لبنان
السيد نصر الله يرسم حدود مواجهة الحرب الاقتصادية
تناولت الصحف الصادرة صباح اليوم أبرز المواقف التي أصدرها الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله ليل امس، والتي تمحورت على كيفية مواجهة الحرب الاقتصادية وأزمة الدولار المفروضة من قبل الولايات المتحدة، مقدما الحلول البديلة، داعيا إلى الوحدة الداخلية وعدم الانجرار وراء الفتنة.
السيد نصر الله طالب بالذهاب شرقا وعدم الخضوع للأمريكي، محذرا من قانون قيصر وتبعاته على لبنان.
كما كان بارزا التحضيرات لدعوة رئيس الجمهورية ميشال عون الى "اجتماع وطني" يعقد الخميس في 25 من الجاري المقبل في القصر الجمهوري، انطلاقا من التطورات الحاصلة محليا واقليميا.
إلى ذلك بدأت بوادر أزمة صحية تبرز في البلاد، من باب نقص بعض الأدوية والمستلزمات الطبية، لا سيما بعد بيان لنقابة المستشفيات لوّحت فيه بعدم استقبال المستشفيات سوى الحالات المرضية الطارئة والحرجة.
"البناء": السيد نصر الله: معادلتنا: لن نجوع ولن نترك السلاح
توّج السيد حسن نصرالله مقاربته للمواجهة الدائرة تحت عنوان الحرب المالية، بمناقشة مضمون المعادلة التي يعرضها الأميركي، وملخصها هو محاولة مقايضة خطر الجوع بالتنازل عن مصادر القوة وفي مقدمها سلاح المقاومة، كطريق لحماية أميركا لأمن كيان الاحتلال، وفرض مصالح الكيان خصوصاً في ملف النفط على حساب لبنان، ورسم السيد معادلة تعمّد إبقاءها عنواناً عاماً دون تفاصيل بقوله للأميركي بلسان اللبنانيين، أنت تعرض عليّ الجوع أو التخلي عن السلاح، وتهدد بقتلي في النهاية. والجواب هو أننا لن نجوع ولن نترك السلاح ونحن سنقتلك، مكرراً سنقتلك ثلاث مرات، تأكيداً على المعنى.
مصادر سياسية قرأت في كلام السيد نصرالله بداية مرحلة جديدة على مستوى مواجهة محور المقاومة للعقوبات الماليّة الأميركيّة التي رسم السيد نصرالله بلسان المحور أهدافها، بتأمين أمن كيان الاحتلال، ومضمون المرحلة الجديدة، توفير مقدرات اقتصادية عنوانها تشبيك وتبادل اقتصادي، من دون المرور بالدولار الأميركي، سواء عبر التبادل العيني أو التبادل بالعملات الوطنية، أو التمويل الميسّر الذي يمكن للصين تقديمه، لكن في نهاية المطاف إذا توهّم الأميركي أن السلاح سيبقى صامتاً مهما بلغت الأزمة الاقتصادية من مراتب، فهو واهم، لأن معادلة أمن الكيان في الميزان والميدان ستكون الوجهة التي تغيّر المعادلة.
أكّد الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله انّ «الحديث عن استقالة الحكومة من الشائعات التي تسري في البلد ولم نتطرّق إلى هذا الموضوع وليس له أي أساس من الصحة»، مشدداّ على انّ «إسقاط الحكومة ليس مطروحاً على الإطلاق».
وقال: «في ظلّ ما يمرّ به البلد من الضروري التهدئة، ومن الطبيعي أن ندعم خطوات التقارب بين القيادات السياسية كالتي حصلت بالأمس في عين التينة».
وعن تظاهرة 6 حزيران، أشار نصرالله الى انّ «تحميل حراك 17 تشرين شعار نزع سلاح «حزب الله» هو أمر خاطئ وظلم لهم»، داعياً إلى «الفصل بين التعبير عن رفض سلاح المقاومة، وهذا أمر مشروع، وبين التعبير عن الأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة».
ورأى انّ «الأشخاص الذين يقفون وراء تظاهرة 6 حزيران معروفون، وأقول لهم يمكنكم الكلام عن رفض سلاح «حزب الله» إلا أنّ الطريقة خاطئة وأنتم تحتاجون إلى إقناع جمهور المقاومة بالمنطق البديل ولن تستطيعوا تغيير الواقع بالشعارات».
