لبنان
مؤتمر "مجموعة الدعم" في باريس.. لبنان تحت نِير "النقد الدولي"
ركّزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على المؤتمر الذي عقدته «مجموعة الدعم» في باريس أمس الذي طلب من لبنان الالتزام بوصفة "صندوق النقد الدولي"، التي وصفها الخبراء الإقتصاديون بوصفة إفقار ونهب وتدميرٍ للقطاع العام وانهيارِ سعر صرف الليرة عبر الاستعانة بالنقد الدولي.
المؤتمر لم يحمل في طياته سوى المزيد من الشروط التي فرضها مؤتمر "سيدر" من قبله. ذلك يعني أن لبنان وسياسته المالية ستصبحان رهينة سياسات الدول الكبرى وتحديدًا الولايات المتحدة الأميركية التي تسيطر على السياسة النقدية في العالم.
مناقشات الاجتماع الدولي غابت عنه الشروط السياسية التي يتحدث عنها الأميركيون والسعوديون الذين طالبوا بإضافة عبارة استبعاد الوجوه المستفزّة عن الحكومة المطلوبة، ولم تفلح محاولتهم. وبقي النص يدعو إلى حكومة تلتزم الإصلاحات التي تعهّدت بها الحكومة اللبنانية في مؤتمر سيدر.
"الأخبار": "مجموعة الدعم" وواشنطن: عليكم بـ"وصفات" صندوق النقد الدولي!
بداية مع صحيفة "الأخبار" التي رأت أن بعض أركان السلطة يمنّون النفس بدعم مالي دولي يصدر عن المؤتمر الذي عقدته «مجموعة الدعم» في باريس أمس. لكن الأخير خرج داعياً لبنان إلى الالتزام بوصفة «صندوق النقد الدولي»! وصفة إقفار ونهب وتدميرٍ للقطاع العام وانهيارِ سعر صرف الليرة، تلقفها الرئيس سعد الحريري الذي يصرّ التيار الوطني الحر على تحميله وحيداً مسؤولية الانهيار!
انتهى مؤتمر «مجموعة الدعم الدولية للبنان» بفرض المزيد من الشروط على شروط «سيدر»، ليحيل الدولة اللبنانية الى «وصفته الجاهزة»: اللجوء الى صندوق النقد الدولي. وهو النموذج الذي دأب المجتمع الدولي على اعتماده عند ايصاله الدول التي يرعى اقتصادها وسياساتها الى الفشل والانهيار؛ فيبقي أمامها خيارا قسريا هو الاستعانة بالنقد الدولي. وأبرز شروط الصندوق تبدأ بـ«تحرير العملة الوطنية»، أي انهيار قيمة الليرة في بلد غير مصدّر كلبنان، واعتماد الخصخصة في مختلف قطاعات الدولة ولا تنتهي بزيادة سعر المحروقات وخفض وإلغاء الدعم في القطاعات الرئيسية التي تدعمها الدولة كالكهرباء، الى جانب وقف التوظيف وخفض أعداد العاملين في القطاع العام. وصفة صندوق النقد ستخلص الى ترتيب المزيد من الديون على الدولة اللبنانية وتكبيلها بسياسات دولية تشرف عليها الولايات المتحدة.
ما سبق ورد ضمنيا في البيان الصادر عن مجموعة الدعم الدولية للبنان بالاشارة الى أن «الدعم من المؤسسات المالية الدولية ضروري لمساعدة السلطات في جهودها لتطبيق الإصلاحات»، مجددة «استعدادها للمساعدة في هذه الخطوات وداعية السلطات اللبنانية الى طلب الدعم من المجموعات الدولية». وعلمت «الأخبار» أن مساعد وزير الخارجيّة الأميركيّة لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر ردد هذا الكلام حرفيا أمام الموجودين قائلا إن «لا حل للبنان سوى باللجوء الى صندوق النقد الدولي». وقد تمثل الحضور العربي بدول الامارات والكويت ومصر وجامعة الدول العربية وسط غياب سعودي لافت. خلال صياغة البيان النهائي، تمكن الوفد اللبناني من تخفيف الصيغة الاملائية له، لينص على حث السلطات اللبنانية على تلبية متطلبات الشارع عبر «تبني سلة إصلاحات مستدامة والالتزام بإجراءات وفق جدول زمني محدد». رغم ذلك، «لم يكن الجو العام مطمئنا إلى تأليف حكومة جديدة سريعا، فيما عبّر أكثر من طرف غربي عن استيائه من سياسة حاكم مصرف لبنان النقدية وعدم استماعه للنصائح التي وجهت اليه». في سياق آخر، أكد البنك الأوروبي للاعمار والتنمية للبنان، وفق المصادر، أنه «فتح خطوط ائتمان لستة مصارف بقيمة 250 مليون دولار تلبية لطلبات الاستيراد ويستعد لاضافة مصرف سابع إلى القائمة».
