، يومها، ذلك، واضعاً إياه في سياق تفشيل جهود محاربة الوباء والاستخفاف به. إلّا أن مصادر طبية أكدت لـ«الأخبار» أن تلاعباً من نوع آخر يقوم به بعض المستشفيات الخاصة عبر تسجيل بعض الوفيات غير المرتبطة بـ«كورونا» في خانة الوفيات من جراء الفيروس، بهدف الاستحصال على أموال من وزارة الصحة التي تسدّد المُستحقات الناجمة عن استشفاء الإصابات بالوباء خلال فترة قصيرة.
المصادر نفسها أشارت الى أن هناك قرضاً بقيمة 40 مليون دولار مخصصاً لمواجهة الوباء في لبنان، «ويجري التهافت على الاستفادة منه بأكبر قدر ممكن». ولفتت الى أن جدول الوفيات الصادر عن وزارة الصحة «يتضمن وفيات تُسجل في مُستشفيات خاصة شبه مُفلسة ومتعثرة وبحاجة ماسة الى مستحقاتها لدى الوزارة».
وهذا ما أكدته شهادة ذوي أحد المتوفين بأن إدارة أحد المُستشفيات في الجنوب عرضت إعفاءهم من الرسوم (نحو ثمانية ملايين ليرة) في حال زعموا أن مريضهم قضى بسبب «كورونا»!
ومعلوم أن غالبية المُستشفيات تعاني من نقص حاد في التمويل لعدم تقاضي مستحقاتها المتراكمة على وزارة الصحة، والتي يبلغ مجموعها أكثر من 450 مليار ليرة، وفق رئيس نقابة المُستشفيات الخاصة سليمان هارون. الأخير قال لـ«الأخبار» إنّ الوزارة وعدت بتسديد مستحقات فواتير الاستشفاء الناجمة عن كورونا خلال شهر أو شهرين، «لكنها لم تقم بالتسديد حتى الآن». ونفى وجود هذا النوع من التلاعب، «في ظل وجود طبيب مراقب تابع للوزارة»، وأكد أن النقابة ستجري تحقيقاً في الأمر.
الرهان على الوعي من دون إجراءات حاسمة لن يحصد إلا مزيداً من الإصابات ولا يعني إلا إقفالاً شكلياً
مصادر وزارة الصحة، من جهتها، أكدت أن ملف كل مريض متوفى بـ«كورونا» يفترض أن يتضمن ملفه فحوصات تثبت إصابته بالفيروس، لافتة إلى أن هناك لغطاً يحصل لدى أهالي بعض المرضى حول سبب الوفاة، فيما يمتنع كثيرون عن «الاعتراف» بأن فقيدهم قضى بسبب الفيروس.
وبمعزل من محدودية هذا السلوك وعدم إمكان تعميمه، إلا أنه يستدعي تفعيل الرقابة على العمل الاستشفائي، إذ إن التشكيك في أعداد الوفيات من شأنه أن ينسحب على بقية المعطيات المرتبطة بالواقع الوبائي في هذا الملف الحساس الذي يتفاقم يوماً بعد آخر، والذي وصل الى ذروة جديدة أمس، إذ سُجّلت أمس 1006 إصابات (1003 مُقيمين وثلاثة وافدين)، ثمانية منهم يعملون في القطاع الصحي، كما سُجلت وفاة 11 شخصاً خلال الساعات الـ 24 الماضية، ليرتفع عدد المُصابين الفعليين إلى نحو 20 ألفاً وعدد الوفيات إلى 297.
وسبقت إعلان الأرقام دعوة وزير الصحة إلى «الإقفال التام لمدة أسبوعين قبل فوات الأوان»، داعياً إلى إسقاط كل الحسابات و«إعلان حالة طوارئ قابلة للتطبيق تؤدي الى وقف الانتشار. وعلى المؤسسات الاستشفائية تحمّل مسؤولياتها أمام المجتمع، وعلى الأجهزة الأمنية أن ترعى قانون التعبئة العامة والسهر على تطبيقه من دون استثناءات».