وأكد انّ «موقف الحزب حاسم لناحية عدم الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة وعدم التعرّض للجيش والقوى الأمنية وتجنّب الشتم وعدم قطع الطرقات، وخدمة المطالب الحياتية الاجتماعية والضغط على الحكومة لا يكونان بهذه الطريقة».
"الأخبار": نصرالله: سنردّ على الحصار
وردّ نصرالله على محاولات التجويع الأميركية، بالقول: «إذا كنتم تراهنون أننا سنجوع ونترك البلد يجوع، فهذا لن يحصل». وقال إنه «يمكن أن نجد دولة إقليمية صديقة مثلاً إيران وأن تبيعنا بنزين، غاز، مازوت، فيول، مشتقات نفطية، واحتياجات أخرى بدون دولار؟ هل هذا ممكن؟ نتيجة التجارب السابقة على اللبناني أن يقبل أولاً قبل أن نبحث مع الإيراني وغير الإيراني». وقال إن «هذا يحرك العجلة الاقتصادية ويرفع سعر العملة اللبنانية لأنه يقلل الطلب على الدولار وله ايجابيات ضخمة. هذا باب فرج كبير جداً للبنان. أقول للشعب اللبناني لا تيأس وهناك خيارات ويجب أن تساعدنا اذا رفض المسؤولون اللبنانيون خوفاً من الأميركيين».
وحول العلاقة مع الصين، كشف نصرالله أن لديه «معلومات أكيدة أن الشركات الصينية جاهزة لتبدأ بإحضار أموال الى البلد، لمشاريع القطار السريع والسكك الحديدية من طرابلس الى الناقورة، وكذلك بالنسبة لمعامل الكهرباء على طريقة الـBOT». وتوجّه للبنانيين بالقول «بصراحة نحن لا يمكن أن نستمر كذلك، أميركا تستخدم لبنان واقتصاده لتحقيق مصالحها، لا شيء اسمه مصالح لبنانية في العقل الأميركي بل مصالح أميركية في لبنان». وأعلن نصرالله بوضوح إنه: «إذا أوصلونا إلى معادلة السلاح مقابل الغذاء، نحن لدينا معادلة لن نقبل أن نسلم فيها»، قائلاً: «من يحمي الناس ولبنان مقابل إسرائيل؟ للذي يضعنا بين خيارين: إما نقتلكم بالسلاح أو بالجوع أقول، سيبقى السلاح بين يدينا ونحن سنقتلك، سنقتلك، سنقتلك».
إذا أوصلونا إلى معادلة السلاح مقابل الغذاء لدينا معادلة لن نقبل أن نسلم فيها
وحول قانون قيصر، اعتبر أنه «آخر الأسلحة لمحاصرة سوريا والضغط عليها وتجويع الشعب السوري وضرب الليرة». وأكّد للشعب السوري أن «حلفاء سوريا الذين وقفوا معها بالحرب العسكرية والسياسية لن يتخلوا عنها في مواجهة الحرب الاقتصادية ولن يسمحوا بسقوطها». وأشار إلى أن «قانون قيصر يلحق الأذى باللبنانيين كثيراً، فرص السوري لاستيعاب قانون قيصر أكبر. سوريا هي المنفذ البري الوحيد للبنان، من يدعو لاغلاق الحدود مع سوريا، سيدعونا لفتح الحدود مع اسرائيل وهذه الحدود تفتح مع بعض الدول العربية علناً، لكن ذلك غير وارد في لبنان».
ونفى الحديث عن استقالة الحكومة أو وجود نية لاسقاط الحكومة، داعماً «خطوات التقارب بين القيادات السياسية وخطوات التهدئة كما حصل بالأمس في عين التينة برعاية دولة الرئيس نبيه بري بحضور قيادات الطائفة الدرزية».
وانتقد ما حصل في تظاهرة 6 حزيران، و«إدخال مطلب الـ1559 على هذا النوع من القضايا والمطالب له نتائج سلبية، لأنه يؤدي إلى الانقسام... وبدا بواقع الحال تحركا هزيلاً وفاشلاً».
