معركة أولي البأس

 

لبنان

25/03/2020

"الكابيتال الكونترول" سُحِب .. والتمديد بلا طوارئ

في يوم وُصف بالمفصلي بدت الحكومة قادرة على الوقوف إلى جانب الشعب المتضرر من أزمة الكورونا، وذلك بإسقاط مشروع "الكابيتال كونترول" في جلسة مجلس الوزراء أمس. 

المشروع الذي يؤكد الخبراء أنه ليس سوى حماية للمصارف، خصوصاً أنها لم تعد تملك الأموال، دفع رئيس الحكومة حسان دياب إلى زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم لمناقشته في الأمر إلى جانب ملف التعيينات المالية وملفات أخرى تتعلق بالتشريع. 
 
وفي تطورات الكورونا، يبدو أن تمديد العمل بالتعبئة العامة وتشديد الإجراءات، مع مواصلة إقفال المعابر والمطار والمدارس حتى منتصف شهر نيسان المقبل قد حسم، وسط مساعٍ حكومية لتأمين المساهمات في ظل تزايد إحتياجات المواطنين في هذه الأزمة. 
 

مشروع «كابيتال كونترول» مجمّد

بداية مع صحيفة "الأخبار" التي وصفت سقوط مشروع الـ«كابيتال كونترول» بالضربة القاضية. ببساطة، لأنه إذا كانت الغاية منه إراحة المصارف وقوننة مخالفاتها، من دون أن يؤدي إلى حماية المودعين، فهو لزوم ما لا يلزم. وتزداد أهمية غضّ النظر عن المشروع الحالي عندما يتبين أن الإجراءات المقترحة فيه غير مضمونة التنفيذ. ببساطة، لأنها غير مبنية على أرقام واقعية لموجودات المصرف المركزي، في ظل رفض رياض سلامة الكشف عن الأرقام.

وأشارت "الأخبار" إلى العبارة الرسمية تقول «تم أخذ ملاحظات الوزراء بشأن مشروع الكابيتال كونترول، على أن يستكمل البحث فيه». لكن الواقع يشير إلى أن المشروع الذي كان مطروحاً سُحب من التداول. سحبه وزير المال غازي وزني، بعد الموقف الصريح الذي أعلنه الرئيس نبيه بري، بأن هذا المشروع غير وارد عنده لأنه «مخالف للدستور ويسيء للمودعين».

في جلسة الحكومة امس، طلب وزير المال سحب المشروع. فسأله رئيس الحكومة عن السبب، فرد بأنه توجد مشاريع مقدمة غير ما عرضه (اعدت وزيرة العدل مشروعا بديلا بالتشاور مع ثمانية وزراء). فرد دياب بأن سحب المشروع لا يجوز وانه اطلق النقاش انطلاقا من ورقة وزير المال الذي عاد وشدد على قراره بالسحب. ليتبين لاحقا انه قال بأن القرار من عند الرئيس بري. فقرر رئيس الحكومة ان يزور رئيس المجلس اليوم في عين التينة لمناقشته في الامر الى جانب ملف التعيينات المالية وملفات اخرى تتعلق بالتشريع حيث تحتاج الحكومة الى رزمة قوانين عاجلة لمواجهة الازمات القائمة.

وشددت الصحيفة على ان الأمر لم يحسم بعد، إلا أن النقاش الأساسي متعلق بالغاية من القانون: حماية المودعين أم تبرئة المصارف؟ إذ سبق لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة أن أبلغ المعنيين بأن الغاية من القانون المطلوب هي حماية المصارف، خصوصاً أنها لم تعد تملك الأموال. لكن في المقابل، فإن وجهة نظر أخرى، يتبناها حزب الله وحركة أمل، تشير إلى أنه إذا كانت المصارف لا تملك الأموال، فلماذا القانون من أساسه سوى لإراحة المصارف؟ ولماذا قوننة إخراج الأموال من البلد بحجة التحويل إلى العائلات والأبناء الذين يتعلمون في الخارج؟ سقف الخمسين ألف دولار المقترح مرتفع جداً، وهو بحسب إحصاءات أولية، يعني إمكانية إخراج ما يزيد على مليار دولار سنوياً من لبنان، من دون القدرة على تحديد من الذي يحتاج فعلاً إلى تحويل الأموال، ومن الذي يملك حسابات في الخارج ويريد إخراج بعض أمواله من لبنان.