ويرأس حسن اليوم اللجنة العلمية لوضع توصيات تتعلق بمواجهة مُستجدات الواقع الوبائي، فيما تعقد لجنة التدابير الوقائية لمواجهة كورونا ظهراً اجتماعاً لـ«البحث في خيار الإقفال»، وفق مصادر أشارت إلى عودة النقاش المرتبط بالصراع بين الاعتبارات الاقتصادية والمحاذير الصحية، وملمّحة إلى إمكانية العودة إلى الإقفال بشروط كما حصل قبل أسابيع، علماً بأن إجراءات الرقابة والمتابعة التي اتخذت خلال الفترة الماضية تُركت إلى «ضمير» المواطنين والمقيمين، فيما الرهان على الوعي من دون إجراءات حاسمة لن يحصد إلا مزيداً من الإصابات ولا يعني إلا إقفالاً شكلياً.
"البناء": الراعي يصعِّد طائفياً…
وفيما لم تسجِّل عطلة نهاية الأسبوع تقدّماً على صعيد تذليل العقد أمام ولادة الحكومة، خرقت مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي التصعيدية الجمود الحكومي والسياسي، من خلال انتقادات وجهها الراعي الى الطائفة الشيعيّة من بوابة تمسكها بوزارة المالية، ما دفع بالمراجع الشيعية السياسية والدينية للاستغراب الشديد إزاء سلوك بكركي في شكله وتوقيته ومضمونه.
وسأل الراعي في قداس احتفالي: «بأي صفة تطالب طائفة بوزارة معينة كأنها ملك لها، وتعطل تأليف الحكومة، حتى الحصول على مبتغاها، وهي بذلك تتسبب بشلل سياسي، وأضرار اقتصادية ومالية ومعيشية؟».
وأضاف: «إذا عدنا إلى المادة 95 من الدستور الذي عدله اتفاق الطائف، نقرأ صريحاً في الفقرة باء: تكون وظائف الفئة الأولى – ومن بينها الوزارات – مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أي منها لأي طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة. فهل عدلت هذه المادة في غفلة، أم تفرض فرضا بقوة ما أو استقواء؟ نحن نرفض التخصيص والاحتكار، رفضاً دستورياً، لا طائفياً، ورفضنا ليس موجهاً ضد طائفة معينة، بل ضد بدعة تنقض مفهوم المساواة بين الوزارات، وبين الطوائف، وتمس بالشراكة الوطنية ببعدها الميثاقي والوحدوي بهدف تثبيت هيمنة فئة مستقوية على دولة فاقدة القرار الوطني والسيادة».
أما اللافت، بحسب مصادر سياسية، فهو تحريض وتجييش الرئيس المكلف للسير بحكومة تخرق التوافق الوطني وميثاق العيش المشترك والشراكة في الحكم وتقصي طائفة برمّتها من الحكومة رغم علم الراعي بما قد يسببه ذلك من توترات على الساحة الاسلامية التي حافظت على استقرارها منذ فترة طويلة رغم المحطات المفصلية الدقيقة التي مر بها لبنان!
ودعا الراعي الرئيس المكلف إلى «التقيّد بالدستور وتأليف حكومة ينتظرها الشعب والعالم. فلا داعي للخضوع لشروط ولا للتأخير ولا للاعتذار. إن تحمل المسؤولية في الظرف المصيري هو الموقف الوطني الشجاع. فمن أيّدوك فعلوا ذلك لتؤلف حكومة لا لتعتذر. ورغم كل الشوائب، لا يزال النظام اللبناني ديمقراطياً برلمانياً، ويتضمن آليات التكليف والتشكيل ومنح الثقة أو عدم منحها. فألِّف ودَع اللعبة البرلمانية تأخذ مجراها. وأنت ولست وحدك».
