لبنان
حكومة الرئيس دياب تشغّل محركاتها بعد عمليات تسلّم الوزارات والشروع بإعداد بيانها الوزاري اليوم
بدأت حكومة الرئيس حسان دياب بالاستعداد لمواجهة الاستحقاقات في ملفات مختلفة على رأسها الأزمة الاقتصادية، بعدما فرغت سريعاً من عمليات تسلّم الوزارات وتشرع اليوم بإعداد بيانها الوزاري، والذي يبدو وفق ما أشارت إليه الصحف اللبنانية بأنه شبه منجز، لتضع اللجنة اللمسات الأخيرة عليه، وبذلك تنطلق عجلة الحكومة بالعمل سريعاً بخطة انقاذية واصلاحية للبنان.
"الأخبار": وصفة البيان الوزاري: الناس والمجتمع الــدولي
وفي هذا السياق، قالت صحيفة "الأخبار" إن الحكومة ستجتمع اليوم لمناقشة البيان الوزاري. إن لم يُكتب مضمونه في بيان الحكومة السابقة، فقد كتبته الأزمة المالية والاقتصادية المتفاقمة. الوضع لا يحتمل الكثير من الوعود. الأولوية لتنفيذ سياسات قادرة على انتشال البلد من الانهيار، ولذلك لن يتأخر إقرار البيان الذي أدخل «17 تشرين» في ديباجته، مع تركيزه على الإصلاح ومكافحة الفساد".
واشارت الصحيفة إلى أنه "بعد إنجاز عملية التسلّم والتسليم في أكثر من وزارة، حان وقت البيان الوزاري. ذلك بيان لزوم ما لا يلزم اعتادت الحكومات المتعاقبة على تضمينه الكثير من الوعود التي لا تتحقق. بيان حكومة الرئيس سعد الحريري مثال على ذلك. يكفي أن نتذكر أنها كانت "حكومة القرارات الجريئة والإصلاحات التي لا مجال للتهرب منها بعد اليوم، حكومة تتصدى لأسباب الخلل الاداري والفساد المالي والتهرب الضريبي، حكومة تخاطب معاناة اللبنانيين وتطلعات الشباب والشابات للمستقبل وتضع في أولوياتها الاستقرار السياسي والأمني والأمان الإجتماعي لكل المواطنين".
ولفتت الصحيفة إلى أنه كانت النتيجة أن الشباب والشابات في أعلى نسبة بطالة عرفها لبنان، وأن الشباب والشابات ينتفضون منذ 100 يوم ضد السياسات التي أوصلت البلد إلى الإفلاس، فلا الفساد كوفح ولا الإصلاح أنجز ولا القرارات الجريئة اتخذت. وطبعاً انهار الاستقرار النقدي والمالي الذي وعدت الحكومة بالمحافظة عليه. ما حصل كان المحافظة على عدة الشغل نفسها: محاصصة في التلزيمات والتوظيف وسرقة المال العام، مضيفةً أن المهمة أصعب اليوم. لم يعد ممكناً حشو البيان الوزاري بأبيات الشعر والنثر. كل كلمة ستكتب يجب أن تكون الحكومة قادرة على تنفيذها. أي أمر آخر يجعلها جسر العبور إلى الإفلاس. المهمة واضحة هذه المرة. ومجلس الوزراء الذي يعقد جلسة اليوم لمناقشة مسودة البيان الوزاري، سيكون مدعواً للإسراع في إنجاز البيان، تمهيداً ليمثل أمام مجلس النواب الأسبوع المقبل، قبل الانكباب على العمل، أو محاولة العمل.
وتابعت "الأخبار" إن "أول المطبات تخطته الحكومة. الدعم الداخلي حصلت عليه كما الدعم الدولي. بعد موقف وليد جنبلاط الداعي لإعطاء الحكومة الفرصة لتعمل، لاقاه الحريري في الاتجاه نفسه. فقال إنه «من السابق لأوانه إطلاق الأحكام بشأنها، مع ملاحظة أن تشكيلها كان خطوة مطلوبة سبق أن شدّدنا عليها لضرورات دستورية وعملية ومن الطبيعي أن نراقب عملها ونتابع توجهاتها آخذين في الاعتبار حاجة البلاد إلى فرصة لالتقاط الأنفاس». المهادنة للحكومة لم تنعكس مهادنة لأطرافها. وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن، قالت أمس إن من الصعب أن يتعايش الحريري مع رئيس الجمهورية وجبران باسيل بعد اليوم. قالت إن باسيل هو أكثر من خرّب عليه، وبعده «القوات» ثم «الاشتراكي» فحزب الله. لا شك أن المعارضة ستكون حاضرة ومتأهبة، لكن ذلك لم يمنع أكبر أقطابها من إعطائها الفرصة لتعمل".