النقاش في الأمر لم ينته بعد، لكن بحسب خبير مالي مطلع، من الضروري وضع قانون ينظّم مسألة القيود التي تفرضها المصارف، والمسألة تتعلق بأي قانون نريد.
المشروع بصيغته المقترحة يقونن الإجراءات التي تنفذها المصارف بشكل استنسابي، فهل كان هذا هو المطلوب؟ هل المطلوب تشريع مخالفات المصارف أم إيجاد حل ينهي سطوها على أموال المودعين؟

وتابعت "الأخبار" أنه إذا كانت حماية أموال المودعين هي الهدف، فإن ذلك لن يكون ممكناً من دون معلومة أساسية تعطي الحكومة القدرة على تقدير الموقف والسقوف المالية: كم يملك مصرف لبنان من الأموال، وما هو قدر موجوداته، وكم تملك المصارف، وكم يملك المودعون؟ ما هي المبالغ التي يستطيع مصرف لبنان التصرف بها من موجوداته؟ أي قانون لا يبنى على هذه المعلومات، وغيرها، يكون ناقصاً، ببساطة لأن أقل الإيمان إذا أردت أن تقرّ قانوناً عن الأموال أن تعرف كم هي هذه الأموال. وعلى سبيل المثال، عندما أشارت مسودة المشروع إلى السماح بتحويل 50 ألف دولار إلى الخارج سنوياً، هل تأكد معدّوه من أن هذه الأموال متوفرة لدى المصارف أو لدى المصرف المركزي؟ ماذا لو لم تكن موجودة؟ وماذا لو كان الموجود أكثر بكثير؟ ولذلك، فإن قانوناً قابلاً للتنفيذ يتطلب أولاً معرفة حجم موجودات المصرف المركزي والمصارف التجارية، وثانياً أن يكون الهدف منه الحفاظ على حقوق المودعين، بما يتماشى مع سياسة اقتصادية واجتماعية يفترض أن تملكها الحكومة. أي أمر آخر، لا يكون سوى تشريع لسرقة المصارف لأموال الناس.
وبالتالي، بدلاً من المسارعة إلى فرض قوانين قد تزيد المشكلة، يجب البدء أولاً، ومجدداً، بمعرفة كم يملك مصرف لبنان من الأموال، والكف عن سياسة التساهل مع عملية إخفاء المعلومات عن الدولة، مالكة المصرف المركزي، الذي يتذرع حاكمه بالاستقلالية، متجاهلاً أنها تتعلق بوظيفته الروتينية فقط. لكن، في مطلق الأحوال، أما وقد أثبت فشله في أداء مهمته، فلم يعدم بالإمكان الحديث عن الاستقلالية، وبالتالي، يفترض أن لا تلزم الحكومة نفسها بمشروع قبل أن تعرف أنها قادرة على تنفيذه.
 

