لبنان
الحكومة ترفض تعديل مهام اليونفيل
ركّزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على المطلب الأميركي بتعديل مهمام "اليونفيل" العاملة في الجنوب، وسط تمنع روسي وفرنسي ولبناني لتعديل القرار 1701.
وترافق هذا المطلب مع دعوات للعودة إلى الشارع تتصدّرها مجموعات وشخصيات على علاقة بالسفارة الأميركية، تحاول البحث عن طريق لتحويل الغضب الشعبي على الفساد ورموزه والمصارف التي حظيت برعاية أميركية، نحو سلاح المقاومة وتحميله مسؤولية الانهيار الاقتصادي.
"الأخبار": تباين أميركي ــ روسي حول اليونيفيل ولبنان يحسم موقفه: تمديد بلا تعديل
بداية مع صحيفة "الأخبار" التي رأت أن التباين الروسي ــ الأميركي بشأن الموقف من تعديل مهام اليونيفيل، شكّل في اجتماع بعبدا أمس، انعكاساً للمشهد المتوقّع في مجلس الأمن نهاية آب المقبل. أما لبنان، فأطلق موقفاً حاسماً على لسان رئيسي الجمهورية والحكومة برفض أي تعديل في مهام القوات الدولية.
كما شكّل الاجتماع الذي عقده رئيسًا الجمهورية ميشال عون والحكومة حسّان دياب مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أمس، نقطة مفصليّة في الاتجاه الذي سيسلكه التمديد المتوقّع لعمل القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) نهاية آب المقبل، إذ أطلق الرئيسان موقفاً واضحاً لجهة التمسّك بمهام القوة الدولية المشكّلة بصيغتها الحالية بعد حرب تمّوز 2006 وتبعاً للقرار 1701، بمهامها وعديدها، من دون أي تعديلات تطالب بها "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية وتحاول تسويقها في مجلس الأمن.
وكشفت كلمات السفراء مواقف الدول، وحساباتها، فجاءت كلمة السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، بمثابة تحذير وضغط على لبنان بالقول إن القرار 1701 لا يطبّق من الوجهة اللبنانية، مستخدمةً ذات الرواية الإسرائيلية بشأن عجز القوات الدولية عن دخول «الأملاك الخاصّة»، إذ أشارت إلى أنه «لا يمكننا القول إن التطبيق الكامل لهذا القرار (1701) قد حصل. لذا نحتاج الى النظر في زيادة فاعلية اليونيفيل الى مداها الاقصى، وإذا لم تتمكن من تحقيق ولايتها بالكامل فعلينا أن نطرح الاسئلة حول إذا ما كان عددها الحالي هو الافضل». ولفتت الى أن «الأملاك الخاصة لا يمكن لليونيفيل أن تنفذ اليها، وهذه المسألة يجب أن تعالج بصراحة ومن دون أي تردد».
في مقابل كلام شيا، أيّد السفير الروسي ألكسندر زاسبيكين الموقف اللبناني تأييداً كاملاً، وأبدى استعداد بلاده للتنسيق. وقال إن «المطلوب الاستمرار في مهمة اليونيفيل من دون تغيير في مهماتها، لأن ذلك يتجاوب مع مصالح جميع الاطراف المعنيين، لأنه يخدم الأمن والاستقرار»، مشدداً على «ضرورة وقف الخروقات الاسرائيلية لسيادة لبنان، وتقديم الدعم الدولي للبنان في الظروف الصعبة التي يعيش فيها». وبينما اكتفى السفيران البريطاني كريستوفر ماكسويل رامبلينغ والصيني وانغ كيجيان بمواقف عامة، اعتبر السفير الفرنسي برونو فوشيه أن «منطقة الجنوب هادئة، وهي من أكثر المناطق هدوءاً في الشرق الاوسط، ومهمة اليونيفيل ناجحة بشكل أساسي ونشاطها ثابت».
ويعكس التناقض في المواقف الوجهة التي سيسلكها التمديد في مجلس الأمن، حيث تستعد أميركا لمحاولة فرض تغييرات على مستوى المهام، بينما تقف روسيا وفرنسا في المواجهة، لحسابات مختلفة، حيث تعتبر روسيا، بحسب مصادر دبلوماسية، أن «أي مس بمهمة اليونيفيل يهدّد الاستقرار في الجنوب والمنطقة»، بينما تخشى فرنسا على قواتها في البعثة الدولية.
