ابناؤك الاشداء

لبنان

السيد نصر الله في الجزء الرابع من مقابلته لمكتب نشر آثار الإمام الخامنئي:النظام السعودي على حافّة الهاوية
26/09/2019

السيد نصر الله في الجزء الرابع من مقابلته لمكتب نشر آثار الإمام الخامنئي:النظام السعودي على حافّة الهاوية

نشر موقع الإمام الخامنئي الإعلامي KHAMENEI.IR نص الجزء الرابع من المقابلة الحصريّة التي أجرتها مجلّة مسير التابعة لمكتب حفظ ونشر آثار قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي مع الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله.      
نتقدّم من سماحتكم مرّة أخرى بجزيل الشكر لأجل الوقت الإضافي الذي خصّصتموه لنا. استكمالاً للحديث حول سوريا، هناك سؤال نرغب من سماحتكم أن تقدّموا لنا بعض التوضيحات حوله: فيما يخصّ المسار الذي تمّ الذهاب إليه في سوريا من قبل إيران وحزب الله وسوريا نفسها وحكومة السيّد الدكتور بشار الأسد، هل تمّت دراسة مسارات أخرى ربما قبل المضيّ فيه؟ وهل كانت هناك خيارات أخرى أم أنه المسار الوحيد الذي كان متوفراً؟

في البداية كان الخيار الأول هو التفاوض، أي الذهاب إلى الحلّ السياسي. والدولة في سوريا، وأيضاً الإخوة المسؤولين في إيران وأيضاً نحن في حزب الله قمنا باتصالات مع العديد من الجهات المعارضة في سوريا ودعوناهم إلى التفاوض وإلى الحلّ السياسي، لكنّهم جميعاً رفضوا الدخول حتى في الحوار السياسي والمفاوضات، وقالوا أنّ هذا النظام سيسقط بعد شهر أو بعد شهرين. أنا أذكر بعض الجهات المهمّة في المعارضة السورية قالوا لنا أنتم تحاولون أن تحيوا العظام وهي رميم، هذا النظام هو نظام منتهي ونحن لا نريد أن نتفاوض مع نظام منتهي. طبعاً هذا كان تقدير خاطئ منهم، ولذلك هم رفضوا بالمطلق الذهاب إلى مفاوضات أو أي شكل من أشكال الحل السياسي، والخطأ الأكبر الذي ارتكبوه هو المسارعة إلى العمل العسكري، وهو كان الهدف الحقيقي لهم، فلم يكن الهدف كما ذكرت تحويل سوريا أو الحديث عن ديموقراطية أو الإصلاحات وإنّما كان المطلوب إسقاط النظام وضرب الجيش السوري وتغيير المعادلة الموجودة في سوريا. نعم عندما ذهبت الدولة السورية ومعها حلفاؤها وأصدقاؤها إلى خيار المواجهة المسلّحة لم يكن هناك أي خيار آخر.

المسألة المهمّة التي كان يشدّد عليها الإمام الخامنئي مراراً هي قضيّة التقريب بين المذاهب وأنّه ينبغي للمذاهب الإسلامية المتنوّعة أن تستطيع التعايش بسلم مع بعضها البعض، وأن لا يعادي أيّ منها الآخر. ومن جهة أخرى نحن نرى حركات عديدة تتأثّر بإعلام وسياسات الأعداء الذين هم أعداء الشيعة وأعداء السنّة أيضاً، يصبّ هؤلاء الأعداء على الدوام الزّيت على نار النزاعات الطائفيّة. ما هي رؤيتكم للسياسة التقريبية التي لطالما روّج لها الإمام الخامنئي وكان يؤكّد عليها أيضاً الإمام الخميني (قدّس سرّه)، وما هي الثّمار التي جنتها هذه السياسة؟ وما هي برأيكم القضايا التي يمكن أن تهدّد في الوقت الراهن هذه السياسة؟