وأوضحت الأخبار أن البيان الوزاري لن يحتوي على مفاجآت، كما لن يفرق عن الذي سبقه. تعديلات بسيطة تتناسب مع المرحلة، ومنها: تكريس انتفاضة 17 تشرين بوصفها علة وجود هذه الحكومة، أو كالسعي إلى العودة إلى تحقيق الاستقرار المالي بدلاً من المحافظة عليه، أو إلى تنفيذ سياسات اقتصادية «تسترشد» بدراسة «ماكنزي» بعد «إعادة دراستها من قبل خبراء مختصين، بناءً على التطورات الأخيرة في البلاد». وفي مسودة البيان حديث عن السعي إلى تمويل الدولة بلا استدانة»، ودعم إعادة إحياء القطاع الخاص، وخاصة القطاعات الصناعية التنافسية. وستدرس الحكومة إمكان أن تدرج في بيانها الوزاري ضرورة اتخاذ «قرارات موجعة لإنقاذ الاقتصاد الوطني»، و«دراسة إمكانية الخروج من الازمة من دون الحاجة الى الخارج، وأي طلب لدعم خارجي سيأخذ في عين الاعتبار الحفاظ على الكرامة الوطنية». كذلك يرد في مسودة البيان الوزاري بند عن «الحق في السكن والعمل لوضع خطة اسكانية شاملة». المقاومة حاضرة كما في صيغة البيان السابق، الذي يؤكد «حق المواطنين اللبنانيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة».
وقالت الاخبار إن الحكومة تصف نفسها بأنها إصلاحية تريد مكافحة الفساد، واعدة بالابتعاد عن الصراعات الخارجية، وبتنفيذ سياسات تحظى بثقة اللبنانيين كما المجتمع الدولي. لكن هذه تتضارب مع تلك. اللبنانيون يريدون وظائف واقتصاداً معافى، وخبزاً ومحروقات وكهرباء ومياه ومستوى أدنى من الذل على أبواب المستشفيات وفي الطرقات، فيما المجتمع الدولي يريد فرض برامجه المعدّة سلفاً. آخر المواقف الدولية جاء من «مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان» (الأمم المتحدة والدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية)، التي دعت جميع الأطراف اللبنانية إلى «تطبيق سياسة ملموسة للنأي بالنفس عن النزاعات الخارجية». كما كررت الدعوة إلى «نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة في لبنان». في الاقتصاد، دعت «المجموعة» الحكومة اللبنانية إلى الإسراع في اعتماد تدابير وإصلاحات جذرية وذات مصداقية تلبّي طلبات الشعب، ولا سيما تنفيذ خطة إصلاح الكهرباء، وإصلاح المؤسسات الاقتصادية التابعة للدولة، وإقرار وتطبيق قوانين فعالة للمشتريات الحكومية. كما حثّت السلطات على «مكافحة الفساد والتهرب الضريبي، ودعم استقلالية القضاء، مؤكدة على «ضرورة الحفاظ على الاستقرار الداخلي وحماية حق التظاهر السلمي».
"البناء": انتهى التسلّم وبدأ التحدّي
صحيفة "البناء" قالت من جهتها، إن الحكومة الجديدة بدأت بترتيب أوراقها لمواجهة الاستحقاقات بعدما فرغت سريعاً من عمليات تسلّم الوزارات وتشرع اليوم بإعداد بيانها الوزاري. وتبدو المسألة الأولى أمام الحكومة ومعها المجلس النيابي هي في كيفية التعامل مع إشكالية العلاقة بين جلستي الثقة وإقرار الموازنة، فالمجلس ملزم بمواصلة مناقشة الموازنة حتى إقرارها، والحكومة غير قادرة على الدفاع عن موازنة لم تطلع عليها، وسيكون عليها العمل بموجبها، والمجلس عاجز عن إعادة الموازنة لحكومة لم تنل الثقة بعد، ومن غير المنطقي تأجيل مناقشة الموازنة، كما أكد بيان رئاسة المجلس أمس وتخطي القواعد الدستورية، والدخول في نفق التأجيل لما بعد إعادة إقرار الموازنة في الحكومة الجديدة، والوضع المالي الدقيق يحتاج للانتظام إلى صدور الموازنة.