وأكّد عون تمسك لبنان باليونيفيل ودورها الإيجابي، وقال إن «التوجه إلى مجلس الأمن بطلب تمديد المهمة لسنة إضافية، من دون تعديل لولايتها ومفهوم عملياتها وقواعد الاشتباك الخاصة، والاستمرار في القيام بدورها الحيوي حاجة إقليمية لا بل دولية»، مشدداً على أن «تمسكنا بها لا يفوقه سوى تشبثنا بالحريات العامة وبسيادة لبنان التامة». لكنّه أعطى اليونيفيل أكثر ممّا تستحق، بمنحها الفضل في استقرار الجنوب، بينما تثبت الوقائع والدروس التاريخية أن معادلات الردع التي ثبتتها المقاومة بالدماء والقوة العسكرية والشعبية هي السبب الأول للاستقرار.
أما دياب، فتلا موقفاً مطابقاً لموقف عون، معدّداً الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان في المرحلة الأخيرة. وذكّر السفراء الأجانب بأن «مجموع الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية خلال العام 2019 وحده، بلغ 2551 انتهاكاً، وفي العام 2020 فقد بلغ مجموع الانتهاكات 374 في البر و386 في البحر على مدى خمسة أشهر فقط، و250 انتهاكاً في الجو على مدى أربعة أشهر».
وفيما يشتد الضغط الأميركي في الجنوب وعلى الحدود الشرقية مع سوريا، كان من المفترض أن يحل قانون «قيصر» الموجّه ضد سوريا بحزمة عقوبات قاسية على طاولة عمل اللجنة الوزارية المكلّفة بمتابعته أمس، بعد أن ورّطت الحكومة نفسها في نقاشه والخروج بموقف، كان يمكن نقاشه على المستوى السياسي لحماية الحكومة من تداعياته. وأجّلت اللجنة اجتماعها الأول إلى يوم الإثنين، على أن يحضر الاجتماع وزراء المالية والاقتصاد والداخلية والسياحة والدفاع والزراعة والطاقة والصناعة.
الضغط السياسي على الحكومة والجيش والقوى السياسية من بوابة الحاجة إلى دعم صندوق النقد الدولي لمساعدة، ومحاولات الربط بين سلاح المقاومة والانهيار الاقتصادي، يستكمل السبت، في التظاهرة التي يقف خلفها حزبا الكتائب والقوات اللبنانية وبعض المجموعات المشكّلة بعد 17 تشرين، حيث تبرز شعارات معادية للمقاومة ومطالبة بتطبيق القرار الدولي 1559. ودفع العنوان السياسي المشبوه لهذه التظاهرات التي تحمل غطاءً مطلبياً، إلى حصول انقسامات وتباينات بين تلك المجموعات والمجموعات الوطنية الأخرى التي تتحرّك في الشارع بالعناوين المطلبية من دون السير بالأجندة الأميركية والتحريض على سلاح المقاومة. ودعا العديد من الحركات والتجمّعات إلى التظاهر الجمعة تأكيداً لشعارات 17 تشرين، وتثبيتاً للتمايز عن المجموعات المنبثقة من رحم 14 آذار وتتخّذ من التحركات المطلبية عنواناً لتغيير الوجهة السياسية للبلاد.
"البناء": لبنان الرسميّ يطوّق مساعي تعديل مهام اليونيفيل بطلب تجديد الوضع القائم
بدورها صحيفة "البناء" اعتبرت أن الغياب اللبناني اللافت عن التضامن مع الشارع المنتفض في أميركا، ترافق مع دعوات للعودة إلى الشارع تتصدّرها مجموعات وشخصيات على علاقة بالسفارة الأميركية، تحاول البحث عن طريق لتحويل الغضب الشعبي على الفساد ورموزه والمصارف وسياساتها المالية التي حظيت برعاية مزدوجة من الأميركيين ومن مصرف لبنان لسنوات، نحو سلاح المقاومة وتحميله مسؤولية الانهيار الاقتصادي، ضمن تحليل يدعو ضمناً لتلبية الطلبات الأميركيّة، بربط الانهيار الاقتصادي بالغضب الأميركي على لبنان بسبب سلاح المقاومة، وما يعنيه ذلك ضمناً من دعوة لقبول الشروط الأميركية بحثاً عن هذا الرضا الأميركي، في ترسيم الحدود البحرية وفقاً لشروط كيان الاحتلال. وتسبب هذا التحرك المدعوم من السفارة الأميركية بارتباك القوى السياسية التي قدمت التغطية لتوجيه الغضب الشعبي نحو رئاسة الجمهورية، كما جاءت وصفة الدبلوماسي الأميركي السابق جيفري فيلتمان أمام الكونغرس، ويبدو تردّد تيار المستقبل وفق مصادر متابعة لمناقشاته الداخلية حول المشاركة في التحرك في السادس من حزيران، من جهة لهذا السبب والحرص على عدم الدخول في تصادم مع حزب الله، ومن جهة موازية للمعلومات الواردة حول مشاركة مؤيدي رجل الأعمال بهاء الحريري شقيق الرئيس السابق للحكومة ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري ومنافسه السياسي الجديد، وتحشيد مناصريه للمشاركة في هذا التحرك، وبينما تحدثت مصادر قريبة من الحزب التقدمي الاشتراكي من اتجاهه نحو النأي بالنفس عن التحرك، الذي ستقاطعه جماعات عديدة كانت حاضرة في انتفاضة 17 تشرين التي كان عتب رموزها على حزب الله لعدم مشاركته بها، فكيف يتحول اليوم إلى عدو يجب استهدافه ونسيان رموز الفساد والسياسات التي تسببت بالانهيار، والرعاية الأميركية لكليهما، وأشارت هذه الجماعات إلى ان ما يزيد ريبتها وشكوكها بالتحرك الملغوم هو اختيار يوم السادس من حزيران كموعد للتحرك، وهو اليوم الذي اجتاح فيه كيان الاحتلال لبنان عام 82، كأن المقصود غسل أدمغة اللبنانيين ومحو ذاكرتهم، وإعلان هذا اليوم يوماً لإطلاق تجمع جديد اسمه تجمع 6 حزيران عبر التحرك بما يشبه التحرك الذي أنتج قوى 14 آذار، على أن عنوانه نزع سلاح المقاومة، في اليوم الذي وقع فيه لبنان تحت الاحتلال.