أوّلاً هذه المسألة هي من الأصول الأساسية التي طرحها سماحة الإمام الخميني (قدّس سرّه الشريف) تحت عنوان الوحدة الإسلامية والوحدة بين المسلمين والتقريب بين المذاهب الإسلامية وإشاعة روح التآخي والتعاون والتعاضد والتكامل بين جميع المسلمين، والجمهورية الإسلامية عملت على هذه السياسة، وسماحة السيد القائد (دام ظلّه الشريف) أيضاً بعد تولّيه لمسؤوليات القيادة واصل هذا الطريق بقوّة وكان ممّن يؤكّد عليه. طبعاً النظرة الطبيعية أن هذا -في الحقيقة- هو موقف الإسلام المحمّدي الأصيل وموقف القرآن وهذا هو المنطق الإسلامي الذي يجب أن يلجأ إليه ويلوذ به كلّ المسلمين. طبعاً في هذا السياق بُذلت جهود كبيرة جدّاً، التواصل بين الأحزاب الإسلامية والقوى الإسلامية والعلماء المسلمين والجماعات الإسلامية والشعوب الإسلامية خلال سنوات طويلة ومنذ انتصار الثورة الإسلامية، إضافة لعقد الكثير من اللقاءات والمؤتمرات والندوات والحوارات وهذا كله كان مهم ومساعد. لا شك بأنّ موقف الإمام وموقف القائد من القضية الفلسطينيّة أيضاً ساعد كثيراً في خدمة تلاقي المسلمين حول القضيّة المركزيّة التي تجمعهم جميعاً. في كلّ الأحوال هناك جهود كبيرة بُذلت على هذا الصّعيد. إذا أردنا أن نبحث عن الإنجازات والنتائج الطيبة التي أدّى إليها كل هذا العمل وكل هذا النشاط نجدها في السنوات الأخيرة، لأن أخطر ما حصل منذ العام ٢٠١١ إلى اليوم هو أنّ المشروع الأمريكي السعودي كان يستهدف إثارة حرب مذهبية وطائفية بين السنّة والشيعة في المنطقة. وهذا أخطر ما حصل في سوريا وفي العراق وفي البحرين وفي اليمن. أنا أذكّركم قبل أربع سنوات -الآن بدأنا في السنة الخامسة- عندما بدأ العدوان الأمريكي السعودي على اليمن قام إمام المسجد الحرام في خطبة الجمعة وقال أنّ هذه الحرب في اليمن هي حرب الشيعة والسنّة. الحرب في سوريا أيضاً حاولوا أن يعطوها هذه الأبعاد، إذاً بُذل جهد كبير جدّاً في وسائل الإعلام التي أنفقت أموالاً هائلة لتظهير أن ما يجري في المنطقة هو حرب سنيّة شيعيّة. لكنّهم فشلوا في هذا، والشيعة رفضوا هذا المنطق، وكثير من علماء السنّة ومن شخصيات السنّة ومن القوى السياسية السنيّة رفضوا  هذا المنطق. وهذا كان أحد نتائج العمل الذي أُنجز خلال ثلاثين عاماً، من التواصل بين الشيعة والسنّة ومن جهود الجمهورية الإسلامية ومن مواقف سماحة الإمام ومن مواقف سماحة السيد القائد، أدّى إلى نوع من الحصانة ومن العلاقة ومن المتانة في الوضع الإسلامي بحيث أنه استطاع أن يواجه أكبر فتنة ومحنة كان يُخطط لها لإيجاد حرب أهلية بين الشيعة والسنة. طبعاً يجب أن نواصل هذا العمل، نحن الآن نتجاوز هذه المرحلة، والمخاطر الكبرى أصبحت خلفنا في هذا الموضوع وأعتقد أنهم فشلوا فشلاً كبيراً جدّاً في إحداث فتنة من هذا النوع، وبالتالي لم يستطيعوا أن يقدّموا ما جرى في العراق على أنّه صراع سنّي شيعي، بل وجدنا بأنّ السنّة والشيعة والعشائر العراقية من السنّة والشيعة وقفوا سويّاً في مواجهة داعش، وقبل ذلك وقفوا سويّاً في مواجهة الاحتلال الأمريكي، في سوريا أيضاً الذين قاتلوا داعش وقاتلوا جبهة النصرة والجماعات التكفيرية سواء في الجيش السوري أو في القوات الشعبية السورية أو في قوات الحلفاء، أكثرهم من السنّة. يعني الذين قاتلوا كان العدد الأكبر منهم من السنّة إلى جانب الشيعة وإلى جانب بقية أتباع المذاهب الإسلامية. إذاً ما جرى حتّى الآن وحتّى في اليمن وفي أماكن أخرى، أنا أعتقد بدرجة كبيرة جدّاً أن هذا المشروع قد فشل، وهذا يعني أنّ أمتنا لديها مستوى عالٍ جدّاً من الحصانة. طبعاً يجب أن نواصل العمل لتحصين هذا الأمر، المزيد من التواصل، والمزيد من التعاون وأيضاً المزيد من الالتفاف حول القضيّة الفلسطينيّة والوقوف في وجه أمريكا والدفاع عن شعوب المنطقة أعتقد أنّ هذا يزيد من الوحدة والتلاحم بين المسلمين.

الحقيقة هي أنّه في بعض الأحيان يروّج المتربّصون سوءاً بقضيّة فلسطين والثورة الإسلامية ومحور المقاومة أنّ الشعب الفلسطيني من أهل السنّة. كما أنّهم ينسبون أموراً أخرى للشعب الفلسطيني لكي يزيدوا من سلبيّة نظرة الشعب الإيراني للفلسطينيّين. هم يعملون على خلق أجواء من الإبهام، ويطرحون سؤالاً: لماذا تدعم إيران شعباً سنيّاً؟ لكنّنا لطالما رأينا أنّ الإمام الخامنئي شدّد ويشدّد على أنّ فلسطين تشكّل القضيّة المحوريّة والأساسيّة للعالم الإسلامي وشاهدنا كيف أنّ سماحته لا ينظر بتاتاً إلى قضية فلسطين نظرة شيعيّة - سنيّة.

هذا هو الموقف منذ بداية الاحتلال الصهيوني لفلسطين وهو موقف جميع مراجعنا الدينيّة وفقهائنا وعلمائنا الكبار سواء في النجف الأشرف أو في قم المقدّسة، وعلى امتداد الوضع الشيعي، بل أكثر من ذلك، أن علماءنا ومراجعنا الكبار حتّى الذين يُقال أنهم تقليديّون -يعني ليسوا من الثوريّين إن صحّ التعبير- كانوا يدعمون المقاومة الفلسطينيّة ويرفضون الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين ويقدّمون الدعم وكثير منهم أعطوا إجازات خطيّة بجواز دفع جزء من الحقوق الشرعيّة وسهم الإمام للمقاومة الفلسطينيّة، وهذا تعبير كبير جدّاً. أنتم تعرفون أن مراجعنا عموماً يحتاطون في تحديد مصارف سهم الإمام، ولكن عندما يقولون ادفعوا سهم الإمام أو جزءاً من سهم الإمام لدعم المقاومة الفلسطينيّة، في ذلك الحين من كانت المقاومة الفلسطينيّة؟ ومن ما زالت؟ هؤلاء المقاومون الفلسطينيّون هم من أهل السنّة ولم يكونوا شيعة، وكثير منهم أيضاً لم يكونوا إسلاميّين، أي أنهم كانوا مثلاً وطنيّين أو قوميّين أو أصحاب اتجاهات يساريّة. مراجعنا لم يضعوا شروطاً من هذا النّوع، وإنّما قالوا يجوز لكم أن تدفعوا النسبة الفلانية من سهم الإمام لدعم المقاومة الفلسطينيّة من أجل تحرير فلسطين. وهذا يعني أنّه كانت هناك بصيرة ووضوح شديد. وأنا أعتقد أنّه فيما يعني القضيّة الفلسطينيّة، كما كان يقول سماحة السيد القائد في كثير من المناسبات، أنّه لو فتشنا الكرة الأرضية كلّها لنبحث عن قضيّة لا غبار عليها، يعني الحق فيها واضحٌ بيّنٌ بشدّة من الناحية القانونيّة والشرعية والدينية والأخلاقية والإنسانية لوجدنا قضية فلسطين. هؤلاء يحاولون ويبحثون عن شتّى الوسائل ليبعدونا عن قضيّة فلسطين، وهذا ما كانوا يحاولونه خلال السنوات الماضية عندما كانوا يرسلون شبّاناً انتحاريّين فلسطينيّين لاستهداف مناطق شيعيّة. ولذلك أنا قلت قبل سنوات في يوم القدس، قلت لهؤلاء أن أنتم لماذا ترسلون هؤلاء الشبّان الفلسطينيّين؟ لتقتلونا وتقتلوا نساءنا وتقتلوا أطفالنا. أنتم تريدون أن تبعدونا عن فلسطين فاقتلونا تحت كل حجر وعند باب كل حسينية وكل مسجد، نحن شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لن نتخلى عن فلسطين ولا عن شعب فلسطين ولا عن مقدّسات الأمّة في فلسطين. هذه مساعٍ معروفة بالقول وبالفعل، لكن هذه قضية حق وقضيّة إسلامية وبالتالي الجمهورية الإسلامية ونحن وكل المسلمين يجب أن نؤدي في هذه المسألة تكليفنا الإلهي الشرعي.


