معركة أولي البأس

لبنان

لبنان يتهيّب لـ
18/06/2020

لبنان يتهيّب لـ"قانون قيصر" ودعوة لإجتماع حواري

ركّزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على مخاطر "قانون قيصر" على الساحة الداخلية وكيفية مواجهته في ظل تصاعد الأزمات المالية والاجتماعية التي تخيم على لبنان، إذ بدأت تداعيات هذا القانون تضغط بقوة على الحكم والحكومة والقوى السياسية للاسراع في اتخاذ خطوات تحمي لبنان من مزيد من الاستنزاف.

وفي ظل هذا الواقع الطارئ اتخذ الكلام عن اجتماع حواري في بعبدا بعداً أشد الحاحاً لجهة تحديد جدول اعمال للاجتماع يوازي بأولوياته الخطورة البالغة للاوضاع. لكن المناخات الداخلية في الساعات الاخيرة لم تظهر مؤشرات ايجابية بعد لا لجهة تأكيد المشاركة السياسية الواسعة في الاجتماع بحيث لا تزال معظم الشخصيات والجهات المدعوة مبدئياً الى الاجتماع تتريث في تحديد موقفها ومشاركتها.

"الأخبار": قيصر لحصار المقاومة: الجولة الأخيرة... بدأت

بداية مع صحيفة "الأخبار" لفتت الى أنه مرور اليوم الأوّل على دخول قانون «قيصر» الأميركي حيّز التنفيذ. جميع الأطراف المعنيين، من واشنطن إلى موسكو وطهران وبكين، مروراً بدمشق وبيروت، بدأوا ينشغلون بتظهير مواقفهم. مواقف، رغم تفاوت حدّتها واختلاف وجهتها، فهي تتقاطع عند تأكيد أن المرحلة المقبلة ستطبع الخارطتين الميدانية والسياسية في الإقليم. يريد الأميركيون من عقوبات «قيصر» قواعد تحكم جولة جديدة من الصراع في الإقليم، تعوّض التوازنات التي اهتزّت بفعل نتائج الميدان في السنوات الأخيرة، والنتائج العكسية للرهان على ضرب سوريا وإسقاطها. تحرص واشنطن على تطبيق متشدد للعقوبات حتى فكفكة السلطة المركزية في سوريا وإخضاعها بسلاح التجويع. اللوائح الأولى، مرفقة بتهديدات بمعاقبة الحلفاء العرب، بمن فيهم الإماراتيون، تؤكّد حجم الحرص الأميركي على الأخذ بمستوى لا هوادة فيه من المواجهة. على الضفة المقابلة، حلفاء سوريا، الإقليميون والدوليون، يجمعون على أن خسارة هذه الجولة، بسلاح الاقتصاد الحصار والتجويع هذه المرّة، خيار غير وارد.

عملياً، المعركة الأميركية باسم قانون «قيصر»، تستهدف علناً تغيير الموقف السياسي للحكم في سوريا. وهو تغيير ينشد تسوية مع القوى الإرهابية التي خرّبت سوريا وعبثت بدولتها وشعبها. وهي تسوية يريدها الأميركيون بهدف تعديل جوهري للسياسات في بلاد الشام، بغية إبعادها عن محور المقاومة. إنها المعركة الجديدة الهادفة إلى ضرب محور المقاومة في سوريا، ولكن في لبنان والعراق أيضاً. هي معركة واضحة ضد المقاومة. وبهذا الوضوح، يتعامل معها محور المقاومة بكل حكوماته وقواه. وربما كان كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله واضحاً في أبعاده المباشرة، خصوصاً عندما ردّ على محاولة تخيير الناس بين سلاح المقاومة ولقمة عيشهم، قائلاً: سنحمي سلاحنا وسنقتلكم!

ترزح سوريا فعلاً، تحت وطأة عقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أدّت إلى تجميد أصول للدولة ومئات الشركات والأفراد. وتمنع واشنطن، أصلاً، صادرات واستثمارات الأميركيين في سوريا والتعاملات في مجالات النفط والغاز ومنتجاتهما. وهي تضغط أيضاً، على حلفائها في العالم، وخصوصاً جيران سوريا، كالأردن ولبنان، للانخراط في جهود خنق سوريا. كما تحتلّ بالتعاون مع «قوات سوريا الديموقراطية»، حقول النفط والغاز في شرقي الفرات، وتمنع الشعب السوري من عائدات الآبار التي تنهبها لـ«تمويل أعمالها الحربية في سوريا»، كما تزعم. ولكن العقوبات الجديدة، بنسخة «قيصر»، تعرّض أي متعامل مع سوريا، بصرف النظر عن جنسيته، للعقوبات وتجميد الأصول. كما تشمل العديد من القطاعات الأخرى، على رأسها قطاع التعاملات المالية. بالإضافة إلى أنها تشمل من يتعاملون مع كيانات في روسيا وإيران، أو حزب الله.

وأكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في سياق إعلانه دخول قانون «قيصر» حيّز التنفيذ، أنه «يتوقع العديد من العقوبات الإضافية، ولن نتوقف إلى حين توقف الأسد ونظامه عن حربهما الوحشية». ووصف العقوبات بأنها «بداية ما ستكون حملة متواصلة من الضغوط الاقتصادية والسياسية لحرمان نظام الأسد من العائدات والدعم الذي يستخدمه لشن الحرب». وأفاد بومبيو بأن الولايات المتحدة تمضي قدماً بحملة الضغط «بتعاون كامل من دول أخرى متفقة معها»، في هذا الصدد. كذلك، أفادت المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأميركية، جيرالدين غريفث، بأن «قانون قيصر صارم، ويشمل بنوداً مهمة ضد كل من يتعامل مع الحكومة السورية»، وهو يستهدف «الحكومة السورية ونشاطاتها بشكل أساسي... لا الشعب السوري». واعتبرت غريفث أنه «ليس هناك حل عسكري للأزمة في سوريا، ونهدف إلى دفع الحكومة للحل السياسي»، محددة أن واشنطن تريد «إخراج جميع القوات الإيرانية والموالية لها وحزب الله من سوريا». في السياق نفسه، هدّد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، في تصريح مباشر، الدول العربية وخصوصاً دولة الإمارات بالعقوبات، مؤكداً أن أبو ظبي «تدرك أننا نعارض بشدة التقارب الدبلوماسي مع النظام السوري».

وصدرت مساء أمس، من واشنطن، الحزمة الأولى من العقوبات في إطار قانون «قيصر». مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، فرض عقوبات على 24 من الأفراد والكيانات الذين يدعمون الرئيس السوري بشار الأسد في جهود إعادة إعمار البلاد التي دمّرتها الحرب. وأعلنت الوزارة، في بيان، أن الإجراءات تمثّل «الخطوة الأولى التي تتخذها الخزانة الأميركية لفرض عقوبات بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، الذي وقّعه الرئيس دونالد ترامب في نهاية عام 2019».


النهار: أي "حوار" بين مطرقة قيصر وسندان نصرالله ؟

بدورها صحيفة "النهار" رأت أن أي حوار يمكن ان يعقد في قصر بعبدا ما لم يقترن بضمانات جادة ان يؤدي الى خلاصات سياسية توفر للبنان استعادة الحد الادنى من استقلالية قراره الوطني بما ينجيه من عاصفة ارتباطات القوى الحليفة لمحور "الممانعة" بالنظام السوري؟ وهل تتوافر معايير حوار كهذا في خلفيات مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الدعوة الى اجتماع "وطني" في 25 حزيران الجاري، بما يعني اخذ المواقف المعارضة لمجمل سياسات العهد وحلفائه في الاعتبار واعلان قرارات وخطوات على اساسها نتائج حوار حقيقي وليس شكلياً؟ الواقع ان مصير الاجتماع الذي يزمع قصر بعبدا توجيه الدعوات اليه والذي سيضمّ الى رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، الرؤساء السابقين للجمهورية والحكومة ورؤساء الاحزاب والكتل النيابية، اتخذ أمس طابعاً اختبارياً من شأنه ان يقرر في الايام القريبة ما اذا كان ممكناً ان يشكل محطة سياسية نوعية تبنى عليها رهانات لتبديل الاتجاهات السلبية المتحكمة بالبلد سياسياً واقتصادياً ومالياً، أو تسقطها سلفاً الحسابات المتعاكسة بين العهد وحلفائه والقوى والشخصيات الاخرى المناهضة لسياساتهما.