وأعطى نصرالله وقتاً مطوّلاً للحديث عن الاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة والجيش والقوى الأمنية وقطع الطرقات الذي حصل قبل أيام في بيروت وطرابلس، مؤكّداً أن لا أحد يريد الذهاب إلى الفوضى. وقال إنه «ليس معقولاً أن نضع البلد وشعبنا كله بين يدي عملاء وسفهاء، بين يدي جواسيس وجهلة، ويجب أن نتصرف بمسؤولية». واعتبر أن هذه الأحداث «مدانة بكل المعايير، شرعاً، ديناً، قانوناً، أخلاقاً، ولا شيء يبرر على الإطلاق حرق المحلات والبيوت والدكاكين والمكاتب.».
وطالب «رسمياً الأجهزة الأمنية والأجهزة القضائية وهذه الأفلام موجودة، بتعقب أولئك الذين دمروا وأحرقوا وخربوا، تفضلوا، اعرفوا من هم، حددوهم، استدعوهم الى التحقيق وأمام الناس كلهم قولوا من هم، وما هي انتماءاتهم السياسية، وهل أحزابهم هي التي أرسلتهم أو لا؟». وقال إنه «أخذنا قراراً نحن وحركة أمل أن ننزل على الشارع، لضبط الفوضى طبعاً بدون سلاح، وقمنا بعملية تواصل واسعة جداً في الضاحية الجنوبية، بحثنا عن الدراجات النارية، وبذلنا كل الجهد الذي يمكن أن يبذل يوم السبت والأحد لأننا لا نريد لشارع أن يفلت على شارع ولا نريد أن نُحمّل المسؤولية». وردّ على الذين يقولون «أمن ذاتي»، إن ما «قمنا به من أجل أن لا تحصل فتنة في لبنان، لا فتنة مذهبية ولا فتنة طائفية ولا فتنة سياسية، من أجل أن لا يعاد إحياء خطوط تماس في لبنان، نحن سنفعل أي شيء، وقولوا أمن ذاتي وقولوا ما تريدون، هذا كلام ليس له قيمة عندما تصبح المصلحة الوطنية الكبرى تهدئة الشارع».
"الجمهورية": "إجتماع وطني" في بعبدا الأسبوع المقبل
وفي الوقت الذي دخل لبنان مدار «قانون قيصر» ضد سوريا الذي سيباشر تنفيذه اليوم، وفي ضوء التطورات النقدية الاخيرة والمسار المتعثّر مع صندوق النقد الدولي دعا رئيس الجمهورية ميشال عون الى «اجتماع وطني» يعقد الخميس في 25 من الجاري المقبل في القصر الجمهوري.
وقالت مصادر معنية لـ»الجمهورية» انه من المبكر البحث في جدول اعمال هذا الاجتماع الموسّع بعدما تسرّبت الدعوة اليه من خارج القصر الجمهوري قبل اسبوع من موعده. ولفتت الى انه يتخذ هذه المرة شكلاً جديداً مغايراً للقاءين السابقين اللذين عقدا في بعبدا في 2 ايلول العام الماضي وفي 6 ايار المنصرم على مستوى رئيسي مجلس النواب والحكومة ورؤساء الكتل النيابية الـ 13، بعدما شملت الدعوة هذه المرة رؤساء الجمهورية الثلاثة السابقين: امين الجميل، اميل لحود، ميشال سليمان، ورؤساء الحكومة السابقين: فؤاد السنيورة، نجيب ميقاتي، سعد الحريري، تمام سلام، بالإضافة الى رؤساء الكتل النيابية الـ14 ونائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي.
وأشارت هذه المصادر الى انّ الفكرة انطلقت على خلفية حرص رئيس الجمهورية على احاطة المدعوين الى اللقاء برؤيته حيال المستجدات الامنية والنقدية، وما يحوط بلبنان من تطورات بعد المباشرة بتطبيق قانون «قيصر» الاميركي ضد سوريا من اليوم، وما يمكن ان تكون له من انعكاسات على الوضع في سوريا والدول المجاورة لها ولا سيما منها لبنان لأنه هو من اكثر المتضررين ممّا يجري هناك.
وقالت المصادر «انّ كل ما يجري على الساحة اللبنانية يثير القلق من التوترات التي توحي بتجديد مشاريع الفتنة المذهبية وما بلغه الوضعان الاقتصادي والنقدي يستدعي التشاور مع المرجعيات والسياسية والحزبية والنيابية». ولفتت الى انّ رئيس الجمهورية أجرى مشاورات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة حسن دياب انتهت الى تأييدهما هذا اللقاء الشامل والجامع. وفي الوقت الذي تعهّد رئيس مجلس النواب توجيه الدعوات الى رؤساء الكتل النيابية، سيوجّه رئيس الجمهورية الدعوة الى المدعوين الآخرين في الساعات المقبلة بغية ضمان حضورهم.