نظراً لأهميّة هذه القضيّة سوف أطرح على سماحتكم سؤالين. وجهات نظر الإمام الخامنئي العامّة حول التقريب معروفة وقد أطلق سماحته منذ استلامه للقيادة حركة تحمل اسم التقريب. حبذا لو تتفضلون بالإشارة إلى أمثلة عن إسهامات سماحته وآراءه في مجال الوحدة بين الشيعة والسنّة وقضيّة التقريب. ثانياً يصوّر البعض أنّ ما يجري من مشاكل خلال الأعوام الأخيرة في مختلف البلدان الإسلامية مثل لبنان، والعراق، واليمن والبحرين منشؤه وجود خلافات بين إيران والسعودية وأنّ الآخرين يتنازعون مع بعضهم نيابة عنهما. إلى أيّ حد يمكن أن تكون هذه المسألة صحيحة؟

في الشقّ الأول، تشكيل  مجمع التقريب بين المذاهب، وعقد المؤتمرات في إيران وعناية سماحة السيد القائد الشخصيّة بأن يحضر هو في هذه المؤتمرات ويخطب ويلتقي، ونحن كنا نشاهد في العديد من المؤتمرات التقريبيّة، كان سماحته ينزل بين الناس ويلتقي بعلماء الشيعة وعلماء السنّة ويتجاوز كل الاعتبارات الأمنيّة وغير الأمنيّة، وهذا دليل حرص سماحة القائد على إيجاد هذا المناخ وهذه الثقافة. تأييد التجمعات العلمائية الوحدويّة ومثلاً لدينا في لبنان تجمّع العلماء المسلمين، من التجارب الجيدة والناجحة، وعدد كبير من العلماء الشيعة والسنّة موجود في إطار واحد، ودائماً كان يذهب الإخوة هؤلاء إلى إيران ويلتقون ويشاركون ويستقبلهم سماحة السيد القائد ويشيد بهذه التجربة ويدعو إلى تعميمها على كل البلدان الإسلامية. المواقف الأخيرة والشجاعة جدّاً، ففي السنوات الأخيرة هناك دائماً من حاول أن يثير القضايا الخلافية بشدّة بين الشيعة والسنّة، وللأسف الشديد في الجانب السنّي كانت الحركات الوهابية والتكفيرية وبعض الفضائيات مثل صفا ومثل الوصال تعمل على تكفير الشيعة ونسبة الكثير من الأكاذيب إليهم، يعني تنسب إليهم أفكار ومعتقدات وآراء لا يقول بها الشيعة. وبرزت في المقابل أيضاً فضائيات منسوبة إلى الشيعة وشخصيات شيعية وجهات شيعيّة لا شغل لها لا في العصر الحديث ولا في قضايا الأمّة ولا في الاستكبار العالمي ولا في الطاغوت ولا في الاستبداد ولا في الحريات ولا في الدفاع عن الكرامات والمقدسات، وإنما شغلها الوحيد هو إثارة الخلافات واستخدام لغة اللعن والشتم والسّب. وهذا ما سمّاه سماحة السيد القائد بالتشيّع البريطاني أو التشيع اللندني. وطبعاً تشعر بأنّه هناك جهة واحدة، وغرفة واحدة هي التي تدير الجهتين، يعني مثلاً بعض هذه الفضائيات الشيعية تلعن بعض أمهات المؤمنين وزوجات النبي أو صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتأتي هذه الفضائيات الوهابية وتأخذ مقتطفات من أقوال هؤلاء وتنشرها. يعني يكمل أحدهما الآخر في إثارة هذه الفتن. وطبعاً هذا كان يلقى تأثيراً خطيراً لدى الكثير من المسلمين، وأنا تحدّث معي بعض كبار علماء أهل السنّة من إخواننا أهل السنّة هنا في لبنان وبعض العلماء المصريّين والسوريّين وقالوا لي أنّ هذا أمر خطير جدّاً، ونعتقد أن الوحيد القادر على معالجة هذه المسألة والوقوف في وجهها، لأنها تحتاج إلى موقع كبير وشجاع أيضاً ويتّخذ موقفاً حازماً في هذه المسألة، بتعبيرٍ آخر يفقأ عين الفتنة، طبعاً أنا هذه المطالب وهذه الرسائل نقلتها شخصيّاً لسماحة السيد القائد في لقاء قبل سنوات وذكرت له الأسماء، سماحة السيد القائد قال صحيح، هذا تشخيص صحيح، وما يجري أمر خطير، وهذا من أسوء الأمور التي يُعمل عليها الآن، وهو شيوع لغة السبّ والشتم والإساءة إلى الرموز، وبالتالي نحن يجب أن يكون لدينا موقف. وأنا أذكر بالتحديد سفر سماحة السيد القائد قبل سنوات إلى منطقة كردستان وفي سنندج سماحة السيد القائد ألقى خطاباً وتحدث عن حرمة الإساءة إلى رموز ومقدسات أهل السنّة والجماعة، وبعدها بفترة وجيزة أيضاً بعض هذه الفضائيات الشيعية تعرّضت بالإساءة الشديدة إلى السيدة عائشة ووجهت إليها اتهامات الشيعة لا يقولون بها أصلاً، مما كاد أن يثير فتنة كبيرة في العالم الاسلامي، كتب بعض العلماء في المنطقة الشرقية رسالة استفتاء إلى سماحة السيد القائد وسماحة القائد أجاب جواباً واضحاً قويّاً صريحاً في هذه المسألة وترك هذا تأثير كبير في العالم العربي والإسلامي. أنا أستطيع أن أقول بكل وضوح أن خطاب سماحة السيد القائد في سنندج وبعد ذلك الجواب الخطّي على الاستفتاء حول ما قام به هؤلاء فقأ عين الفتنة ووضع سدّاً كبيراً جدّاً أمام هؤلاء المفتنين سواء كانوا من السنّة أو من الشيعة. ومن نعم الله سبحانه وتعالى أنّ العديد من مراجعنا الكبار في قم المقدّسة وكذلك في النجف الأشرف بعد ذلك قاموا بإصدار بيانات وفتاوى ومواقف أكدت أن الموقف الإسلامي الشيعي الحقيقي هو هذا الذي يعبّر عنه سماحة السيد القائد وسماحة المراجع الكبار عند الشيعة. بالنسبة للشقّ الثاني، طبعاً هذا تفسير خاطئ أنّ ما يجري في المنطقة هو صراع إيراني سعودي، هذا تفسير خاطئ. الصراع في المنطقة كان قائماً قبل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، عندما كان هناك محور الاتحاد السوفييتي ومحور الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، كان هناك أيضاً في المنطقة صراع عربي إسرائيلي، الصراع العربي الاسرائيلي هو منذ ١٩٤٨ وقبل ذلك، يعني قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران. مشكلة السعودية مع العديد من الدول العربية ومع العديد من حركات المقاومة في المنطقة هي مشكلة سابقة على قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وهذه حقيقة يعرفها الجميع. بطبيعة الحال عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران وسقط الشاه الذي هو أداة أمريكية وصديق لأصدقاء أمريكا في المنطقة، وقامت الجمهورية الإسلامية وتبنّت القضية الفلسطينيّة وحركات المقاومة والمظلومين والمستضعفين والمعذّبين، منذ اللحظة الأولى أعلنت السعوديّة العداء للجمهوريّة الإسلاميّة. مع العلم أنّ سماحة الإمام الخميني والمسؤولين في الجمهورية الإسلامية منذ الأيام الأولى مدّوا يد الصداقة لكلّ الدول العربيّة والإسلامية، لكن آل سعود منذ اليوم الأول أدركوا أن وجود هذه الجمهورية الإسلامية يشكّل خطراً على المصالح الأمريكية والإسرائيليّة وعلى الطغاة وعلى المستبدّين وعلى أدوات أمريكا وإسرائيل في المنطقة وناصبوها العداء. وهم يقولون أنهم عندما وقفوا إلى جانب صدام حسين في الحرب على الجمهورية الإسلامية وقدّموا له ٢٠٠ مليار دولار عندما كان سعر النفط متدنّياً جدّاً، قبل سنوات أحد الأمراء كان يقول، الأمير نايف كان يقول في ذلك الحين لو كنّا نستطيع أن نقدّم أموالاً أكثر لصدام حسين لفعلنا. الذي بادر بالعداء وبالحرب وبالتآمر على الجمهورية الإسلامية هي المملكة العربية السعودية. أما إيران كانت تمدّ يد الصداقة، ومشكلة السعودية مع إيران هي ترتبط بشكل أساسي بنفس الأسباب التي كانت تؤدّي إلى مشكلة بين السعودية وبقية الدول العربية التي تتبنّى القضية الفلسطينية وحركات المقاومة في المنطقة، هذه هي الحقيقة. الصراع ليس صراع نيابتي (بالنيابة) على الإطلاق. الآن نحن مثلاً بمعزل عن موقف الجمهورية الإسلامية في إيران، في لبنان، دائماً أسمع أن السعودية كانت تعادي حركات المقاومة قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فمشكلتنا مع السعودية لا علاقة لها بإيران. مشكلة المقاومة في فلسطين التاريخية لا علاقة لها بإيران، عندما كان هناك عداء كبير بين السعودية والرئيس جمال عبد الناصر على سبيل المثال، لم تكن الجمهورية الإسلامية في إيران موجودة، إذاً هناك أسباب حقيقيّة للصراع سابقة على قيام الجمهورية الإسلامية. بطبيعة الحال عندما قامت الجمهورية الإسلامية وتبنّت القضايا الإسلامية والعربيّة أصبحت السعودية في موقع العداء لها. وهذه هي الحقيقة.

في ختام هذا النقاش حول السعودية علينا أن نشير إلى أنّ الإمام الخامنئي قال مؤخّراً بأنّنا غير منزعجون من تجهيز السعوديّين بالصواريخ والأسلحة النووية لأنّها سوف تقع قريباً بأيدي مجاهدي الإسلام. كيف تقرأون تصريح الإمام الخامنئي هذا؟

