لبنان
ازدياد عوامل الغموض حيال أي مخرج من الأزمة وعون يطل اليوم بـ "مقترح حواري"
ركّزت الصحف اللبنانية الصادرة فجر اليوم من بيروت على الاحتجاجات المستمرة التي حافظت على أعدادها في الساحات لا سيما في ساعات المساء، إذ يمكن القول إن مرور الاسبوع الاول من الانتفاضة ترك مجموعة خلاصات ووقائع مهمة للغاية يأتي في مقدمها ان المواجهة تبقى مفتوحة بل مرشحة للتصاعد بين مجموعات الانتفاضة الشعبية والسلطة السياسية وسط ازدياد عوامل الغموض حيال أي مخرج محتمل من الازمة.
واستمرّت المشاورات بين المقار الرئاسية والقيادات السياسية لإيجاد حل للازمة الراهنة. على أن يوجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كلمة الى اللبنانيين ظهر اليوم يتناول فيها آخر التطورات على الساحة اللبنانية.
"الأخبار": لا استقالة للحكومة ولا تعديل وزارياً
بداية مع صحيفة "الأخبار" التي رأت أنه بعد مرور سبعة أيام متواصلة على التحركات الشعبية التي تعمّ لبنان، لا تزال الحكومة تتعامل مع الموقف كما لو أن دورها انتهى بعد إقرار «إصلاحاتها» الاثنين. لكن المتظاهرين لم يخرجوا من الشارع، وهذا يعني أن «ورقة الإصلاحات» لم تؤدِّ بعد غرضها المطلوب.
أول من أمس بدا أن معظم من في السلطة، إضافة إلى رئاسة الجمهورية، يؤيدون إجراء تعديل وزاري، يؤدي إلى تغيير عدد من الوجوه، تردّد منها: محمد شقير، يوسف فنيانوس، جمال الجراح، علي حسن خليل، وائل بوفاعور، إضافة إلى اثنين من وزراء العهد، على رأسهما جبران باسيل. كان يفترض أن يحدد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اسميهما، لكن أمس تغيرت المعادلة، فتراجع احتمال التعديل، ليترافق مع تقدّم خيار «فتح الطرقات». أما سبب هذا التحول، فيصفه مصدر معني بعدم استعداد أي من الكتل لتقديم التنازلات. حتى حزب الله، الذي ظل حتى الأمس يؤكد احترامه لخيار الناس، داعياً مناصريه إلى عدم التعرض لهم، دخل على خط «فتح الطرقات»، وهو ما تم التعبير عنه بشكل واضح ومباشر في النبطية حيث عمدت البلدية، المحسوبة على الحزب، إلى فتح الطرقات بالقوة. وقد برّر النائب حسن فضل الله ما حصل بالإشارة إلى أن الاشكال في النبطية هو إشكال محلي له علاقة بالسوق التجاري والأهالي، مشيراً إلى رفض حزب الله الاعتداء على أي متظاهر، لكن في الوقت نفسه يجب أن يعبر المواطنون إلى منازلهم من دون عوائق. كما اعتبر أنه لا يجوز أن يساهم المتظاهرون في تجويع الناس بحجة محاربة الجوع. وقال فضل الله إن الموجودين في الشارع ينتمون إلى حراكَين: حراك وطني عفوي نزل إلى الشارع للتعبير عن مطالبه، وحراك سياسي تقوده القوى التي تريد رأس العهد، والجزء الثاني تقوده القوات.
سياسياً، اجتمع رئيس الحكومة سعد الحريري بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة العائد من رحلته الأميركية وبهيئة المصارف. وتقرر مجدداً إقفال المصارف اليوم، خشية من تهافت الناس على طلب الودائع والتحويل من الليرة إلى الدولار، قبل التوصل إلى قرارات تهدّئ من «السوق». كذلك عقدت «لجنة الإصلاحات» الوزارية اجتماعاً عادياً، كان على جدول أعماله مشروعا قانون استرداد الأموال المنهوبة ومكافحة التهرب الضريبي. النقاش كان تقنياً بحتاً، ولم يتم التطرق فيه إلى ما يشهده البلد، وإلى كيفية الخروج من الأزمة الراهنة.
