لبنان
الاستشارات إلى الخميس.. واللعب على وتر الفتنة في الشارع
اهتمت الصحف الصادرة صباح اليوم بتأجيل الاستشارات النيابية حتى يوم الخميس المقبل، في فرصة قد تكون الأخيرة لسعد الحريري لإمكانية أن يقوم هو شخصيا بتشكيل الحكومة.
ورغم استجابة رئاسة الجمهورية لطلب الحريري بالتأجيل، إلا أن بيانا من بيت الوسط استدعى ردا قويا من بعبدا أكد حرص الرئيس عون على الدستور وأنه لا يحتاج إلى دروس من أحد.
إلى ذلك، ولليوم الثالث على التوالي يلعب البعض لعبة خطيرة في الشارع مع أعمال شغب وشعارات مذهبية، في محاولة لجر البلاد إلى فتنة قد لا تحمد عقباها.
"الأخبار": الفتنة استيقظت: من أشعل شرارة اليومين الأخيرين؟
لم يكن ما جرى ليل الأحد حدثاً عابراً. أعمال الشغب التي شهدها تشكّل نقطة تحوّل، تشي بأمر خطير بدأ تنفيذه. هي لعبة الشارع التي يُتقنها أهل السياسة وأجهزة الاستخبارات جيداً. ورغم أن عنف الأجهزة الأمنية كان أكثر شدة ليل السبت، إلا أنّ مشهد ليل الأحد كان أكثر خطورة بعدما كاد يتحوّل إلى اقتتال مذهبي سنّي - شيعي، لولا تدخّل الجيش الحاسم الذي أقام ثلاثة خطوط فصل بين «أنصار» الموقوف ربيع الزين القادمين من طرابلس وشبان من الخندق الغميق نزلوا بالعشرات إلى جسر الرينغ ومدخل ساحة الشهداء. عشرات العسكريين بكامل عتادهم تقدموا شرطة مكافحة الشغب، وسط قرار واضح بمنع حصول أي صدام مهما كلّف الأمر. ترافق ذلك مع شتائم مذهبية وفيديوات فتنوية لشحن النفوس جرى تداولها على مجموعات الواتساب ومواقع التواصل الاجتماعي. قبضة الجيش وسطوته ترافقتا مع قرار حاسم لدى قيادتي حركة أمل وحزب الله بسحب الشبّان الغاضبين من الشارع. كل هذا منع تدهور المواجهة إلى ما لا تحمد عُقباه. فماذا حصل في تلك الليلة ومن أشعل الشرارة الأولى؟
تكشف معلومات الأجهزة الأمنية، والتي يتقاطع بعضها مع روايات مراسلين كانوا على الأرض في تلك الليلة، أنّ مجموعات وصلت من طرابلس إلى ساحة الشهداء عند غروب الأحد، مُعدّةً سلفاً لافتعال مواجهة مع القوى الأمنية. شعار هؤلاء كان إطلاق سراح الناشط ربيع الزين الذي أوقف بموجب إخبارَين بالمس بهيبة القضاء على خلفية تهجّم النائب هادي حبيش على القاضية غادة عون. غير أن الشعار ما لبث أن تحوّل الى هتافات تحريضية. وبحسب المعلومات، فقد انطلقت الباصات من البالما في طرابلس لتصل قرابة السادسة والنصف مساءً إلى بيروت.
عُرِف من منظمي «الرحلة» ابراهيم مصطفى، المعروف بأبو سمير، المقرّب من ربيع الزين، إضافة الى شخص من دير عمار اسمه محمد ابراهيم الذي كان ملثماً وعرّف عن نفسه باسم علاء، والذي انتشرت له مقاطع فيديو يشتم فيها أهل الخندق ويُحرّض طائفياً مع آخرين. وعمد هؤلاء الى افتعال مواجهة مع قوة مكافحة الشغب عبر المبادرة الى رمي الحجارة والمفرقعات النارية. لم يكن هؤلاء وحدهم، انضمت إليهم مجموعات من المتظاهرين لا تدري ما هو مخطط هؤلاء. ترافق ذلك مع اندلاع مواجهة بين المتظاهرين وشرطة مجلس النواب.
استمرت المواجهة لساعات، قبل أن يأتي الأمر بالانسحاب. صعد الآتون من طرابس في الباصات، وعادوا أدراجهم إلى طرابلس. من حرّك هؤلاء؟ وجّه أمنيون الاتهام الى الرئيس نجيب ميقاتي، بعد تداول أن شاباً يدعى بشير المصري يقف وراء تحريض الشبان على النزول. مصادر ميقاتي نفت ذلك، مؤكدة أن المصري ترك تيار العزم منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، وسافر الى السعودية، قبل أن يعود منذ أسبوعين تقريباً.
