لبنان
الحكومة في النصف الثاني من الشهر الحالي.. وقبول أميركي مرحلي بالواقع
ركزت الصحف اللبنانية الصادرة صبيحة اليوم من بيروت على وضع اللمسات الأخيرة لتوزيع الحقائب الوزارية قبل تأليف الحكومة في النصف الثاني من الشهر الحالي، وسط توقعات أن تتمكن الحكومة من الإقلاع والانطلاق نحو إنجاز الاصلاحات المطلوبة وفقاً للورقة الفرنسية لسببين، الأول وجود إرادة دولية متمثلة بالرئاسة الفرنسية شخصياً لمتابعة مراحل تنفيذ المبادرة الفرنسية بشكل تفصيلي، والثاني وجود رئيس للحكومة وحكومة يحظيان بدعم أغلب الكتل النيابية.
وحتى الساعة يبدو أن المبادرة الفرنسية تعمل على فكّ الحصار الاقتصادي عن لبنان، وتعليق الضغوط الأميركية على الأوروبيين لعزل حزب الله داخلياً. إذ لم تلاحظ الأوساط تغييراً في اللهجة الأميركية ضد الحزب منذ سنوات إنما الجديد هو اقتناع الأميركيين بالعجز عن فصل حزب الله عن نسيجه الاجتماعي والسياسي والوطني وفكه عن حلفائه أو فك حلفائه عنه، كما تسليمه ولو مرحلياً بضرورة فصل المواجهة مع الحزب وإيران عن الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان.
"الأخبار": بومبيو.. نعمل مع الفرنسيين في لبنان ولدينا الأهداف نفسها
بداية مع صحيفة "الأخبار" التي رأت أن المبادرة الفرنسية «سالكة» داخلياً. لكن يبقى معيار نجاحها، من وجهة نظر القوى التي سمّت مصطفى اديب لترؤس الحكومة، هو في الموقف العملي للولايات المتحدة الأميركية. الإشارة «الإيجابية» هي إعلان وزير الخارجية الأميركي عن تشارك الأهداف نفسها مع فرنسا حول لبنان، ولكن تبقى العبرة في التنفيذ: فهل ستسمح واشنطن بوصول الأموال إلى لبنان؟
أمّا وقد غادر رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون لبنان، بعد أن وزّع البيان الوزاري الفرنسي للحكومة اللبنانية الجديدة، وأعطى إرشاداته للطبقة الحاكمة، بات الشغل الرئيسي ينصبّ على مراقبة المواقف الأميركية. فمهما بلغت جدّية المبادرة الفرنسية - الأوروبية، والغطاء الممنوح لحكومة مصطفى أديب في تنفيذ «الإصلاحات» المطلوبة منها، لا يُمكن التغاضي عن أنّ «زر التفجير» موجود بين يدَي الجانب الأميركي. الأخير قادر على نَسف ما قام به ماكرون. الاختبار سيكون بالمواقف العملية. هل سيُعرقل المسؤولون الأميركيون الخطوات العملية الفرنسية؟ على سبيل المِثال لا الحصر، بعد تأليف مجلس الوزراء، سيعود لبنان إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي. المؤسّسة التي تضمّ 189 عضواً فيها، تُهيمن عليها واشنطن وحلفاؤها. ولأنّ من غير الممكن التصرّف وكأنّ قروض الصندوق مُنفصلة عن العلاقات والشروط السياسية، يجوز عندها السؤال إن كانت الولايات المتحدة ستسمح بأن يحصل لبنان على قروض من صندوق النقد، يُنظر إليها داخل السلطة، كـ«حل» وحيد للأزمة الخانقة، فيما يضع ماكرون الاتفاق مع «الصندوق» على رأس أولويات الحكومة المقبلة.