وفيما كانت اللجنة تعقد اجتماعها الأول في غياب وزراء القوات، حافظ الحزب التقدمي الاشتراكي على وجوده، على قاعدة «رجل بالبور ورجل في الفلاحة»، فبقي في الحكومة لأنه «لن نترك الرئيس الحريري»، كما سبق أن أعلن الوزير أكرم شهيب في مجلس الوزراء، كما لم يغادر السقف العالي لخطابه السياسي، الموجّه إلى العهد تحديداً. وهو إذ تيقن من تجربة 2005 أن سقوط رئيس الجمهورية هو شعار غير ممكن التحقيق، فقد ميّز النائب وليد جنبلاط بين العهد وبين «رموز الاستبداد» فيه، وبالتحديد «وزير خرّب العهد وهو صهر العهد وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل». وإذ أكد جنبلاط، في حديث لـ«يورونيوز»، على رفضه للورقة الإصلاحية داخل مجلس الوزراء وخارجه، فقد دعا إلى تعديل حكومي مع انتخابات نيابية مبكرة. وفي سياق مسعى قام به اللقاء الديمقراطي للوصول إلى حلول للأزمة الراهنة، زارت وفود من الحزب الاشتراكي واللقاء الديمقراطي الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري. كما عقدت لقاءً مع قائد الجيش، ومع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله، حسين الخليل. وبعيداً عن لقاء العماد جوزف عون، الذي ثمّن فيه الحزب «جهود الجيش في احتضان اللبنانيين في المظاهرات الشعبية وتأمين الحماية لهم في مختلف المناطق»، تركّزت اللقاءات الأخرى على محاولة إقناع مختلف الأطراف بضرورة السير في التعديل الحكومي، مع دعوتها إلى إقناع رئيس الجمهورية بذلك. لكن أجوبة القوى السياسية الأخرى المشاركة في الحكومة، خلصت إلى أمرين: «لا استقالة للحكومة ولا تعديل وزارياً».
وفيما كان منتظراً أن يعقد الرئيس ميشال عون مؤتمراً صحافياً أمس، أعلنت دوائر القصر الجمهوري أنه سيخرج، عند الساعة 12 من ظهر اليوم، على اللبنانيين في رسالة يتناول فيها التطورات الحالية، ويجيب فيها على كل الأسئلة التي أثيرت في الأيام الماضية. وتأتي كلمة عون، بحسب مصادر بعبدا، لتطرح «مقترحاً حوارياً»، استجابة للبيان الصدر أمس عن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك برئاسة البطريرك بشارة الراعي، ومشاركة بطاركة وممثلين عن الكنيسة الارثوذكسية. واعتبر البيان أن ما يشهده لبنان منذ 17 تشرين الأول هو «انتفاضة شعبية تاريخية واستثنائية تستدعي اتخاذ مواقف تاريخية وتدابير استثنائية». وأشار إلى أن «المسكّنات لا تمر بعد الآن، فما كان هذا الشعب لينتفض لو لم يبلغ وجعه حده الأقصى». ودعا البيان «الحكم والحكومة إلى التجاوب مع المطالب الوطنية ومنها: حكم ديمقراطي، حكومة ذات مصداقية، قضاء مستقل وعادل، أداء شفّاف، حياد عن الصراعات، تطبيق اللامركزية الإدارية، بسط سلطة الشرعية دون سواها، مكافحة الفساد، وقف الهدر، استرداد الأموال المنهوبة بقوانين نافذة، تأمين التعليم وفرص العمل، توفير الضمانات الاجتماعية لمختلف فئات الناس». ودعا البيان الذي تلاه الراعي رئيس الجمهورية إلى «البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن مطالب الشعب». واعتبر أن «استمرار شلل الحياة العامة في البلاد من شأنه أن يؤدي إلى انهيار البلاد اقتصادياً ومالياً، ما يرتد سلباً على الشعب اللبناني، وبخاصة على أبنائنا وبناتنا الثائرين«. أضاف: «لقد حان الوقت لكي تلبي الدولة المطالب المحقّة لتعود الحياة الطبيعية إلى البلاد».