واشارت البناء إلى أن هذه الإشكالية يرافقها ما أكدته المواقف الدولية والإقليمية من قرار بمراقبة عمل الحكومة سواء بنية فتح الباب لدعمها مالياً، كما يقول الفرنسيون والبنك الدولي؛ أو بنية مساءلتها والحكم عليها كما هو حال الجمود العربي الراهن تجاه الحكومة في ظل موقف أميركي أقرب للسلبية. وهذا يعني أن على الحكومة البدء بما تستطيعه سواء لتغيير المناخ الداخلي سياسياً في العلاقة بالقوى المناوئة للحكومة، أو بالعلاقة مع المزاج الشعبي المترقب، وسلبية جماعات الحراك، وتبدو في المقدمة الأولوية لتشريع يضمن استقلال السلطة القضائية وتحرير الملاحقات الخاصة بتهم الفساد من أي حصانات أو ضوابط أو موانع، وتسريع إقرار القوانين التي تشرّع قواعد هذه المساءلة وتفتح الباب للمحاسبة، وبالتوازي الإسراع بقوننة الضوابط اللازمة على الصعيدين المالي والمصرفي.
على الصعيد السياسي، قالت مصادر متابعة لـ"البناء" إن رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري لن يدخل بمواجهة مع الحكومة، وهو يدرك أن رئيسها حسان دياب لا يريد الدخول بلعبة المنافسة على الزعامات الطائفية، لكن حسابات الحريري ليست هنا، بل ترتبط بأنه ترك مسؤولية رئاسة الحكومة لأنه تبلّغ موقفاً أميركياً يشترط السماح للحكومة بالحصول على الأموال بموقف مواجهة مع حزب الله، لأن القرار الأميركي الذي بلغه يعلن الحرب على الحزب ومحور حلفاء إيران في المنطقة. وقد جاء اغتيال الجنرال قاسم سليماني ليؤكد صحة هذه المعلومات، وبالتالي فإن المئة يوم المقبلة حاسمة برأي الحريري فإما أن يفرض خلالها الأميركي معادلة جديدة وعندها يصير للعودة بالشروط التي سبق وأعلنها الحريري فرصة، أي حكومة من دون حزب الله وبرضاه، خصوصاً أن الوضع المالي سيكون قد بلغ مراحل أشد تأزماً برأيه، أو أن يكون الأميركي قد فشل وفي هذه الحالة سيكون بمستطاع الحريري التفكير بالعودة، مرتاحاً من الشروط الأميركية.
ولفتت الصحيفة إلى أنه مع انتهاء عمليات التسلم والتسليم في الوزارات بين الوزارء الجدد والسابقين، تبدأ لجنة صياغة البيان الوزاري اجتماعاتها في السرايا الحكومي لإعداد البيان وإحالته الى مجلس الوزراء لإقراره والتقدم من المجلس النيابي لنيل الثقة. وذكرت وسائل إعلامية أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يتجه الى تأجيل جلسة الموازنة الى ما بعد جلسة الثقة للحكومة الجديدة التي يمكنها المثول دستورياً، الا أنها عملياً لا يمكنها مناقشة موازنة لم تطلع عليها. لكن المكتب الإعلامي لبرّي نفى هذا الأمر جملة وتفصيلاً. وتشير مصادر «البناء» الى أن «البيان شبه منجز واللجنة اليوم ستضع اللمسات الأخيرة عليه".
"النهار": موقف دولي صارم من اختبار الحكومة بالاصلاحات
أما صحيفة "النهار"، فقالت انه "غداة انطلاق الحكومة الجديدة في عمليات التسلّم والتسليم بين الوزراء الجدد والسابقين وشروعها في الإعداد لوضع بيانها الوزاري وبدء رئيسها حسان دياب لقاءات مع الوزراء والسفراء، بدت صورة الواقع الداخلي محفوفة بكثير من الغموض والقلق والحذر، وسط مزيد من الترقب للتطورات المتصلة بالشارع في ظل الانتفاضة الشعبية من جهة ورصد المواقف الخارجية الغربية والعربية من الحكومة الجديدة من جهة اخرى. وستتخذ صورة الوضع الناشئ في ظل الحكومة الجديدة دلالات بارزة مع مرور مئة يوم على انطلاقة الانتفاضة اليوم، علماً أن البلاد ستكون على موعد مع محطة اختبار أساسية بين السلطة والانتفاضة مطلع الاسبوع المقبل عبر جلسات مجلس النواب المقررة يومي الاثنين والثلثاء لمناقشة مشروع الموازنة وإقراره في حضور الحكومة الجديدة.