وبدا واضحاً أن لبنان بدأ أمس مسار انزلاقه الى موقع دراماتيكي جديد مع بدء سريان "قانون قيصر" الاميركي للعقوبات على النظام السوري الذي شكلت الدفعة الاولى منه في حق عشرات المسؤولين والكيانات في سوريا وعلى رأسهم الرئيس السوري بشار الاسد وزوجته اسماء نموذجاً مبكراً الى مدى التشدد الذي يطبع هذا القانون الذي لن يكون لبنان بمنأى عن مفاعيله وعقوباته سواء في ما يتصل بمسؤولين وسياسيين وحزبيين يقيمون علاقات وثيقة مع النظام السوري، أو بمؤسسات وشركات وافراد قد تكون اعمالهم ومصالحهم في سوريا مهددة بالعقوبات الاميركية الجديدة. وفي ظل هذا الواقع الطارئ اتخذ الكلام عن اجتماع حواري في بعبدا بعداً أشد الحاحاً لجهة تحديد جدول اعمال للاجتماع يوازي باولوياته الخطورة البالغة للاوضاع في لبنان سواء من الناحية الداخلية في ظل تصاعد الازمات المالية والاجتماعية، أو من الناحية الخارجية التي باتت تداعياتها تضغط بقوة على الحكم والحكومة والقوى السياسية للاسراع في اتخاذ خطوات تحمي لبنان من مزيد من الاستنزاف في ظل قانون قيصر. لكن المناخات الداخلية في الساعات الاخيرة لم تظهر مؤشرات ايجابية بعد لا لجهة تأكيد المشاركة السياسية الواسعة في الاجتماع بحيث لا تزال معظم الشخصيات والجهات المدعوة مبدئياً الى الاجتماع تتريث في تحديد موقفها ومشاركتها، ولا لجهة بلورة السيناريو الذي يفترض ان تنعقد الجلسة الحوارية على أساسه وجدول الاعمال الذي يجب ان تتمحور عليه المناقشات وخلاصاتها. ولعل ما زاد الاجواء الضبابية بل المشدودة حيال أي حوار محتمل، المفاعيل السلبية للكلمة التي ألقاها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مساء الثلثاء والتي اتسمت بمنسوب مرتفع من الحدة والتصلب حيال موضوع قانون قيصر مستبقا كالعادة موقف الدولة والقوى السياسية وواضعا لبنان في فوهة التداعيات المكلفة للصراعات الاقليمية والدولية وتورطات الحزب في حروبها وميادينها. وذهبت أوساط معارضة للعهد وحليفه "حزب الله" الى التعبير عن تشاؤمها المتزايد من تداعيات التطورات المقبلة على المنطقة ولبنان في ظل المواقف التي اعلنها نصرالله من دعوته الى مواجهة "قانون قيصر" أو امعانه في التصويب على تغيير هوية الاتجاهات الاقتصادية للبنان والاصرار على الاتجاه نحو"الشرق" أي في اتجاه الصين وايران، أو من خلال التصعيد الخطير الذي برز في بعض الرسائل التهديدية في رده على موضوع المطالبة بسحب سلاح "حزب الله" والذي ذهب الى حدود التهديد بالقتل. وتقول هذه الاوساط انه من غير المفهوم كيف يمكن تلبية دعوة القصر الجمهوري الى "حوار" فيما يستبقه نصرالله برسم خريطة الطريق وبالتفرد الاستباقي بالمواقف حتى من دون مراعاة حلفائه وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ولا الحكومة التي تعمد ان يمننها بانه ليس في وارد تبديلها حالياً. وتالياً فان الشكوك تبدو منطقية في نتائج هذا الحوار الذي ان عقد سيكون بين مطرقة "قانون قيصر" وسندان تورطات "حزب الله".

 

"البناء": اليوم الأول من تطبيق قانون قيصر: عقوبات تجدّد ‏عقوبات قديمة

أما صحيفة "البناء" رأت أن الحكومة اللبنانية ستناقش اليوم كيفية التعامل مع قانون قيصر للعقوبات على سورية، في ضوء معادلتين، واحدة رسمتها عقوبات اليوم الأول التي كرّرت عقوبات قديمة كاشفة أن لا جديد في الجعبة الأميركية سوى ما ترتبه الحرب النفسية التي ترافق الإعلان عن دخول القانون حيز التنفيذ، والثانية فيما ظهر من ردود أفعال منها موقف روسيا كمعنيّ أول بالعقوبات اعلن رفضه الانصياع، وأهمها ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لجهة رفض مساهمة لبنان بأي شكل بالعقوبات على سورية، التي تشكل عقوبات على لبنان الذي لا يملك حدوداً برية اقتصادية إلا مع سورية.