"النهار": أسبوع أول والمواجهة مفتوحة
بدورها صحيفة "النهار" ، لفتت الى أن التطورات تدافعت متسارعة وكبيرة في دلالاتها في اليوم السابع من "انتفاضة الغضب"، لكن ابرز دلالاتها اطلاقاً تجسدت في التصرف الجراحي الدقيق للجيش في التعامل مع المجموعات الضخمة للمتظاهرين والمعتصمين، خصوصاً على طول خط المتن الساحلي والساحل الكسرواني. ولا شك في ان المشهدية التي طالت أمس عبر نقاط التجمع الكبيرة ولا سيما منها جل الديب وزوق مكايل اثبتت ان القرار الحاسم للجيش بعدم اللجوء الى القوة في فتح الطرق، على الاهمية الاساسية التي باتت ترتبها الحاجة الى فتح الطرق بعد أسبوع كامل من الانتفاضة، يلعب دوراً مركزياً في ديمومة الزخم التصاعدي للاحتجاجات بعيداً من أي خوف من قمع قد يساور أي طرف سياسي رسمي الانزلاق اليه بما يفاقم التداعيات التي يمكن ان تترتب على خطأ فادح كهذا.
وما جرى في النبطية أمس أيضاً بدا بمثابة الوجه الآخر للتداعيات الخطيرة التي يرتبها التفلت الامني في ظل الهجمة التي تعرض لها المتظاهرون من عناصر الشغب، الامر الذي أدى الى سقوط جرحى وأثار خطر نشوب مواجهات مسلحة.
ووسط هذه المعالم الامنية التي واكبت تطورات الاحتجاجات المستمرة يمكن القول إن مرور الاسبوع الاول من الانتفاضة ترك مجموعة خلاصات ووقائع مهمة للغاية يأتي في مقدمها ان المواجهة تبقى مفتوحة بل مرشحة للتصاعد بين مجموعات الانتفاضة الشعبية والسلطة السياسية وسط ازدياد عوامل الغموض حيال أي مخرج محتمل من الازمة التي ستبقى التساؤلات المطروحة حيالها من دون اجوبة ما دامت السلطة لا تتعامل بجدية علنية على الاقل مع المطالب الجوهرية للانتفاضة المتصلة أولاً باستقالة الحكومة وتأليف حكومة تكنوقراط مستقلة. الخلاصة الثانية البارزة تتمثل في المعلومات التي أفادت أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كثف في الساعات الاخيرة لقاءاته مع الاجهزة الامنية للاطلاع على التفاصيل الدقيقة لمجريات الاحتجاجات، وفي ظل هذه الاجتماعات بات في حكم المتوقع ان يطل الرئيس عون على الرأي العام اللبناني برسالة الى اللبنانيين يحدد فيها رؤيته للتطورات الجارية ويطرح موقفه منها ومن المخارج التي يراها ملائمة لانهاء الازمة.
وعلمت "النهار" انّ فريق الرئيس ميشال عون أنجز الرسالة التي سيوجّهها رئيس الجمهورية إلى اللبنانيين ظهر اليوم. وعُلم أيضاً أنّ عون اجتمع بعد ظهر أمس بعيداً من الإعلام مع قادة الأجهزة الأمنية، كلّ على حدة، لدراسة سبل فتح الطرق ومنع المتظاهرين من إقفالها مجدداً.
"البناء": التعديل الوزاري لن يُبحث قبل بتّ استقالة وزراء القوات... وكله مؤجل لما بعد فتح الطرق
أما صحيفة "البناء"، اعتبرت أن الحدث في المواجهات التي شهدتها بعض المناطق اللبنانية، بين مجموعات من المعتصمين في الطرقات العامة تحت شعار الحراك الشعبي وإصرار المتظاهرين على قطع الطرقات، تسبب باختناقات مرورية وصدامات مع المواطنين الراغبين بالعبور، ما استدعى تدخّل الجيش بعدما كان مستغرباً لدى أكثر من فريق سياسي مشارك في الحكومة استنكاف وزيرة الداخلية عن تكليف قوى الأمن بالقيام المهمة كما يجري عادة ويتولى الجيش مساندتها، وقد نجح الجيش في فتح العديد من الطرق، لكن بدا أن هناك قراراً من القوات اللبنانية بمنعه من إكمال المهمة، كما أظهرت عملية زجّ البلوكات الحزبية بالآلاف في منطقتي جل الديب وذوق مصبح، وشكّل الموقف القواتي وما جلبه من حشود سبباً لتمهّل الجيش لدراسة الموقف قبل التحرّك مجدداً، فيما قالت مصادر متابعة إن الجيش لا يستطيع التعايش لأكثر من ساعات مع هذا التمرّد الأمني، وسيعالجه سريعاً، وربما صباح اليوم، بينما وقعت إشكالات عدّة بين المتظاهرين الذين اعتصموا في سوق النبطية وبلدية المدينة، وآخرين في مزرعة يشوع ومؤيدين للتيار الوطني الحرّ على خلفية نزع صورة لرئيس الجمهورية.
