لبنان
تهريب واشنطن للفاخوري: بين انتهاك السيادة اللبنانية والمحاكمة الدولية
د.علي مطر
يثبت تاريخ الولايات المتحدة الأميركية وتصرفاتها عدم احترامها لسيادة الدول. منذ تأسيسها بنيت العقلية الأميركية على الاستعلاء في التعامل مع الغير. حوداث كثيرة تظهر أن واشنطن في تاريخها السياسي وعلاقاتها الخارجية، تعاملت مع الدول الأخرى بطريقة تنتهك حقوق وسيادة الدولة على أرضها، سواء من خلال الحروب التي تشنها أو من خلال عمليات التجسس وزرع العملاء، ولا تزال فيتنام تشهد، كيف جندت أميركا العملاء لقتل الفيتناميين المناهضين لها.
ليست حادثة تهريب العميل المجرم عامر فاخوري بجديدة على هكذا إدارة تتعامل بصلف مع الدول، وتنتهك باستمرار الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ففي لبنان تملك السفارة الأميركية تاريخا من الوقاحة والتدخل في شؤون الدولة اللبنانية، يحتفظ به السفراء والمعوثون الأميركيون. لقد بنيت العلاقات الدبلوماسية بطريقة غير سليمة، قوامها التدخل الأميركي في الشؤون اللبنانية. لقد سعت واشنطن دائماً لجعل لبنان بلدًا تابعًا لها، وتأتي قضية تهريب العميل فاخوري، لتؤكد مدى العنجهية والصلف الأميركي في التعامل مع الدولة اللبنانية.
منذ قيام العلاقات بين البلدين لم تحترم واشنطن سيادة لبنان، لم تترك فرصة وإلا استباحة من خلالها السيادة الوطنية. هذه السيادة التي لم تعر واشنطن إهمية لتقريرها وفق القانون الدولي، والتي ثبتت في الكثير من المعاهدات الدولية، والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومنها 2734 ـ 16 كانون الأول 1970 (الإعلان الخاص بتعزيز الأمن الدولي)، والقرار (155/32/A/RES 19 كانون الأول 1977، (إعلان تعميم، وتدعيم الانفراج الدولي)، وغيرها ايضاً. وكذلك أكدت اتفاقية مونتيفيديو عام 1933 في مادتها الثامنة على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول. فالتدخلات الأميركية في شؤون لبنان الداخلية، تخالف كل ما تقدم، فضلاً عن مخالفتها الفقرة السابعة من المادة الثانية لميثاق الأمم المتحدة، التي تؤكد أن ليس في الميثاق ما يسوغ "للأمم المتحدة" أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما.
لم تقم السفارة الأميركية بطريقة تعاملها مع قضية العميل فاخوري، وتهريبه من خلال طائرة انتهكت سيادة لبنان، أي احترام للدستور اللبناني الذي أكد في مقدمته أن لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسسات، وعلى السيادة اللبنانية التي لا تتجزأ، بل لم تحترم السفارة الأميركية اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 التي من المفترض أن تعمل وفقها، والتي تعدد في المادة الثالثة منها أعمال البعثة الدبلوماسية ولا يوجد فيها ما يبرر التدخل في السيادة الوطنية، وعلى العكس من ذلك فإن الاتفاقية تنص في المادة 41 منها في البند الأول على واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة. لقد تدخلت السفارة الأميركية صراحةً بالشؤون الداخلية للدولة اللبنانية، حيث إن عمل القضاء ومحاسبة عميل مثل فاخوري ينص عليه قانون العقوبات اللبنانية، بعد أن قام فاخوري بجرم الخيانة العظمى والتعامل مع العدو وتعذيب لبنانيين وقتل اخرين، وعمل القضاء هذا محاسبة المجرمين هو شأن داخلي لبنان، وهذا الأمر متفق عليه من قبل جميع الأطراف اللبنانية. أضف إلى ما تقدم، فإنه كادت تعرض الأمن القومي اللبناني للخطر من خلال وقوع حادثة معينة خلال عملية القرصنة بتهريب الفاخوري.
إن هذه القرصنة الأميركية، التي طالت عمل القضاء اللبناني الذي أصدر قراراً بمنع سفر العميل الفاخوري، وحيث أعيد فتح ملفه القضائي قبل تهريبه، تخالف فضلاً عما تقدم بروتوكول التعاون العسكري الذي لا تنص قواعده على حق الأميركيين بهكذا عمل، لذلك فإن هذه العملية تسمح بسؤال عريض حول مستقبل البروتوكول الخاص بتسهيلات استخدام الأجواء اللبنانية من الطائرات العسكرية الأميركية أو بطريقة التعاون مع الإدارة الأميركية، فضلاً عن أنها تدعو الدولة اللبنانية إلى المحافظة على سيادتها بشتى الوسائل المتاحة، والتي من ضمنها رفع دعوى ضد الإدارة الأميركية على طريقة تصرفها أمام محكمة العدل الدولية، أو اعتبار الفاخوري مجرم حرب فاراً من العدالة وبالتالي إمكانية طلب ملاحقته دولياً.