وتساءلت المصادر: هل حصلت عملية التكليف وفق الأطر الديموقراطية أم وفقاً للميثاقية؟ أليس رؤساء الحكومات السابقون هم الذين اختزلوا الدستور وأصول التأليف وسمّوا رئيس الحكومة قبل الاستشارات النيابية التي كانت مجرد إجراء بروتوكولي شكلي، حيث كان مصطفى أديب ينتظر في مكان قريب من قصر بعبدا قبيل حضوره بعد تكليفه! ألم يُجيّر فريق الأغلبية النيابية حقه الدستوري في اختيار الرئيس المكلف إلى نادي رؤساء الحكومة لصالح الميثاقية؟ واستطراداً بأي صفة تتمسك الطائفة المارونية برئاسة الجمهورية وبمواقع قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان ومديرية المخابرات ورئاسة مجلس القضاء الأعلى والمجلس الدستوري والمديرية العامة للمالية وغيرها من المواقع الأساسيّة في الدولة؟ ولماذا يتمسك السنة برئاسة الحكومة ووزارة الداخلية ومديرية قوى الأمن الداخلي وغيرها؟ فلماذا انتقاء المالية من دون غيرها في هذا التوقيت السياسي المريب؟
ألم يعطل الزعماء الموارنة الأربعة وعلى رأسهم الراعي انتخابات رئاسة الجمهورية ما أدى إلى فراغ في سدة الرئاسة الأولى لمدة عامين ونصف حتى فرض المرشح الأقوى في طائفته وهو العماد ميشال عون لكي تؤمن الميثاقية؟ هل خرج المفتي الشيعي للهجوم على الطائفة المارونية واتهامها بتعطيل انتخابات الرئاسة الأولى وشل البلد واقتصاده؟
المجلس الإسلاميّ
موقف بكركي استدعى ردود فعل مستنكرة من المراجع الشيعية الدينية، إذ استنكر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في بيان «ما صدر عن مرجعية دينية كبيرة بحق الطائفة الإسلامية الشيعية، ولما انحدر اليه الخطاب من تحريض طائفي يثير النعرات ويشوّه الحقائق ويفتري على طائفة قدمت خيرة شبابها وطاقاتها في معركة تحرير الوطن كل الوطن ودحر الإرهابين الصهيوني والتكفيري عن قراه ومناطقه المتنوعة طائفياً ومذهبياً، لتجعل من لبنان مفخرة للعرب والأحرار في العالم، وينعم كل شعبه بالاستقرار والحرية والكرامة الوطنية»، مضيفاً: «بَيْد أنّ من ارتهن للخارج وخدمة لمآرب مشبوهة ضد مصالح الوطن وشعبه، يُمعن في تحريف الوقائع وتضليل اللبنانيين في موضوع تشكيل الحكومة الإنقاذية الإصلاحية التي تحفظ وحدة لبنان بميثاقه ودستوره واستقراره واقتصاده، ونحن اذا كنا نطالب باحتفاظ الطائفة الشيعية بوزارة المالية فمن منطلق حرصنا على الشراكة الوطنية في السلطة الإجرائية، فما يجري من توافق بين الكتل النيابية ينبغي ان يسري بين المكوّنات السياسية في تشكيل الحكومة».
بدوره أشار المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان أن «الحكومة ليست ملكاً لشخص والبلد ليس حكراً على أحد، والنظام السياسي حتماً فاشل، والتطوير حتماً ضروري، وزمن العشرين انتهى، وما نطالب به سببه صيغتكم الطائفية التي أسس لها مَن مضى بصيغته الطائفية، والتي ما زلتم مصرّين عليها، وأنتم بالخيار بين دولة مدنية للجميع أو دولة طوائف تتقاسم الدولة والناس؛ والشجاع الشجاع مَن يمشي بخيار الدولة المدنية بصيغة المواطن لا الطوائف. وما دامت الحصص على الطائفة فإننا نحكم بيننا وبينكم مبدأ المعاملة بالمثل، ولن نقبل بإلغاء طائفة بأمها وأبيها، بخلفية عصا أميركية وجزرة فرنسية».
ووجّه كلامه إلى الرئيس المكلف: «البلد والمنطقة جمر تحت الرماد، ولذلك لا تلعبوا بالتوازنات، ولا تزيدوا أزمات هذا البلد لهيباً، لأن ما يجري في لبنان سببه حرب العالم في المنطقة، فيما واشنطن تخوض حرب أمركة لبنان وتهويده، وبهذا السياق تحارب لبنان وتعمل على تفخيخه من الداخل على قاعدة المال مقابل الاستسلام. وخيارنا هو لا استسلام حتى لو اجتمع العالم على حصارنا ما دام موقفنا يرتكز على صميم مصلحة لبنان بكل طوائفه ومناطقه ومفهوم سيادته الحر والآمن».