الدفع بالحراك للتحوّل إلى ظاهرة أمنية كان مؤشراً خطيراً على ما قد تشهده الأيام المقبلة ما لم يتم استدراك الأمر بقرار على مستوى إعلان من ساحات الحراك يرفع الغطاء عن كل عمليات قطع الطرق، والتمسّك بحرية التظاهر والتجمع في الساحات حتى تحقيق المطالب، والاعتماد على المشاركة الطوعيّة للمواطنين الذين لم يبخلوا خلال الأيام التي مضت على الساحات بالحضور، واستغرب كثيرون منهم أن ينالهم هذا العقاب الذي ترجمته عملية إقفال الطرق.
بالتوازي، أكدت مصادر سياسية مطلعة أن لا بحث جدياً في تعديل وزراي يجري الحديث عنه، وأن الأمر يمكن أن يجري بحثه جدياً بالتزامن مع حسم أمر استقالة وزراء القوات اللبنانية، وهو أمر مؤجل لما بعد فتح الطرق الذي يبدو أنه المحطة الفاصلة التي تراهن عليها القوات لتصعيد المواجهة. وعندما تعود الطرقات إلى طبيعتها يراهن بعض الحكومة والمعنيين بالملف الحكومي على تراجع القوات عن استقالة وزرائها، بينما حذرت مصادر مالية مما سيحمله اليوم بعد عودة الدورة الطبيعية للمصارف على مستوى الحال المالية والنقدية ما لم يكن المناخ السياسي إيجابياً.
في المواقف السياسية، ينتظر أن يطل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم متحدثاً إلى اللبنانيين في أول إطلالة منذ بدء الحراك الشعبي، بينما علّق رئيس المجلس النيابي على مناخ الحراك اللاطائفي بصفته فرصة عظيمة للسير نحو الدولة المدنية بدءاً بإقرار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي وعلى مستوى لبنان دائرة واحدة وفقاً للنسبية كما تمّت المناداة في ساحات الحراك.
لليوم السابع على التوالي استمرّ الحراك الشعبي في الشارع في مختلف المناطق اللبنانية مع تسجيل توترات متنقلة بين المتظاهرين ومؤيدي الأحزاب من جهة وبين المتظاهرين والجيش اللبناني من جهة ثانية، وإذ حافظت الحشود على أعدادها في الساحات لا سيما في ساعات المساء، استمرّت المشاورات بين المقار الرئاسية والقيادات السياسية لإيجاد حل للازمة الراهنة. على أن يوجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كلمة الى اللبنانيين ظهر اليوم يتناول فيها آخر التطورات على الساحة اللبنانية.
إلا أن هناك سباقاً بين العثور على حلول لاحتواء التظاهرات وبين انفلات الشارع في ظل الأحداث المتنقلة التي تحصل، حيث سجل يوم أمس، اشتباك في النبطية بين المتظاهرين وشرطة البلدية فيما وقع إشكال كبير في مزرعة يشوع بين المتظاهرين ومؤيّدين للتيار الوطني الحر، بحسب ما أظهرته الفيديوات وحصل تدافع وتكسير وهرج ومرج في مكان التظاهرة. وحسب المعلومات، فالسبب يعود لقرار اتخذه المتظاهرون، وهو إزالة صورة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن أحد المباني.
مصرف لبنانالورقة الإصلاحية للمالية العامة في لبنان