التعليقات الأميركية الأولية - بعد زيارة ماكرون - لا تزال تتأرجح بين الشدّ والإرخاء. ولا يزال الاختلاف في مقاربة المواضيع ظاهراً. ماكرون، مثلاً، «اعترف» بتمثيل حزب الله الشعبي وبكونه «مُكوّناً لبنانياً» أساسياً، لا يمكنه «واقعياً»، تجاوز الحوار معه. واعتبر أنّه في المرحلة الراهنة، يجب تأجيل البحث بملفات خلافية، كالاستراتيجية الدفاعية، في حين أنّ السياسة الأميركية لا تزال تدور حول تكثيف الضغوط على حزب الله وحلفائه، وتغيير موازين القوى في البلد. مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر وصف أمس لصحيفة «الشرق الأوسط» حزب الله بأنّه «جزء كبير من المشكلة، ليس مُهتماً بالإصلاح ويُفضّل الوضع الراهن»، كاشفاً عن أنّ العمل أميركياً لا يزال مُستمراً «وستكون هناك تحقيقات للوصول إلى فرض العقوبات على بعض الشخصيات». حتّى إنّ شينكر قرّر «مقاطعة» السياسيين، حاصراً لقاءاته بشخصيات معارضة وجمعيات من «المجتمع المدني» ليستمع إلى ما «يُريده الشعب». فأتى الردّ على هذه النقطة من النائب السابق وليد جنبلاط، في حديث إلى الـ«ال بي سي»، قائلاً: «وما يلتقي... شو بعمل؟ ما رح تخرب الدني إذا ما التقينا».
وضع العصي في الدواليب استمر ليل أمس، مع إعلان الخارجية الأميركية لقناة «العربية» شرطها أن «لا يكون حزب الله جزءاً من الحكومة اللبنانية». الموقف المُتشدّد تجاه «الحزب»، يُليّنه الأميركيون في حديثهم عن المبادرة الفرنسية. فقد أعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في مؤتمر صحافي، «أننا نعمل مع الفرنسيين في لبنان، ولدينا نفس الأهداف»، مُضيفاً أنّه «ينبغي على هذه الحكومة أن تقوم بإصلاحات عميقة، اللبنانيون يطلبون تغييراً حقيقياً والولايات المتحدة ستستخدم وجودها ووسائلها الدبلوماسية لضمان أن يتحقّق ذلك». هذا الكلام يُوحي بأنّ «المُبادرة» تحمل أبعاداً جدّية، خلافاً لكلّ المحاولات السابقة. ويُعزّز ذلك حديث جنبلاط أمس لقناة الـ«ال بي سي»، إذ ظهر مُرتدياً لباسه «المُعتدل»، ومُخالفاً التوجهات الأميركية بالقول: «العقوبات على حزب الله لن تُضعفه، بل ستُضعف الاقتصاد اللبناني، وأنصح دول الخليج بأن تنضم إلى المبادرة الفرنسية»، مُتوجّهاً إلى بومبيو بالسؤال «هل يُريد مساعدة الفرنسيين في الشق الاقتصادي؟ الكابيتال كونترول أمر ضروري مع تصوّر مصرفي جديد». وأوضح أنّه اختار مصطفى أديب، «لأنّ هناك مبادرة فرنسية فريدة من نوعها، التي هي إنقاذ ما تبقّى من لبنان الكبير ووضع لبنان على سكّة الإنقاذ... أُعطي الثقة للمبادرة الفرنسية، وغالبية الحاضرين (أول من) أمس (في لقاء قصر الصنوبر مع ماكرون) أعطوا الثقة»، مؤكّداً أنّ الورقة هي «مسودة بيان وزاري. أنصح الرئيس المُكلّف العمل بهذه الورقة، وألا يكون هناك تمسّك بالوزارات ولا محاصصة».
التعويل على المبادرة الفرنسية عبّر عنه أيضاً الرئيس ميشال عون. فقال إنّ «اندفاعة ماكرون تجاه لبنان، يجب أن يُقابلها عزم لبناني على مساعدة أنفسنا، وتأليف حكومة قادرة وشفافة في أسرع وقت ممكن للبدء باتخاذ خطوات إصلاحية فورية تُسهم في إطلاق عملية إنقاذ لبنان وتقديم الدعم الدولي له».