"الجمهورية": فرنسا لحلّ «على الطريقة اللبنانية»
وحملت عطلة نهاية الاسبوع مؤشرات الى دخول الازمة في طور خطير، في ضوء رفض البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ان تُسند حقيبة وزارة المال الى الطائفة الشيعية، وردّ المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى عليه مستنكراً هذا الموقف. وقالت مصادر مطلعة لـ «الجمهورية»، إنّ الثابت في مشهد التأليف، انّه طالما انّ باريس لم تسحب مبادرتها، فهذا يعني انّ هذه المبادرة قائمة ومستمرة، وانّ فرص التوصل إلى حلول ما زالت متوافرة وممكنة، وانّ التعاون معها ضروري في اعتبارها الفرصة الأخيرة للإنقاذ، ويبدو انّ باريس لن تتخلّى عن مبادرتها بسهولة، وستعمل المستحيل لترجمتها على أرض الواقع حرصاً على لبنان أكثر من اللبنانيين أنفسهم، وفي ظلّ حديث عن فتح باريس خطوطها، ليس فقط مع القوى السياسية اللبنانية تسهيلاً لهذه المبادرة، إنما مع القوى الدولية والإقليمية القادرة على التأثير في لبنان. واضافت هذه المصادر، انّه إذا كان التمديد المتواصل للمهلة المعطاة فرنسياً يعطي الأمل في انّ أبواب الحلول لم توصد بعد، إلّا انّ تمديد المِهل ليس مفتوحاً زمنياً لا فرنسياً ولا لبنانياً، كما انّ الوضع اللبناني الخطير لا يحتمل مزيداً من التمديد، بل يستدعي حلولًا سريعة من أجل تجنيب لبنان السقوط المدوي، فيما الحديث الطاغي اليوم يتمحور حول السيناريوهات السلبية لمرحلة ما بعد اعتذار الرئيس المكلّف مصطفى أديب، لأنّ أعتذاره المجمّد يمكن ان يُفرِج عنه في اللحظة التي يشعر فيها انّ فرص الحلول طارت، وانّ اي فريق ليس في وارد التنازل للآخر، ولا حتى تدوير الزوايا او الوصول إلى حلول وسط، تيمناً بالتسويات التاريخية التي عرفها لبنان على قاعدة 6 و 6 مكرّر و"لا يموت الديب ولا يفنى الغنم". وهل هناك أسوأ من الوضع الحالي الذي يستوجب من اللبنانيين إعادة إحياء عاداتهم في التسويات؟ وهل يُعقل ان يُعدم الذكاء اللبناني من اي حل وسط او مخرج مطلوب يجنّب لبنان الانهيار ويضعه على سكة الحلول المنشودة؟
كشفت مصادر مطلعة على الاتصالات الاخيرة في ملف تشكيل الحكومة لـ«الجمهورية»، انّ الفرنسيين مدّدوا الوقت لتنفيذ مبادرتهم، بعد بروز هذه العقبات التي اعتبروها داخلية. واكّدت انّ الرئيس المكلّف لن يعتذر، وانّ المساعي ستستمر، وهناك محاولات تجري حالياً لرأب الصدع، بعدما اكّد المسؤولون في فرنسا، الذين يتولون التواصل مع القوى السياسية في لبنان، أنّ فرنسا لن تتراجع ولن تسحب اديب من تكليفه تشكيل الحكومة. وتؤكّد انّ هناك مشروعاً اقتصادياً مالياً كبيراً يحتاج الى تعاضد كل القوى السياسية وابعد من هذه القوى، كل الطوائف، من دون ان تُسقط اي طائفة من برنامج الانقاذ.
ولمحّت المصادر الى انّ الفرنسيين باتوا مقتنعين بعدما اطلعوا على الخصوصيات اللبنانية، انّ وزارة المال ستُسند الى الطائفة الشيعية، ويجري النقاش حالياً في الاسماء وفي ترتيب مخرج لهذا الأمر، من دون ان يُكسر اي طرف آخر، أي على الطريقة اللبنانية «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم».
وقال مصدر معني بتأليف الحكومة لـ«الجمهورية»، انّ الاتصالات الجارية لتذليل العقبات التي تعترض الولادة الحكومية، لا تزال تراوح مكانها ولا تقدّم في ظلّ تمسّك «الثنائي الشيعي» بأن تكون وزارة المال من حصّة الطائفة الشيعية.
واكّد المصدر، انّ هناك محاولات لتجويف المبادرة الفرنسية واخذها في اتجاهات لا تنسجم مع ما ينصّ عليه اتفاق الطائف والدستور، لجهة موقعية مجلس الوزراء وصلاحية رئيسه.