تمديد التعبئة العامة والحكومة تتعثّر بـ«الكابيتال كونترول» 

بدورها، لفتت "البناء" إلى أن التقييم الإيجابي للمواجهة اللبنانية مع فيروس كورونا، لم تحجب نقاط ضعف أساسية، أبرزها غياب التجاوب في بعض القطاعات والمناطق والشرائح مع الإجراءات المطلوبة، والنتائج الاجتماعية القاسية لهذه الإجراءات على الفئات الضعيفة في المجتمع، ووفقاً لمصادر حكوميّة، فإن تمديد العمل بالتعبئة العامة وتشديد الإجراءات، مع مواصلة إقفال المعابر والمطار والمدارس، حتى منتصف شهر نيسان المقبل يبدو محسوماً، لكن بالتوازي مع بحث بدأته الحكومة قبل أيام في كيفية بلورة إطار قانوني يتيح تأمين مساهمات حكومية وأهلية لتلبية حجم الضغوط المتزايدة للحاجات التي تنتج عن اجتماع وضع اقتصادي صعب وتوقف عجلة الإنتاج والدورة الطبيعية للحياة. وقالت المصادر إن النقاش يدور حول ما إذا كانت الهيئة العليا للإغاثة هي الجهة التي يمكن أن تناط بها هذه المهمة، أم أن إيجاد صيغة تشترك فيها الهيئة مع الجيش اللبناني والصليب الأحمر يمكن أن تضمن سرعة وفاعلية في التلبية، وتوحي للمساهمين بدرجة أعلى بالمصداقية.

بالتوازي بدا المشروع الحكومي للتحكّم بالودائع، المسمّى بالكابيتال كونترول متعثراً، مع تسجيل رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله تحفظات عديدة عليه، تتصل بتعرّضه للحق الدستوري الذي يصون الملكية الخاصة، ويُمنَع التصرف بها ومصادرتها إلا مقابل بدل ولحساب المصلحة العامة، فيما يشكل القانون إجازة للتعدّي على الملكية الخاصة وحرية التصرف بها. هذا إضافة إلى أن الجهة التي تمنح صلاحية القيام بالتحكم هي جهة صاحبة مصلحة خاصة تبغي الربح، وليست جهة عامة. 

وتقول "البناء" إن مثل هذا الإجراء وفقاً لمصادر متخصّصة، أي حصر حق تصرف المودعين بنسبة من ودائعهم وضمن شروط معينة، يمكن اللجوء إليه في حال تدبير استثنائي يترافق مع تأميم المصارف، وإعادة هيكلة النظام المصرفي لمرة واحدة، ضمن سلة متكاملة من الإجراءات.

بحسب مصادر مطلعة لـ«البناء»، كل المؤشرات تدلّ، فأن فترة التعبئة العامة سوف تكون قابلة للتمديد ربما أسبوعاً أو أسبوعين، لا سيما ان اجتماع لجنة الطوارئ في السراي الحكومية التي تتابع مجريات الوقائع على الارض وفي المستشفيات رفعت توصية الى مجلس الوزراء الذي سوف يجتمع غداً بتمديد حال التعبئة العامة لأسبوعين إضافيين بعد 29 آذار. 

ولفتت المصادر الى أن هناك أوساطاً معنيّة تفضل العمل بالتوازي مع الإجراءات الأمنية عزل بعض المناطق ابتداءً من الأسبوع المقبل لا سيما أن عدد الإصابات يأخذ منحى تصاعدياً لا سيما في جبيل وكسروان والمتن.

وفيما تردّدت معلومات أن رئيس الجمهورية أسوة بالتيار الوطني الحر يرفض إعلان حالة الطوارئ العامة، ويدعو الى البقاء على ما سُمّي بالتعبئة العامة، على عكس حزب الله ورئيس المجلس النيابي نبيه بري اللذين لا يمانعان إعلان حالة الطوارئ أسوة بالكثير من القوى السياسية التي تطالب بذلك، بما فيها تيار المستقبل والتقدمي الاشتراكي وحزب القوات، أوضح مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية أن «قرار مجلس الوزراء إعلان التعبئة العامة جاء بناء على إنهاء المجلس الاعلى للدفاع وتقييم موضوعي للاوضاع الراهنة بعد انتشار الكورونا وتعرض السكان للخطر وفق ما جاء في الفقرة «أ» من المادة الثانية من قانون الدفاع الوطني، ولجوء بعض وسائل الاعلام الى الادعاء بأن الرئيس يعارض اعلان حالة الطوارئ لأسباب سياسية، يدخل في إطار الدس الرخيص الذي دأبت جهات الى اعتماده لأسباب لم تعد تخفى على احد». 

