لبنان
الشيخ دعموش لـ"العهد": شهادة القادة تمنح القضية زخماً جديداً
فاطمة ديب حمزة
في الذكرى الثانية عشرة لشهادة قادة شهداء المقاومة الاسلامية، وذكرى أربعين سيد شهداء محور المقاومة الشهيد قاسم سليماني والشهيد أبو مهدي المهندس ورفاقهما، أجرى موقع "العهد" الاخباري مقابلة مع نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش الذي أكد أن دماء الشهيد سليماني ساهمت في إحياء الثورة في إيران من جديد، والمشاهد التي رأيناها في مسيرات التشييع المليونية في مختلف المحافظات الايرانية، ذكرتنا بمشاهد يوميات الثورة، كما أن دماءه الطاهرة وحدت الشعب الإيراني بوجه الغطرسة الأمريكية، وأسست لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
لبنانيًا، رأى الشيخ دعموش أن الادارة الأمريكية حاولت استغلال الحراك الشعبي والانقلاب على موازين القوى، وتغيير المعادلة السياسية الداخلية القائمة إلا انها فشلت ولم تستطع إخراج حزب الله وحلفائه من هذه المعادلة أو من الحكومة، وبالتالي لم تستطع تغيير التوازنات التي افرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة، بل استطاعت الأكثرية النيابية أن تشكل حكومة لكل لبنان، بعيداً عن الإملاءات والرغبات الأمريكية، لافتًا في الوقت نفسه الى أنه "يبقى أمام الحكومة بعد أن نالت الثقة في المجلس النيابي استحقاقات وتحديات كبيرة مالية واقتصادية وسياسية وشعبية واقليمية ودولية، وامام هذه التحديات لا بد للحكومة من ان تبدأ مرحلة العمل الجدي والدؤوب وتقوم باجراءات فورية وجدية وتبادر الى تحقيق انجازات سريعة وملموسة".
ـ في هذه المناسبة تبرز عناوين جديدة من التحديات منها صفقة القرن واغتيال اللواء سليماني والحاج ابو مهدي المهندس، كيف تحضر هذه التحديات في هذه المناسبة؟
اعتقد أن الإدارة الأمريكية أرادت من خلال اغتيالها للشهيدين سليماني والمهندس والإعلان عن صفقة القرن، تغيير المعادلة القائمة في المنطقة، وتوجيه ضربة قاصمة لمحور المقاومة وفلسطين والقدس وقضية الشعب الفلسطيني، فإذا بالشعب الفلسطيني يتوحد بكل مكوناته وسلطته وفصائله تحت سقف المواجهة والمقاومة، ورفض الصفقة، ويعلن تمسكه بأرضه وكامل حقوقه التاريخية والمشروعة، وإذا بمحور المقاومة أيضا يتقدم في كل ساحات الصراع من إيران إلى العراق وصولاً إلى سوريا واليمن ولبنان.
ففي ايران أعادت دماء الشهيد سليماني إحياء الثورة من جديد، والمشاهد التي رأيناها في مسيرات التشييع المليونية في مختلف المحافظات الايرانية، ذكرتنا بمشاهد يوميات الثورة، كما أن دماءه الطاهرة وحدت الشعب الإيراني بوجه الغطرسة الأمريكية، وأسست لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
وفي العراق وجه مجلس النواب العراقي ببركة دماء الشهيدين صفعة للأمريكيين عندما قرر الطلب من القوات الأمريكية والأجنبية الخروج من العراق، وخرج الشعب العراقي بمسيرة مليونية عبَّر فيها عن رفضه القاطع والحاسم للوجود الأمريكي.
أما في سوريا فقد حقق الجيش السوري وحلفاؤه إنجازات كبيرة على جبهة إدلب وريف حلب، ولا يزال التقدم باتجاه الجماعات الارهابية على هذه الجبهة مستمرا بزخم كبير، كما ان الجيش اليمني واللجان الشعبية وأنصار الله حققوا تقدماً كبيراً على جبهة نهم وغيرها في مواجهة مرتزقة العدوان السعودي الأمريكي.