لا تبدّل
في هذا الوقت، تواصلت المواقف المعلنة نفسها التي لم تتبدّل قيد أنملة، فيما اللافت في هذه المواقف، التمايز إلى حدود الخلاف بين رئيس الجمهورية ميشال عون و«التيار الوطني الحر» من جهة، و«حزب الله» من جهة أخرى، مع تمسّك الفريق الأوُل بالمداورة من دون استثناء اي حقيبة لأي طائفة، خلافاً لموقف «الثنائي الشيعي» من هذه النقطة تحديداً. حيث انّ الفريق الثاني يخوض مواجهته هذه المرة، والتي يعتبرها مصيرية، من دون حليفه المسيحي، الأمر الذي لا بدّ من ان ينعكس لاحقاً على طبيعة العلاقة بين الطرفين، في ظلّ اختلاف الحسابات بين العهد، الذي يعتبر انّ المبادرة الفرنسية تشكّل فرصة إنقاذية للعهد من الأزمة المالية الحادة، فيما حسابات الثنائي مختلفة تماماً عن حسابات العهد وتتصل بالنزاع الأكبر المتصل بالمنطقة وامتداداتها.
وقد جاءت مواقف البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس، بعد مواقف رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع ومواقف رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، لتشكّل مساحة التقاء مع مواقف رؤساء الحكومات السابقين، المضاف إليها تقاطع اللحظة مع العهد و»التيار الوطني الحر»، لتظهر وجود جبهة عريضة تؤيّد المداورة الشاملة مقابل موقف «الثنائي» الذي بدا وكأنّه يغرِّد وحيداً في هذا المجال.
وتردّدت معلومات انّ رئيس الجمهورية التقى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد خلال عطلة نهاية الأسبوع وناقش معه آخر التطورات، في الوقت الذي لم تنف مصادر قصر بعبدا او تؤكّد لـ «الجمهورية» حصول مثل هذا اللقاء.
وذكر مصدر معني بالتأليف، انّ عون اقترح على المعنيين امكان اسناد وزارة المال الى الطائفة المارونية، علّ هذا الامر يفتح الباب لحل الازمة، لكن تبين للمعنيين انّه اراد من هذا الطرح ان يحدث «زحزحة» في المواقف بين المعنيين المتمسّكين منهم بهذه الحقيبة الوزارية والمعارضين لهم.
وتحدثت معلومات، عن أنّ مبادرة عون لم تأتِ بأي جديد ايجابي، لا بل فقد أُهملت على خلفية ما هو سائد من تصلّب قد يودي بالوضع السياسي والاقتصادي الى ما لا يحمد عقباه، خصوصاً في حال اعتذر الرئيس المكلّف عن التأليف خلال الساعات المقبلة، ما لم تجترح الوساطات الجارية مفاجأة «نادرة» من اي نوع كانت، تؤدي الى فكّ هذه العقدة التي باتت تخفي وراءها كمّاً آخر من الشروط والشروط المضادة، بما لا يبقيها مجرد «تعنت» الطرفين، حسب إعتقاد متعاطين مع الملف.
وفي الوقت الذي غابت فيه المواقف المعلنة من الأزمة الحكومية ومعها حركة الاتصالات التي تجري في الخارج أكثر مما هي في الداخل، لم تسجّل المعلومات المتوافرة من المقار الرسمية المعنية اي جديد يضيء على حصيلة المساعي الجارية لتشكيل «حكومة المهمة» التي تحدثت عنها المبادرة الفرنسية.
وعلى وقع المعلومات التي تحدثت عن فشل الاتصالات التي اجرتها باريس مع كل من طهران وموسكو وواشنطن، لتسهيل عملية التأليف التي كُلّف بها الرئيس مصطفى اديب، قالت مصادر مطلعة لـ «الجمهورية»، انّ طهران جددت مواقفها السابقة من اي طلب مماثل، وردّت القضية الى قيادة «حزب الله» التي لها وحدها حق اتخاذ القرار الذي ترتئيه في لبنان والمنطقة، وان ثقتها بما تقرّره لا ينازعها احد عليه ولا يخضع لأي نقاش.