ورداً على سؤال عن الخشية من احتمال مقاطعة البعض لمثل هذا الإجتماع كما جرى في لقاء 6 أيار الذي قاطعه عدد من رؤساء الكتل النيابية، قالت المصادر لـ«الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية «يرغب الوقوف على آراء الجميع، وهو في دعوته إيّاهم قصدَ التشاور مع القادة الكبار بعيداً من المعايير المرتبطة بالخلافات السياسية والشخصية».
بري والحريري
الى ذلك كان هذا «الإجتماع الوطني» موضع بحث في جانب من اللقاء الذي انعقد في عين التينة بين بري والحريري، وتناول بالبحث الأوضاع العامة وآخر التطورات.
وقد دام اللقاء لأكثر من ساعة ونصف الساعة وتخلّله مأدبة غداء. وأفادت معلومات رسمية وزّعت بعده أنه تمّ خلاله «التأكيد أن لا أولوية تتقدّم على أولوية حفظ السلم الاهلي، وضرورة تكثيف المساعي لوأد أيّ محاولة تريد أخذ البلد نحو منزلقات الفتنة». كذلك أكّد الجانبان أنّ «التخريب الذي يطاول الممتلكات العامة والخاصة، والتطاول على المقدّسات مُدانان بكلّ المقاييس، ولا يعبّران عن وجع الناس».
وكان الحريري استقبل مساء أمس في «بيت الوسط» المدير العام للامن العام اللواء عباس إبراهيم، وعرض معه الاوضاع العامة.
"اللواء":تبدد الآمال في التوصل لاتفاق مع صندوق النقد
وعلى صعيد التفاوض مع صندوق النقد الدولي، تبددت الآمال في التوصّل إلى اتفاق سريع مع صندوق النقد الدولي لانتشال لبنان من ازمته إذ تعقدت المحادثات بخلاف بين الحكومةوالبنك المركزي على حجم الخسائر في النظام المالي.
وفيما يؤكد المخاوف المتنامية، قال مصدر مطلع على سير المحادثات مع صندوق النقد إن الصندوق يريد أن يشعر بالارتياح لبدء الإصلاحات على الأقل قبل إمكان بدء المفاوضات الموسعة على اتفاق إنقاذ. ويريد الصندوق أيضا أن يشهد تقدما في تقييم الخسائر المالية التي تواجه البلاد وسن قانون جديد لحركة رؤوس الأموال. وقال المصدر إن المحادثات ما تزال في المرحلة التشخيصية.
وقال دبلوماسي دولي «نشهد تدهورا مستمرا في الوضع على أرض الواقع… المجتمع الدولي ما يزال على استعداد لتقديم الدعم لكن السلطات اللبنانية وحدها هي التي يمكنها تحقيق الإصلاح وإعادة بناء الاقتصاد».
وقال ناصر السعيدي (وهو وزير اقتصاد سابق): لا أحد سيقرض الحكومة اللبنانية.
وأضاف لـ«فرانس برس» «المصرف المركزي عمل إلى طباعة مزيد من النقد لتمويل الحكومة».
القطاع التجاري يُهدّد
وفي أوّل موقف من نوعه، هدّد القطاع التجاري بعد اجتماع جمعية تجار بيروت وكافة الجمعيات التجارية والنقابات التجارية في لبنان، عقدته في جمعية تجار بيروت «باقفال مؤسسات وصرف موظفين واستحالة دفع الرسوم والضرائب واتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية، إذا لم تستجب الحكومة لسلسلة من المطالب، تبدأ باستحداث آلية لـ«الدولار التجاري» تخفيض حجم القطاع العام، وقف التهريب، وإلغاء ضرائب 2020، والسماح للتجار بتسعير البضائع المستوردة بالدولار الأميركي، وإعادة النظر بالايجارات الباهظة التي يطلبونها من التجار..
ووصفت القطاع بأنه «الشهيد الحي» وانتقدت وصفه بالاقتصاد «الريعي».