ولفتت إلى أنه يبدو واضحاً أن جلسات الموازنة التي ستستمر يومين نهاراً ومساءً ستشكّل تحدياً قوياً للمجلس والحكومة والقوى الأمنية كما للانتفاضة، باعتبار أن إجراءات متشدّدة لتأمين طريق الوصول والانصراف للنواب الى مبنى المجلس في ساحة النجمة بدأ الإعداد لها وقد تقفل بسببها طرق ومسالك أمام المتظاهرين الذين تجمّع عدد منهم أمس في محيط المجلس احتجاجاً على إقامة "جدار" اسمنتي جديد ومزيد من "التحصينات" التي تمنع الوصول اليه.
وأقفلت القوى الامنية المدخل الرئيسي لساحة النجمة تماماً بجدار إسمنتي، كما عزلت شرطة مجلس النواب مبنى المجلس خوفاً من المتظاهرين من طريق إقفال وتدعيم كل مداخل المجلس بالألواح الحديد المصفّحة والعوائق الاسمنتية.
كما افيد أن شركة "سوليدير" ستعمد فجر اليوم الى وضع عوائق إسمنتية عند المداخل الصغيرة المؤدية الى الأسواق التجارية لإبعادها عن أعمال الشغب في التظاهرات المحيطة بساحة النجمة، علماً أن محال ومؤسسات عدّة في وسط بيروت عمدت أمس الى إقامة عوازل حديد على مداخلها.
وأشارت النهار إلى أن هدنة نسبية سادت التحركات الاحتجاجية أمس أفسحت المجال في تسليط الأضواء على المواقف الخارجية التي صدرت في اليومين الأخيرين من الحكومة الجديدة، وقد شهدت السرايا الحكومية في اليوم الثاني من مداومة رئيس الحكومة حسان دياب لقاءات ديبلوماسية كثيفة له مع عدد من السفراء الاوروبيين. ولم يخرج الموقف الأوروبي العام من الحكومة عن إطار التشدّد في ربط الدعم الذي يحتاج اليه لبنان بالاصلاحات التي سيتعين على الحكومة التزام تنفيذها ضمن خططها المنتظرة. وشملت لقاءات دياب سفراء فرنسا برونو فوشيه والاتحاد الأوروبي رالف طراف الذي شدّد على "أن الحكومة تحتاج الى التركيز على الملفات الاقتصادية لمعالجة الازمة ووضع إصلاحات بنيوية لتحسين أداء الحكومة"، موضحاً أن "الاتحاد الاوروبي مستعد لالتزام المساعدة ايجاباً اذا نفّذت الحكومة الاصلاحات"، مشددا على مسألة الناي بالنفس والابتعاد عن مشاكل المنطقة، وقال: "سنراقب تموضع الحكومة سياسياً". ورفض التعليق على ما اذا كانت حكومة من لون واحد أو حكومة "حزب الله".
ورأت سفيرة الاتحاد السويسري مونيكا شموتز كيرغوز "أن الوضع في لبنان والمنطقة يحتاج الى إجراءات عاجلة، ولم يعد في الإمكان تجاهل مطالب الاأداد الكبيرة من اللبنانيين، أكانوا من الذين يشاركون في الاحتجاجات أو ممن يتمنون تغييراً عميقاً وهادئاً".
وصرح السفير البريطاني كريس رامبلنغ "بأن تشكيل الحكومة الجديدة هو خطوة مهمة للبنان. لقد دعت المملكة المتحدة باستمرار إلى تشكيل عاجل لحكومة فعّالة وذات مصداقية تعكس تطلعات الشعب اللبناني". وقال "إلى جانب الأعضاء الآخرين في المجتمع الدولي، نحن مستعدون لدعم لبنان ولكن نتطلع الى هذه الحكومة لإظهار إلتزامها الإصلاحات التي يحتاج اليها لبنان بشدة."
إقرأ المزيد في: لبنان
25/11/2024