ابناؤك الاشداء

لبنان

الحكومة بين التّرحيب الأوروبي والتّهويل الأميركي
23/01/2020

الحكومة بين التّرحيب الأوروبي والتّهويل الأميركي

ركّزت الصّحف اللبنانية الصّادرة صبيحة اليوم من بيروت على مرحلة ما بعد تأليف الحكومة وما ينتظرها من نجاح في معالجة الوضع الإقتصادي والمالي الذي وصلت اليه البلاد، وسط ترقب المجتمع الدولي فيما إذا كان سيتعاون معها أم لا، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الأميركي يوم أمس، إذ هدّد لبنان بـ"أزمة مالية رهيبة في غضون أسابيع".

بالمقابل، برز موقف كل من الاتحاد الأوروبي الذي رأى في تشكيل الحكومة خطوة أساسية على طريق إخراج لبنان من أزمته، وموقف الرئيس الفرنسي الذي أكد أثناء وجوده في القدس المحتلة أمس أن فرنسا ستفعل كل شيء لمساعدة لبنان على الخروج من الأزمة العميقة التي تعصف به، بالإضافة لموقف الأمين العام للأمم المتحدة الذي رحّب بولادة الحكومة الجديدة.


أميركا تهدّد لبنان: انتظروا أزمة مالية رهيبة

بداية مع صحيفة "الأخبار"، التي رأت أنه مرة جديدة، تدخل الولايات المتحدة، علناً، على خط الأزمة في لبنان. وهذه المرة أيضاً، كان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو واضحاً في تهديداته وشروطه، تماماً كما في تصريحه من وزارة الخارجية في بيروت العام الفائت. سمّى شروطه بـ«المتطلبات التي تريدها أميركا للتدخل للمساعدة». في السابق، خيّر اللبنانيين بين السياسة الأميركية، وبين العقوبات الشاملة. يوم أمس، هدّد بـ«أزمة مالية رهيبة في غضون أسابيع». وشرطه للتدخل والمساعدة هو أن يقول اللبنانيون لحزب الله «كفى». وبخلاف الرئيس الفرنسي والأمين العام للأمم المتحدة، رفض بومبيو الإجابة على سؤال عما إذا كانت بلاده ستتعاون مع الحكومة الجديدة، رابطاً ذلك بما سماه «أن تكون الحكومة غير فاسدة». ولكي لا يكون تصريح بومبيو لوكالة «بلومبيرغ» مادة للتأويل والاجتهاد، ينبغي إيراده حرفياً:

في مقابل كلام بومبيو، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بتأليف الحكومة، وقال إنه سيعمل مع دياب «لدعم الإصلاحات في البلد المثقل بالديون والذي يصارع أزمة اقتصادية»، مؤكداً دعم لبنان في «تعزيز سيادته واستقراره واستقلاله السياسي». كذلك أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أثناء وجوده في القدس المحتلة، أن فرنسا ستفعل كل شيء لمساعدة لبنان على الخروج من الأزمة العميقة التي تعصف به. أما الاتحاد الأوروبي فأشار في بيان له إلى أن «تشكيل الحكومة خطوة أساسية نحو ضمان قدرة البلاد على معالجة الأزمات المتعددة التي تؤثر عليها»، مؤكداً دعمه «للبنان في الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن مساعدته في تعزيز الحكم الرشيد والمحاسبة ومكافحة الفساد».

داخلياً، الدخان الأبيض الذي خرِج من قصر بعبدا مع صدور مراسيم تأليف الحكومة أول من أمس، لا يعني خروج البلاد من أزمتها الخانقة. فالحكومة العشرينية التي يتقاسمها ائتلاف فريق 8 آذار - التيار الوطني الحر والرئيس حسان دياب، من غير الوارد أن تحقّق إنجازات نوعية سريعة، ولا ينبغي أن يتوقّع منها أحد أن تفعَل ذلك. فهي لم تأتِ لتعالج حدثاً راهناً، بل أتت بعدما دخلت البلاد انهياراً سببه عقود من السياسات الاقتصادية التدميرية. الواقع صعب الى درجة أنه يحتاج فعلاً إلى «عصا سحرية» لا يحملها دياب ولا وزراؤه، لأن التغيير في بنية الاقتصاد يحتاج الى سياسات تأخذ وقتاً لتنفيذها، وحكومات من نوع آخر. لكن ذلك لا يحجُب ضرورة أن تسعى هذه الحكومة إلى استعادة ثقة الناس، بعدَ أن فقدتها السلطة على مدى السنوات الماضية، ولا سيما أن ولادتها أتت بعد اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول. لكن ما صدر على لسان رئيسها وبعض وزرائها لا يُبشّر بالخير.