اتصلت «الأخبار» بالمصري، فأكد أنه لا ينتمي إلى أي فريق سياسي، وأنه أنزل شباناً وشابات من طرابلس نهار السبت بالباصات، لا يوم الأحد. وأضاف: «من غير المعقول أن أحضر نساءً وأطفالاً معي إن كانت لديّ نية لافتعال إشكال»، مؤكداً أنه لم ينتقل إلى بيروت يوم الأحد، ولم ينقل أحداً، خشية تكرار ما حصل ليل السبت (القمع الذي تعرّض له المتظاهرون). وقال المصري لـ«الأخبار إنه رفض النزول لكون الشعارات طائفية»، مؤكداً أنه ضد التحريض الطائفي.
وعلمت «الأخبار» أن محمد ابراهيم كان من بين الأشخاص الذين نزلوا على متن الباصات مع المصري السبت من دون أن يعرّف عن اسمه الحقيقي، ليعود الى تحريض الشباب للنزول الأحد لاستكمال سيناريو مواجهة السبت. وذكرت المعلومات أنه من الشبان المرافقين لربيع الزين والمقرّبين. كذلك ذكرت المعلومات أن الشيخ سيف الدين الحسامي، المقرّب من الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، لعب دوراً أساسياً في التحريض واستقدام الشبان للنزول من طرابلس. وحاولت «الأخبار» الاتصال بالحسامي، لكنه لم يجب.
جرى ذلك قبل أن ينتشر أمس فيديو سجّله شاب من الميناء يعيش في اليونان، يشتم فيه الرموز الدينية للطائفة الشيعية، إضافة إلى الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله وعموم الشيعة. بعد ذلك، هاجم شبان من الخندق الغميق ساحة الشهداء، قبل أن تواجههم قوة مكافحة الشغب.
"البناء": بعبدا ترجئ الاستشارات للخميس لمرة أخيرة بطلب من الحريري
وسجل الشارع هدوءاً حذراً يوم أمس، بعد مواجهات عنيفة في وسط بيروت نهاية عطلة الأسبوع، وذلك بعدما قرّرت رئاسة الجمهورية تأجيل موعد الاستشارات بناء على اتصالين تلقاهما الرئيس ميشال عون من رئيسي المجلس النيابي وحكومة تصريف الأعمال لتأجيلها لمزيد من المشاورات والاتصالات.
الا أن الحريري بحسب المعلومات طلب تأجيل الاستشارات لأسبوع أي إلى الاثنين المقبل، لأن عون رفض ذلك مانحاً الحريري الفرصة الأخيرة حتى يوم الخميس كحد أقصى، لكن الحريري حاول التنصل من مسؤولية إرجاء الاستشارات، ملقياً المسؤولية على التيار الوطني الحر مدعياً في بيان من مكتبه الإعلامي بأن كتلة التيار النيابية كانت بصدد إيداع أصواتها رئيس الجمهورية ليتصرف بها كما يشاء. واصفاً ذلك بأنه تكرار الخرق الدستوري الذي سبق أن واجهه الرئيس رفيق الحريري في عهد الرئيس اميل لحود، وللتأكيد أن الرئيس الحريري لا يمكن أن يغطي مثل هذه المخالفة الدستورية الجسيمة أياً كانت وجهة استعمالها، في تسمية أي رئيس مكلف”.
ورد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية في بيان بأن «الحديث عن إيداع اصوات «كتلة التيار الوطني الحر» فخامة رئيس الجمهورية، هو محض اختلاق واستباق للاستشارات النيابية الملزمة التي كان ينوي رئيس الجمهورية إجراءها اليوم، وبالتالي فإن التذرع به للتمني على رئيس الجمهورية تأجيلها، هو حكم على النوايا لا يصح في العمل السياسي السليم، ومحاولة مكشوفة لتبرير هذا التمني وتجاهل اسباب أخرى له». واعتبر مستشار رئيس الجمهورية للشؤون السياسية بيار رفول أن الحريري «يضع شروطاً على لبنان وعلى الشعب اللبناني كله»، مؤكداً أن «الاستشارات النيابية لن تتأجل بعد الخميس». وقال: «يبدو أن الحريري مرفوض داخلياً وخارجياً وعليه ان يعرف السبب». أضاف «أن الحديث عن خرق دستوري مردود لمطلقيه، الذين كان يجدر بهم معرفة القواعد الدستورية والإقلاع عن الممارسات التي تتناقض ونص الدستور وروحه».