من جانبه، اعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو موقفاً يربط فيه مساعدة لبنان بإخراج حزب الله من الحكومة. وهي ليست المرة الأولى التي يردد فيها بومبيو المعادلة نفسها ويعمد الى تحديد شروط واشنطن على اللبنانيين، داعيا اياهم في الوقت عينه الى وقف التدخلات الخارجية في بلدهم! فهو كان قد صرح بها قبل تسعة أشهر، أثناء زيارته لبيروت، كما كررها قبل أيام. وأمس، بدا الموقف الأميركي أوضح وأشدّ لهجة في تحديد هدفه وربط الاستجابة لطلبات الدولة اللبنانية مباشرة بشكل الحكومة اللبنانية والممثلين فيها. ليتوجه بعدها الى الشعب اللبناني محملا اياه مسؤولية «كيفية تشكيل الحكومة» وممليا عليه الأوامر الأميركية: «يجب أن يطالب الشعب اللبناني بسيادة لبنان وازدهاره وحريته من نفوذ الكيانات الخارجية (…) هناك منظمة مصنفة كإرهابية وهي حزب الله وأعلم أنكم على علم بالخطر الذي تشكله على حريتكم وعلى قدرتكم على توفير حاجاتكم (...). الولايات المتحدة مستعدة للقيام بأمور لمساعدة اللبنانيين على إنعاش اقتصاد لبنان وتشكيل حكومتهم، آملاً أن ينجح الشعب في هذه المهمة». لم يكد بومبيو يتكلم حتى غرد رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري عبر «تويتر» برؤيته للخروج من الأزمة: «الإسراع بتأليف حكومة اختصاصيين تلبي تطلعات اللبنانيين، إعداد خطة إنقاذية وتطبيقها بالدعم الكامل من المجتمع الدولي، المؤسسات المالية الدولية والصناديق العربية». وقد توجه بعض الشبان مساء أمس الى أمام منزل الحريري في وادي أبو جميل هاتفين: «سعد سعد سعد ما تحلم فيها بعد».
في موازاة ذلك، اتخذ التيار الوطني الحر قراره بعدم المشاركة في الحكومة المقبلة ويفترض أن يعلن وزير الخارجية جبران باسيل ذلك خلال مؤتمر يعقده في ميرنا الشالوحي السادسة مساء اليوم. ووفق مصادر التيار، «اتخذ القرار بعد عملية كر وفر طويلة بينهم وبين الحريري، خلصت الى تأكيد المؤكد لديهم، بأن الحريري ليس أهل ثقة بعد اليوم وغير مؤهل لادارة حكومة انقاذية للبلد». لذلك، «سيعمد التيار الى تركه يؤلف الحكومة التي يريدها منفردا ووفق التوجيهات الأميركية». ويرى العونيون أن المرحلة المقبلة هي مرحلة الانهيار ولا يطمحون ليكونوا شركاء فيها لسبب رئيسي أنهم لم يكونوا يومها جزءاً من النظام الاقتصادي الذي أدى الى ما يحصل حاليا. ويفترض بقرار الانضمام الى المعارضة تحت عنوان «التضحية من أجل خلاص البلد طالما يصعب تشكيل حكومة بوجود باسيل فيها»، أن يحسن وسائل تواصل التيار مع جمهوره الحالي وذلك الذي خسره تباعا خلال السنوات الماضية». التيار الوطني الحر أبلغ حزب الله بموقفه النهائي وأبدى تمسكا به رغم محاولات الحزب ثنيه عن الأمر. ففي ميزان الحزب أضرار هذا العمل تفوق فائدته بمعزل عن احترامه لخيار حليفه. وما الخروج من الحكومة اليوم سوى ضربة إضافية للعهد، اذ كيف يمكن رئيس الجمهورية ميشال عون، مؤسس التيار ورئيسه السابق، أن يكون على رأس الحكم فيما تياره في المعارضة؟
"النهار": متاريس سياسية بدل التنازلات... يستعجلون الانهيار!