وفي هذا الإطار، تشرح مصادر 8 آذار لـ«الأخبار» رؤيتها للمبادرة الفرنسية وخلفيات تحرّك ماكرون التي تتوزّع على أكثر من محور، بدءاً من «مخاطر انهيار لبنان الشامل، والصراع مع تركيا في شرق المتوسط، ووجود لبنان كواحة نفوذ فرنسي في المنطقة». ولا تُهمل المصادر أنّ «تلويح قوى لبنانية أساسية بالانفتاح على الشرق للتفلّت من العقوبات، دفع ماكرون إلى القدوم بزخم، وعرض أن تُشارك الشركات الفرنسية في قطاع الكهرباء، وأن تُشرف فرنسا على التدقيق في حسابات مصرف لبنان والمصارف، وغيرها من القطاعات. سيُحقّق له ذلك مكاسب اقتصادية، وتُقلّل - من وجهة نظر ماكرون - من إمكان انفتاحنا على روسيا أو الصين أو إيران». واحد من الأسباب أيضاً، انطلاق المرحلة الأخيرة «من عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، واحتمال خسارته الانتخابات، ما يُشكّل دافعاً للفرنسيين للعمل داخل لبنان». وتعتبر مصادر 8 آذار أنّ نتائج حركة ماكرون ظهرت، حتى الآن، «في إعادة سعد الحريري إلى السلطة، حتّى ولو لم يتحمّل علناً مسؤولية خيار مصطفى أديب، وانتزاع موافقة كلّ القوى السياسية على مقترحات كان تسود حولها الخلافات، وتقصير الوقت الذي كان يُستهلَك لتسمية رئيس حكومة، وتشكيلها، بعد أن وضع ماكرون مهلة أسبوعين». عملياً، أدّت المبادرة الفرنسية أيضاً إلى «فكّ الحصار الاقتصادي على لبنان، وتعليق الضغوط الأميركية على الأوروبيين لعزل حزب الله داخلياً». هذه الضغوط تُوِّجَت بإعلان ألمانيا حزب الله «مُنظمة إرهابية»، وفيما تدور أحاديث عن اتجاه دول أوروبية لإعلان قرار مُماثل، «يُقرّر رئيس دولة أوروبية أساسية، ودائمة العضوية في مجلس الأمن، المجيء إلى لبنان والاجتماع مع رئيس الكتلة النيابية للحزب، وهو شخص مُدرج على لائحة العقوبات الأميركية». كما أنّ السفير الفرنسي في بيروت، عقد أكثر من لقاء مع مسؤول العلاقات الدولية في «الحزب»، النائب السابق عمّار الموسوي، وكذلك فعل وزير الدولة الفرنسية للشؤون الفرنكوفونية، الذي كان في بيروت بمثابة موفد رئاسي.
على صعيد آخر، أجرى أمس الرئيس المُكلّف بتأليف الحكومة، مصطفى أديب، الاستشارات النيابية غير المُلزمة في عين التينة. يوم «رتيب» من المواقف المُكرّرة والمعروفة في ظلّ حالة الوفاق العام المُسيطرة، وتسهيل عملية التأليف. وقد أعلن أديب في ختام مهمته أنّ الحكومة «يجب أن تكون حكومة اختصاصيين تستعيد ثقة اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي... استمعت الى آراء وأفكار تعطينا زخماً من أجل الإسراع في عملية التأليف، ونتطلّع الى تعاون مثمر مع المجلس النيابي».
قد يكون سعد، الوحيد بين السياسيين والمسؤولين، الذي أضاء على قضية أساسية عالقة بين لبنان وفرنسا، هي الاعتقال التعسفي للمناضل جورج إبراهيم عبد الله. قضية تصل في الدول التي تحترم مواطنيها، إلى حدّ تعليق العلاقات أو خفض مستواها، وخوض صراع سياسي حتى إيجاد حل لها. وقال سعد لأديب إنّه أتى رئيساً للحكومة «عن طريق باريس، ولكن بعد 36 سنة ومن طريق باريس أيضاً، لماذا لم يحضر جورج ابراهيم عبد الله بعد؟ هذا سؤال مرتبط بالكرامة الوطنيّة».