أما في لبنان فقد حاولت الإدارة الأمريكية استغلال الحراك الشعبي والانقلاب على موازين القوى، وتغيير المعادلة السياسية الداخلية القائمة إلا انها فشلت ولم تستطع إخراج حزب الله وحلفائه من هذه المعادلة أو من الحكومة، وبالتالي لم تستطع تغيير التوازنات التي افرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة، بل استطاعت الأكثرية النيابية أن تشكل حكومة لكل لبنان، بعيداً عن الإملاءات والرغبات الأمريكية، ولكن يبقى أمام الحكومة بعد ان نالت الثقة في المجلس النيابي استحقاقات وتحديات كبيرة مالية واقتصادية وسياسية وشعبية واقليمية ودولية، وامام هذه التحديات لا بد للحكومة من ان تبدأ مرحلة العمل الجدي والدؤوب وتقوم باجراءات فورية وجدية وتبادر الى تحقيق انجازات سريعة وملموسة، فهي ستكون امام مسؤوليات كبيرة، وعليها ان تثبت جدارتها وقدرتها على الفعل والإنجاز وتحقيق النتائج وتنجح في امتحان الثقة، فالاستحقاقات والتحديات لا تتحمل التأخير والمماطلة والتسويف، وحزب الله يعمل الى جانب كل الحريصين على وضع الأفكار والبحث عن الحلول المجدية للأزمة المالية والاقتصادية من خلال لجنة متخصصة، بما يحفظ سيادة بلدنا، ولا يؤدي الى تحميل الناس أعباء إضافية أو ضرائب جديدة.
ـ يبدو المحور مستهدفًا اكثر من اي وقت مضى بقادته وقضاياه، كيف سيواجه هذه التحديات؟
استهداف المحور من قبل الامريكي والاسرئيلي وحلفائهما ليس جديدا، هو مسار مستمر منذ البداية وعلى كل الصعد، وقد أخذ اشكالا متعددة ومتنوعة، ابتداء من الحروب التي شنتها وتشنها اميركا واسرائيل على دول المحور، الى الاغتيالات والعقوبات وتحريك الاحتجاجات، وصولا الى الحملات الاعلامية المضللة واستخدام عصابات الإرهاب التكفيري التي تدمر وتخرب وتفجر في اكثر من بلد، وكل هذه التحديات واجهها محور المقاومة بالاصرارعلى مواصلة طريق المقاومة والثبات والصمود والتقدم الميداني في كل ساحات الصراع، وستبقى المقاومة هي الأساس في مواجهة كل التحديات الجديدة. لكن بعد اغتيال الشهيدين سليماني والمهندس دخلت المواجهة في مرحلة جديدة، وانتقل المحور من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم، ووضع امامه هدفا محددا وهو: إخراج الوجود العسكري الأميركي من المنطقة، واستهداف قاعدة عين الأسد بالصواريخ الايرانية كان بمثابة صفعة أولى في سياق مسار طويل لن يتوقف حتى تحقيق هذا الهدف، واليوم كل الفصائل في محور المقاومة وقيادات حركات المقاومة مصممة على العمل لتحقيق هذا الهدف، وهذا قرار قاطع وحاسم في محور المقاومة لن يحصل فيه أي تهاون، والمواجهة ليست مواجهة أمنية وعسكرية فقط، وإنما هي مواجهة شاملة سياسية واعلامية وثقافية واقتصادية وأمنية وعسكرية ضد الوجود الامريكي في المنطقة. فمثلا فصائل الحشد الشعبي في العراق مصممة على تنفيذ قرار مجلس النواب العراقي القاضي باخراج القوات الامريكية من العراق، ولكنها اعطت للعملية السياسية والجهد الدبلوماسي فرصة محددة لتطبيق هذا القرار وفرض الانسحاب على الامريكي، لكن اذا تمنع الجانب الامريكي ولم يخرج من العراق، فإن قوى المقاومة العراقية ستتحرك لاخراجه بالقوة وقريبا، وهذا ما اعلنت عنه قيادات المقاومة العراقية بشكل حاسم وقاطع والمسألة هي مسألة وقت.
وايضا اليوم هناك ما يشبه الترابط بين ساحات الصراع، وكل هذه الجبهات يجب ان تواصل العمل، فجبهة سورية يجب أن تواصل التقدم بصلابة باتجاه النصر النهائي، وكذلك جبهة اليمن وغيرها من الجبهات، ويجب ان تبقى كل حركات المقاومة متمسكة بأهدافها، وبقضيتها المركزية، وبصراعها الأساسي وأن تتعاون وتنسق وتستمر في الجهد لتعظيم قوتها وقدراتها، لمواجهة كل التحديات الجديدة وتحقيق اهدافها.
ـ ما هي الاضافات المادية والروحية على المعادلات العسكرية التي ارستها المقاومة مع العدو؟
المقاومة ارست العديد من المعادلات والإضافات المادية والروحية والثقافية في وجدان مجاهديها والاجيال والأمة منها: الالتزام الإيماني والديني، والالتزام الوطني، والسلوك الأخلاقي المتميّز للمجاهدين، وقيمة الإخلاص في العمل، والجديّة والمثابرة والصبر رغم الصعاب والمآسي، والتخطيط الجيد والعمل المحكم بعيدا عن العشوائيّة والفوضى والانفعال، والاستعداد الدائم للتضحية في سبيل الله بالنفس والدم والولد والمال.