بدورها صحيفة "النهار" اعتبرت أنه وقت انهالت على لبنان تحذيرات دولية غير مسبوقة في خطورتها من التدهور الاقتصادي الذي يتخذ طابعاً سريعاً متدحرجاً وخصوصاً من مجموعة الدعم الدولية للبنان ووزير الخارجية الأميركي جورج بومبيو، بدا الوضع الداخلي أمس موغلاً في تأزم تصاعدي بات يصعب معه تصور القصور الهائل الذي يثبته المسؤولون الكبار والسياسيون المعنيون بالخروج من الأزمة الحكومية في ظل الوقائع المتسارعة للكارثة المالية والاقتصادية والاجتماعية.
ذلك أن المعطيات السياسية المتجمعة من مختلف المرجعيات الرسمية والأوساط العاملة على تذليل العقبات التي تحول دون رسم خريطة طريق واضحة للاستحقاق الحكومي، كانت حتى ليل أمس تشير الى شبه استعصاء للتوافق على الخروج من الأزمة الحكومية تكليفاً وتأليفاً قبل أيام قليلة من الموعد المرجأ للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة الاثنين المقبل. ولعل ما يثير أقصى الغرابة والمخاوف في آن واحد هو أن الأيام الأخيرة أثبتت بما لا يقبل جدلاً أن المسؤولين الكبار يبدون قابلية مرضية لإقامة متاريس سياسية في المعارك الذاتية وتصفيات الحسابات السياسية والشخصية الصغيرة وعدم استعداد لاتباع منطق التنازلات الحتمية للتوصل الى أي تسوية سريعة توجبها أسوأ كارثة حلّت بلبنان منذ الحرب. وترجم هذا الواقع القاتم في مشهد الانسداد السياسي الذي طبع الأيام الأخيرة، في حين تشهد باقي القطاعات اللبنانية من دون أي تمييز سوء المصير الذي يتهدّد الوف الشركات والمؤسسات وعشرات آلاف العاملين في القطاع الخاص.
وبذلك بات الكثير من المراقبين يطرحون تساؤلات تتجاوز الدلالات المحلية الصرفة لحال استعصاء التوافق السياسي على المخرج الحتمي من الأزمة الحكومية، فيما يضغط العالم على المسؤولين لاستعجال تأليف حكومة اصلاحية تشكل الممر الأول والأخير لمدّ لبنان بالدعم السريع الانقاذي تجنباً لانهيار اقتصاده تماماً. ومن التساؤلات المثارة بكثافة في الأيام الأخيرة، هل انزلق المسؤولون اللبنانيون الى الارتباط واقعياً بصراعات المحاور الدولية والاقليمية بما يخشى معه أن تصح تقديرات متشائمة لربط الأزمات من بيروت الى بغداد الى طهران؟ وإذا كان هذا التقدير المتشائم في غير مكانه وإذا كان إطار الأزمة ومضمونها ملبننين تماماً، فأي تفسير لاستحالة الوصل بين ثلاثة رؤساء وعدد أصابع اليد من الزعماء لا يتجاوز عدد الأصابع الواحدة للاتفاق على استراتيجية من شأنها الحدّ ما أمكن من الانزلاق السريع بالبلاد نحو الانهيار الكبير، أم ترى بعضهم يرغب في ذلك لغايات دفينة؟
"البناء": اجتماع باريس لحكومة فاعلة تلتزم إصلاحات سيدر… والحريري يُضيف من «اختصاصيين»
أما صحيفة "البناء" رأت أن مناقشات الاجتماع الدولي الذي عُقد بمشاركة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا وإيطاليا والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عكست التوازن الحاكم للمعادلات بين مكوّنات الاجتماع حيث تشارك روسيا والصين، فغابت الشروط السياسية التي يتحدث عنها الأميركيون والسعوديون الذين طالبوا بإضافة عبارة استبعاد الوجوه المستفزّة عن الحكومة المطلوبة، ولم تفلح محاولتهم. وبقي النص يدعو إلى حكومة تلتزم الإصلاحات التي تعهّدت بها الحكومة اللبنانية في مؤتمر سيدر، وهي تعهّدات مسلم أن تتابع الالتزام بها أي حكومة جديدة، التي لم يتم وصف تركيبتها إلا بكلمة الفاعلة في البيان، إلا أن رئيس الحكومة المستقيلة والمرشح الوحيد لترؤس الحكومة الجديدة بعد بيان انسحاب المرشح السابق سمير الخطيب وما نقله عن دار الفتوى، أصرّ على إضافة صفة “الاختصاصيين” للحكومة المقبلة، موحياً بأن هذا ورد في البيان الختامي لاجتماع باريس.
