لبنان
الحكومة تقر إصلاحات "نوعية" لأول مرة في تاريخ لبنان.. والعبرة في التنفيذ
فاطمة سلامة
عقدت الحكومة اللبنانية ما يقارب العشرين جلسة لاقرار موازنة العام 2019، ولم تستطع أن تُضمّنها أي خطوة إصلاحية جدية. اليوم استطاعت الحكومة وخلال أقل من 72 ساعة أن تنجز ما لم تحققه على مدى ثلاثين عاماً. إقرار موازنة عام 2020 بعجز يقارب الصفر في المئة (0.63)، مع ورقة إصلاحية أقرب الى الحلم، على ما يقول مواطنون لبنانيون. قرارات إصلاحية وصفها خبراء بالنوعية والاستراتيجية والأولى في تاريخ لبنان. وربما هناك الكثير من الأسئلة المشروعة التي يطلقها الشارع اللبناني: لماذا لم تُقدم الحكومة على هذه الخطوات قبيل الانفجار الاجتماعي والاقتصادي طالما أنّ السلطة تستطيع؟! لماذا تمكنّت الحكومة تأمين مساهمة المصارف في الانقاذ بينما كان هذا الأمر في مرحلة من المراحل من المحرمات؟! ما الضمانات اليوم لتنفيذ كل هذه الاصلاحات المهمة بعيداً عن المماطلة والتسويف؟.
وزيرا "الاشتراكي" أتيا الى الجلسة بنية "المشكل"!
أسئلة كثيرة يوجهها الشارع اللبناني الذي انتفض في وجه الفقر والسياسات الريعية الخاطئة، ولا شك أنها "مشروعة" خصوصاً أنّ هناك أزمة ثقة فعلية بين المواطنين والحكومات المتعاقبة. إلا أنّ ما أُعلن عنه اليوم يُشكّل "دعسة" متقدّمة باتجاه الاصلاح، ولم يكن يحلم به لبنان لولا التحركات الشعبية التي أوجدت أمراً واقعاً منتفضاً على الضرائب والسياسات العوجاء، وفق ما يعبّر مصدر وزاري لموقع العهد الإخباري. واللافت بحسب المصدر -خلال الجلسة التي عقدت اليوم في بعبدا- كانت اللهجة التي تحدّث بها وزيرا الحزب "التقدمي" الاشتراكي. أتيا الى الجلسة بنية السجال والجدال وحاولا استدراج البعض الى "مشكل كبير"، إلا أنهما لم يفلحا، وفق ما تقول المصادر التي لم تتفهّم كل هذا الاستعراض الذي شهدناه داخل الجلسة خصوصاً أنّ الورقة الاصلاحية تحاكي تطلعات الشعب وأوجاعه. أكثر من مرة حاولا "تسميم" الأجواء قبل أن ينسحبا آخر دقيقة من الجلسة في حفلة استعراضية واضحة الأهداف، يقول المصدر.
عون: ما يجري في الشارع يعبّر عن وجع الناس
وفي مستهل الجلسة، أكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنّ ما يجري في الشارع يعبّر عن وجع الناس، ولكن تعميم الفساد على الجميع فيه ظلم كبير، لذلك يجب على الأقل أن نبدأ باعتماد رفع السرية المصرفية عن حسابات كل من يتولى مسؤولية وزارية حاضراً أو مستقبلاً". بعدها بدأ البحث في الورقة الاصلاحية التي اقترحها رئيس الحكومة سعد الحريري في جو هادئ نسبياً، لم يخل -كما قلنا سابقاً- من محاولات وزيري "الاشتراكي" لتعكير أجواء البحث في البنود التي تصدّرها مساهمة القطاع المصرفي ومصرف لبنان بخفض العجز بقيمة 5100 مليار ليرة وزيادة الضريبة على أرباح المصارف. خفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة 50%. خفض موازنات مجلس الانماء والاعمار وصندوق المهجرين ومجلس الجنوب بنسبة 70%. إعداد مشروع استعادة الاموال المنهوبة، وقانون انشاء الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد قبل آخر السنة الحالية، واقرار مشاريع المرحلة الاولى من مؤتمر "سيدر" وقيمتها 11 مليار دولار خلال ثلاثة أسابيع.
بعد مناقشة الورقة الاصلاحية، انتقل مجلس الوزراء الى مناقشة أرقام الموازنة والنصوص التابعة لها، ليعلن بعد وقت قصير إقرارها في خطوة نوعية لم تحصل منذ سنوات، إذ أقرت الموازنة ضمن المهل الدستورية، ووقع رئيس الجمهورية فوراً على مرسوم إحالتها إلى مجلس النواب.