النظام في السعودية نظام شاخ، أصبح كهلاً وكبيراً. هذا النظام قد يكون في مراحله الأخيرة لأسباب طبيعيّة، الظلم خلال مئة عام، ونهب أموال الشعب خلال مئة عام، والفساد المستشري في هذا النظام وفي هذه الدولة، وقمع الحريّات وأسباب كثيرة أخرى من قبيل استئثار العائلة المسماة بالعائلة المالكة أو الحاكمة، ولكن الذي عجّل وسيُعجّل في نهاية هذا النظام الأسود في الحقيقة هو أداء المسؤولين الحاليّين والفعليّين، ويختلف عن أداء المسؤولين السابقين من حيث الشكل وطريقة العمل. مثلاً ذهاب محمد بن سلمان إلى إعلان الحرب على اليمن وما تفعله السعودية في اليمن من مجازر مهولة ومن عدوان كبير، هذا الأمر سيترك آثاراً على مستقبل النظام السعودي. التدخل السعودي السافر والواضح والمعلن في شؤون الدول، والآن أنت تنظر إلى العالم العربي على سبيل المثال، في العالم العربي دائماً السعودية كانت حريصة مع الشعوب وخصوصاً في الأربعين سنة الماضية أن تقدّم نفسها أنّها صديقة لكل الدول وصديقة لكلّ الشعوب وأنها مملكة الخير التي تقدّم مساعدات، لأوّل مرّة نحن نسمع طنين شعار الموت لآل سعود في أكثر من بلد عربي. لأول مرة نسمع قوى سياسية وشعبية وحكومات تأخذ موقف معلن من آل سعود بسبب جرائمهم وتدخلاتهم في العالم العربي. البحرين، واليمن، والعراق، وأفغانستان، وباكستان والآن في ليبيا هناك حرب في مدينة طرابلس، أحد الفريقين في الحد الأدنى يقول أن السعودية والإمارات تتآمران لتدمير طرابلس وتدمير ليبيا. اليوم في الكثير من البلدان العربية والإسلامية هناك شخصيات وهناك علماء وهناك أحزاب وحركات وحكومات منزعجة جدّاً وترفض سلوك حكام السعودية. أضف إلى ذلك الموقف السعودي الآن من القضية الفلسطينية، من صفقة القرن، وهذا الانبطاح والمذلّة أمام ترامب أمر طبعاً يُسقط ماء وجه وهيبة حكام السعودية الذين كانوا دائماً يقدّمون أنفسهم أنّهم مستقلّون ومحترمون وخادم الحرمين الشريفين وما شاكل. في السفر الأخير الذي قام به ترامب إلى السعودية وما يقوله الآن في المهرجانات والاحتفالات وما قاله قبل أيام أنّني اتصلت بالملك السعودي وقلت له أيها الملك أنا أحبّك، أنتم لديكم مال كثير، ونحن أنفقنا الكثير من المال من أجلكم، يجب أن تدفعوا. ثم تنظر إلى السعودية، وإلى الإعلام السعودي، وإلى المسؤولين السعوديّين، سكوت مطلق. حتى أصدقاؤهم في العالم، وسائل إعلامهم وهي كثيرة في العالم، لم يعلّق أحد بكلمة واحدة. وهذا نهاية الذّل والهوان وطبعاً ترامب يتكلم ويضحك ويسخر منهم، والأمريكيّون يضحكون ويصفّقون ويسخرون.

وهذا في الوقت الذي لو تحدّثت شخصية من العالم الإسلامي بمثل هذه الأقاويل حول السعوديّين لاستشاطوا غضباً ..

نعم يمكن أن يقطعوا العلاقات الدبلوماسية ويحكموا عليه بالكفر ويصدروا بحقه أحكام الإعدام. بكل صراحة لم يمر في تاريخ الحكام في السعودية وضع كالوضع الحالي، من المهانة، ومن الذل، ومن السخافة، ومن الضعف، ومن الوهن، ومن الانكشاف ومن الفضيحة. لذلك أنا أتصور أن هؤلاء لن يستطيعوا أن يستمرّوا طويلاً، يعني أن السنن الإلهية والسنن التاريخية وطبيعة الأمور تقول أنّ هؤلاء لا يمكن أن يستمرّوا طويلاً.

نحن شهدنا على مدى الأعوام الأخيرة ثورات شعبيّة في بعض البلدان الإسلامية؛ ومن ضمنها ثورة الشعب في اليمن. كما أنّنا شهدنا في البحرين أيضاً هذه الثورة الشعبية لكن رغم كلّ هذا فإنّ السعودية عملت من خلال تدخلاتها على قمع هذه الثورات الشعبية الرامية إلى إقامة حكومات إسلامية معادية للصهيونيّة في المنطقة. وكما تعلمون فإنّ الإمام الخامنئي أكّد كثيراً بشكل عام على دور الشعب في التأسيس لحراك شامل يعمل على مواجهة الصهيونيّة. أي أنه حتى لو لعبت حركات المقاومة أدواراً معيّنة فإنّ سماحته يعقد آماله على شعوب المنطقة ويتحدّث دائماً بأمل عن أنّ الشعوب سوف تثور. أيضاً فيما يخص فلسطين عندما يوقّع بعض القادة الفلسطينيّين على معاهدات لأجل عقد اتفاقية سلام، فإنّ سماحته يقول بأنّ الشعب الفلسطيني يعارض هذه الاتفاقيات. بناء على هذا ونظراً لتأكيد سماحته على دور الشعوب، كيف تقيّمون وتحلّلون بشكل عام دور الشعب في تحولات العالم الإسلامي على ضوء رؤية الإمام الخامنئي وبعد اللقاءات التي جمعتكم بسماحته؟