وفيما يكشف اتحاد النقل البري عن إجراءات تتعلق بالإضراب أو الامتناع عن دفع الرسوم والميكانيك اليوم، طلبت نقابة موظفي شركتي الخليوي من جميع الموظفين «التوقف عن العمل ابتداء من هذا الصباح، وذلك بعد انقضاء المهلة التي اعطتها للمعنيين لحل مسألة صرف الرواتب في انتظار ترجمة المؤشرات الايجابية».
"النهار": صحّة اللبنانيّين في خطر
على صعيد آخر، برز الشأن الصحي في نقص بالأدوية ونقص في مستلزمات المستشفيات، وبحسب "النهار".. يروي غدي، وهو مواطن لبناني، منذ أكثر من عشر سنين، كيف قصد عيادة طبيبه المُعالج في أحد أكبر مستشفيات بيروت، ليجده يشتم ويلعن عبر الهاتف موظّف مكتب الدخول الذي اتّصل بالمرضى يعلمهم بتأجيل مواعيد عمليّاتهم الجراحيّة في اليوم التالي من دون استئذان الطبيب. لكن الجواب جاءه عبر الهاتف بأنّ المُعدّات والمواد الطبيّة الضروريّة لإجراء تلك الجراحات غير متوافرة، وأن القليل المُتوافر منها يحفظ للحالات الطارئة فقط، وأن شركة استيراد المُعدّات والمُستلزمات الطبيّة، تأخّرت في تأمين المطلوب، بسبب بطء المعاملات الإداريّة والماليّة، بعدما كفلت الحكومة عبر مصرف لبنان سداد 85% من الأثمان بالدولار المدعوم، لكن التباطؤ في بت الطلبات، يجعل استيراد المواد الطبيّة أمراً مُعقّداً، ويخضع للتأخير المُستمر.
ويتحدّث الطبيب عن تعقيدات إضافيّة باتت تؤثّر على العمل الطبي الاستشفائي، وستنعكس سلباً على مستوى الخدمات الصحيّة في وقت قريب جدّاً. فالتعرفة التي تدفعها المؤسّسات والصناديق الضامنة باتت متدنية قياساً بارتفاع سعر الدولار ازاء الليرة. والبدلات المُخصّصة للأطباء والتي كانت تُساوي مثلاً 500 دولار أميركي، قاربت المئة دولار فقط. فيما إدارات المستشفيات تُمارس تقشّفاً كبيراً في غرف العمليات، وفي كل الأقسام لضمان الاستمرار وعدم إهدار الموارد خوفاً من العجز عن استيراد بدائل من الكميات المستهلكة.
وقبل أن يدعو الطبيب مريضه إلى مُلازمة منزله أياماً، ريثما تتصل به إدارة المستشفى، بعد حلّ المشكلات العالقة، يتذكّر العلاقة المُلتبسة حاليّاً مع شركات التأمين، والتي تحدّد بدلاتها بالدولار الأميركي، لكنّها تدفعها بالليرة اللبنانيّة، وفق السعر الرسمي أي 1507 ليرات.
يخرج المريض عائداً إلى منزله، ووجع الرأس المستجدّ، والخوف على المصير، يُرافقان ألمه الجسدي الذي يتطلّب علاجاً جراحيّاً لم تعد تنفع معه الأدوية.
وفي حالة ثانية، يروي مريض حضر لإجراء جراحة، وهو مضمون لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أنّه أبلغ لدى دخوله المستشفى، أنّ الفارق الذي عليه أن يُسدِّه ونسبته عشرة في المئة من قيمة الفاتورة العلاجيّة، يتجاوز الخمسة ملايين ليرة لأنّ ثمّة "قضيب حديد" لا يدخل في حسابات الضمان الاجتماعي وثمنه يُقارب الألف دولار. وعليه أن يُسدِّد الثمن بالدولار أو وفق السعر المُتداول في الأسواق للدولار أي 4500 ليرة. نظر المريض إلى زوجته، وقرّرا معاً مغادرة المستشفى، وإبلاغ الطبيب رغبتهما في إرجاء الجراحة إلى حين توافر مبلغ الخمسة ملايين.
