لبنان
اللواء خير جنوباً.. شتاء جديد والمشاريع لم تنفذ
سامر الحاج علي
موقعان في الجنوب زارهما أخيرًا رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير. الأول وصلة من طريق دولي بين صيدا وصور لا زالت تترنح تحت وطأة الأشغال التي طال أمد انتظارها ولم تشأ أن تبدأ إلا مع انطلاقة موسم المطر، والثاني نقطة عند شاطئ بحر صور كانت تعرف قبيل انطلاقة الحراك الشعبي باستراحة صور السياحية في حين باتت اليوم أشبه بمتحف يخلّد في ذاكرة المكان رسوماً من نار ودخان.
في الاستراحة جال اللواء خير، بين غرف الفندق. لا زالت رائحة الحريق تعبق لتكسو الجدار والسقوف بسوادها الذي يسأل كل من يصل إلى هنا عن هوية مفتعليه وعن الأسباب التي دفعتهم حقاً إلى ضرب إحدى مؤسسات وزارة السياحة اللبنانية. وبين الممرات وتجهيزات المطعم وقاعة المناسبات تختلط في بال عدد من الصحافيين المواكبين للزيارة والذين كانوا مِمّن أمضى أسابيع عدوان تموز في هذا المكان - كان مقراً للصحافيين ووسائل الإعلام خلال الحرب - صور من عدوانية لربما لم يخطر يوماً في بالهم أن يروها هنا، ولربما كان يراد منها أن تكون فاتحة زمن الفوضى في لبنان. لم يعلّق خير على زيارته إلى المكان الذي بدأ مستثمره بترميمه بعد دراسة الكلفة المقدرة بلميوني دولار ستُدفع على ما يبدو من جيب اللبنانيين على هيئة تعويضات تجيّرها الهيئة العليا للإغاثة، وهذا ما تترجمه زيارة مديرها العام إلى "الرست هاوس".
وإلى وصلة ارزي - برج رحال يغادر اللواء خير برفقة عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي خريس. هناك يتابع عن كثب ورشة الأشغال التي تنفذها شركة دنش للمقاولات والتجارة منذ أسابيع لتدعيم الجانب الأيمن من المسلك الشرقي لأوتوستراد الإمام السيد موسى الصدر، والتي تصل الجنوب ببقية المناطق اللبنانية وكانت قد انقطعت في التاسع من كانون الثاني الماضي نتيجة لانخساف الطريق وانهيار جزء من كتلة جبلية محاذية لها حالت القدرة الإلهية دون أن تتسبب بسقوط ضحايا.
الورشة التي تأخرت كثيراً تنفذ اليوم. آليات تقوم بإزالة الصخور والأتربة المعرضة للانهيار أو تلك التي كانت قد انهارت فعلاً بعد الإنهيار الأول، وآليات أخرى تحفر على عمق أمتار لتثبيت قواعد من الباطون المسلّح تساعد على تماسك الكتلة الجبلية المتبقية وتثبيتها قبل أن يصار لاحقاً إلى بناء جدار اسمنتي يحتضن ما تبقى من جبل كان الاجدر بالشركة المتعهدة التي كانت قد التزمت شق الاوتوستراد منذ سنوات طويلة أن تدعّمه كي لا تدفع الدولة اللبنانية أكلافاً مضاعفة على مشروع لم ينفّذ وفق مواصفات مطلوبة. ومن هنا تأتي زيارة خير لمراقبة الأعمال التي تنفذ عن قرب في المكان الذي يؤثر على سلامة الناس وفق ما يشير، وللتأكد من أن الأمور تسير وفق المواصفات والشروط الموضوعة فما يهم الهيئة اليوم هو المراقبة الشديدة كي يكون التنفيذ سليماً.
يكشف اللواء خير خلال جولته الخميس 12 كانون الأول أن هذا المشروع ينفذ على مرحلتين وفق الاعتمادات المالية المتوفرة من قبل وزارة المالية، الأولى والتي تجري اليوم وهي الأصعب على حد قوله حيث من المتوقع أن تنتهي خلال فترة الخمسة عشر يوماً القادمة ليصار من بعدها إلى فتح الطريق أمام العابرين، بانتظار أن تنطلق المرحلة الثانية خلال أشهر. وقبل أن يغادر خير المكان يطلق نداءً لكافة البلديات في لبنان على أعتاب بداية فصل الشتاء وما يحمله من امطار وعواصف لأن يكونوا على جهوزية تامة لمواجهة أي عوامل أو عوارض طبيعية ويطبقوا القوانين المرعية الإجراء في لبنان.