ولكن يبقى الأساس هو في ثقافة المقاومة ومنطق المقاومة وفي الروحية الجهادية التي اوجدتها المقاومة في نفوس جيل الشباب، هذا الجيل العاشق للشهادة في سبيل الله وللقاء الله تعالى، هذا الجيل المحب لوطنه وشعبه وأمّته والذي يتمنّى لهم الخير والحرية والكرامة والمجد والعزّة والانتصار فيصنع لهم كل ذلك بدمه الزاكي، الجيل الزاهد بالدنيا المستعد دوما للتضحية، المتوكل على الله والراجي عونه والواثق بنصره. هذه هي الاضافات الاساسية.
والانتصارات والانجازات التي حققتها المقاومة والشهداء والقادة الشهداء على امتداد كل المراحل كانت قاعدتها الاساسية تكمن في هذه الروحية وليس في معادلة السلاح الذي نملكه ولا في العدة والعدد ولا في المعادلات العسكرية، قاعدة الانتصارات كانت في الثقافة وفي الروحية الجهادية التي كانت تدفع بالمجاهدين لاقتحام القلاع والحصون الصهيونية بكل عزم وشجاعة، قاعدة الانتصار الأكبر هي ان الذين يعشقون الموت هزموا الذين يهابون الموت، وان الذين يرون في الموت والشهادة طريقا الى الحياة الخالدة هزموا الذين يرون في الموت فناء وضياعا، هذه هي المعادلة الاساسية التي استندت اليها تجربة المقاومة وتجربة مجاهديها وشهدائها وقادتها الشهداء.
ـ ماذا أضافت دماء اللواء سليماني والحاج ابو مهدي للمحور والمقاومة؟
شهادة الشهداء الكبار لها آثار وبركات كبيرة، وتنعكس آثارها على المسيرة الجهادية وعلى روحية وثقافة الأمة، لأن دم الشهيد ليس خسارة على الاطلاق حتى بالمعنى المادي، بل الدم دائما فيه ربح ونمو وتطور وبركة. صحيح اننا نخسر برحيل الشهداء وخاصة الكبار عنصراً فاعلاً مخلصاً، إلا أن تضحية وإيثار شهيد واحد يخلق ويصنع روح الإيثار والتضحية عند المئات بل الآلاف من الأشخاص، ويكون قدوة لهم في الإيثار والتضحية والقوة والفاعلية والإخلاص، الشهادة موت للفرد وولادة للأمة.
شهادة الشهداء الكبار تمنح الأمة الكثير من البركات، وتؤسس لمراحل جديدة ولمستقبل جديد وتفتح آفاقا جديدة، الشهادة تمنح القضية زخماً جديداً، ودفعاً سريعاً، وتطوراً كبيراً، الشهادة تدفع المسيرة نحو الانتصار وتحقيق الإنجازات.
مثلا في المقاومة الاسلامية في لبنان، شهادة الشهيد الشيخ راغب حرب أسست لمرحلة جديدة من المقاومة، هي مرحلة الاستنهاض وكسر حاجز الخوف والانتقال الى المقاومة المسلحة والشعبية و طرد الصهاينة من الجبل وبيروت وصيدا وصور والنبطية سنة 1985، ثم جاءت شهادة سيد شهداء المقاومة الشهيد السيد عباس لتعطي زخما ودفعا جديدا للمقاومة، حيث انطلقت المقاومة بعد شهادة السيد عباس في خط تصاعدي وفي حركة مدروسة ومخططة ودقيقة الى ان صنعت الانتصار الكبير في ايار 2000، واما شهادة الحاج عماد مغنية، فانها اسست لزوال اسرائيل من الوجود على حد تعبير سماحة الامين العام حفظه الله.
ولا شك بأن دماء الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس والشهداء معهم أعطت دفعا كبيرا وزخما هائلا لحركات المقاومة في المنطقة، وعلى حد تعبير سماحة الامين العام حفظه الله: شهادتهما بالنسبة لحزب الله، ولادة جديدة للمقاومة ولمحور وروحية وثقافة المقاومة، وحتى بالنسبة الينا كأشخاص او كثير من شباب المقاومة او الكوادر او القيادات في مختلف الساحات، شهادتهما أوجدت روحية جديدة ودماء جديدة واندفاعا كبيرا، ودماؤهما ستضع محور المقاومة وشعوب المنطقة في مواجهة مفتوحة مع الادارة الامريكية ومع الوجود الامريكي في المنطقة، وهذه هي الاضافة الاساسية لدماء الحاج قاسم ودماء الحاج ابو مهدي على مستوى الروحية وعلى مستوى المحور وعلى مستوى المنطقة، لذلك نحن واثقون من ان كل فصائل المقاومة وحركات المقاومة بعد شهادة هذين القائدين ستندفع بقوة اكبر وبعزم أكثر وبأمل عظيم وكبير في طريق المقاومة لتحقيق نفس الأهداف، كما اندفعت المقاومة في لبنان بعزم اكبر وبقوة اكبر بعد شهادة قادتها الكبار.