ما كنا نسمعه من سماحة السيد القائد (حفظه الله) سواء في المناسبات العامة وفي الخطب العلنية أو في اللقاءات الخاصّة هو ما تفضّلتم به. التأكيد على الحضور الشعبي والجماهيري في كل القضايا، ولذلك هو دائماً كان يدعو أنه حتى لو كان لديكم تشكيل أو تنظيم ومنظمة معيّنة، لكن هذه المنظمة يجب دائماً أن تكون في متن وفي قلب الجمهور والشعب والناس ولا يجوز لأي تنظيم أو منظمة أو حزب أن يبتعد عن البيئة الشعبية الحاضنة، وأن القوة الحقيقية هي قوة الحضور الشعبي والحضور الجماهيري، وهذا طبعاً شهدناه في تجربة الثورة الإسلامية في إيران، وأيضاً في تجربتنا نحن. يعني اليوم عنصر من عناصر قوة حزب الله في لبنان هو ليس فقط القوة العسكرية وإنّما هذا الالتفاف الشعبي والجماهيري والحماية الشعبية التي يحظى بها. اليوم في فلسطين، الذي يواجه الاحتلال الاسرائيلي والعدوان الاسرائيلي في صفقة القرن هو الشعب الفلسطيني، وحركات المقاومة الفلسطينية باستنادها إلى الشعب الفلسطيني استطاعت أن تصمد وأن تقاتل وأن تقف وتأخذ مواقف قويّة. اليوم في اليمن لولا الحضور الشعبي والاحتضان الشعبي لأنصار الله، هل يستطيع أنصار الله بقيادة الأخ العزيز عبد الملك الحوثي أن يدخلوا في السنة الخامسة فيقاتلون ويصمدون لولا الدعم الشعبي؟ نحن نشاهد في صنعاء وفي صعدة وفي الكثير من المدن المظاهرات الضخمة جدّاً بالرغم من الحرب والمجازر والجوع والكوليرا والأمراض والحصار، لكن هؤلاء الناس ينزلون رجالاً ونساء في كل المناسبات، هذا يعني الاحتضان الشعبي هو الذي يجعل القوة لدى الجيش اليمني واللجان الشعبية وأنصار الله ليصمدوا أمام عدوان بحجم العدوان الأمريكي السعودي الحالي على اليمن. في العراق، الذي استطاع أن يقف في وجه داعش هو الشعب العراقي والحشد الشعبي بعد فتوى المرجعية ودعم سماحة السيد القائد والجمهورية الإسلامية في ايران، ولولا الموقف الشعبي المساند للحشد الشعبي وللجيش العراقي وللمرجعية لم يكن ممكناً الوقوف في وجه مخاطر داعش. وهكذا في كل الساحات، إذاً موضوع الشعب هو مسألة أساسيّة، والآن الذي استطاع في الحقيقة، العامل الأساسي الذي استطاع أن يبقي القضيّة الفلسطينيّة حيّة حتى اليوم، بعد عشرات السنين من التآمر والتواطؤ، والذي استطاع أن يجعل المؤامرات الأمريكية خلال أكثر من مرحلة تسقط وتنهار هو المواقف الشعبية في المنطقة وليس مواقف الدول والحكومات. الموقف الشعبي والموقف الجماهيري وقيام شعوب المنطقة وتبنّيهم لهذه القضايا وحضورهم وتضحياتهم وصمودهم في الميادين هو الذي كان دائماً يصنع هذه الانتصارات. وأي مقاومة -لأنّه لدينا في بعض الأدبيات اللبنانية، نقول: الشعب والمقاومة هم بمثابة البحر، أي الماء والسمك. السمك لا يستطيع أن يعيش خارج الماء-، أي حركة مقاومة خارج الشعب والالتفاف الشعبي والجماهيري لا تستطيع أن تصمد وأن تستمر وأن تنتصر.

لقد أشرتم إلى العراق، حسناً نحن شهدنا خلال الأعوام الماضية أحداثاً وتحولات في غاية الأهميّة داخل العراق ويمكن القول أنّه خلال هذه الفترة كان هناك حدثين هامّين؛ الأول هو احتلال العراق بواسطة الأعداء بعد سقوط صدام والثاني كان نشوء جماعة داعش الإرهابية. بعد نشوء هذه الجماعة الإرهابية تعرّض العراق لهجمات قاسية وتمّ احتلال أجزاء كبيرة من أراضيه بواسطة هذه الجماعة. لكن على أيّ حال، فإن المحتلّين الأمريكيين والمحتلّين من الدواعش أيضاً أُجبروا أخيراً على ترك الأراضي العراقيّة. أيّ دور كانت تلعبه الجمهورية الإسلامية في إيران فيما يخصّ تحولات العراق؟ ماذا كانت السياسات العامّة للجمهورية الإسلامية فيما يخصّ هذه الأحداث وكيف ساهمت في الحفاظ على وحدة وتلاحم العراق؟ خلال الأعوام الأخيرة أيضاً شهد إقليم كردستان أيضاً أحداثاً معيّنة ونحن نطلب منكم أن تحدّثونا حولها.