فقبلَ مرور 24 ساعة على إبصارها النور، خرج رئيس الحكومة مُدلياً بتصريح عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في ما بدا أشبه بخط أحمر ضد وجود مناخات ونوايا لإقصائه، فقال إن «إقالة سلامة غير واردة الآن، ونحنُ نريد أن نبني على الإيجابية». وهذا الخط يُعاد رسمه في ظلّ أزمة مصرفية كانَت تتطلب من الرئيس الجديد تقديم تطمينات للمواطنين فيما خصّ ودائعهم المحجوزة وشحّ الدولار. لكنه عوضاً عن ذلك، قرّر حماية الرجل الذي يُحمّله أغلب الناس مسؤولية التدهور النقدي. وعلى خطاه سار وزير الداخلية الجديد محمد فهمي حينَ رسَم بدوره جدار حماية للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، في عزّ صرخة الشارع ضد عنف القوى الأمنية المفرط بحق المتظاهرين، فأكد أنه لن يُصار الى إقالة عثمان، معتبراً أن «أداء القوى الأمنية كان بالمستوى المطلوب أثناء الثورة وإن حصلت بعض الأخطاء». أما وزير المالية غازي وزني، فـ«بشّر» اللبنانيين بأن سعر الدولار لن يعود إلى 1500 ليرة، فيما قال وزير الطاقة ريمون غجر إنه لا يمكن تحديد المهلة التي يحتاج إليها حل أزمة الكهرباء! أمام هذا الكم من السلبية التي يبشّر بها أعضاء في الحكومة الجديدة ورئيسها، يصبح جائزاً سؤالهم عما أتوا ليفعلوه.

وفيما عقدت الحكومة أول اجتماع لها في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال عون بعد التقاط الصورة التذكارية بمشاركة رئيس مجلس النواب نبيه بري، بدا لافتاً تكرار دياب، لليوم الثاني على التوالي، أن «أول جولة خارجية له ستكون إلى الخليج»، ومن دون إعطاء أي وعد في ما يتعلق بـ«ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة» في البيان الوزاري.

"النهار": تصعيد خطير للشغب في استقبال حكومة دياب

أما صحيفة "النهار" اعتبرت أنه قد يكون مستوى العنف الذي طبع المواجهات التي جرت مساء أمس في ساحات وسط بيروت أبلغ تعبير عن المنقلب القاسي والشاق الذي واجهته حكومة الرئيس حسان دياب في اليوم الاول لانطلاقتها، علماً ان هذا الاختبار الصعب لا يقف عند الحكومة وحدها بل يطاول ايضا الانتفاضة الشعبية في تحدي اختبار الحفاظ على سلميتها وتجنب الفخاخ القاتلة في انزلاق مجموعات منها الى الشغب. ذلك أن مجريات المواجهات التي اندلعت بعنف بالغ في محيط مجلس النواب وخصوصا حول مبنى "النهار" وبيت الكتائب عكست تصعيداً خطيراً ساهمت في تسعيره موجة واسعة من اعمال الشغب والتخريب وتحطيم الممتلكات العامة والخاصة واشارات السير والاشارات الضوئية وكل ما كان يصادف مجموعات من المتظاهرين توافدوا بـ"عدة الشغل" منذ ساعات التجمع الاولى عصراً في ساحات وسط بيروت وشوارعه.