"النهار": بدء المخاض الصعب لحكومة "منزوعة الأحزاب"
بدورها، كتبت صحيفة "النهار" تقول: قد لا يكون من المغالاة القول ان إقلاع رحلة تشكيل الحكومة الجديدة التي كلف بتأليفها مصطفى أديب يبدو بمثابة مؤشر الى تجربة فريدة يصعب جدا اطلاق توقعات وتقديرات ثابتة حيال مسارها اقله في مرحلة إقلاعها وقبل ان تتبلور حقائق كثيرة ستحكم على التجربة بنجاحها او فشلها. ذلك ان فائض "النيات الحسنة" والاستعدادات الكلامية الإيجابية في الاستشارات النيابية غير الملزمة التي اجراها امس الرئيس المكلف، وللمرة الأولى في عين التينة وليس في مجلس النواب في ساحة النجمة ، تحول الى مهرجان سياسي نيابي واسع لاعلاء صوت استعجال تأليف الحكومة والتغني بالرعاية الفرنسية للحل الداخلي التي ترجمت في الاندفاع الاستثنائي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في زيارتيه المتلاحقتين لبيروت خلال اقل من شهر وإعلانه عزمه القيام بالزيارة الثالثة في كانون الأول. ولكن كل هذا الفائض من الاستعدادات بدا رهناً بمجموعة تساؤلات صعبة لن تكون الأجوبة عليها متاحة بسرعة اقله اذا قيست الأمور بمعايير حسابات القوى السياسية حين تترك لنفسها مجدداً. ويأتي في مقدم التحديات التي تواجه الرئيس المكلف السؤال الأساسي عما اذا كانت القوى السياسية والحزبية قاطبة ستسمح عمليا بتجربة تأليف حكومة اختصاصيين صرفة لا تضم حزبيين ولا ممثلي أحزاب بشكل مباشر او ضمني ولا تستنسخ تجربة حكومة تصريف الاعمال برئاسة حسان دياب. وتالياً هل نجح ماكرون فعلا ان ينتزع موافقات ثابتة للقيادات السياسية التي التقاها طويلا مساء الثلثاء في قصر الصنوبر على حكومة "منزوعة الأحزاب" وتضم اختصاصيين فقط؟ ثم ان التحدي الثاني الذي لا يقل أهمية يتمثل في تسهيل الولادة الحكومية متى تمكن الرئيس المكلف من وضع مشروع تركيبة الحكومة باعتبار ان شياطين التفاصيل والاسماء والحقائب تكمن في لحظة اختبار القوى السياسية والحزبية اذا كانت فعلا ستتنازل هذه المرة عما تعتبره مكاسب تكرست لها مدى سنوات جراء المحاصصات التي كانت تعتمد في استيلاد الحكومات. واما التحدي الثالث فيتمثل في موضوع خلط أوراق "الإقطاعات" الوزارية المزمنة بمعنى انتزاع موافقات القوى التي دأبت على التمسك بحقائب وزارية باتت تعتبرها "حقوقا" مكرسة لها .ومع ان معظم هذه القوى تحدثت امام ماكرون كما خلال الاستشارات التي اجراها الرئيس المكلف امس عن استعداداتها للقبول بالمداورة في الوزارات فان ملامح الاشتراطات بدأت تبرز بوضوح من خلال طرح أسئلة افتراضية واستباقية سمعها الرئيس المكلف من أطراف بما يعني ان مهمته لن تكون سهلة كما سادت انطباعات فورية.
الحريري والجانب الفرنسي
وتقول مصادر واسعة الاطلاع انه في اللقاء الليلي لماكرون مع الرئيس سعد الحريري ليل الاثنين وضعت خريطة الطريق الفرنسية على سكة الحل.