منذ البداية يعني فيما يتعلق بالاحتلال الأمريكي موقف سماحة السيد القائد (حفظه الله) وموقف الجمهورية الإسلامية كان رفض الاحتلال الأمريكي للعراق. قبل أن تقوم أمريكا بغزو العراق هذا الموقف كان واضحاً، وبعد أن قامت بغزوه كان الموقف أن على الأمريكيين أن يرحلوا سريعاً من العراق وأن يتركوا العراق للعراقيين، هذا في الموقف السياسي الكبير.
ثانياً، الجمهورية الإسلامية عملت على توحيد الأحزاب العراقية والفصائل العراقية والجهات المختلفة في العراق ليكون لهم موقف موحّد ومنسجم. الأمريكيون حاولوا كثيراً أن يستفيدوا من الاختلافات الداخلية في العراق لتثبيت احتلالهم ولتثبيت سيطرتهم. إذاً، الأمر الثاني هو العمل على توحيد وتنسيق مواقف الجهات والقيادات والفصائل والأحزاب العراقية على تنوعها الفكري والسياسي والمذهبي والطائفي والمناطقي، وللجمهورية الإسلامية علاقات مع الجميع، مع العرب والكرد والتركمان والسنّة والشيعة وغيرهم. الأمر الثالث هو دعم الجمهورية الإسلامية الدائم لمواقف المرجعية الدينية في النجف الأشرف، وعلى رأسها سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني (حفظه الله ودام ظلّه)، لأنّ موقف المرجعية في النجف كان على درجة عالية من الأهمّية والتأثير في صنع الأحداث المركزية والأساسية. مثلاً الأميركيّون بعد احتلالهم للعراق أرادوا أن يفرضوا دستوراً على العراقيّين، المرجعيّة الدينيّة رفضت، قالت الدستور يجب أن يضعه العراقيّون ويجب أن يوافق عليه العراقيّون، هذا على سبيل المثال. أيضاً من جملة الأمور المهمّة أن مسار المقاومة في العراق وفصائل المقاومة في العراق التي وقفت في مواجهة الاحتلال الأمريكي، هؤلاء كانوا يستلهمون القوة والمعنويات وأشكال الدعم من موقف الجمهورية الإسلامية في إيران، وبالتالي الجمهورية الإسلامية كان لها موقف معلن، أنّ المقاومة في العراق هي مقاومة مشروعة وهذا حق طبيعي للشعب العراقي ومن حق العراقيين أن يحملوا السلاح ويقاتلوا من يحتلّ أرضهم. في نهاية المطاف الأمريكيّون لم يستطيعوا أن ينفّذوا أغراضهم في العراق، طبعاً الجمهورية الإسلامية في مرحلة من المراحل بذلت جهداً كبيراً إلى جانب المرجعيّة الدينية في النجف الأشرف لمنع وقوع حرب طائفية في العراق، لأن التكفيريّين الذين جاؤوا إلى العراق نفّذوا أعمال انتحارية في المناطق الشيعيّة، في الحسينيّات والمساجد والمقامات حتّى مقام الإمام الحسين (عليه السلام) وصولاً إلى تفجير مقامي الإمامين العسكريّين في سامراء. وأغلب هؤلاء الانتحاريّين كانوا من السعوديّين، وأغلب هذه السيارات الانتحارية المفخخة أرسلتها المخابرات السعوديّة. إذاً كان هناك جهد كبير لحرب طائفيّة في العراق، لكن موقف المرجعية الدينية في النجف الأشرف والجهود الجبارة التي بذلتها الجمهورية الإسلامية حالت -حصلت اشتباكات وصدامات- لكنها حالت دون تطور الموقف إلى حرب طائفية وحرب أهلية في العراق. في نتيجة الصمود السياسي والجهد السياسي من جهة، وأيضاً المقاومة المسلّحة وجد الأمريكيون أنفسهم عاجزين عن البقاء في العراق، ولذلك بدأوا يبحثون عن صيغ واتفاقيات إلى أن عقدت  تلك الاتفاقية المعروفة في زمن رئاسة السيد المالكي للحكومة العراقية، والتي على ضوئها تقرر انسحاب القوات الأمريكية من العراق. طبعاً هم كانوا يحاولون أن يبقوا في العراق، حتى على ضوء هذه الاتفاقية أي على ضوء المفاوضات، مثلاً كان لديهم ١٥٠ ألف جندي وضابط، هم مثلاً حاولوا أن يبقوا ٥٠ ألفاً، العراقيون رفضوا ذلك، نزلوا إلى ٣٠ و٢٥ إلى ٢٠ وإلى ١٠ آلاف، وكان العراقيون يرفضون بقاء هؤلاء -طبعاً ليس كل العراقيّين بل الموقف العام -وكانت الحكومة العراقية ترفض أن تعطيهم الحصانة الدبلوماسية، للجنود وللضباط الأمريكيّين، ولذلك في زمن رئاسة أوباما وجد أنه لا خيار له سوى الخروج الكامل. نعم احتفظوا بالسفارة وبعدد كبير من حراسة السفارة وبعض القنصليات، ولكن الوجود العسكري العلني والقواعد العسكرية الأمريكية انتهت وأعلن الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، وكان هذا انتصاراً كبيراً للعراقيّين وللشعب العراقي. في الأمر الآخر عندما جاءت محنة داعش، هذا أمر يعرفه الجميع أيضاً، داعش استفادت من وجودها في سوريا، في منطقة شرق الفرات وفي البادية السورية، تذكرون فيما بعد احتلّوا ما يقارب ٤٠ إلى ٤٥ بالمئة من مساحة سوريا، كانت في يد داعش. وقيادة داعش هي قيادة عراقية والقادة الأساسيّين في داعش كانوا عراقيّين، ولديهم اهتمام عراقي، وأيضاً حصل رهان عليهم، وما حصل في العراق من قبل داعش تقف خلفه الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول المنطقة وفي مقدمتها السعودية. وكلنا نذكر أنه في الأيام الأولى لخروج داعش في الموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى وغيرها من المحافظات، أن أغلب الفضائيات العربيّة السعودية والخليجية، كلّها أيّدت هذا الخروج وهذا الانتصار ووصفته بالانتصار العظيم، وكانوا يهلّلون ويفرحون بهذا الذي حصل. حسناً، داعش خلال أيام قليلة سيطرت على مجموعة من المحافظات وإمكانيات هائلة. وشهدنا انهياراً للقوات العراقية، وأصبحت داعش على بوابات كربلاء وعلى بوابات بغداد، وأصبح الوضع خطيراً جدّاً. حتى سامرّاء إذا تذكرون أصبحوا بعيدين مئات الأمتار عن مقام الإمامين  العسكريّين (عليهما السلام). الجمهورية الإسلامية سارعت إلى تقديم مساعدة، في الأيام الأولى. المرجعيّة الدينيّة أطلقت الموقف، سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني دعا إلى الجهاد الكفائي، وبدأ العراقيّون يتحضّرون ولكن العراقيّين كانوا يحتاجون إلى المساعدة الإدارية والقياديّة وكانوا يحتاجون أيضاً إلى السلاح والإمكانات، لأن جزءاً كبيراً من مخازن السلاح والذخائر سيطر عليها داعش. وهم يقولون أن كثير من مخازننا كانت خالية. كلنا يذكر أنه في الأيام الأولى الأخ العزيز الحاج قاسم سليماني والإخوة من حرس الثورة الإسلامية في إيران جاؤوا إلى بغداد وأيضاً قاموا بجمع الفصائل العراقية المقاوِمة وذات الماضي المقاوم وبالتعاون مع الحكومة العراقية في ذلك الحين، السيد المالكي، والذين كانوا متعاونين جدّاً، بدأت بدايات مقاومة داعش. بعدها بأيام جاء الحاج قاسم إلى لبنان والتقى بي وطلب أن نرسل ما يقارب ١٢٠ شخصاً من حزب الله كقادة عمليات. قال لي أنا لا أحتاج إلى مقاتلين، هناك الكثير من المقاتلين في العراق، لكن نحن نحتاج إلى قادة عمليات في المناطق، ونحن قمنا بإرسال عدد كبير من الإخوة، وفُتِحت الحدود بين إيران والعراق، مخازن السلاح في المناطق الحدودية -حتى لا ينتظروا أن تأتي [الأسلحة] من طهران ومن الأماكن البعيدة- بدأوا بإدخال السلاح والذخائر وتسليح الجيش العراقي والحشد الشعبي العراقي، وبدأت المواجهات. والعراقيون كلهم يعرفون هذه الحقائق. إذاً مسارعة الجمهورية الإسلامية وموقفها الحاسم في مساعدة العراق ورفض سيطرة داعش والوضوح في الذهاب إلى المواجهة للقتال بدون أي تردد وتقديم المساعدة، خيرة القادة في الحرس جاؤوا إلى العراق ليساعدوا العراقيّين، وإمكانات إيران كلها فُتحت أمام العراقيّين، والكل يعرف أيضاً أن سماحة السيد القائد كان موقفه أنه لا يوجد لديه خطوط حمراء تمنع الجمهورية الإسلامية من تقديم أي شكل من أشكال المساعدة للشعب العراقي والقوات العراقية لإلحاق الهزيمة بداعش. والحمد لله ببركة المرجعيّة الدينية وفتوى المرجعية الدينية والمواقف الحاسمة لسماحة السيد القائد، والدعم الكبير للجمهورية الإسلامية والحضور المباشر للإخوة في حرس الثورة الإسلامية وبالخصوص قوّة القدس، والحشد الشعبي والقوات العراقية والتلاحم والوحدة الوطنية العراقية عندما وقف السنة والشيعة والكرد والجميع في مواجهة داعش، بعد سنوات شهدنا هذا الانتصار العظيم على داعش الذي ما كان ليتحقق لولا هذا الموقف التاريخي والعظيم للجمهورية الإسلامية ولسماحة السيد القائد، إلى جانب العراق والمرجعيّة الدينية والحشد الشعبي والحكومة العراقية والجيش العراقي.