وجاءت هذه المعلومات لتضاف الى تجاوب القيادة الروسية مع الطلب الفرنسي، فتحدثت المعلومات الواردة من موسكو عن اتصالات اجراها مسؤولون من وزارة الخارجية مع اكثر من طرف، لاقتناعها بأنّ المبادرة الفرنسية بما حملته من مخارج ممكنة شكّلت متنفساً للأزمة التي يعاني منها لبنان، ولكنها للأسف لم تؤد الى اي نتيجة ايجابية. وحملت هذه المعلومات تحذيرات روسية جدّية من النتائج المترتبة على استمرار الأزمة على اكثر من مستوى وخصوصاً على المستوى اللبناني الداخلي الاقتصادي كما الأمني.
"اللواء": مبادرة ماكرون ضحية العقوبات
بدورها رأت "اللواء" الجمود على المسار الحكومي، ملأته تداعيات من نوع آخر، طبياً، انهيار في اجراءات التعبئة العامة في ما خص جائحة كورونا، التي سجلت رقماً قياسياً، تجاوز الألف اصابة، على وقع سجال غير مسبوق ايضاً بين وزيري الصحة والداخلية في حكومة تصريف الاعمال الدكتور حمد حسن، والعميد محمد فهمي، في ما خصَّ بنجاعة الاجراءات المتخذة، والجهة المسؤولة عن التقاعس.
وطنياً، انهيار الهدنة غير المعلنة، بين مكونين وطنيين، طائفيين، بكركي «المرجعية الدينية الكبيرة» ممثلة بالبطريرك الكاردينال مار بطرس الراعي، والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، ثم المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان.
وصفت مصادر سياسية متابعة لتشكيل الحكومة الجديدة مسار العملية بالمغلق داخليا تقريبا، ماخلا اتصالات خجولة حصلت بالساعات الماضية ولكنها لم تؤد إلى تبدل بالمواقف او تغيير المنحى باتجاهات ايجابية،في حين أظهرت مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي العالية النبرة ضد الثنائي الشيعي المتمسك بالحصول على وزارة المال ورد المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى عليه، عمق ازمة التشكيل ومدى استياء البطريركية المارونية من اسلوب تعطيل الحكومة واثره المدمر على البلد كله.
واشارت المصادر إلى انه ما لم يطرأ تبدل ما بالمواقف في الساعات المقبلة، يستبعد ان يزور رئيس الحكومة المكلف مصطفى اديب رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم، لكي يتم مواصلة البحث بتشكيل الحكومة العتيدة متوقعة ان يصدر موقف عن عون جراء مايحصل من تجاذبات بهذا الخصوص ومايتردد من دعوات لتعديل الدستور او تغيير النظام وماشاء من طروحات من هنا وهناك.
واعتبرت المصادر ان مصير تشكيل الحكومة الجديدة اصبح بالخارج وفي صلب مصالح نظام طهران وصراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية ولم تنفع كل محاولات أصدقاء لبنان لاخراج هذه العملية من فك هذا الصراع المستحكم بين الدولتين، لاسيما بعدما طلبت الديبلوماسية الايرانية من فرنسا مؤخرا وجوب قيام الجانب الفرنسي بقيادة حملة التمرد الأوروبية لكسر مفاعيل الحصار والعقوبات الاميركية الخانق على ايران من جانب واحد وان كان مثل هذا الطلب التعجيزي غير قابل تنفيذه لاعتبارات مصلحية وتعقيدات قانونية مع الولايات المتحدة الأمريكية، مايعني عمليا ابقاء عملية تشكيل الحكومة الجديدة معلقة ضمن هذا الصراع حتى إشعار آخر، الا اذا نجحت الديبلوماسية الفرنسية بمساعيها النشطة لاقناع طهران في اخراج هذا الملف من هذا الصراع وإعادة الدينامية الى عملية التشكيل من جديد.
وأضافت المصادر ان الجانب الفرنسي أبلغ المسؤولين الايرانيين ان فرنسا بذلت مافي وسعها مع حلفائها الاوروبيين واتخذت موقفا معارضا لموقف الولايات المتحدة الأمريكية من اعادة فرض العقوبات الدولية على ايران في الامم المتحدة بعد أنتهاء مدتها بالرغم من تداعيات هذا الموقف على علاقاتها مع واشنطن وبالتالي لابد من طهران ان تاخذ الموقف الفرنسي هذا بالحسبان وتلاقيه بتسهيل حل مشكلة تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان.