البيان في موقعه السياسي تشجيع لتخطي التجاذبات المحيطة بتشكيل حكومة جديدة وتقديم تنازلات متبادلة لتسريع ولادتها، لكن الرئيس الحريري متمسك بتوظيف الاجتماع للتمسك بشروطه من دون تقديم تنازلات. والصيغة التي يتمسك بها الرئيس الحريري لا تزال عند مضمون طلب إطلاق اليد في التشكيلة الحكومية والعمل الحكومي، طالما أنه الجهة القادرة على مخاطبة الخارج، وطالما أنه مرشح طائفته الوحيد. وهذه الصيغة التي يسعى ثنائي حركة أمل وحزب الله على إدخال تعديلات عليها من موقع التمسك ببقاء الحريري ولّدت لدى التيار الوطني الحر ردَّ فعل مختلفاً. فالتيار ورئيسه الوزير جبران باسيل ومِن خلفهما رئيس الجمهورية يرون في هذه الصيغة انقلاباً سياسياً كبيراً يقترب من معادلة إسقاط عهد الرئيس ميشال عون. وإذا كان التيار الذي يحمّل الثنائي وتمسكه بالحريري مسؤولية تمسّك الحريري بشروطه، لا يمانع بعودة الحريري لكن بشروط تحترم نتائج الانتخابات النيابية ووجود رئيس للجمهورية، ويرى أن تفاوضاً من موقع القوة وتحضير خيارات وبدائل لعدم التفاهم مع الحريري، كان ولا يزال ممكناً له أن يُعيد الأمور إلى نصابها. وبخلاف ذلك تقول مصادر التيار إنها تفضل عدم منح التغطية المسيحية للحكومة الجديدة، وبالتالي عدم المشاركة فيها بأي شكل وتقديمها بصفتها حكومة الحريري وحده يتحمّل مسؤولية أعمالها ونتائج هذه الأعمال، والانتقال إلى العمل من الموقع النيابي والشارع، وكشف البعد الطائفي غير الميثاقي للحكومة وتحميل مَن يقدّم لها التغطية مسيحياً مسؤولية التلاعب بالتوازنات الوطنية التي كرّسها اتفاق الطائف، واعتبار التيار في معركة مزدوجة، معركة ذات طابع إصلاحي وأخرى لإعادة التوازن الوطني، وفرض احترام نتائج الانتخابات النيابية. وتقول المصادر إن التيار لن يعطّل قيام الحكومة رغم امتلاك رئيس الجمهورية صلاحية عدم توقيع أي تشكيلة حكومية يعتبرها مختلّة ميثاقياً، لأن الوضع الاقتصادي والسيطرة التي تمّت على الحراك وتوجيهها بوجه رئيس الجمهورية، سيحولان دون نجاح رئيس الجمهورية في تعديل الصورة، بل ستتيح معارضة الرئيس الفرصة لتصعيد الهجوم الذي يستهدف عهده.
هذا التمايز الآخذ بالتحوّل إلى تباين بين مقاربة كل من التيار الوطني الحر وثنائي حركة أمل وحزب الله، وخصوصاً حزب الله كحليفين، ولعل هذا ما رتّب الإعلان عن إطلالة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، يُنتظر أن تتناول الملف الحكومي، وتفتح الباب للتساؤل عما إذا كانت كلمة السيد نصرالله ستعدّل المشهد لجهة العلاقة بين التيار والحزب أو لجهة تعامل حزب الله مع طرح الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة. وتقول مصادر متابعة إن السيد نصرالله الذي قال مع تشكيل الحكومة المستقيلة إن حزب الله لن يشارك ما لم يشارك حلفاؤه في اللقاء التشاوري قد يكون بوارد قول شيء أشدّ قوة في ما يخص التيار الوطني الحر، مع الأخذ بالاعتبار حساسية الوضع الاقتصادي، والحملة التي تستهدف حزب الله بتهم التعطيل لقيام حكومة جديدة.
إقرأ المزيد في: لبنان
25/11/2024