لقد حذّرتم أخيراً من تشكل داعش مجدّداً واستعادته نشاطَه

أنا تحدثت عن أمرين، طبعاً في نفس الوقت رئيس الحكومة العراقية السيد عادل عبد المهدي تحدّث عن هذا الأمر، وهذا الأمر معروف الآن في العراق وهو موضوع داعش وما يسمّى دولة الخلافة، الآن لا يوجد دولة وبنية دولة، هم أقاموا دولة بين سوريا والعراق كانت دولتهم كبيرة جدّاً، يعني وصلوا إلى مكان كانت دولتهم أكبر مما بقي مع الدولة السورية وأكبر مما بقي مع الدولة العراقية، دولة داعش. الدولة انتهت. الجيش العسكري لداعش انتهى، يعني البنية العسكرية الكبيرة. لكن الآن أميرهم ما زال موجوداً وعلى قيد الحياة، وهذا طبعاً يوجد علامات استفهام يعني حول بقائه على قيد الحياة والدور الأمريكي في هذا الأمر. الكثير من قادتهم ما زالوا على قيد الحياة وتم إنقاذهم من شرق الفرات ومن مختلف المعارك. ولديهم خلايا مجموعات صغيرة منتشرة وموجودة في سوريا وموجودة في العراق وموجودة في أماكن أخرى، وهم يلجأون إلى العمل الأمني، إلى العمليات الانتحارية، وإلى زرع العبوات، وإلى قتل الناس في الطرقات، وهذا تهديد يجب أن يُواجه. يعني ما لم يتمّ القضاء بالكامل على تشكيلات داعش والبنية الأمنية لداعش، سوف تبقى داعش تشكّل خطراً وتهديداً على سوريا وعلى العراق، وأيضاً بالتالي على إيران وعلى لبنان وعلى كل المنطقة. طبعاً نحن معلوماتنا تقول أن الأمريكيّين نقلوا أجزاء من داعش إلى أفغانستان، الآن هل يتم استخدامهم في أفغانستان ضد طالبان أو ضد بعض دول آسيا الوسطى؟ المسألة مفتوحة. وتم نقل جزء من داعش إلى شمال أفريقيا، ولا تستغرب غداً أن يستخدموا داعش للضغط على الصين وللضغط على روسيا وللضغط على دول أخرى. الأمريكيون يستخدمون هذه الوسائل. الأمر الآخر الذي قمت بلفت النظر إليه يرتبط بترامب، وأمريكا والعراق. يصرّ ترامب الآن على إبقاء القوات الأمريكية في العراق، والذي حذّرت منه أن ترامب يعمل على تنفيذ وعوده الانتخابية، أحياناً ينجح وأحياناً لا ينجح، ليس دليلاً على أنه ينجح ولكنه يعمل لتحقيق وعوده. مثلاً في مرحلة الانتخابات وعد بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وفعل ذلك. وعد بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وفعل ذلك. وعد بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وفعل ذلك. وعد بتشديد العقوبات على إيران، وفعل ذلك. طبعاً هناك وعود سعى لتحقيقها ولم يستطع. مثلاً الجدار بين الولايات المتحدة الامريكية والمكسيك، واجه مشكلة مع الكونغرس في مسألة تمويل بناء الجدار، لكنه ما زال مصرّاً وما زال يسعى. إذاً هذا الرجل يسعى لتنفيذ وعوده الانتخابية. حسناً، من جملة وعوده الانتخابية التي قالها كثيراً، ليس مرة أو مرتين، هو كان يقول أمريكا أخطأت عندما خرجت من العراق في زمن أوباما، ونحن يجب أن نبقى في العراق. أي أنه ليس لديه نية أن يخرج من العراق حتى لو كانت هذه إرادة العراقيّين. والأمر الثاني، هو يقول نفط العراق لنا، نحن أنفقنا من أجل تحرير العراق -بتعبيره هو- من صدام حسين، أنفقنا ٧ ترليون دولار، ونحن يجب أن نستعيد أموالنا، وبالتالي يجب أن نضع يدنا على النفط العراقي ونبيع هذا النفط إلى أن نستعيد أموالنا. وعندما قال له كيف ذلك؟ قال نحن نرسل الجيش الأمريكي فيسيطر على المنطقة النفطية ويقيم حصاراً حولها ويمنع العراقيّين من الاستفادة من نفطهم ونحن نأخذ النفط لسنوات، ثم نتركه للعراقيّين. هل يستطيع أن يفعل ذلك؟ قد لا يستطيع، ولكنه سيحاول أن يفعل ذلك. يعني أنا قلت أن العراقيّين ينبغي أن ينتبهوا لمؤامرات ومخاطر هذا الرجل الذي عينُه على نفطهم، كما أن عينه كانت على أموال السعودية وها هو ينهب أموال السعودية، ويفكّر جديّاً أن ينهب النفط العراقي. الذي يمنعه من ذلك هو وعي العراقيين وإرادتهم وتحملهم للمسؤولية.

إقرأ المزيد في: لبنان