وتفجرت المواجهات أول الامر قرب مجلس النواب حين حاول المتظاهرون تحطيم بوابة حديد ضخمة استحدثت قبل ايام وما لبثت ان انتشرت بعدما قذف المتظاهرون القوى الامنية بالحجارة والمفرقعات وردت هذه القوى بخراطيم المياه. وتطورت المواجهات مع اتجاه مجموعات من المتظاهرين نحو الاسواق في وسط بيروت حيث عمدت الى تحطيم وتخريب اشارات السير والاشارات الضوئية وواجهات بعض المحال التجارية. وبلغت ذروتها ليلاً بعدما تكثفت اعداد المتظاهرين واشتدت الاعتداءات على الاملاك، فتدخلت وحدات مكافحة الشغب واطلقت القنابل المسيلة للدموع بكثافة في ارجاء ساحة الشهداء وابعدت المتظاهرين الذين انكفأوا نحو بيت الكتائب وجسر شارل حلو وما لبثت ان تجددت المواجهات بين كر وفر حتى ساعة متقدمة ليلاً بعدما اتسع نطاقها في اتجاه منطقتي الجميزة ومار مخايل.

وبدا واضحا ان انفجار جولة العنف بعد ساعات من انعقاد الجلسة الاولى لمجلس الوزراء منذ ولادة حكومة الرئيس حسان دياب عكس المؤشر المتقدم والفوري لتصاعد رفض الانتفاضة الشعبية لهذه الحكومة بما يرمز الى الصعوبات الكبيرة في تسويقها اقله في المرحلة الاولى من انطلاقتها، في حين تراهن القوى الداعمة للحكومة والمشاركة فيها على مزيد من الوقت لتهدئة الاصداء الغاضبة والرافضة لها. واعتبرت أوساط معنية في هذا السياق ان انصراف الحكومة الى اعداد البيان الوزاري والاعداد لمشاركتها في جلسة مناقشة الموازنة مطلع الاسبوع المقبل سيبلور تباعاً الاتجاهات التي ستتبعها في مواجهة الاولويات المتزاحمة ومحاولة اقناع الرأي العام الداخلي باعطائها الفرصة اللازمة لاطلاق خططها لمواجهة اخطار الانهيار المالي والاقتصادي كما لاقناع المجتمع الدولي بمد يد الدعم للبنان في ظروفه العصيبة. واشارت الاوساط نفسها الى ان ما جرى أمس من مواجهات يكشف المدى العميق للفجوة القائمة بين خيارات السياسيين ولا سيما منهم الاكثرية الحاكمة التي جاءت بهذه الحكومة والتي مع انها تضم اختصاصيين من ذوي الخبرات فان طغيان لعبة المحاصصة التي طبعت ولادتها اساءت على نحو كبير الى محاولات تسويقها.

"البناء": جنبلاط منفتح… والحريري ينتظر… والاتحاد الأوروبيّ يفتح الباب… والشغب يوم آخر

بدورها صحيفة "البناء" اخذت تقول: رغم المشاهد القاسية التي عرفتها منطقة وسط المدينة أمس، بفعل أعمال الشغب المبرمجة تحت شعار الاحتجاج على الحكومة الجديدة، وما رافقها من مواجهات مع القوى الأمنية، التي بدت أشدّ عزماً وحزماً في تثبيت الخطوط الحمر، بعدما تثبتت من غياب التأييد الشعبي لأعمال التخريب التي تفاقمت بصورة فرضت على جماعات الحراك التي كانت تطلق نظريات العنف الثوري التبرؤ من هذه العمليات. وبعدما كشفت التفاصيل المعلوماتية أن المكوّن الرئيسي لجماعات التخريب يتشكل من جماعات تابعة بصورة رئيسية لتشكيلات المعارضة السورية المسلحة التي فشلت في سورية، وفي طليعتها جبهة النصرة، بالتعاون مع الجمعيات اللبنانية المموّلة دولياً تحت اسم مجتمع مدني لرعاية هذه الجماعات السورية المتطرفة، تحت شعار تأمين حاجات النازحين السوريين. وما بات من معلومات حول هذا الملف بالأسماء وأرقام الحسابات وتواريخ التحويلات والمشاركة بدورات تدريبية على الشغب لناشطين مدنيين، وجيوش إلكترونية على شبكات التواصل، تضمّ لبنانيين عملوا على دعم الجماعات السورية المسلحة خلال الحرب على سورية، توفر المعطيات اللازمة لملف قضائي أمني ينتظر عزل هذه الجماعات عن الحراك الشعبي من جهة وعن تيار المستقبل من جهة أخرى، بعدما انكشف أن التلطي وراء الفريقين يسيء إلى كل منهما، ويستعملهما قناعاً لنقل البلد إلى الفوضى، كما قالت مصادر أمنية على صلة بالملف.