في جديد تداعيات كلام السيد نصرالله، محاولات أميركية توزعت بين سفارتها في لبنان ومندوبها الخاص لسورية، وصولاً للناطقة بلسان الخارجية الأميركية، وكلها تركز على أن حزب الله سبب أزمة لبنان الاقتصادية والمالية، وأن العقوبات على سورية لا تستهدف لبنان بل داعمي الرئيس السوري، لكنها جميعاً عجزت عن تقديم أجوبة تفكّك مضمون المرافعة التي قدّمها السيد نصرالله لتقديم واشنطن كمسؤول أول عن أزمة لبنان، خصوصاً في مجال محاولة النيل من ثوابته السيادية بمقايضتها بمنحه فرصة الحصول على الدولارات اللازمة لدورته الاقتصادية.

ما حاولت واشنطن إخفاءه في ردود أفعال مسؤوليها، الذين لم يستطيعوا إخفاء اهتمامهم بكلام السيد نصرالله، لكنهم حاولوا تجاهل المعادلات التي رسمها لجهة الحديث عن التمسك بالسلاح، والردّ على محاولة القتل بالاستعداد للقتل ثلاثاً، شكّل محور الاهتمام الأول لعدد من المحللين في كيان الاحتلال، حيث توزّع المحللون بين داعٍ لقراءة الكلام كتهديد مباشر بالردّ على أي تصعيد مؤذٍ في الحرب المالية بتصعيد عسكري يكون كيان الاحتلال ميدانه والمستهدف الرئيسي فيه، وبالتوازي تركيز على كون كلام السيد نصرالله ليس كلاماً عادياً ولا يطلق تهديدات في الهواء، فظهر مَن يستنتج أن هذا الكلام دليل على أن جهوزية حزب الله لاستخدام صواريخه الدقيقة بلغت مرتبة تتيح له التهديد بالحرب، وتوقف آخرون أمام حرب النفط والغاز بين لبنان والكيان وتوقعوا أن تشهد تطورات تصعيديّة قد تتمثل بإعلان لبنان تلزيم أعمال التنقيب في نقاط التنازع الجغرافي مع الكيان، ومبادرة حزب الله إعلان الاستعداد لاستهداف أي محاولة لبحرية جيش الاحتلال أو للشركات المستمرة بعقود مع حكومة الكيان للدخول إلى المنطقة الاقتصادية التي يعتبرها لبنان جزءاً من سيادته.

على ضفة موازية صدر كلام واضح عن السفارة الصينيّة، بمثابة تعقيب تأكيدي على كلام السيد نصرالله، أعلنت خلاله السفارة الاستعداد للتعاون العملي مع الجهات اللبنانية، في إطار خطة الحزام والطريق، وهذا يعني أن الالتزام الصيني بتقديم التمويل لمشاريع تهم لبنان سيكون مرتبطاً بمدى وقوع هذه المشاريع ضمن خطة الحزام والطريق التي تهدف لربط الصين بأسواق طريق الحرير التقليديّة، وهذا معناه وفقاً لمصادر دبلوماسية متابعة لخطة الحزام والطريق، أن لا تمويل صينياً لمشاريع تنفذها شركات غير صينية كما كانت تسعى محاولات بعض الوزراء في الحكومة. فالتمويل مربوط بخدمة الخطة، أي قيام الشركات الصينية بتنفيذ وتشغيل المشاريع، خصوصاً سكك الحديد والطرق الدولية والمرافئ ومعامل الكهرباء وشبكات الاتصالات.

وفيما تتجه الأنظار الى بعبدا التي تشهد حواراً سياسياً وطنياً جامعاً في 25 الحالي بدأ التمهيد له عبر لقاءات ثنائية بين القيادات السياسية، بقي الاهتمام منصباً على مواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس الأول، والتي شغلت الأوساط الدبلوماسية والسياسية في لبنان والخارج لما تضمنته من رسائل مشفرة، لكنها تحمل تهديدات واضحة ومباشرة للأميركيين تصل الى حدود المواجهة العسكرية مقابل الحرب الاقتصادية التي تقودها أميركا على لبنان وسورية.

إقرأ المزيد في: لبنان