ويقول إنّه لدى تقديمه أوراق الدخول إلى المستشفى، قيل له إنّ عليه سداد مبلغ 1300 دولار، لكنّه احتسب الدولار على الـ 1500 ليرة الرسميّة المُعتمدة في المؤسّسات، وإذا به يفاجأ باعتماد سعر السوق ما جعل الفارق يقرب من ثلاثة ملايين ليرة لا يملكها حاليّاً، ولا يريد أن يُحمّل أبناءه الأعباء لأنّ ابنته تُرِّكت العمل وهي تُلازم المنزل مع عائلتها، وراتب نجله بالكاد يكفيه إلى آخر الشهر. والقصتان حصلتا في اليومين الاخيرين، ما يعني ان المشكلة باتت تواجه العشرات، وقد تتفاقم أكثر.
وأمس أصدرت الجمعية اللبنانية لأطباء القلب بياناً بعنوان "عذراً مرضى القلب في لبنان، لم يبقَ لنا لمساعدتكم إلّا الصراخ"، وتضمن الآتي: "أمام الشكوى المتكررة من مرضى القلب كان لا بُدّ لجمعية أطباء القلب في لبنان من رفع الصوت عالياً إستنكاراً لإنقطاع أبسط الأدوية ومنها مدر البول! وأمام هول الإستهتار نسأل: أي أمل يترك المسؤولون في هذا البلد لمواطن حين يعجزون عن أقل الواجب؟ ألا يعلم المسؤولون أن إنقطاع هذه الأدوية يؤدّي إلى ازدياد الدخول إلى المستشفيات بسبب الاختناق والذي يؤدي إلى الوفاة؟ هل على المواطن أن يدفع ثمن الإهمال، والفساد، وغياب الخطط من حياته وصحّته؟
أيّها السادة، الجميع يعلم أن هذه الأدوية تنقطع لأنّها رخيصة وغير مُربحة للمستوردين. وبالمقابل بعد تواصل جمعية أطباء القلب في لبنان مع نقابة مُصنّعي الأدوية في لبنان تأكّد لدى الجمعية القدرة على التصنيع محليّاً - فما العائق؟ إنّه غياب التخطيط اللازم. ذلك أنّ تصنيع هذه الأدوية بحاجة إلى إستثمار، ولحماية هذا الإستثمار لا بُدّ من إلتزام واضح من الدولة بهذه الحماية".
هذا الواقع المؤلم يطرح أسئلة مُقلقة عن مآل الوضع الصحّي في لبنان، وصحّة اللبنانيّين التي دخلت، أو تكاد، مرحلة الخطر الحقيقي في ظلّ عجز، أو تلكّؤ، المستشفيات عن استقبال المرضى ومعالجتهم.
ويعود التشكيك في حقيقة الوضع إلى البيان الذي أصدرته نقابة أصحاب المستشفيات في 12 حزيران وحذّرت فيه من أنّها قد تلجأ إلى "خيار واحد وهو استقبال الحالات الحرجة فقط". وجاء في البيان أنه "نظراً إلى الأوضاع المالية الراهنة فقد لجأ مستوردو المستلزمات الطبية الى إصدار فواتيرهم بالدولار الأميركي والإصرار على قبض جزء منها لا يقل عن 15 في المئة وقد يصل الى 25 في المئة أحياناً على أساس سعر صرف السوق الموازي والذي تجاوز الـ5000 ليرة، عدا عن أسعار مستلزمات الوقاية (PPEs) التي لا تباع إلا بسعر صرف السوق كونها غير مشمولة بدعم مصرف لبنان. وهذا الأمر يتسبّب بكوارث مالية للمستشفيات إن لجهة عدم توفر الدولار الأميركي لديها أو لجهة تأمين الـ 15 في المئة أو الـ 25 في المئة بسعر السوق الموازي". وأضاف البيان أن "هذا الواقع المفروض على المستشفيات يجعلها مضطرة الى عدم التمكن من اجراء معظم العمليات الجراحية وعدم استقبال العديد من الحالات الأخرى التي تستوجب مستلزمات طبية".
وأوّل من أمس أعلن وزير الصحّة حمد حسن أنّ "الوزارة في صدد المبادرة إلى إجراء مناقصة لشراء المُستلزمات الطبيّة على نفقتها، ما سينعكس تقليصاً لفاتورة المريض ولميزانيّة وزارة الصحّة العامّة". لكن مصادر مُتابعة أوضحت لـ"النهار" أنّ الآليّة لم توضع بعد، وبالتالي فإنّها تستلزم وقتاً إذا كات ستجري وفق الأصول المُعتمدة.