الحريري
وعقب الجلسة التي استمرّت لأكثر من أربع ساعات، تحدّث رئيس الحكومة سعد الحريري فأكد أنّ القرارات والإجراءات المهمة التي اتخذها مجلس الوزراء اليوم، "ما كانت لتتحقق لولا صرخة الشباب والشابات الذين أعطونا فرصاً كثيرة لنحقق شيئاً، ووصلوا إلى مكان من اليأس، ونزلوا إلى الشارع ليعبروا عن غضبهم ولكي يطالبوا كل على طريقته".
وخاطب الحريري الشباب قائلاً "إنّ ما قمتم به في الشارع، كسر كل الحواجز وهزّ كل الأحزاب والتيارات، وأهم حاجز كسرتموه هو حاجز الولاء الطائفي الأعمى، وأعدتم الهوية الوطنية اللبنانية إلى مكانها الصحيح"، واصفاً إقرار الموازنة بنسبة عجز تقريبي 0.63% بأكبر إنجاز يتيح لنا معالجة الوضعين الاقتصادي والمالي. وتابع " منذ أن بدأت بهذه المسؤولية وأنا أقول لكل الشركاء في الوطن والحكومة أن هدف الممارسة السياسية هو تأمين كرامة الناس. وكرامة الناس، صحيح أنها تأتي من الكرامة الوطنية، من الشعور بالسيادة والحرية والاستقلال، لكن أساسها الكرامة الفردية التي تأتي من أن يكون الناس لديهم عمل، تكون لديها خدمات أساسية، تكون لديها طبابة ومدرسة وضمان... ومنذ أن تشكلت هذه الحكومة وأنا أقول لكل الشركاء فيها، أن أمامنا خطوات ضرورية لنبدأ في تحقيق هذا الهدف".
وأضاف الحريري" في هذه الموازنة تغيير كامل بالعقلية. الإنفاق الاستثماري من الموازنة هو تقريباً صفر، بما يقفل الباب على الهدر والفساد. لأن الحكومة بذلك لا تنفق قرشا. الإنفاق كله من الاستثمار الخارجي، الذي لا يكون فيه هدر وفساد، لأن المستثمر الخارجي لا يقبل هدرا وفسادا، ونحن اعتمادنا كله على الاستثمار الخارجي المباشر، وهو الذي يضمن النمو".
أما بشأن موضوع الخلوي، فقال الحريري "إننا سنأتي بمستشار مالي يدرس كل الاتجاهات التي يمكن أن تؤدي إلى خصخصة هذا القطاع، ما هي العائدات التي سنكسبها وما هي حصتنا، ويعطينا الخيارات، وفي النهاية نأتي إلى مجلس الوزراء ونقرر حينها".
وتوجه الى المعتصمين بالقول "يجب أن تعرفوا أن صوتكم مسموع، وإذا كانت الانتخابات النيابية المبكرة هي مطلبكم لكي يكون صوتكم هو وحده من يقرر، فأنا سعد الحريري، شخصيا، معكم بهذا المطلب!".
ورداً على سؤال حول أنّ هناك أزمة ثقة بين الناس والحكومة، قال الحريري "كنت واضحا في خطابي أن ما قمنا به في مجلس الوزراء ليس لكي نخرج الناس من الشارع، هذه الثقة يجب أن نكتسبها، وهم لن يعطوننا الثقة مجانا. ولو كنت أنا مكانهم في الشارع فلن أمنح ثقتي. أنا أفهم وجعهم، لكننا أخذنا اليوم إجراءات بمكافحة الفساد والهدر، وقمنا بمشاريع كبيرة".
واكدت مصادر مطلعة لموقع العهد ان الحريري اكد خلال جلسة مجلس الوزراء صرخة الشارع صرخة حقيقية وعلينا ان نحسن اداءنا وعلى محاربة الفساد ان تكون سيدة التوجه في المرحلة المقبلة.
ولفتت إلى أن الحريري قال إنه يجب تطبيق الاجراءات خلال ثلاثة اشهر وعلينا ان نعمل من دون مناكفات وشكر رئيس الجمهورية على كلامه.
واضافت: الوزير باسيل شدد خلال جلسة مجلس الوزراء على ضرورة اقرار قانون رفع الحصانة.
وتابعت المصادر: الوزير بو فاعور قال ان هناك استبدادا سياسيا واضحا في مجلس الوزراء وبعد ان وصل النقاش في الجلسة الى الكهرباء قال بو فاعور أن لديهم اعتراضا على طريقة اجراء المناقصات فرد عليه باسيل بالقول ان هناك قرارا لمجلس الوزراء في هذا الاطار
وعلى هامش الجلسة، أكّد وزير الاتصالات محمد شقير رداً على سؤال لموقع "العهد" الإخباري، أكّد ما تم تداوله سابقاً لجهة أنّ فكرة ضريبة الواتساب اقترحها الوزير القواتي المستقيل غسان حاصباني.
وللاطلاع على الخطوات الاصلاحية اضغط هنا