اليوم الحكومي الأول لم يكن يوماً لمراقبة أعمال الشغب، التي لا زالت في عهدة القوى الأمنية قبل أن ترسم الحكومة الجديدة كيفية التعامل معها. فكان البارز حكومياً في اليوم الأول، قرار رئيس الحكومة حسان دياب نقل سكنه إلى السراي، تخفيفاً عن منطقة سكنه وجيرانه لأعباء الترتيبات الأمنية، وتثبيتاً لقراره بالعمل المتواصل، كما قالت مصادر السراي، التي قالت إن الرئيس دياب دعا فريقه لتحمّل ساعات العمل الطويلة التي سيطلبها منهم كما من نفسه ترجمة لما وصف به حكومته كحكومة إنقاذ، «فالإطفائي لا يترك موقع الحريق مع نهاية الدوام، بل عندما يتمكّن من السيطرة على الموقف». وقالت المصادر أن رئيس الحكومة طلب إلى الوزراء تسلّماً وتسليماً سريعاً في وزاراتهم، بعيداً عن الاحتفاليات، وحدّد يوم الجمعة موعداً لنهاية عمليات تسلّم الوزراء لوزاراتهم وبدء العمل، حيث البيان الوزاري الذي ستتقدم من خلاله الحكومة لنيل الثقة سيكون على الطاولة، ويجب إنجازه قبل نهاية مهلة الشهر المنصوص عليها في الدستور، بصورة تتيح لرئيس مجلس النواب تحديد موعد لجلسة الثقة بعد انتهاء مجلس النواب من مناقشة وإقرار الموازنة نهاية هذا الشهر، وتوقعت مصادر متابعة أن يشهد الأسبوع الثاني من شهر شباط المقبل مناقشة البيان الوزاري وموعداً لجلسة الثقة بالحكومة.

على الصعيد السياسي الداخلي والخارجي برز موقف كل من الاتحاد الأوروبي الذي رأى في تشكيل الحكومة خطوة أساسية على طريق إخراج لبنان من الأزمة العاصفة التي تهيمن على الوضع فيه منذ ثلاثة شهور، وموقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي رحّب بولادة الحكومة الجديدة. وقد أمل الفريقان أن تتمكّن هذه الحكومة من إنجاز الإصلاحات الموعودة ليتمكن المجتمع الدولي من تقديم يد العون للبنان، وفي هذا السياق الخارجي سيكون اليوم يوماً دبلوماسياً مكثفاً للرئيس دياب بلقاءات تضم سفراء أغلب الدول الغربية الفاعلة، وفي طليعتها فرنسا وبريطانيا؛ بينما داخلياً لا زال موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط يشكل نقطة فاصلة في المشهد السياسي حول الحكومة، خصوصاً مع دعوته لمنح الحكومة الفرصة وما ينقل عنه من رفضه لدعوات تشكيل جبهة معارضة بوجه الحكومة، متسائلاً عما إذا كان الوضع يحتمل هذا العبث بينما البلد يواجه خطر الانهيار فوق رؤوس الجميع، وجاء كلام مصادر تيار المستقبل عن أجواء الرئيس سعد الحريري بالقول إنه في انتظار البيان الوزاري للحكومة ليبني موقفه منها، ليفتح باباً لتبريد جبهات سياسية يخشى أن تحيط الحكومة بالتوترات، في ظل إشارات يؤكدها قريبون من رئيس الحكومة، أنه ليس بوارد منافسة أحد على زعامة، وأنه لم يقبل مهمة الإنقاذ بخلفية مزاحمة على زعامة طائفته، بل إنه يسعى لتوسيع دائرة الإحاطة التي تحتاجها الحكومة للنجاح بمهمة الإنقاذ الصعبة، ويأمل أن يتم التعامل معه ومع الحكومة من هذا الموقع وعلى هذا الأساس.

إقرأ المزيد في: لبنان