أما النائب خريس والذي كنا قد التقينا به في اليوم التالي لانهيار الطريق في المكان نفسه، فقد رحب بزيارة اللواء خير إلى المنطقة متابعاً للمشروع الذي يعتبره جباراً ويخطو خطواته الصعبة، متمنياً لو أن الوزارات المختصة تقوم بدورها الكامل والفعّال للاستفادة من الامطار التي تتساقط على بلادنا والتي من المفترض أن تشكل نعمة للناس بدلًا من أن تكون نقمة عليهم، وعن التحقيق في مسببات الانهيار وأخطاء التنفيذ كان قد جرى الحديث عنها منذ اليوم الأول للحادثة يؤكد خريس: "جرى تقديم ملف كامل للجان المختصة في مجلس النواب إلا أن الأمور لم تسلك مسارها بعد".
حديث خريس عن التحقيق والسير في مسار قانوني، كان قد تناوله أيضاً عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب السابق نواف الموسوي في مؤتمر صحفي أجراه أوائل تموز اذ سأل يومها عن تنفيذ هذا الطريق الذي لم يستمر لأكثر من أربع سنوات حتى بدأت تظهر فيه صدوع وتشققات قبل أن ينهار، وشدد يومها على عدم اعفاء أي من المقصرين في هذا الموضوع وعلى ضرورة المحاسبة على أن تضع لجنة الإدراة والعدل في مجلس النواب يدها على ملف هذه الطريق التي ووفق المعطيات بدأت تظهر فيها الصدوع قبيل 3 سنوات من تاريخ انهيارها وقد قام فريق من وزارة الأشغال بتغطيتها فعلاً مع العلم أن أحد المعنيين في المنطقة كان وعند شق الطريق قد نبه الشركة المنفذة من أن التربة هناك تختزن المياه وهي ليست صالحة لأعمال كهذه دون أن يكترث أحد لمعطياته العلمية.
وإلى جانب خير يتابع رئيس اتحاد بلديات ساحل الزهراني علي مطر الذي تقع المنطقة ضمن نطاق عمل اتحاده الأعمال نفسها، فيتمنى أن لا يكون هناك أي خلل في الدراسات التي تنفذ الأعمال اليوم على أساسها والتي وفق ما يظهر تسير على أساس المواصفات العلمية والفنية المطلوبة في هكذا مواقع وحالات. ويكشف مطر عن أنه إضافة إلى الانهيار الذي حصل في منطقة ارزي – برج رحال حصل فعلاً انهيار آخر على المسلك نفسه من الأوتوستراد قبيل جسر الزهراني في محلة خراج النجارية ويشكل خطراً - وإن لم يكن بذات حجم الخطر هنا - على حركة السير ويعطل مساحة أربعة أمتار من الطريق بأتربة تعمل فرقه الفنية دورياً خلال الشتاء على إزالتها إلا أن ذلك لا يعد إلا حلّاً مؤقتاً، ما يستدعي تدخلاً عاجلاً من قبل الهيئة العليا للإغاثة لمعالجته.
مندرجات الأزمة التي يحذر منها مطر تتعدى الأوتستراد إلى الطريق الساحلي، فيشير إلى ما يعرف "بجسر الشمسية" في منطقة العاقبية عند الخط الساحلي الرديف، والذي على الرغم من أنه تعرض لانهيار جزئي إلا أن المواطنين لا زالوا يستخدمونه للمرور.
واذ يوضح مطر أن الجسر أصغر من أن يتحمل مياه الأمطار التي تأتي من عدد من قرى النبطية وتغمره، يشير إلى أن الاتحاد رفع سابقاً دراسة خاصة وملفاً كاملاً لوزارة الأشغال بهدف تلزيم مشروع لتأهيله قبل أن ينهار ويتسبب بكارثة في المنطقة، إلا انه ورغم موافقة الوزير يوسف فنيانوس عليه ورغم التقرير الذي رفعته أيضاً لجنة متخصصة من الوزارة عاينت المكان، لا يزال المشروع يراوح أدراج الوزارة ولا زال الجسر يتراوح بين الوعود والمحظور الذي قد يقع في أي لحظة.
ومع بدء وصول المنخفضات الجوية التي أشارت سابقاً مراكز الرصد المناخي إلى أنها ستتوالى على لبنان هذا العام، يأمل من لا حول لهم ولا قوة أن لا يكونوا ضحايا لإهمال تجسد خلال الفترات الأخيرة في مشاريع لم تنفذ وفق القوانين المرعية، ولم تأتِ على مستوى الآمال في وطن أكل الحرمان آمال شعبه.