بالتوازي على الصعيد الرسمي نجح لبنان عبر تحرك رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الخارجية بقطع الطريق على محاولات تعديل عديد ومهام اليونيفيل في جنوب لبنان من خلال صياغة مطالبة لبنانية لتجديد مهام اليونيفيل، كما هي دون تعديل، وقالت مصادر دبلوماسية إنه ما لم يطلب لبنان التعديل أو قيادة اليونيفيل ممثلة بالأمين العام للأمم المتحدة، يمكن لأعضاء مجلس الأمن اقتراح أي تعديل خلال المناقشة، لكن الطلب يفقد فرصة البحث عندما تكون رسالة طلب الدولة المعنية، أي لبنان مقيّدة ضمناً برفض أي تعديل، لأن التعديل هنا خلافاً لطلب الدولة المعنية يستدعي نقل القرار 1701 من الفصل السادس إلى الفصل السابع، وهذا غير وارد إطلاقاً، في ظل فيتو روسي صيني كان حاضراً لرفض التعديل المقترح أميركياً، فكيف عندما يصير الأمر بالانتقال إلى الفصل السابع، الذي سقط في حرب تموز 2006 عند ولادة القرار 1701.
وحذّرت مصادر سياسية وأمنية مطلعة مما يحضّر للساحة اللبنانية من اضطرابات وتوترات تهدد الاستقرار الأمني والاجتماعي، ولاحظت وجود مؤشرات عدة تدعو للقلق، لكنها أكدت وجود ثلاثة عوامل تمنع انفلات الأمور واتجاهها نحو الانهيار التام والفوضى العارمة: الأول استمرار مظلة الأمان الدولية حول لبنان لأسباب متعدّدة، الثاني تمسّك أغلب القوى السياسيّة بحد أدنى من الاستقرار خشية الانفجار الاجتماعيّ والفوضى التي يمكن أن تؤثر سلباً على مصالحهم السياسية والمالية، الثالث وجود حكومة أصيلة تؤمن الحد المعقول من الحاجات المعيشية والاجتماعية والأمن والانتظام العام.
ولفتت المصادر لـ«البناء» الى أن «الحكومة نجحت في ممانعة الرغبة الأميركية في تعديل القرار 1701 وتوسيع صلاحية اليونفيل في الجنوب، لكنها تعيش إرباكاً في موضوع قانون العقوبات الاميركي الجديد، ولذلك على الحكومة التصرف بشجاعة في هذا الملف لكي لا تؤدي العقوبات الجديدة الى مزيد من خنق لبنان على المستوى الاقتصادي، وبالتالي يمكن للحكومة التلويح بخيارات أخرى كالانفتاح على الصين أو طلب مساعدة عسكرية من إيران وذلك لدفع واشنطن لتأمين بدائل عملية وسريعة لمساعدة لبنان أو التوقف عن وضع الفيتوات حيال الانفتاح على الشرق كسورية والعراق وإيران والصين». واعتبرت المصادر أن «قانون قيصر يستهدف سورية بالدرجة الاولى وعملية إعادة الإعمار فيها وايضاً الانفتاح اللبناني على سورية بعدما نجحت ضغوط أطراف رئاسية وسياسية داخلية للتوجه الى هذا الخيار، كما أن عودة النازحين السوريين الى سورية ستكون الضحية الأولى لهذا القانون».
إقرأ المزيد في: لبنان
31/10/2024