اما مشروع برنامج للحكومة الجديدة فهي الورقة التي وضعها الفرنسيون وقد طبعت صباح الثلثاء ووزعت على القيادات السياسية على طاولة قصر الصنوبر.
والاتصالات الفعلية للتأليف بدأت مع انتهاء استشارات التأليف. فصحيح ان الرئيس المكلّف مصطفى اديب هو من سيؤلف الحكومة، لكن المصادر تؤكد ان الرئيس سعد الحريري هو في صلب هذه المشاورات. فهو الذي تبنى ترشيح اديب وهو الذي سيعمل مع الكتل الاخرى على تأمين اوسع مروحة توافق حول الحكومة.
وتؤكد المصادر ان الاتصالات ستكون ميسرة وولادة الحكومة قد تحتاج من ثلاثة الى أربعة أسابيع .وقالت ان السفيرين الفرنسيين السابقين في لبنان برنار ايميه رئيس الاستخبارات الخارجية والمستشار في الاليزيه ايمانويل بون يتوليان متابعة تفاصيل المبادرة مع القوى اللبنانية.
اما القطب المخفية فتتمثل في الحقائب الموزعة على الطوائف وبتمسك الاحزاب بتسمية ممثليها في هذه الوزارات.
والسؤال هل يتخلى الثنائي الشيعي عن وزارة المال لـ"امل" والصحة لـ"حزب الله"؟
كما ان رئيس "تكتل لبنان القوي" جبران باسيل لن يسلم بالتخلي عن حقيبة الطاقة فيما القوى الاخرى تحتفظ بحقائبها.
في اي حال، الكل يتعاطى من منطلق انه لن يعرقل ولن يسجل طرف على نفسه عرقلة مبادرة تبدو الفرصة الاخيرة امام اللبنانيين للخروج من ازمتهم.
وتتوقع المصادر المعنية بالاتصالات ان تكون عملية التأليف ورغم تفاصيلها المعقدة ميسرة وولادة الحكومة تحتاج ما بين اسبوعين الى شهر.
وتشير المصادر الى انه لم يبحث بعد في شكل الحكومة ولا في عددها والارجح انها ستكون من عشرين وزيراً.
مشروع البرنامج
واكدت مصادر سياسية مواكبة للرعاية الفرنسية الدافعة نحو استعجال الولادة الحكومية وإطلاق ورشة انقاذية ان ما وصف بالورقة الفرنسية وهو واقعيا "مشروع برنامج للحكومة الجديدة" وضع بكثير من التدقيق وسمته البارزة تحديد الأولويات الأكثر الحاحا لاخراج لبنان من ازماته الراهنة . ويتدرج البرنامج من التصدي لجائحة كورونا الى مواجهة تبعات انفجار الرابع من آب من خلال المساعدات الإنسانية الدولية وحوكمة المساعدة الدولية وبداية إعادة الاعمار وإعادة تأهيل مرفأ بيروت . ثم يتناول البرنامج الإصلاحات بدءا بقطاع الكهرباء والرقابة المنظمة لتحويل الرساميل وحوكمة وتنظيم قضائي ومالي ومكافحة الفساد والتهريب وإصلاح الشراء العام والمالية العامة وصولا أخيرا الى الانتخابات التشريعية المبكرة ضمن مهلة سنة . وقالت ان هذا المشروع سيوفر على الرئيس المكلف والقوى المعنية استهلاك مزيد من الوقت للاتفاق على الإطار المرجعي للبيان الوزاري باعتبار ان كل القوى السياسية وافقت على البرنامج ويصعب ان تتراجع عن التزاماتها ما لم تكن هناك قطب مخفية لن تتأخر عن الانكشاف في حال غامر بعض القوى في تحدي المناخ الذي رسمته المبادرة الفرنسية .