إلا أن تصريح الرئيس نجيب ميقاتي يؤكد بما لا يرقى للشك بأن الحريري هو المسؤول عن تأجيل الاستشارات وليس أي سبب آخر، وقال ميقاتي في حديث للـ»ال بي سي»: «مبررات الحريري غير مقبولة والرئيس عون لديه واجبات دستورية وما يحصل مرفوض على كل الأصعدة».
بيان بيت الوسط أُتبع ببيان طويل لـ»المستقبل» اعتبر فيه أن «رئاسة الحكومة ليست رهينة عند أحد مهما علا كعبه». فردّ التيار الوطني الحر بالقول: «مرّة جديدة نحرص على التعالي فوق السجالات حرصاً على الوطن وإنقاذه من الكارثة التي يعيشها بسبب السياسات المعتمدة منذ 30 سنة»، إلا أن اللافت أنه وبعد حرب البيانات بين بعبدا ميرنا الشالوحي – بيت الوسط، سربت أوساط بيت الوسط بأن الحريري قد يقدم على الاعتذار وترك أمر البحث عن شخص غيره للأطراف الأخرى اذا ما استمر إقفال الأبواب في وجهه.
وتجمع عشرات المتظاهرين في محيط «بيت الوسط»، رفضاً لإعادة تكليف الحريري وشدّد بعض المشاركين على أن «الاعتراض ليس على شخصه بل لوجود فاسدين من فريقه»، وطالبوه بـ»كشف هؤلاء الفاسدين ومحاسبتهم».
"الجمهورية": إستشارات الخميس في حقل ألغام
وبحسب "الجمهورية"، اللافت للانتباه في هذا الجو المعقد، هو انّ رئيس الجمهورية أصرّ على تأجيل محدود للاستشارات، في مواجهة الرغبات التي أبديت، خصوصاً من قبل الرئيس الحريري، بمنح هذا التأجيل فرصة أسبوع حتى الاثنين المقبل، تكون كافية لإجراء جولة مشاورات ومفاوضات مكثفة على الخطوط السياسية كلها لكي تأتي الاستشارات المقبلة على أرضية اكثر توافقة من الاستشارات التي تأجّلت.
وبحسب مطّلعين على الاجواء الرئاسية، فإنّ عون لم يكن في وارد التأجيل من الاساس، الا انه نزل عند الرغبة في التأجيل، ذلك انّ استشارات الامس، لو بقيت في موعدها، لكانت أحدثت إرباكاً من نتائجه الفورية تعطيل الاستشارات، خصوصاً انّ مقاطعة كتلة تيار «المستقبل» للاستشارات كانت واردة جداً تبعاً للموقف القواتي الذي فاجأها، ومن شأن هذا التعطيل أن يرخي على الواقع السياسي العام، والحكومي بشكل خاص، تعقيدات يصعب احتواؤها.
لكنّ رئيس الجمهورية، بحسب المطلعين على الاجواء الرئاسية، لم يحبذ التأجيل لأسبوع، بل أصرّ على التأجيل لـ3 ايام كافية في رأيه لحسم المواقف، ويوم الخميس المقبل هو الموعد النهائي للاستشارات، وليكلّف من يكلّف في نهايتها.
وفيما بَدا للمراقبين انّ رئيس الجمهورية، وبهذا التأجيل القصير الامد، يسعى الى حشر الجميع في زاوية الوقت، وفي مقدمهم الرئيس الحريري، بما يؤدي بهم الى تليين المواقف المتصلبة حيال الحكومة الجديدة لناحية شكلها ومضمونها. قالت مصادر قريبة من بيت الوسط لـ«الجمهورية»: «انّ الرئيس الحريري لن يدخل في لعبة الابتزاز، فضلاً عن انه لا يخضع لها».
بعبدا
وأوضحت مصادر بعبدا لـ«الجمهورية» ان «ليس لدى رئيس الجمهورية أي خطط غير معلنة، وانّ تأجيل الإستشارات الى الخميس المقبل هو آخر المهل التي يمكن إعطاؤها لطَي مرحلة التكليف».
ولفتت المصادر الى انّ ما نسج من روايات حول وضع كتلة لبنان القوي اسم الرئيس المكلّف في عهدة رئيس الجمهورية، واستذكار ما جرى في بداية عهد الرئيس اميل لحود مع والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هو سيناريو لا وجود له، وهو كلام مختلق لا أساس له من الصحة.