خلاف على الطوارئ .. و«الثنائي» يسحب «الكابيتال كونترول»

ومن جهتها ركزت "اللواء" على جدول أعمال مجلس الوزراء في بعبدا غداً، جيث تطرح قضية تمديد العمل مهلة إضافية جديدة، تقدر بأسبوعين على الأقل، لمواجهة الآثار المدمرة لفايروس كورونا على النّاس والاقتصاد والادارة وبرنامج الحكومة «الانقاذي»، فضلاً عن تعيينات كانت مرتقبة في نواب حاكمية مصرف لبنان. 

إلا ان مصادر وزارية لم تشأ التأكيد على أن الموضوع مدرج على جدول أعمال الجلسة، أم سيدرج من خارجها، كل ذلك، من دون إعلان حالة الطوارئ التي يطالب بها الرئيس نبيه برّي والنائب السابق وليد جنبلاط وغيرهما، ولا ترى الحكومة انه ممكن من الناحية القانونية  لأن إعلان حالة الطوارئ أو أية منطقة عسكرية يعني ان تتولى السلطة العسكرية العليا صلاحية المحافظة على الأمن، وتوضع تحت تصرفها جميع القوى المسلحة ويصبح البلد خاضعاً ككل للقوانين المعمول بها في الجيش اللبناني.

وفي محاولة لنزع الحجة من امام الحكومة، لجهة ان حالة الطوارئ تتطلب ان يجتمع مجلس النواب (المادة 2) للنظر في هذا التدبير في مهلة ثمانية أيام، ان لم يكن في دور الانعقاد، دعا الرئيس نبيه برّي إلى استئناف العمل التشريعي بتقنية الفيديو، مطلع الأسبوع المقبل، بحيث تعقد جلسات تشريعية ورقابية إذا اقتضى الأمر فضلاً عن استئناف نشاطات اللجان النيابية.

وكان مجلس الوزراء في جلسته أمس ارجأ مجدداً البحث في مشروع قانون «تنظيم ووضع ضوابط استثنائية موقتة على بعض العمليات والخدمات المصرفية»، والمتعلق بشكل خاص بالكابيتال كونترول، بعد رفض الرئيس بري وبعض الوزراء له، اضافة الى كثرة الملاحظات عليه. وافادت بعض المعلومات ان وزير المال غازي وزني سحب مشروع القانون «لوجود ملاحظات كثيرة عليه»، فيما قالت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد بعد الجلسة: أنه تمّ أخذ ملاحظات الوزراء بشأن مشروع «الكابيتال كونترول» على أن يُستكمل البحث فيه. لكن المعلومات اوضحت انه تم سحب المشروع من التداول نهائياً على الاقل خلال هذه الفترة، الى ان يتم مراعاة مصلحة المودعين لا مصلحة المصارف في اي قانون بحيث لا تبقى السحوبات رهن مزاجية المصارف.

وترددت معلومات ان هناك أسباباً عدة لسحب المشروع منها ما يعود الى وجود مشروع قانون مقدم من وزيري الشؤون الاجتماعية الدكتور رمزي مشرفية ووزير الصناعة عماد حب الله. وقد يكون سُحب نهائيا، او ربما يكون بحاجة الى تعديلات واسعة.

وعلمت «اللواء» أن بعض الوزراء، ومنهم وزيرا حزب الله، طلبا إدخال تعديل على المشروع، مما حدا بالوزير وزني إلى سحبه لوضع الملاحظات والتعديلات عليه، على ان يطرح مجدداً على جلسة لمجلس الوزراء.
 

إقرأ المزيد في: لبنان

خبر عاجل