في كل حال شدد الرئيس المكلف مصطفى أديب في بيان مقتضب في نهاية الاستشارات التي اجراها امس على "السرعة في تأليف حكومة تكون فريقا منسجما وينكب على معالجة الملفات الكثيرة أمامنا ". وقال "ان التحديات داهمة ولا تتحمل التأخير" كما شدد على تأليف "حكومة اختصاصيين تعالج بسرعة وحرفية الملفات المطروحة وتستعيد ثقة اللبنانيين المقيمين والمغتربين والمجتمعين العربي والدولي" وكرر ان "الوقت للعمل وليس للكلام ".
ومن المواقف التي برزت خلال الاستشارات ان "كتلة الجمهورية القوية" أعلنت بلسان النائب جورج عدوان انها مع حكومة مستقلة من أصحاب الاختصاص ولكن القوات اللبنانية لن تشارك فيها ولن تقدم أسماء ولن تشارك تاليا في تشكيلها كما دعا الى ان تحيد الحكومة نفسها عن الصراعات وتلتزم الحياد وذهب الى القول "لم نشعر بالعنفوان والسيادة عندما اسمعنا رئيس دولة حتى لو كان صديقا يتوجه الينا بهكذا كلام " وقال ان "الإدارة السيئة والفساد هما أوصلانا الى هكذا كلام ".
كما ان رئيس "تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل "تمنى ان تكون هناك مداورة في الوزارات " . وشددت النائبة بهية الحريري باسم "كتلة المستقبل" على حكومة اختصاصيين ومستقلين فيما لم يعكس موقف النائب محمد رعد باسم "كتلة الوفاء للمقاومة" اتجاها ثابتا الى القبول بحكومة لا تضم حزبيين اذ ابدى استعداد حزب الله لكل تعاون وقال "اردنا حكومة فاعلة ومنتجة ومتماسكة تدرك الواقع السياسي الذي تتحرك فيه ". وفي سياق المواقف البارزة من الحكومة اعلن مجلس المطارنة الموارنة انه "ينتظر من الرئيس المكلف الإسراع في تأليف حكومة انقاذية بعيدة عن الانتماءات الحزبية والسياسية مع ضرورة منحها صلاحيات استثنائية لتتمكن من القيام بالإصلاحات ومكافحة الفساد والنهوض الاقتصادي ".
"البناء": أديب مرتاح للفوز بحكومة كفاءات تحظى بالدعم السياسيّ قبل نهاية الشهر
أما صحيفة اعتبرت أنه مع تسليم واشنطن لباريس كتاب مهمة بتولي ملء الفراغ السياسي في المنطقة حتى كانون الأول، إذا فاز الرئيس دونالد ترامب بالولاية الثانية، وتجديد المهمة حتى أيار إذا فاز منافسه جو بايدن بالرئاسة، جاءت التصريحات الأميركية الصادرة عن وزير الخارجية مايك بومبيو ومعاونه ديفيد شنكر لتؤكد التنسيق الكامل بين باريس وواشنطن، ومواكبة ودعم الأميركيين لمبادرات الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون، مع حفظ الخطاب التقليدي الأميركي المعادي لإيران وحزب الله، من دون تعطيل الانفتاح الفرنسي عليهما، كضرورة لمشروع التسوية بين حربين تشتغل عليه الدبلوماسية الفرنسية أملا بالتأسيس لمفاوضات شاملة نحو تسوية كبرى تخلف خطر حرب كبرى لا يريدها أحد، بعدما فشل المشروع الإسرائيلي الذي شاركت واشنطن بتغطيته تحت عنوان معركة بين حربين، وبدأ يصبح نذيراً باقتراب الحرب مع تفاقم التعقيدات المحيطة بلبنان اقتصادياً وعبر الحدود الجنوبية نقلت مشروع المعركة بين حربين إلى يد المقاومة.