واعترفت مصادر فرنسية ان المبادرة الفرنسية تواجه صعوبات، وان تاريخ 15 ايلول كان موعد اعلان الحكومة اللبنانية.
وقالت ان الخارجية الفرنسية ابدت انزعاجها من التأخير واضاعة اسبوعين، وان فرنسا ليست بوارد فرض اي شيء، وان الطبقة السياسية هي التي تعرقل المبادرة، فضلا عن التأزم الطارئ بين الولايات المتحدة وفرنسا، لجهة العقوبات التي فرضت على الوزير علي حسن خليل والوزير يوسف فنيانوس والتي وترت العلاقات.
واشارت الي ان باريس ليست في وارد اتخاذ اي موقف عدائي من اي طرف.. مؤكدة ان وضع مبادرة ماكرون صعب.
وقالت ان الولايات المتحدة لم تسهّل مبادرة ماكرون، وان هناك حملة اعلامية اميركية ضد اوروبا وفرنسا..
وتحدثت المصادر الفرنسية عن عقوبات جديدة ضد مسؤولين لبنانيين جدد، من شأنها ان تعقد تشكيل حكومة جديدة..
وسط ذلك، لم يحدد موعد لأي لقاء بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبين رئيس الحكومة المكلف الدكتور مصطفى اديب اليوم في قصر بعبدا لكنه مرجح في اي وقت. واكدت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» انه في الأيام الفاصلة عن اخر لقاء بينهما لم يسجل اي تطور يقود إلى حلحلة في الملف الحكومي وبالتالي بقيت الأمور مقفلة وبقي كل فريق على تمسكه بموقفه، في حين تشخص الانظار الى خطوة يقوم بها رئيس الجمهورية في حال انسداد الأفق لكن مصادر قصر بعبدا ذكرت انه اذا كان هناك من تطور مشجع في ملف تشكيل الحكومة فإن الرئيس عون قد لا يقدم عليها ولذلك دعت الى الأنتظار.
لكن مصادر مواكبة لعملية تأليف الحكومة قالت ان وسطاء قاموا بجولاتهم وصولاتهم لكن من دون نتيجة تذكر، حتى ان الطروحات والاقتراحات سقطت من بينها اسناد حقيبة المال الى شخصية سنية لا فيتو عليها من قبل الثنائي الشيعي واخري تقضي بتسمية شخصية شيعية محايدة.
وفي الوقت الذي لم تؤكد مصادر بعبدا نبأ زبارة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد افادت مصادر مطلعة انه جرى امس وكان نقاش بالملف الحكومي والسبل الأيلة لمعالجة الملف الحكومي.
وتحدثت معلومات ان تكون حقيبة المالية من حصة رئيس الجمهورية، لكن هذا الاقتراح لم يقبل به الفريق الشيعي.
وافيد ان البحث بين عون ورعد كان عميقا وصريحا ولكن السؤال المركزي هل يأتمن الثنائي الشيعي رئيس الجمهورية على هذه الحكومة.
ونقل عن رئيس الجمهورية انه يؤيد مبدأ المداورة في توزيع الحقائب الوزارية لانه يشمل الجميع ودون استثناء وبالتالي لايجوز تأخير عملية التشكيل انطلاقا من تشبث هذا الطرف اوذاك بهذه الوزارة او تلك، مستفسرا عن اسباب موقف الثنائي الشيعي التمسك بحقيبة وزارة المال . وقد رد رعد مستندا بان مطلب الثنائي الشيعي التمسك بحقيبة المال ينطلق من الاستهداف الذي يتعرض له من الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الظرف بالذات وكون المبادرة الفرنسية لاتلحظ كذلك اي نص يتضمن المداورة بالحقائب، وبالمقابل رد عون بالاشارة إلى ان مضمون الورقة الذي يتضمن تشكيل حكومة مهمة إنقاذ تتولى إجراء الإصلاحات لاتتحمل كذلك احتفاظ اي طرف بحقيبة محددة لافتا إلى ان المطلوب مساهمة الجميع بتسهيل تشكيل الحكومة الجديدة بأسرع وقت ممكن لان البلد لايحتمل اضاعة المزيد من الوقت.
المجلس الاسلامي الشيعي الأعلىفيروس كورونابشارة الراعي