ولفتت المصادر الى انّ عون، الذي تمنّى على بري ان يزور الحريري بعبدا، فله أوّل موعد في الاستشارات وعندها يناقشان طلب التأجيل. ولمّا اتصل به أبلغه بالتأجيل الى يوم الخميس المقبل كحد اقصى، لأنّ يومين هما كافيان للتواصل مع تكتل «لبنان القوي» وتكتل «الجمهورية القوية» لتسوية الوضع قبل يوم الخميس المقبل، إن كانت المشكلة قد توقّفت عن المشاركة المسيحية في تسميته مكلفاً لتأليف الحكومة.
"اللواء": إنذار دولي من عواقب تأخير الحكومة
أبعد من تأجيل الاستشارات النيابية إلى بعد غد الخميس، لم يكن فقط اندلاع اشتباك كلامي وخلافي خطير، بين الرئاستين الأولى والثالثة حول دستورية تجيير أصوات التيار الوطني الحر إلى رئيس الجمهورية لتكليف الشخصية التي تنال الأصوات الأكثر عدداً، بل أسئلة بالغة الخطورة عن الخطوة التي تلي، وسط أجواء قاتمة من التشاؤم، لا تقتصر على القيادات اللبنانية، بل تشمل الأوساط المالية والدبلوماسية الدولية والعربية.
ونقل زوّار بعبدا ان الرئيس عون متمسك بحكومة تكنو- سياسية، وان هذا لا يتفق مع رؤية الرئيس الحريري لحكومة اخصائيين.
ونقل هؤلاء الزوار أيضاً ان شعبية الحريري إلى تراجع، وان بعبدا تبحث عن بديل للحريري.
وذكر في هذا المجال ان من الأسماء التي يتردد ذكرها النائب فؤاد مخزومي أو الوزير السابق خالد قباني.
تحذير دولي
والأبرز في السياق، التحذير الذي نقله المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش إلى كل من الرئيس نبيه برّي والوزير جبران باسيل حول نقطتين خطيرتين: الأولى تتعلق بالمخاطر من انزلاق الوضع إلى العنف في ضوء ما وصفه بـ«الاستخدام المفرط للقوة من قبل القوى الامنية»، داعياً إلى التحقيق وتحديد هوية المحرضين على العنف، والثانية تتعلق بوصف التأجيل الجديد (رقم 2) للاستشارات النيابية «بالمجازفة» في ظل انهيار اقتصادي، متخوفاً من ان يكون محاولة أخرى «لشراء الوقت»، كل ذلك على وقع تجدد التظاهرات امام منزل الحريري في «بيت الوسط» رفضاً لإعادة تسميته رئيساً للحكومة، و«لاعادة إنتاج الحكومة» نفسها.
وفي المعلومات أن كوبتيش جدد الرسالة الأممية بأن تأخير تكليف شخصية تعمل بسرعة لتأليف حكومة ذات صدقية، وتعمل للانقاذ الاقتصادي السريع هو منتهى الخطورة، ويفقد لبنان أية إمكانية للاستفادة من أموال «سيدر» ووصف مصدر مطلع ان المنسق الأممي نقل ما يشبه الانذار في ما يتعلق بضرورة الإسراع بتأليف الحكومة المقبولة دولياً.
نصائح الصندوق ومخاطر الايرادات
وفي السياق الاقتصادي النقدي، اعتبرت وكالة موديز اليوم أن مسعى لبنان للحصول على مساعدة محتملة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي له تأثير إيجابي على تصنيفه الائتماني ويقلل خطر اضطراب شديد في الاقتصاد الكلي.
وقالت وكالة التصنيفات الائتمانية في مذكرة «دون دعم فني ومالي من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومانحين دوليين، تزداد احتمالات سيناريو انعدام شديد في استقرار الاقتصاد الكلي، يتضمن حدوث إعادة هيكلة للديون مع فقدان حاد لاستقرار ربط العملة، وهو ما ينتج عنه خسائر كبيرة للغاية لمستثمري القطاع الخاص».
على ان الأخطر مالياً، ما كشفه النائب إبراهيم كنعان من انه بعد 60 يوماً على التطورات الأخيرة، يسجل تراجع في الإيرادات، والنقص تجاوز الثلاثين بالمائة عن الإيرادات التي كانت ملحوظة، أي ما يوازي الـ4 مليارات دولار.