كتاب المهمة الذي يعمل ماكرون بموجبه، يتيح لفرنسا حصاداً اقتصادياً لا يمثل تحولاً استراتيجياً في الجغرافيا السياسية والاقتصادية، وله عنوانان، مرفأ بيروت ومترو بغداد، وتنشيط التواصل مع إيران وحلفائها لتدارك أي مخاطر للتصعيد في زمن الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبناء شبكة أمان عنوانها تدعيم حكومة الشراكة العراقية، وبناء حكومة مشابهة في بيروت، مع أخذ الفوارق في موازين القوى التي لا تتيح استنساخ التجربة العراقية لبنانياً، في ظل رئاسة جمهورية وازنة وحليفة للمقاومة، وفي ظل تاريخيّة وعراقة المقاومة في لبنان وحجم ما تمتلك من مقدرات وبنى وشعبية، وما تمثل من خطر داهم مباشر على أمن كيان الاحتلال.
النموذج الحكوميّ اللبنانيّ يبدو مرشحاً للولادة قبل نهاية الشهر الحالي، وفقاً لما قاله الرئيس ماكرون عن مهلة الخمسة عشر يوماً وما أكدته مصادر متابعة لمسعى الرئيس المكلف مصطفى أديب الذي عبر عن ارتياحه لنتائج مشاوراته مع الكتل النيابية. وقالت المصادر إنه خلافاً للكلام المتداول إعلامياً عن عقد حقائب كالمالية والطاقة، فإن ثمة تعهدات حصل عليها الرئيس المكلف من رؤساء الكتل ورئيسي الجمهورية ومجلس النواب تجعله مطمئناً إلى القدرة على تذليل هذه العقد، وحول التمثيل السياسي في الحكومة قالت المصادر إن حزب الله الذي يتساءل البعض عن مشاركته، لن يكون بعيداً عن تكرار شكل مشاركاته السابقة بغير حزبيين يضع لائحة بأسمائهم وفرضيات الحقائب التي يمكنهم توليها بالتناسب مع حجم الحزب النيابي، كما فعل في المرات السابقة. وهذا يعني أن لا قيمة فعلية للكلام الأميركي عن استبعاد الحزب عن الحكومة الجديدة، أسوة بما سبقها. وذكرت المصادر بكلام نائب وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل عن التعاون مع حكومات يشارك فيها حزب الله، وكان موقف كتلة الوفاء للمقاومة عن تسهيل مهمة الرئيس المكلف كما موقف رئيس الكتلة القومية النائب أسعد حردان بعد مشاركة الكتلتين في المشاورات التي أجراها الرئيس المكلف، عن أولوية الإصلاح والحاجة لوزراء يتمتعون بخلفية سياسية بمثل تمتعهم بالكفاءة، نافياً بدعة غير المسيّسين، تعبيراً عن حقيقة ما تمّ التلاقي عليه خلال المشاورات التي رافقت تسمية الرئيس مصطفى أديب، بالتوافق على وزراء يتمتعون بالكفاءة لكنهم يعبرون عن التوازنات السياسية والنيابية.
استشارات عين التينة
وبعدما قال الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون كلمته وأبلغ وصاياه للمعنيين ومشى مغادراً بيروت الى بغداد في جولة يقوم بها في المنطقة، استكمل السياسيون الحلقة الثانية من المبادرة الفرنسية التي بدأت بتسمية الرئيس المكلف مصطفى أديب لتأليف الحكومة الجديدة. فيما بدأت حقيقة الموقف الأميركي تتظهر جلياً حيال المبادرة الفرنسية، لا سيما التنسيق بين الفرنسيين والاميركيين في لبنان، كما عبر وزير الخارجية الأميركي أمس.
وبعد جولته على رؤساء الحكومات السابقين وتفقده المناطق المتضررة جراء انفجار مرفأ بيروت، استأنف الرئيس المكلف نشاطه الدستوري بإجراء الاستشارات النيابية غير الملزمة في عين التينة.
ووصفت مصادر نيابية مشاركة في الاستشارات الأجواء بالإيجابية، مرجّحة أن تنسحب ايجابيات التكليف على مسار التأليف الذي لن يكون طويلاً لكن إنما الأعمال بالنيات، مشيرة لـ”البناء” الى أنه “على جميع القوى السياسية أن تترجم اعلان استعدادها لتسهيل التأليف على أرض الواقع والإقلاع عن منطق التحاصص والشروط والشروط المضادة، لأن البلد لم يعد يحتمل هذه المناكفات السياسية في ظل الظروف الكارثية التي يمر بها لبنان”.
وفي ما يتم التداول بتشكيلات وأسماء للحكومة الجديدة تنتظر الإعلان عنها، أوضحت مصادر مطلعة لـ”البناء” إلى أن “كل ما يتم تداوله عن أسماء وتشكيلات غير صحيحة وللاستهلاك الإعلامي فقط”، مضيفة أنه “لم يتم الدخول الى الأسماء ولا الى تفاصيل الحكومة من هيكليتها وشكلها وكيفية توزيع الحقائب وإسقاط الاسماء عليها الذي يحتاج الى جولة مشاورات أخرى بين الرئيس المكلف والكتل النيابية التي أبدت استعدادها للمشاركة في الحكومة”. وتوقعت المصادر أن يتم تذليل كل العقد التي قد تواجه التأليف، مضيفة أن وزارة المال لن تكون عقدة أيضاً. مرجحة ان تولد الحكومة في النصف الثاني من الشهر الحالي”، كما توقعت أن تتمكن الحكومة من “الإقلاع والانطلاق نحو إنجاز الاصلاحات المطلوبة وفقاً للورقة الفرنسية لسببين: الأول وجود إرادة دولية متمثلة بالرئاسة الفرنسية شخصياً لمتابعة مراحل تنفيذ المبادرة الفرنسية بشكل تفصيلي، والثاني وجود رئيس للحكومة وحكومة يحظيان بدعم أغلب الكتل النيابية”.
وأشارت أوساط نيابية مطلعة على موقف حزب الله لـ”البناء” الى أن “الحزب سيقدم كل التسهيلات لولادة الحكومة الجديدة وسيعمل ايضاً مع الرئيس المكلف وكل الوزراء على النهوض بالحكومة وتفعيل انتاجيتها الى الحد الأقصى لا سيما على صعيد المعالجات السريعة للأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية اضافة الى مكافحة الفساد”، مضيفة أن حزب الله “لم يكن مشاركاً عملياً في حكومة الرئيس حسان دياب ولن تكون مشاركته في الحكومة الجديدة عقدة امام التأليف”. وأبدى حزب الله ارتياحه بحسب المصادر لـ”الخطاب الفرنسي الذي عبر عنه الرئيس ماكرون في أكثر من مناسبة لا سيما مجاهرته اللافتة بالدفاع عن حزب الله واعتباره قوة لبنانية اساسية تمثل شريحة واسعة من الشعب اللبناني لا يمكن تهميشها أو مواجهتها وضرورة الحوار معها للنهوض بالبلد”. مشيرة الى أن “هذا الكلام الفرنسي اعتراف رسمي غربي بقوة وشرعية حزب الله ودوره على الساحة السياسية الوطنية”.
وعن الموقف الأميركي من الحزب، لم تلاحظ الأوساط تغييراً في اللهجة الأميركية ضد الحزب منذ سنوات إنما الجديد هو اقتناع الأميركيين بالعجز عن فصل حزب الله عن نسيجه الاجتماعي والسياسي والوطني وفكه عن حلفائه أو فك حلفائه عنه، كما تسليمه ولو مرحلياً بضرورة فصل المواجهة مع الحزب وإيران عن الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان. مضيفة أن “الاميركيين لا يستطيعون تعطيل تأليف حكومة جديدة رغم محاولاتهم الدائمة للتدخل في التأليف وفرض شروط سياسية وأمنية تخدم مصلحة اسرائيل”، مشيرة الى ان “تنسيقاً واضحاً بين باريس وواشنطن أنتج التسوية الجديدة”. وأعربت المصادر عن استعداد حزب الله لـ”التعاون مع الفرنسيين وللحوار المرتقب على ملفات داخلية كقانون الانتخاب وطبيعة النظام وغيرها من الملفات”، لكنها لفتت الى أن “الحزب لن يقدم تنازلات تتعلق بالسيادة والحقوق الوطنية”.